عن منظومة الدعم والعدالة المفترضة (2-2)
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
كتبنا فى المكان نفسه فى الأسبوع الماضى عن قضية الدعم العينى والنقدى، وناقشنا السؤال المطروح حول أيهما أفضل، وخلصنا إلى أن العبرة تكمن فى تحقيق العدالة، وهو ما يرُجح تطبيق منظومة الدعم النقدى بدلا من العينى، خاصة أن وجود سعرين لسلعة واحدة يعد أمرًا معيبًا.
وقد أوضحنا أن الدعم النقدى له مزايا عديدة أبرزها القضاء على السوق السوداء لكثير من السلع، وضمان عدم تربح بعض الفئات من منظومة الدعم دون وجه حق.
ومع ذلك، فإن هناك تحديات عديدة تواجه تطبيق الدعم النقدى فى مصر، ربما أبرزها عدم وجود تعريف محدد للفئات محدودة الدخل. وهذا فى تصورى يستلزم اعتماد المعايير الدولية لتعريف مصطلح محدودى الدخل، وبحث تطبيق هذه المعايير على المواطن بشكل واضح للتعرف على الشرائح الداخلة ضمن هذه الفئات. وهنا، فإن إقرار دعم مناسب يجب أن يراعى عدد أفراد كل أسرة، والدخل المناسب لمعيشتها، فضلا عن التغيرات الطارئة على أسعار السلع الأساسية التى تحتاج إليها.
ثُم يبرز التحدى التالى فى كيفية توصيل الدعم النقدى إلى مستحقيه، خاصة أن هناك مخاوف – بعضها مشروع- من سوء استخدام الدعم النقدى من قبل بعض الأفراد، بحيث يتم إنفاقه على غير الأغراض المخصص لها، ومن ثم لا يستفيد به جميع أفراد الأسر الفقيرة.
كذلك، فهناك بعض الأوضاع الاجتماعية التى تجعل صرف الدعم لأرباب الأسر غير ذى جدوى، خاصة فى حالات الخلاف بين الزوجين، ورفض بعض الآباء الإنفاق على أبنائهم، ومن هنا، فإن بعض الدول التى تقرر دعمًا نقديًا للفئات محدودة الدخل تُفضل دفعه للزوجات لا للأزواج مثلما هى الحال فى البرازيل. ولا شك أن تطبيق مثل ذلك فى مصر يحتاج إلى حوار مجتمعى بناء ودراسات واعية وشاملة قبل اللجوء لمثل هذه الأساليب.
لكن يبقى أحد المخاوف الرئيسية لتطبيق الدعم النقدى ما يحمله من آثار سلبية على معدلات التضخم، والتى تشهد فى مصر ارتفاعًا غير مسبوق على مدى السنوات الأخيرة، ليصل مؤخرًا إلى أكثر من 31٪.
فالمعروف أن إقرار دعم نقدى بحكم يتجاوز الـ600 مليار جنيه سيؤدى إلى ارتفاع القوة الشرائية بشكل عام، وبالتالى فإن معدلات التضخم ستشهد زيادات ملموسة، يجب الاستعداد لها بحزمة مناسبة من القرارات المالية القادرة على امتصاص هذا الارتفاع. ويعنى ذلك أنه يجب تأهيل الأسواق المختلفة لاستقبال زخم الطلب المتزايد على السلع نتيجة ارتفاع القوة الشرائية، وإقرار نوع من الرقابة الفعالة على الأسواق.
ولا شك أننا لا نخترع العجلة، وإنما نطوعها لتصبح صالحة للدوران فى مجتمعنا، لذا فإن الاستفادة من التجارب العالمية المختلفة فى هذا الصدد تمثل واجبًا وطنيًا سعيًا للهدف السامى وهو تحقيق العدالة الاجتماعية.
وسلام على الأمة المصرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدعم النقدى
إقرأ أيضاً:
كان.. يا ما كان
فى واحدة من أهم الظواهر التى تستحق الدراسة مؤخرًا في مجتمعنا المصرى يبدو أن ظاهرة الحنين إلى الماضى المعروفة علميًا (بالنوستالجيا) قد بلغت مداها بين قطاعات عريضة من أبناء هذا الوطن بكل أطيافه بل وأجياله حتى يكاد الأمر أن يصل إلى درجة رفض الواقع بل وإنكاره من فرط الحنين إلى ما كان. لماذا نحن فى هذه الحالة؟ وإن كان ذلك مقبولًا لدى أجيال الوسط والشيوخ التى عاصرت هذا الماضى فكيف نفسر حنين أبناء جيل الشباب أيضًا لما كان قائمًا قبل أن يولدوا؟
فى حكاوى ومناقشات أهل مصر على المقاهى وفي مواقع التواصل ستجد تلك الحالة منتشرة، بل ربما لن يخلو حديث فى مجلس للأهل أو للأصدقاء دون أن يترحموا على أيام قد مضت وكيف كان حال الفن والفكر والثقافة بل والرياضة وحتى السياسة، وعن تلك الأوزان النسبية التى تغيرت لتهبط عدة درجات فى سلم الإبداع، حين تجلس مع أبناء جيل الشيوخ والوسط سيحدثونك عن شبابهم وكيف تربى وجدانهم على فكر وثقافه وذوق مختلف ومتنوع، سيحكون لك أنهم قد كان لديهم كل المدارس الفكرية والفنية وكان متاحًا لهم أن ينهلوا من هؤلاء العمالقة الذين عاشوا وأبدعوا معًا فى توقيت واحد فأحدثوا زخمًا فى شتى مجالات الفكر والفن والسياسة وحتى فى لغة الحديث بل وفى شكل وأناقة ملابس الرجال والنساء وزى أطفال المدارس وطلاب الجامعة.
هل هى الحداثة قد أفقدتنا كثيرًا مما اعتدنا عليه سابقًا قبل أن تُغرقنا موجات التكنولوجيا العاتية وهذه الأنماط السلوكية والفكرية الهشة التى تنتشر بسرعة البرق بين رواد السوشيال ميديا؟ هل هجر الناس الأصالة عن قناعة أم مجبرين حين خلت الساحة من إبداع رصين يحفظ لهذا الشعب هويته السمعية والفكرية؟
ليس الأمر بسيطًا حتى وإن بدا كذلك. فهذا ذوق يتغير وفكر يندثر وعمق يختفى تحت ضربات ولعنات التريند والتيك توك والمهرجانات ودراما العنف والقيم الأسرية المنحلة ومسارح اللهو دون قيمة أو رسالة، ورياضة كلها تعصب وشحن وسباب وفُرقة بين الجميع.. ليس الأمر هينًا فهذا وطن يسرق من ماضيه وقيمته وريادته بين الأمم.. هل نجد إجابة لكل تلك التساؤلات أم يظل الحال كما هو لنهوى أكثر وأكثر فى دوامة الحنين إلي الماضي ونظل نردد بكل حسرة: كان ياما كان.. ؟؟