لجريدة عمان:
2025-12-13@20:55:12 GMT

الخانة الرمادية

تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT

حرّك التوجيه السامي لجلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - القاضي باتخاذ ما يلزم لمنح طلبة الابتعاث الداخلي الدارسين بمؤسسات التعليم العالي الخاصة من المستحقين مخصّصات شهرية.. حرّك الساكن في ملف مِنح الطلاب العمانيين الدارسين في الداخل وفتَح المجال واسعًا لمراجعته وإعادة صياغته.

ورغم دلالات خطوة مهمة كهذه، إلا أن الجميع يأمل أن تتبعها أُخرى متقدمة تستند على مبدأ أن لكل طالب عُماني يدرس في وطنه الحق في الحصول على مِنحة مالية، فبلادنا - ولله الحمد والمِنة - تمتلك الموارد المالية المتنوعة اللازمة.

إن أهمية تقديم المِنح دون اشتراطات لكل طلبة الابتعاث الداخلي وعدم التمييز بينهم بسبب تبعية المؤسسة التعليمية تنبع من اعتبارات عدة، أهمها أن جميع الطلبة هم أبناء الوطن الواحد وأن الكثير من المنتسبين لمؤسسات تقدم مِنحا مالية مشروطة كجامعة السلطان قابوس مثلًا لا تنطبق عليهم -ظاهريًا- شروط الحصول على المنحة.

معنى ذلك أنهم يقعون في «الخانة الرمادية»، فهم لا ينتمون لأسر مستحقة للضمان الاجتماعي «كما تنص القوانين» كأسر الدخل المحدود، فتحق لهم المنحة ولا للأسر الفقيرة على اعتبار أن ولي الأمر المسؤول عنها يتحصل على راتب قد يتجاوز الـ٥٠٠ ريال عماني.

واقعيًا عدد كبير من الطلبة المنتمين للفئة الثانية هُم «فقراء» مستحقون، فأولياء أمورهم مُعوزون بامتياز ورواتبهم ودخولهم تقضمها الديون والالتزامات الأسرية المتزايدة بسبب ارتفاع أسعار المعيشة.

من الاعتبارات أيضًا أن عدم حصول الطلبة الذين يمثلون هذه الشريحة على المنحة، قد تترتب عليه مجموعة من الإشكالات النفسية والأخلاقية الممكن تفاديها بقليل من فهم حراك المجتمع.

سأتحدث بداية عن الطلبة الدارسين بجامعة السلطان قابوس من ساكني محافظة مسقط والولايات القريبة ممن لا تحق لهم المِنحة ويعوضون عن ذلك بـ«النقل»، فأقول: إن هذا الإجراء بحاجة إلى مراجعة، فما الذي يجبر طالبا على الذهاب إلى جامعته من الساعة السادسة صباحًا أو قبل ذلك ومحاضراته تبدأ الساعة الثانية عشرة ظهرًا مثلًا ؟؟.

أتساءل: لما لا تُوفر مبالغ النقل هذه وحتى الوجبات الغذائية وتدفع للطالب كمنحة مالية ويتحكم هو في وقته وطعامه ؟ لماذا لا يؤخذ في الاعتبار إرهاق ولي الأمر المالي كونه يتحمل مصاريف سيارة ابنه أو ابنته التي سيشتريها «مُرغمًا» ليختصر عليه الجهد والوقت وهمُّ البقاء ساعات طويلة في الحرم الجامعي دون حاجة إلا انتظار العودة لمنزله بحافلة النقل مرهقًا كل مساء؟

أما عن حال الطالبات، فإن حجب المبلغ المالي عن قاطنات السكن الداخلي ممن ينتمين لأسر متوسطة الحال رغم توفير «التغذية والتنقل» أثر سلبًا كونهن بحاجة مستمرة لمتطلبات دراسية وشخصية.. كما ساهم وبقوة في وضوح تباين المستويات الاجتماعية والمعيشية ودفعت المقارنات بينهن إلى الإتيان بسلوكيات غير مسؤولة في محاولة لمسايرة الواقع وعدم الظهور كطالبة تنتمي لأسرة فقيرة أو مُعدمة.

إن آلية جمع البيانات عبر البحوث الاجتماعية التقليدية وحشد شهادات تقدير رواتب أولياء الأمور وفواتير استهلاك الكهرباء والمياه «مُضلّلة» و«عتيقة» لا تعكس حقيقة حال كثير من الأُسر.. كما أن التفاوت في تقديم المِنح بين المؤسسات التعليمية «دفع ببعض الطلبة والطالبات للتضحية بمِنح دراسية أجود في مؤسسات تعليمية رائدة طمعًا في الحصول على المبلغ الشهري الذي تمنحه ولو كان رمزيًا».

النقطة الأخيرة..

بعض آليات تقييم مستوى المعيشة من الشيخوخة والتكلُس بحيث لم تعد مهيأة للقبض على الحقيقة.. عليكم استبدال هذه الآليات بأخرى تُنقب في جزئيات صغيرة بالغة الأهمية لا يلتفت إليها أحد.

عُمر العبري كاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

العقولُ الناشئة... مورد وطني يصنع المستقبل

في ساحة نابضة بالحياة والمناقشات والتوجيهات التقنية وحروف ورموز البرمجة وصرير حركة الروبوتات في زوايا الأولمبياد الوطني للابتكارات العلمية والروبوت والذكاء الاصطناعي للعام الدراسي 2025/2026 المقام بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض.

بدا المشهد كمختبر وطني مفتوح تُختبر فيه أفكار ورؤى الطلبة، وتصاغ فيه معادلة المستقبل بأيادي جيل ناشئ يمتلك الجرأة على التفكير خارج الإطار المعتاد.

وأقولها من زاوية الزائر لا المحكم أو المقيم، بمجرد الوصول إلى ساحة الأولمبياد فأنت لا تحتاج كثيرًا من الوقت لتتيقن أن أمامك جيل غير مكتفٍ بالاستهلاك، فهو ممحص للتقنية ومطلع وارتقى بتطلعاته للإبداع والاختبار وصنع مسارات جديدة.

-جيل يخطو بثقة في فضاءات التقنيات الناشئة:

ما يكشفه الأولمبياد كعادته السنوية وإن كان هذا العام بمستوى أكثر وضوح أن الطلبة وموجهيهم مدركين بأن الذكاء الاصطناعي ليس أوسع من التقنيات الناشئة من الروبوتات إلى الأنظمة الذكية، إلى الحلول الرقمية المتقدمة والجدران السيبرانية وما بين ذلك من مجالات تتنامى بسرعة في العالم.

في الحقيقة سبق أن أكدنا - والآن نراه ماثلًا - أن التقنية ليست عنوانًا واحدًا يُختزل في الذكاء الاصطناعي وحده؛ بل هي طيف واسع يطغى فيه الآن الذكاء الاصطناعي، ولكنه لا يلغي ولا يطفئ بريق التقنيات الأخرى التي تشكل النسيج العام للتكنولوجيا. لذلك فإن انخراط الطلبة في هذه الطيفية الواسعة يعني أن وعيهم التقني ناضج ومتشكل بواقعية أكبر غير منساق وراء الموضة التقنية، بل تتعامل مع التقنية كمنظومة مترابطة تحل المشكلات وتفتح مسارات.

-الإبداع يطلب مساحة... والحقوق تطلب حماية:

المبادرات الطلابية التي حضرت تفاوتت في مراحل نضجها بين الناضج كفكرة والسائر إلى النضج تقنيًا وبين الناضج تقنيًا وغابت عنه الفكرة، وهذا يضعنا أمام حقيقة لا نستطيع تجاوزها بالإنكار: "العقول موجودة وراغبة، ولكنّ البيئة المثيرة أو الحاضنة تحتاج إلى توسعة. لماذا؟ ببساطة لأن المبتكر الناشئ لا يحتاج إلى الإشادة وحدها، إنما إلى منصة للظهور وتوجيه وإيصال ابتكاره وعصارة أفكاره إلى المسار الذي يليق به مع حفظ حقه الكامل بدأ من الفكرة إلى المنتج. ببساطة نقول إن تسجيل الأفكار والابتكارات بملكية فكرية لأصحابها وخاصة الناشئين، وتبني الجهات المختصة لمسارات تطويرها هو استثمار في العقل العُماني.

-منصة التحديات... بوابة مفتوحة نحو حلول واقعية:

لا يخفى على الجميع أننا في فترة تتسارع فيها التكنولوجيا أسيًا، وهذا يفرض أن يكون لدينا مركز ننطلق منه ونعود إليها ونعاير من خلاله تقدمنا، وهو ما يمكن أن يكون منصة وطنية للتحديات والمشكلات الحقيقية والأفكار تمثل احتياجات المؤسسات الحكومية والخاصة، وتعرضها بلغة يقرؤها المبتكرون، فيستلهمون منها الحلول، ويبتكرون نماذج ذات مرجع واقعي يجد طريقة نحو التطبيق والتبني أو تصحيح المسار، لا مجرد تصورات مدرسية مؤقتة تختفي باختفاء الحدث الذي ظهرت فيه.

قيمة المنصة التي نتحدث عن إمكانية وجودها وربطها بالمؤسسات تتلخص في أنها ستكون مركز لكشف المواهب واستقطابها وتوجيهها، وكخزان وطني للمشكلات والتحديات وللطاقة الإبداعية، ومهد لتأسيس شركات تقنية ناشئة تنطلق من المدارس والجامعات والمجتمع الذي هو خارج المؤسسات التعليمية نحو السوق بأفكار ومنتجات مستندة لواقع واحتياج حقيقي وتحيط بها أطر وأغطية تحميها تتمثل في ملكية فكرية تتكفل بها المؤسسات والجهات المسؤولة أو المستفيدة.

إن الاحتفاء بالعقول لا يغني إطلاقًا عن رعاية ودعم الابتكارات؛ وذلك لأن الابتكار امتداد لوعي صاحبه ومرآة لطموحه وصوت لطاقته، وكل ذلك ليس مجزأ أو منفصل عن بعضه والحفاظ على الابتكار هو حفاظ على العقل الذي وآتى به، وسيطوره ويحوله لميزه تنافسيه عن توافر البيئة. وعليه فإن رعاية ابتكارات الطلبة وتطويرها وحمايتها ودفعها إلى مراحل التطبيق والسير بها لتكون منتجا ثم ناشئة في مجالات الاقتصاد وغيرها هو جزء أصيل من رعاية الموهبة ذاتها وتحويلها لمورد بشريّ مستدام، تتجدد فيه القيمة وتسمو كلما استثمر فيه، وتتضاعف آثاره كلما وضعت له بيئة ينمو فيها.

-ختامًا... حين يصبح الطالب صانعا للمستقبل:

وزارة التربية والتعليم فتحت الطريق ونقبت في الميدان وهذا دورها ونؤكد أنه ليس الوحيد، وتبقى على المؤسسات الأخرى أن تلتفت إلى الحراك -الظاهر في الأولمبياد وغير الظاهر - التقني لدى الطلبة وتتلقف ما ينتج ويلامس احتياجاتها ولن يحدث ذلك دون المشاركة بعيون تتبع الابتكارات والمبتكرين وأفكارهم.

وما قيل في المقال ليس تقليلًا من الجهود وإنما دعوة لرفع السقف لمواكبة التسارع والحراك العالمي الذي ينشط فيه البحث عن المواهب والمبتكرين واستقطابهم للسعي نحو المستقبل. وما نشهده اليوم من إثارة تقنية لدى الطلبة في مدارسنا نحو الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة الأخرى، هو دليل على أن مستقبلنا سيولد من داخل زوايا هذه القاعات ومن عقول اعتادت أن تسأل: كيف يمكن أن نُحسّن؟، قبل أن تسأل: ماذا سنحفظ؟ هؤلاء الطلبة ليسوا مشروع جيل قادم إنما الميزة التنافسية الحقيقية للدولة؛ وموردها الذي لا يمكن أن ينضب، وطاقتها المستدامة غير القابلة للاستنزاف عند الإيمان بها، واستثمار لا يعرف الخسارة.

مقالات مشابهة

  • العشوائية تبتلع ملايين المنحة الفرنسية 
  • من معركة دِفَا وصمود مرباط صُنع مجد "11 ديسمبر"
  • بناه السلطان لخياطه الموثوق.. مبنى فريد في إسطنبول يعود إلى الحياة بعد إهماله لعقود
  • الدارالبيضاء تطوي صفحة بودريقة بإقالته من جميع مهامه الإنتدابية
  • العقولُ الناشئة... مورد وطني يصنع المستقبل
  • للعسكريين والمتقاعدين... خبر يهمّكم بشأن المنحة الماليّة الشهريّة
  • محاضرة بعنوان لطائف قرآنية بجامع السلطان قابوس بالسويق
  • الخدمات الاجتماعية العسكرية تكرّم عددا من ذوي الإعاقة من منتسبي القوات المسلحة
  • قوات السلطان المسلحة تحتفل اليوم بذكرى الحادي عشر من ديسمبر
  • قوات السلطان المسلحة.. حصن الوطن المنيع