على إثر توقيع الهدنة مع الحكومة الشرعية في أبريل 2022، حاولت مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، أن تستعرض المزيد من قوتها العسكرية التي اعتقدت أنها وراء تحسين موقفها التفاوضي وإضعاف موقف الحكومة.

لكن المليشيا الحوثية لم تحسب حساب مصادر القوة التي تتمتع بها الحكومة الشرعية، خاصة بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي جمع أبرز القوى السياسية الفاعلة في الدولة المغدورة بانقلاب المليشيا عليها.

حصل الحوثيون بموجب الهدنة على امتيازات تفاوضية وتنازلات من الجانب الحكومي أكثر مما كانت تتوقع، لكنها ظلت تطالب بالمزيد، مستخدمة القوة العسكرية أو مهددة باستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب الوضع السيادي للدولة.

من تلك الامتيازات كان فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية، وقد رافق هذا الامتياز تنازل الجانب الحكومي أيضاً عن حق سيادي تمثل في قبول جوازات السفر الصادرة من مناطق سيطرة المليشيا الحوثية. ورغم أن مطار صنعاء ظل وما زال مفتوحاً أمام الرحلات التجارية إلى العاصمة الأردنية عمان، إلا أن مليشيا الحوثي لم تف بالتزامها في فتح الطرقات المغلقة في محافظات تعز ومأرب والبيضاء والحديدة، وهو ما نص عليه اتفاق هدنة أبريل.

مماطلة وغرور فارغ

على مدى ما يقارب 6 أشهر بعد اتفاق الهدنة، استمرت مليشيا الحوثي في التعنت ومحاولة فرض المزيد من المطالب، وقد أغراها بالتمادي في ذلك، الموقف الإقليمي والدولي المؤيد لتوجه إنهاء الحرب وإنعاش جهود إحلال السلام، خاصة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وانشغال المجتمع الدولي بها وبتأثيراتها المختلفة على الاستقرار والاقتصاد العالميين. استغلت مليشيا الحوثي هذا الانشغال وهذا التوجه لتقديم نفسها كبديل للسلطة الشرعية لليمن أو على الأقل ممثلا رئيسيا للدولة اليمنية، وبدأت بتصعيد مطالبتها بتقاسم إيرادات النفط مع السلطة الشرعية ودفع مرتبات الموظفين ورفع المزيد من القيود على حركة مطار صنعاء وميناء الحديدة. وفي أكتوبر 2022، وعقب تعثر التجديد الثالث للهدنة، أقدمت على قصف موانئ تصدير النفط والغاز في محافظتي حضرموت وشبوة، في عملية عدائية واضحة أدانها المجتمع الدولي، لكنه تغاضى عن تهديد المليشيا بشن المزيد من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة في حال استأنفت الحكومة تصدير النفط والغاز. كما تغاضى عن مماطلتها في فتح الطرقات المغلقة، وصرف مرتبات الموظفين من إيرادات ميناء الحديدة بحسب اتفاق استوكهولم 2018. وبالتزامن مع هذه الاعتداءات الاقتصادية والإنسانية التي تسببت بالكثير من الأزمات للحكومة الشرعية وللمواطنين في المناطق المحررة، حصلت مليشيا الحوثي على امتياز سياسي على مستوى التفاوض الثنائي مع المملكة العربية السعودية.

مبادرة المملكة العربية السعودية، أو بالأصح استجابتها للوساطة العمانية في التفاوض مع مليشيا الحوثي كان من نتائج التوجه الإقليمي والدولي لإنهاء الحرب في اليمن، لا سيما توجه الولايات المتحدة وبريطانيا، كما كان أيضا من نتائج الاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية في مارس 2023. في أبريل من نفس العام، أرسلت الرياض وفدا سياسيا إلى صنعاء برئاسة سفيرها لدى اليمن محمد آل جابر ضمن مساعي حث مليشيا الحوثي على الجنوح إلى السلم، ثم في سبتمبر من نفس العام أيضا، استقبلت العاصمة السعودية وفدا حوثيا برئاسة كبير مفاوضي الجماعة محمد عبدالسلام، وهنا بلغ الغرور الحوثي ذروته، وظنت الجماعة أن مجلس القيادة الرئاسي في موقف ضعف لا يحسد عليه، وفي موقع ضغط من قبل السعودية وأمريكا وبريطانيا للقبول بما سميت لاحقا "خارطة الطريق" والتي أعلن عنها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج في ديسمبر 2023.

طوق غزة 

باندلاع العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة رداً على هجوم السابع من أكتوبر، كانت مليشيا الحوثي على وشك السقوط في بؤرة غليان شعبي نتيجة سياسة التجويع التي انتهجتها مع الشعب اليمني بذريعة الحرب التي تخوضها. كانت الجماعة تعيش حالة من التخبط أمام الغضب الشعبي المتصاعد وبدأت الاحتجاجات تتزايد في مناطق سيطرتها والانتقادات تزداد حدة، حتى أعلن زعيم الجماعة انخراطها في الحرب ضد إسرائيل في إطار توجيهات إيران لأذرعها في المنطقة العربية بمهاجمة إسرائيل تحت لافتة مناصرة القضية الفلسطينية.

شكلت الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة طوق نجاة لمليشيا الحوثي التي شنت هجمات على السفن التجارية التي تزعم أنها مرتبطة بإسرائيل، وصولا إلى المواجهة مع القوات الأمريكية والبريطانية ضمن التحالف الذي شكلته واشنطن تحت اسم "حارس الازدهار" لحماية الملاحة الدولية وتقليص القوة العسكرية للحوثيين. 

حولت مليشيا الحوثي جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، إلى عملية ابتزاز للشعب اليمني، خاصة المواطنين في مناطق سيطرتها. ورغم الكلفة الكبيرة التي يدفعها الشعب بسبب استمرار هجماتها على سفن الشحن الدولي، ما زالت مستمرة في شن هذه الهجمات وتعمل على توسيع نطاقها. 

سوء تقدير

يرى عدد من المراقبين أنه منذ بدأت مليشيا الحوثي انقلابها على السلطة الشرعية وهي تسيئ تقدير المواقف على المدى الطويل، وتكتفي بما تظنه انتصارات آنية وتفوقاً عسكرياً على الحكومة الشرعية. وخلال السنتين الماضيتين وقعت المليشيا في عدة مواقف من سوء التقدير، ومنها حصارها الاقتصادي على المناطق المحررة بالتهديد باستهداف منشآت تصدير النفط، واعتداءاتها المتكررة على القوات الحكومية في خطوط التماس، وأخيرا وليس آخرا، مهاجمة السفن التجارية ومواجهة أمريكا وبريطانيا، وربط مصيرها، ومصير اليمنيين في مناطق سيطرتها، بإيران ومليشياتها في المنطقة. وعلى المستوى السيادي للدولة، احتكرت مليشيا الحوثي مزايا مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية في العاصمة صنعاء، وأبرزها قطاع الاتصالات والقطاع المصرفي، ولم تتورع عن الإضرار بهذين القطاعين واستثمارهما لصالح بناء وتطوير ترسانتها العسكرية التي تعتقد أنها مصدر قوتها الرئيسي إن لم يكن الوحيد.

وفي غمرة الغرور وسوء التقدير غفلت المليشيا الحوثية عن مصادر قوة السلطة الشرعية للدولة اليمنية التي انقلبت عليها بالحيلة وقوة السلاح، واستغلال تصدع التوافق بين القوى السياسية الوطنية. لكن مجرد عودة التوافق أو نسبة كافية منه إلى الصف الوطني الجمهوري، شمالاً وجنوباً، أسفرت عن ملامح قوة جعلت مليشيا الحوثي تتخبط في شر أعمالها ونواياها وسياستها العدائية تجاه اليمنيين. وما قرارات البنك المركزي لإصلاح القطاع المصرفي، وانضمام قطاعي الطيران والاتصالات إلى معركة تفعيل السيادة الوطنية، إلا مقدمة للقوة الهائلة للجمهورية اليمنية بسلطتها الشرعية العليا التي وضعت يدها ولو متأخراً على مكامن قوتها الحقيقية، وأهمها: التوافق الوطني وتفعيل الحق السيادي، وحماية مصالح الشعب ومكتسباته.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: ملیشیا الحوثی المزید من

إقرأ أيضاً:

كرامة جيش حمدان ولعنة مليشيا برهان

لا تعبير يناسب العمليات الإرهابية من ذبح وقتل على الهوية التي ارتكبتها مليشيا البرهان، والتي لازمت انسحاب قوات الدعم السريع من الجزيرة، إلّا شيء واحد، هو أن وجود هذه القوات بالمدن كان بمثابة كرامة للمواطنين، بعكس الحال الذي أعقب انسحابها، والناس شهود على التحول الدموي الذي جرى بعد مغادرة جيش حمدان لأمدرمان، واندلاع حريق الموت جراء التلوث والتسمم الكيميائي، والذي يسميه وزير صحة مليشيا (الكاهن) بالكوليرا، هذه ليست كوليرا وإنّما لعنة دخول ملوك المليشيا، الذين كعادتهم يفسدون أي قرية دخلوها، ويجعلون أعزة أهلها أذلة، لقد قلت للأصدقاء المحبطين بسبب انسحاب الأشاوس من المدن، بأن لا يحسبوا ذلك شر بل هو خير كثير، ولو استمر الحال بهذه المنهاجية لدواعش الحركة الإسلامية، في تخزينهم للسلاح المميت بالمستشفيات والجامعات، فبدون أدنى شك ستسمعون صرخات النساء يستنصرن بالمعتصم (محمد حمدان)، وجنوده البواسل الذين تركوا بصمة فارقة وسط سكان المدن التي خرجوا منها، إنّ هذه الحرب غطتها سحب ركامية من أكاذيب عصابة بورتسودان، لكن الحقيقة تظهرها الوقائع التي لا غشاوة تحجبها، مثل صدمة العسكري التابع لمليشيا البرهان، الذي عاد إلى منزله فلم يجد المنزل ولا المنازل المجاورة، أي أن تعليمات المليشيا البرهانية العنصرية قد أحالت الحي إلى تراب، تماشياً مع تنفيذ استراتيجية كنس الوجوه الغريبة.
إنّ كلفة نزع الملك من جماعة الهوس الديني عظيمة، كما أخبرنا بذلك العالم والصوفي المتبتل محمود محمد طه، ومثلما أخبر كثير من أقطاب الأرض، ويحضرنا وصف أحدهم لنهاية الخرطوم بإحدى اثنتين، إما الحرق أو الغرق، وما شاهدناه من موت بأمدرمان اليوم لا مشهد يجسده غير علامات الساعة، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لقد أحال دعاة الهوس والفجور والفساد العظيم حياة السودانيين إلى جحيم، امتدت ألسنة لهبه خارج الحدود، إنّ هذه العصابة المجرمة التي لا تعرف لله إلاّ ولا ذمة، لاحقت مواطنيها في بلدان المهجر ودول المغترب، فحصدت الجبايات من الضعفاء الذين فروا من بطشها وتضييقها لعيشهم، لتفرض عليهم رسوم جواز سفر تفوق كلفة استخراج جواز السفر الألماني بأضعاف، أكلاً ونهباً ونهشاً للحم وعظم هذا الكائن الفقير المعدم، المستجير من الرمضاء بالنار، ما يحدث لهؤلاء السفاحين هو أمر رباني، لأن الله لا يدع عباده يقتلون لمدى زمني تجاوز نصف القرن، إنّ هذه الحرب تطهير لدنس المرتكبين للخطيئة الكبرى باسم الدين، وهكذا هي سيرورة التاريخ الآدمي مليئة بالعبر والعظات، وما شهدناه اليوم لا يخرج عن هذه الرسائل الكونية البليغة، أن يجازي الرب الكاذبين والمدلسين الواقفين مع الباطل، بالخزي والعار نتاج سوء أعمالهم، ومثلهم كمثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللصوص، الذين لن يجد منهم غير الازدراء.
في قصص القرآن نرى نفس الرافضين للحق والسلم ووقف سيل الدماء، تجسدهم أفعال مليشيا برهان، أولئك الذين حذرهم الرب وضرب لهم الأمثال ثم مدهم في طغيانهم، حتى قالوا لقومية الفور نحن آلهتكم الواجب عليكم عبادتها، ثم جاء الحسم، فالآن لا يوجد أحد منهم آمن داخل أو خارج السودان، لقد توعدوا الناس بالموت والسموم، فوصلتهم الرسائل في المدينة التي ظنوها آمنة، حشدوا الجيوش ليبيدوا مجتمعات الفتى البدوي، لكن الوباء والكوارث حطت بمعاقلهم، فلم يسلم أحد طالما أن النوايا هي ذات نوايا فرعون وهامان والنمرود بن كنعان. يحضرني مقال أنزله أحد الناشطين بمنبر سودانيز اون لاين قبل اندلاع ثورة ديسمبر، وهو في الواقع نبوءة، كتب ذلك الزميل المنبري فقال: (ستشتعل الحرب وتعم الفوضى ولكن سيحزمها ويحسمها الفتى البدوي ممثلاً في قواته الصادقة الأمينة والرادعة)، أو كما قال. إنّ التمدد الكبير لألسنة اللهب داخل عش دبور مليشيا الحركة الإسلامية، له دلالة واحدة، ألا وهي مجيء نصرة دعاة وقف الحرب ورافعي أعلام السلام البيضاء، بقدوم الطوفان الشامل، وحالنا ليس بأبعد من حال زائير حينما طوى قراها ومدنها لوران كابيلا طياً، حتى خلّص الناس من بطش موبوتو سيسيسيكو، ولسنا بعيدين عن سيناريو اكتساح بول كاقامي ورفاقه الميامين لرواندا من أقصاها إلى أقصاها، حين غسلها بالماء والصابون والديتول من الدماء التي أهدرها أشباه البرهان وخاسر العصا وشيخهما الأكرت.


إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com


 

مقالات مشابهة

  • الحكومة اليمنية: الحوثيون يغامرون بمقدرات اليمن خدمة لأجندات إيران
  • إب.. مليشيا الحوثي تقتحم إدارة أمن جبلة وتحاصر مكتباً قضائياً
  • قبل العيد.. ما هي شروط الأضحية والمعايير الشرعية لاختيارها؟
  • ما لا يعرفه اليمنيون عن الشيخ الجمهوري ناجي جمعان .. وكيف قاد المواجهات المسلحة ضد مليشيا الحوثي وكيف غادر المشهد حياً وميتاً ..
  • كرامة جيش حمدان ولعنة مليشيا برهان
  • تحليل لـCNN: بوتين المجنون لم يتغير.. فهل سيتغير ترامب؟
  • حصاد شهر مايو: واقع مرير في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي
  • الحوثي ذراع إيران يهاجم المغرب تحت غطاء الدفاع عن القضية الفلسطينية
  • مليشيا الحوثي تمنع حفلات التخرج دون موافقة مسبقة من وزارة التعليم العالي
  • مليشيا الحوثي تقتل شيخاً قبلياً في الجوف وتخطط لإشعال حرب بين قبيلتي ذو محمد وذو حسين