هانيا الحمامي تتأهل لنصف نهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش
تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT
نجحت بطلة أندية وادى دجلة هانيا الحمامي، في التأهل لنصف نهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش-إحدى البطولات البلاتينية- ليواصل أبطال "دجلة" مسيرة تقديم أداء قوي بكبرى البطولات المحلية والدولية.
وتأهلت لاعبة وادى دجلة هانيا الحمامي، للدور النصف نهائي لبطولة بريطانيا للإسكواش، بعد فوزها على تين جيليس بنتيجة (3-0) بواقع نقاط (11-6) (11-7) (11-9)،
وتعد بطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش، إحدى البطولات البلاتينية في لعبة الإسكواش، وتقام البطولة خلال الفترة من 2 حتى 9 يونيو الجاري، بقيمة جوائز مالية تصل إلى 194500 ألف دولار.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وادي دجلة هانيا الحمامي البطولات المحلية والدولية الاسكواش بطولة بريطانيا للإسكواش
إقرأ أيضاً:
كهرمانة بغداد
هذه هي زيارتي الثانية إلى بغداد، بدعوة من مهرجان «بغداد الدولي للمسرح» للفترة من 10 ولغاية 16 أكتوبر 2025م. زيارتي الأولى كانت في عام 2023، حين شاركت بتقديم ورقة بحثية في الندوة الفكرية المخصصة للمهرجان عن الدراماتورجيا والنص والعرض المسرحي، وها أنا أعود بعد عام تقريبًا، ضيفةً لا باحثةً هذه المرة، بل مراقبة لما تغيّر وما بقي على حاله. أقيم في فندق المنصور ميلينا، المطل على نهر دجلة الذي يبدو من شرفة غرفتي في الطابق الثاني كمرآة متعبة، تعكس وجه المدينة حينًا مضيئًا تحت الشمس، وحينًا آخر مغطى بغبارٍ كثيفٍ يخفي ملامحه، فلا أعود أميز بين النهر والجسر والعربات المارة.
في الأيام الماضية، في ثلاثة مسارح مختلفة هي: مسرح الرشيد، ومسرح المنصور، والمسرح الوطني، حضرتُ ستة عروض مسرحية ضمن جدول المهرجان هي: العرض الإسباني «حديقة الهسبريدس»، والعرض البولندي «الصمت»، والعرض الإيطالي «الطابق الخالي»، والعرض العراقي «طلاق مقدس» والعرض التونسي «جاكراندا». بعد انتهاء العرض التونسي على خشبة المسرح الوطني جلستُ برفقة الدكتورة عزة القصابي مع إبراهيم حنون في مقهى المسرح الوطني نحتسي الشاي والنسكافيه، ونتبادل الحديث والانطباعات عن العروض والمخرجين. حدّثنا حنون عن تجربته في الإخراج وعن عرضه «القاعدة والاستثناء» الذي يعيد فيه قراءة برتولد بريخت، وراح يذكر أسماء أساتذته الذين علّموه أسرار المسرح وأخلاقياته. كانت بغداد في تلك الليلة تغصّ بالضوء والضجيج، وكل شيء فيها يدعوك لأن تتأملها كما لو أنك تكتب عنها أول مرة.
وفي طريق عودتنا إلى الفندق، عبرنا شارع «السعدون» في حي «الكرادة»، حيث الحياة لا تنام. المارة كأنهم أنهار صغيرة تتحرك بين الأكشاك والمطاعم وعربات بيع المكسرات ومحلات الأدوات الكهربائية. عند الدوّار توقّفت عيناي على تمثال «كهرمانة والأربعين حرامي»، العمل الشهير للفنان العراقي محمد غني حكمت الذي شُيّد عام 1971. تظهر فيه كهرمانة، وهي تسكب الزيت من جَرّة كبيرة، تحيط بها أربعون جَرّة تمثل اللصوص المختبئين. وقد صار هذا التمثال علامة بارزة في ذاكرة بغداد البصرية، كأنه يروي، من صمته، تاريخًا طويلًا من المكر والحيلة والنجاة.
القصة التي ألهمت الفنان تعود إلى إحدى حكايات «ألف ليلة وليلة». نعرفها جميعًا: علي بابا الرجل الفقير الذي سمع صدفة كلمة السر «افتح يا سمسم» فدخل مغارة اللصوص واكتشف كنزهم، وأخوه قاسم الذي قتله الطمع، وكهرمانة الجارية التي أنقذت البيت حين تسلّل اللصوص داخل جرار الزيت. سمعت أصواتهم الخافتة، فأضرمت النار في الزيت، وسكبته في الجرار حتى أحرقتهم جميعًا. ومنذ ذلك الحين غدت رمزًا للحيلة النسوية ولحماية الفضاء المنزلي من الخطر الخارجي.
الناظر إلى التمثال بعين نقدية من زاوية تمثيل المرأة في السرد الشعبي يفتح بابا واسعا على استطاعة الشخصيات النسائية اختراق الهيمنة الذكورية بحيلها وذكائها. يكتشف أن الحكاية منحت امرأة هامشية سلطة مركزية؛ إن كهرمانة ليست أميرة ولا حاكمة، بل جارية تعمل في الظل، لكنها تمتلك سلطة المعرفة والذكاء. تمامًا كما تمتلك شهرزاد سلطة الحكي في مواجهة الموت. بين المرأتين رابط خفي: كلتاهما تنقذ العالم بوسيلة أنثوية، واحدة بالقصّ والأخرى بالحيلة. وإذا كان علي بابا هو البطل المُعلن، فإن البطولة الفعلية في الحكاية لا تتحقق إلا عبر وعي المرأة وإدراكها للخطر القادم. إنها البطولة التي تتسلّل من الهامش إلى المركز، لتعيد تعريف القوة في الوعي الجمعي، فتتماثل سلطة كهرمانة مع سلطة شهرزاد إلى حد كبير رغم اختلاف المستوى الطبقي.
في المنظور النسوي، يمثل فعل كهرمانة انقلابًا على النسق الجندري الذي حصر المرأة في الرعاية والخدمة المنزلية. فهي تستخدم أدواتها المنزلية نفسها -الزيت والجرار- لتصنع بها فعلًا مقاومًا. الزيت الذي يُستخدم عادة في المطبخ صار في يدها سلاحًا ثوريًا، والجرار التي تحفظ الطعام تحوّلت إلى فخّ للمعتدين. بهذا المعنى، تكشف الحكاية عن الذكاء الأنثوي بوصفه سلطة موازية، وعن قدرة المهمَّشات على تحويل أدوات القهر إلى أدوات خلاص.
لكن المفارقة الكبرى أن كهرمانة، التي كانت حارسة للبيت، تحولت اليوم إلى تمثالٍ صامتٍ في قلب مدينة بغداد. وحين وقفتُ في شرفة الفندق أتأمل نهر دجلة المتراجع، شعرتُ أنها -كهرمانة الحجرية- تقف الآن على ضفته، عاجزة عن حراسة الماء كما كانت تحرس البيت.
انخفض منسوب النهر بفعل العوامل الطبيعية والسلوك الإداري البشري، والتغير المناخي وسوء إدارة المياه، وغدا وجهه كئيبًا، كأنه يشيخ مع المدينة. تذكّرتُ حينها الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري، وهو يخاطب دجلة في قصيدته الخالدة يا دجلة الخير:
«حيّيتُ سفحَكِ عن بُعدٍ فحيّيني
يا دجلةَ الخيرِ يا أُمَّ البساتينِ
حيّيتُ سفحَكِ ظمآنًا ألوذُ بهِ
لوذَ الحمائِمِ بين الماءِ والطينِ»
كلّما قرأت هذه الأبيات، شعرت أنّ الجواهري لم يكن ينادي النهر فحسب، بل ينادي ذاكرة العراق كلّها. مَن كان يومًا «نبعًا يُفارقه على الكراهة بين الحين والحين»، صار اليوم نهرًا يجفّ برضا العالم وصمت أهله.
وهنا يتقاطع صوت الشاعر مع صمت التمثال؛ كهرمانة التي كانت تصب الزيت لتحمي البيت، تصبّ الآن نظراتها على ماءٍ يتناقص، كما لو أنها تراقب انحسار الوطن نفسه.
وهكذا، تتخذ الجرار والزيت دلالتهما المزدوجة: رمزًا للحماية في الماضي ورمزًا للعجز في الحاضر؛ فحين كان الزيت يحرق اللصوص كان النهر يفيض بالحياة، أما الآن وقد جفّ دجلة، صار الزيت ذاته -رمز البقاء والضوء- شاهدا على تشويه الذاكرة.
إن استعادة صورة كهرمانة ليست حنينًا إلى بطولة نسوية ماضية، بل تفكيك لخيبة الحاضر الذي جرد المرأة من قدرتها الرمزية على الحراسة، كما جرد النهر من مائه. غابت الحياة عن الجسدين معًا: جسد المرأة وجسد الوطن، وبقي تمثالها يسكب الزيت في الفراغ كمن يؤدي طقسًا بلا نار، فيما تهمس قصيدة الجواهري من بعيد:
«يا دجلةَ الخيرِ يا نبعًا أفارقُهُ
على الكراهةِ بين الحينِ والحينِ»
وربما لا تحتاج كهرمانة إلى زيتٍ جديد، بل إلى وعيٍ جديدٍ يعيد إليها قدرتها على الحراسة؛ لا بالنار هذه المرة، بل بالمعرفة والذاكرة والموقف.