يا مهاجري السودان في المنافي البعيدة: أوقفوا هذه الحرب بالقوة!!
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
يا مهاجري السودان في المنافي البعيدة: أوقفوا هذه الحرب بالقوة!!
د. بشير إدريس محمدزين
في غربيِّ السودان كلِّه تبقت فقط مدينتان لم يسيطر عليهما الدعم السريع ولكنه يحاصرهما حصاراً مُحكماً؛ مدينة الفاشر، وهي تترنح الآن، ولقد إجتاح الدعم السريع بعض أحيائها المهمة في قلب المدينة، بعد حصارٍ قاسٍ ممتد لعدة أشهر، واستولى على المستشفى الوحيدة العاملة فيها مرتين بحسب السلطات الصحية المتبقية هناك.. ولربما تسقط هذه المدينة قبل أن يطالع القارئ هذا المقال، أو في أي وقتٍ قريب. وإذا سقطت الفاشر فسوف لن يكون مصيرها مختلفاً عن مصير مدينة واد مدني، المدينة الثانية من حيث الأهمية والقرب من العاصمة الخرطوم. ربما سيكون الإختلاف الوحيد هو أن الدعم السريع دخل مدينة واد مدني دون مقاومة، وبإنسحابٍ متعجل لكل القوات المسلحة فيها من الجيش السوداني وسلمتها فعلياً للدعم السريع، ولكن الفاشر سيسبق سقوطها مقاومةٌ شرسة وعنيدة، مما سيجعل الضحايا فيها حال سقوطها، لا سمح الله، بلا عدد بين المدنيين والعسكريين، وفي صفوف قوات الدعم السريع المهاجمةِ ذاتِها.. وأما المدينة الثانية المتبقية فهي مدينة الأبيض، حاضرة إقليم كردفان، بل هي حاضرة كردفان الكبرى كلها، بولاياتها الثلاث كلها؛ الشمالية والجنوبية والغربية. ومدينة الأبيض محاصرةٌ فعلياً منذ أكثر من ستة أشهر، لا يدخلها شئ ولا يخرجُ منها شئ إلا بعلم قوات الدعم السريع التي تحيطُ بها إحاطةَ السوارِ بالمعصم، وليس بالمدينة ماء ولا دواء ولا كهرباء، ونسأل الله ألا تسقط، ولكنها إذا سقطت فسيكون مصيرُها لا سمح الله، مثل مصير نيالا وبابنوسة والضعين والفاشر في الغرب، وواد مدني والخرطوم في الوسط من حيث كثرة الموت بين العسكريين والمدنيين، إذ تتمترس القوات المسلحة بداخلها، بل في قلبها، حيث توجد رئاسة قوات الهجانة (أم ريش أساس الجيش) المشهورة، وهؤلاء سيقاتلون، داخل المدينة، قواتِ الدعم السريع بلا رحمة وستقاتلهم قوات الدعم السريع بلا رحمة. وهي الحرب الملعونة في كل حال، ولا يوجد الآن الآن أي بصيص ضوء يعوّل عليه لمنع سقوط هاتين المدينتين الوشيك ولا غيرهما من مدن السودان المهددة، اللهم إلا محادثات جدة التي لا يوجد ما يؤكد -حتى الآن- أنها قد بدأت أصلاً.. عندما إندلعت ثورة ديسمبر ٢٠١٨م المباركة ضد نظام الطاغية البشير، وأجمع السودان كله على إسقاطه، وواجه النظام الشعبَ بآلةٍ جبارة من القمع والسحل والتقتيل تحركت تجمعاتُ سودانيي المهاجر في كل أنحاء العالم لمحاصرة النظام وتعريتِه خارجياً، وتوعية العالم الخارجي بالقضية السودانية، ولدعم ثوار الداخل الذين كانوا يواجهون الموت بصدور عارية..ولقد إستطاع السودانيون أن يحشدوا أصدقاءهم في كل بقاعِ العالم فتم تعطيل النظام تماماً، وتقطعت الحياة عن أوصاله الخارجية في المنظمات الدولية والإقليمية، وأدانته كل دول العالم، وأمتنع زعماء العالم عن مقابلة مندوبيه وسفرائه. وأتذكر أنه في اليوم الذي تحرك فيه سودانيو أمريكا إلى العاصمة الأمريكية واشنطون في مسيراتٍ إحتجاجية -لرفع الوعي الأمريكي بقضيتنا- كان في نفس الوقت قد تحركت أكثر من مائة مدينة في كل أنحاء العالم للغرض نفسِه، وكان ذلك كفيلاً بإسقاط النظام والإجهاز عليه.. إنني أعتقد، ومع حالة الشلل التام الراهنة للفعل السياسي في بلادنا، ومع إصرار نظام الإسلامويين الممسك بتلابيب الجيش على أن يجره جراً إلى هذه الحرب، أنه أصبح لا مناص، بل لقد أصبح واجباً، أن يتحرك سودانيو المهاجر للقيام بذات الفعل الذي قاموا به في منافحة نظام الإنقاذ الهالك فساعدوا في إسقاطِه.. إن هذه الحرب المستعرة، وقد عجزت الأطراف السودانيةُ كلها، حتى الآن، أن توقفها، لم يعد متاحاً إلا إيقافها بالقوة، والتي ليس بالضرورة أن تكون قوةً عسكرية، ولكن لابد من قوةٍ قادرةٍ ما (وقاهرة) تقومُ بإيقاف الحرب وفرضِ إرادة السلام على الجانبين المتصارعين، ولا يوجد أي خيار آخر.. فإذا تحركت تجمعاتُ السودانيين بالخارج، وفوراً، مثلما فعلت في ثورة ديسمبر لحاصرت الطرفين المتصارعين، وبدعم القوى المحبة للسلام في العالم، ولفرضت السلام فرضاً في بلادنا، ولقد جربنا إجتذاب دعم العالم وقواه المحبة للسلام -إبان ثورتنا المجيدة- ونجحنا نجاحاً باهراً، وذلك قبل أقل من أربع سنوات من الآن..ويظل هذا هو الأمل الوحيد المتبقي والمتاح، والذي بإمكاننا أن نكون من خلاله القوة السودانية الوحيدة القادرة على فعل شئ، في ظل الشللِ التام الذي عجِز السودانيون الآخرون فيه عن فعلِ أيِّ شئ !! الوسومأمريكا الأبيض الدعم السريع السودان الضعين الفاشر القوات المسلحة الهجانة بابنوسة ثورة ديسمبر 2018 د. بشير إدريس محمدزين دارفور كردفان محادثات جدة نيالا
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أمريكا الأبيض الدعم السريع السودان الضعين الفاشر القوات المسلحة الهجانة بابنوسة ثورة ديسمبر 2018 دارفور كردفان محادثات جدة نيالا الدعم السریع هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
زوبعة الحكومة الموازية في السودان
يمكن لأي جماعةٍ أن تعلن تشكيل حكومة على الورق أو في الفضاء الرقمي، لكن هذا لا يعطيها شرعيةً أو وجوداً حقيقياً. فأي حكومة لا تملك السيطرة على أرضٍ ذات سيادة، ولا تمثل إرادة شعبية واسعة، ولا تحظى باعتراف دولي، تعد حكومة وهمية، أو في حالات أخرى محاولة لكسب نقاط تفاوضية، أو لمنازعة السلطة القائمة والمعترف بها في المحافل الدولية.
الحكومة «الموازية» التي أعلنتها «قوات الدعم السريع» وحلفاؤها في منصة «تأسيس» هي مزيج من كل ذلك، وهي محاولة لفرض واقع جديد بعدما فشل مشروع السيطرة على الدولة السودانية بالكامل بعد اندلاع حرب 15 أبريل (نيسان) 2023، والهزائم التي أخرجت «الدعم السريع» من الأراضي التي تمددت فيها، وحصرت سيطرتها في أجزاء من إقليم كردفان ومساحات من دارفور. لكن هذه المحاولة ليست مرشحةً للفشل فحسب، بل قد تنقلب وبالاً على «الدعم السريع» وحلفائها.
الخطوة قُوبلت بإدانة واسعة من كثير من الدول، ومن المنظمات الإقليمية، ومن الأمم المتحدة، وكلها اتفقت على عدم مشروعية هذه «الحكومة»، محذرةً من أنها قد تمس بوحدة البلاد ولا تعبر عن إرادة الشعب السوداني. بل إن الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وجّها دعوة للدول لعدم الاعتراف بها، مع التأكيد على دعم وحدة السودان وسيادته وأمنه، والتشديد على التعامل مع السلطة القائمة والمعترف بها.
داخلياً فجّرت الخطوة نقمة وخلافات في أوساط «قوات الدعم السريع» التي بدأت تشهد في الأشهر الأخيرة تصدعاً خرج إلى العلن بسبب صراعات النفوذ، والتوترات القبلية، والشكاوى من وجود تمييز وعنصرية من مكونات على حساب أخرى، مع انفلات أمني في مناطق سيطرتها أدى إلى مواجهات مسلحة مرات عدة.
ومع إعلان الحكومة أعلن عدد من مستشاري «الدعم السريع» انشقاقهم احتجاجاً، بينما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لمقاتليها الساخطين على تشكيلة الحكومة والمجلس الرئاسي لـ«تأسيس». في هذه المقاطع هاجم المجندون قياداتهم وأعلنوا رفضهم لما وصفوه بالتهميش لهم ولقبائلهم، وطالبوا بحصتهم في قسمة السلطة على أساس أنهم من حمل السلاح وقاتل وفقد أعداداً كبيرةً من الشباب، ولكن لم يتم تمثيلهم في حين ذهبت المناصب لأصحاب «البدلات» من المدنيين الذين لم يشاركوا في القتال.
وبينما شن المحتجون في «الدعم السريع» هجوماً شديداً على عبد العزيز الحلو، رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، الذي حصل على منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي وحصة 30 في المائة من المناصب الأخرى، فإن الرجل قُوبل أيضاً بموجة من السخرية من ناشطين في مناطق سيطرته في جبال النوبة لقبوله أن يكون نائباً لمحمد حمدان دقلو (حميدتي)، متسائلين ما إذا كانت «الحركة الشعبية» قاتلت من أجل المناصب على حساب شعارات التهميش ورفع المظالم.
الواقع أن تحرك «قوات الدعم السريع» ومجموعة «تأسيس» لإعلان حكومة لا يعكس قوة، بقدر ما يظهر يأسها من قلب الموازين العسكرية مجدداً، ويزيد من تصدعاتها. فهذه الحكومة سيصعب عليها الوجود على الأرض في ظل الهجمات التي يشنها الجيش السوداني في دارفور وكردفان، بعدما انتقلت المعارك غرباً، وسط مؤشرات على أن الجيش يستعد لشن هجمات كبرى منسقة على غرار ما حدث في الجزيرة والخرطوم. وعلى الرغم من الصخب الإعلامي عن أن إعلان الحكومة كان من نيالا، فالحقيقة أن اجتماعات ترتيب خطواتها وتشكيل المجلس الرئاسي كانت في كينيا، وفقاً لبيان الخارجية السودانية.
لا أمل للحكومة الموازية في تغيير الموازين التي لم تعد تسير لصالح الدعم السريع
«قوات الدعم السريع» قد تكون مسيطرة حالياً على أجزاء كبيرة من دارفور وبعض المواقع في كردفان، لكنها لا تمثل بأي حال أغلبية السكان هناك، ولا تحظى بتأييد مكونات ومجموعات مقدرة، لا سيما بعد الانتهاكات الواسعة وجرائم الإبادة التي ارتكبتها. وحتى داخل مكونها القبلي فإنها تواجه عداء شخصيات نافذة مثل الشيخ موسى هلال رئيس «مجلس الصحوة الثوري» الذي انتقد تشكيل الحكومة الموازية، وشن هجوماً عنيفاً على حميدتي وشقيقه عبد الرحيم، وسخر من فكرة أن يحكما السودان.
المفارقة أنه مع إعلان هذه الحكومة أعلنوا أيضاً تعيين ولاة لأقاليم السودان في الوسط والشمال والشرق والنيل الأزرق والخرطوم، وهي المناطق التي كان أهلها يحتفلون بانتصارات الجيش والقوات التي تقاتل في صفوفه، وإخراجه «قوات الدعم السريع» منها. هذه التعيينات تضيف بلا شك إلى عبثية المشهد، لسببين؛ الأول أنه لا أمل لهؤلاء «الولاة» في تسلم سلطة فعلية على هذه المناطق، ولا معطيات حقيقية بإمكانية عودة «الدعم السريع» للسيطرة عليها، والثاني أنه حتى عندما كانت قواتها تسيطر عليها سابقاً فإن الإدارات المدنية التي شكلتها فيها لم تكن سوى مسميات وهمية لا وجود حقيقياً لها، ولا إنجازات.
الحقيقة أنه على الرغم من الفورة الإعلامية التي رافقت إعلانها، فإنه لا أمل للحكومة الموازية في تغيير الموازين التي لم تعد تسير لصالح الدعم السريع ناهيك عن أن تصبح حكومة بديلة تحكم السودان كله.
الشرق الأوسط