لجريدة عمان:
2025-05-11@19:24:37 GMT

مملكة الأعصاب المشلولة

تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT

مملكة الأعصاب المشلولة

هو السؤال الأبدي الذي يطرحه كلّ المهتمين بالأدب، والذي لا يتوقفون عن استعادته في كلّ فترة: هل علينا أن ننشر، بعد رحيل كاتب ما، ما لم ينشره في حياته؟ بمعنى آخر، هل علينا أن نصدر تلك المخطوطات التي تكون غارقة في عتمة الأدراج والأرشيفات، تلك المخطوطات التي لم يعمد، هو نفسه، إلى إخراجها للنور حين كان لا يزال بعد على قيد الحياة؟

تساؤل، لم يجد لغاية اليوم، أي جواب، أو لنقل أي «حلّ» متفق عليه.

تتنوع التأويلات والأفكار وتتعدد، إذ هناك من يرى إذا كان الكاتب نفسه غير راض عن هذه المخطوطات، والدليل أنه تركها غارقة في دهاليز مكتبه، فلماذا يُقدم ورثته، أو الذين يأتون بعده (في حال دخل النص في الملكية الفكرية العامة وأصبح متاحا أمام الجميع)، على ارتكاب ما لم يسمح لنفسه القيام به. وعلى الطرف الآخر من ذلك، يجد آخرون، أنه ومهما تعددت الظروف والآراء، يجب أن يتم نشر كلّ شيء، في حال وجود كتابات غير منشورة بالطبع، إذ يتيح لنا ذلك، معرفة درجة تطور أسلوب الكاتب وفكره، ما يسمح للدارسين والنقاد من تكوين صورة واضحة عن آليات عمله، على الرغم من أن المخطوط المهمل، قد يكون أحيانا، بعيدا عن مستوى ما نشر.

وثمة من يضيف، من غير الضروري أن تكون كلّ المخطوطات التي لم تُنشر هي مخطوطات عادية، غير صالحة للنشر، إذ قد تحوي على روائع لم ينتبه لها الكاتب نفسه. لنأخذ مثال الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا، الذي لم ينشر في حياته سوى عدة قصائد، وبعد موته بسنوات، تم اكتشاف «تلك الحقيبة» التي كانت تحوي آلاف الأوراق، ليخرج منها أدب عظيم، لا يزال يؤرق كثيرين لغاية اليوم، أو حتى مثال كافكا الذي طلب من ماكس برود إحراق كل ما كتبه، لكن صديقه رفض ذلك، لنكتشف هذه القامة العظيمة في الأدب المعاصر (وإن كان ذلك غير صحيح أي لم يطلب منه إحراق أي شيء، وفق ما نقرأ في «رسائل إلى ماكس برود 1904 ـــ 1924»، منشورات «ريفاج»، 2008).

في أي حال، من الأشياء الجميلة التي تعيدنا إلى هذا السؤال، العثور على قصة (نوفيلا، في 47 صفحة) في الأرشيف الشخصي للشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث (صدرت ترجمتها إلى الفرنسية مؤخرا عن منشورات «لا تابل روند») بعنوان «ماري فنتورا والمملكة التاسعة». كانت بلاث، كتبت هذه القصة وهي في العشرين من عمرها، في العام 1952 (أي قبل أشهر قليلة من محاولة انتحارها الأولى)، وقد رفضت يومها مجلة «مادموازيل» نشرها (على الرغم من أن الشاعرة قد فازت بمسابقة هذه المجلة في العام السابق). إزاء هذا الرفض، شعرت الكاتبة بخيبة أمل كبيرة، وقد سعت لاحقا إلى إعادة كتابتها وتشكيلها، بل وحتى تقليصها إلى النصف، لكن من دون جدوى.

في أي حال، هل كان الموضوع الذي تناولته بلاث، بلهجتها الخاصة، قد أخاف لجنة القراءة، ولذلك لم تُنشر هذه القصة؟

كانت بلاث قد وصفت قصتها هذه بأنها «حكاية رمزية غامضة»، تستعير مناخها من موضوعات الكتاب المقدس والميتافيزيقية والخيالية. كذلك تستحضر فيها قصة قصيرة للكاتب الإيطالي دينو بوتزاتي مليئة بالكرب. إنها عن قطار يقود ركابه إلى كارثة حتمية، مع عدم وجود إمكانية للعودة. فــ «المملكة التاسعة» هي مملكة الإرادة المتحجرة، مملكة «الأعصاب المشلولة» من التقاعس عن العمل، أو مملكة الرعب العنيد الباهت المرعب للوجود الراكد، حيث تتفكك قوى الرغبة، المشغولة بالدوران «من دون كلل» نحو «الدكتاتورية الشمولية»، مثل التوجيهات الأبوية الحازمة والحاسمة التي يجب علينا دائمًا أن نضحي بأنفسنا من أجلها. لذا كانت ماري فينتورا، الفتاة المسكينة، تميل إلى طاعة والديها، على الرغم من مخاوفها، وتسعى جاهدة للتكيف مع مطالبهما دون تخمين غرضهما.

ما من أحد كان يعرف مقدمًا إلى أين تقود المملكة التاسعة! لقد دفعها والداها إلى القطار برغم أنها لا تريد مغادرة المنزل. وحين صعدت على المتن بدأ قلقها يخف حين شعرت بالراحة في العربة والمتعة حين بدأت تحتسي «شراب الزنجبيل». ومع ذلك، كان الجو العام مليئا بــ «سلبية قاتلة»، كأنه «عصر جليدي يشارك فيه ركاب القطار الآخرون»، غير المبالين والمنهكين، لغاية أن ظهرت أمام فنتورا سيدة عجوز صارمة وخيّرة، لتحيك بسلام وعي هذه الفتاة الصغيرة. هذا الوعي الذي كان يختمر بالثورة، بصمت. لقد وجدت في كلامها ما يغذي ثورتها وحتى رغبتها الشرسة بالحرية، إذ لم تعد هذه الفتاة ترغب في التعامل مع «الخطأ» الأصلي، ولا الشعور بالذنب، ولا كل هذه الطبقات المتراكمة فوق الأنا التي تصم العصاب، أي صعوبة الوجود ببساطة.

من المؤكد أن البشر يحتاجون إلى العمل وليس الهدوء، كما أشارت فيرجينيا وولف في كتابها «غرفة خاصة بالمرء». لكن بالنسبة لبلاث، كان هذا الاحتمال الواعد يعني «تدريب المرء على إغراءات الكتابة الثرثارة: استيعاب النثر الهادف»، من أجل الحصول على حياة رائعة وحرة، كما قالت. لذا كانت ترى أنه يجب علينا، ومهما كان الثمن، أن نخرج من المحنة، من «القفص الزجاجي»: وهذا يعني، (كما كتبت في مذكراتها)، أن نعقد العزم على خلق: «الفرار إلى الأمواج، والوسواس، والتصوف، في أي مكان»، كي تتحرر من «العبء المرعب، والشنيع، ومن المسؤولية الذاتية، ومن الحكم الذاتي النهائي».

إذا كان «العالم صفحة فارغة»، كما كتبت في يومياتها (الترجمة العربية عن منشورات المدى)، فإن الحاجة الملحة هي فهم الواقع على حقيقته، في مساميته الحساسة، وخصوصيته، وانتشاره، فكيف يمكننا حل السؤال المرتبط بالزمن؟ بتجربة هذا البُعد الشخصي، الذاتي تمامًا، الذي يحدد «وجهة نظر الشخص التي يجب أن يقولها، وأن يبدأ من نفسه وينفتح على الخارج: هكذا ستكون حياتي رائعة وستتوقف عن أن تكون قفصًا زجاجيًا. لو كان بإمكاني فقط أن أتمكن من جعل هذا العبور قصة قصيرة».

كيف لا يمكننا أن نبقى صامتين، غير متأثرين، جالسين فقط، مطيعين، خلف الزجاج؟ من خلال الانطلاق في الخيال، يمكننا الرد بسذاجة. من خلال السعي إلى إعادة الاتصال مع ديمومة الأمن الداخلي، حتى لو كان مؤقتًا، ما يسمح لنا بمعارضة القوانين واللوائح التي يفرضها الآخرون.

هذا ما حققته ماري فنتورا، حين هربت من القطار لتواجه بشجاعة المصير الذي كان ينتظرها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

لم تعد كما كانت

 

 

عائض الأحمد

في خضمّ العلاقات الاجتماعية، سواء داخل الأسرة أو خارجها، نعيش على أمل أن تستمر الروابط القوية التي صنعناها بحب وصدق. نعتقد أن من نحبهم سيكونون دومًا في صفنا، داعمين، منصتين، متفهمين. لكن الحياة تُفاجئنا أحيانًا بوجه مختلف… ببرود من أحببنا، وبجفاء ممن منحناهم كل شيء.

عندما يُؤذيك الأقربون... ليس الألم في أن تُهاجَم من بعيد، بل أن يُصيبك الجرح من أقرب الناس إليك. أن تشعر بأن من شاركتهم تفاصيل حياتك هم أول من يشكك بك، أو يُقلل من مشاعرك، أو يُحمّلك وزر فترات ضعفك، وينسون أنك كنت لهم سندًا طويلًا في أوقاتهم الصعبة.

نتساءل وقتها: كيف لقلوب كانت يومًا تنبض بالحب أن تتحوّل إلى حصون مغلقة؟ لماذا أصبح علينا أن نطرق الأبواب مرارًا لعلّ أحدهم يتذكر أن لنا مكانًا في قلبه؟

عندما تصبح العلاقة عبئًا...
مع مرور الوقت، تتحوّل بعض العلاقات من ملاذ آمن إلى معركة صامتة. الطرف الآخر يُملي شروطه، يختار متى يسمعك، ومتى يرد على رسائلك، ومتى يقرر أن تكون مهمًا. تصبح العلاقة مرهونة بمزاجه، بينما تظلّ أنت في انتظار فتات من الاهتمام أو لمحة دفء.

وفي خضمّ هذا الانتظار، تدرك أن ما تحياه ليس حبًا، بل تعلقًا بذكرى علاقة جميلة، انتهت منذ وقت طويل، وإن بقي شكلها قائمًا.

الشغف... سيف ذو حدين
يقول البعض إن الشغف نعمة، لكن أحيانًا يكون لعنة. أن تشتعل داخلك نار الشوق لمن لا يُبادلك الشعور، كأنك تُضرم حريقًا في أرضٍ لا ماء فيها. وتظلّ تحترق، بصمت، بينما الآخر لا يرى سوى الرماد، تذره رياحك العاتية في أرض لم تكن تألفها.

متى تبدأ من جديد؟
حين تُرهقك العلاقة، وتستنزفك محاولات الإحياء المتكررة، فربما آن الأوان لتُعيد النظر. ليس كل انسحاب هزيمة، ولا كل تمسّك بطولة. أحيانًا، أكثر ما تحتاجه هو أن تحمي قلبك، وتُعيد ترتيب أولوياتك.

امنح نفسك مساحة، وافتح نافذتك للحياة من جديد. ستُفاجأ كم في العالم من دفء كنت تظنه مفقودًا.

ليست كل العلاقات تُكتب لها النجاة. وبعضها، وإن بدت متماسكة من الخارج، تنهار في الداخل ببطء. لا تُجبر نفسك على الاستمرار في علاقة لا تمنحك ما تستحق. الحب الحقيقي ليس فقط في البقاء، بل في الرغبة في البقاء.

لها: كنتُ سهلًا في العطاء، فصرتَ صعبًا في البقاء.
شيء من ذاته: لا أختبئ خلف الستار، بل خلف خيبتك في أن ترى الحقيقة.
نقد: من يعتاد التلاعب بالشك، لا يُحسن الدفاع عن الحقيقة.

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • شايب يستقبل سفيرة مملكة الأراضي المنخفضة بالجزائر
  • زيارة رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع إلى مملكة البحرين الشقيقة
  • وزير الصناعة والثروة المعدنية يختتم زيارته الرسمية إلى مملكة الدنمارك
  • بعد غياب 15 عامًا عن السينما.. مصطفى شعبان يستعد لتصوير فيلمه «مملكة»
  • لم تعد كما كانت
  • استقبال السيد الرئيس أحمد الشرع من قبل جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين في قصر الصخير
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية: من المقرر أن يقوم الرئيس الشرع بزيارة رسمية إلى مملكة البحرين قريباً
  • مصطفى شعبان يعود للسينما مرة أخرى بفيلم "مملكة"
  • وزير الصناعة والثروة المعدنية يبدأ زيارة رسمية إلى مملكة الدنمارك