“الانهيار التاريخي” للريال اليمني.. وضعف القوة الشرائية يسرق فرحة العيد (تقرير)
تاريخ النشر: 15th, June 2024 GMT
متابعات:
إرم نيوز – عبدالله سميح.
وسط الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، تخلى العديد من الأسر اليمنية عن احتياجات عيد الأضحى، في ظل ضعف القوة الشرائية وارتفاع معدلات التضخم.
ويرافق ذلك عدم انتظام رواتب موظفي القطاع الحكومي، وتتسع نسبة الفقر إلى أكثر من 82%، بحسب منظمات الأمم المتحدة.
تستمر الأوضاع المعيشية في اليمن في التدهور، في ظل الانهيار المستمر والمتسارع وغير المسبوق للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ما يخلق تحدياً جديداً، يضاعف حجم أسوأ أزمة إنسانية حول العالم.
انهيار تاريخي
سجل الريال اليمني، الخميس، انهيارا تاريخيا أمام الدولار والعملات الأخرى، في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، بعد أن وصلت قيمة الدولار الأمريكي الواحد إلى 1825 ريالا يمنيا في تعاملات البنوك بالعاصمة المؤقتة عدن.
وينعكس تدهور العملة الوطنية في ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية، في ظل اعتماد السوق المحلية للبلاد على الواردات بنسبة تزيد عن 96% لتغطية احتياجاتها.
اشترى الموظف الحكومي عبد الحكيم الضبية خروفاً من أحد تجار الماشية المعروفين لديه في محافظة أبين جنوباً، بالأجل، ودفع ثمنه بالتقسيط، بمبلغ 15 ألف ريال يمني مقابل الراتب الذي يتقاضاه كل شهر، على مدى فترة حوالي سنة واحدة.
وقال الدبية، وهو أب لثلاثة أطفال، في حديثه لـ”إرم نيوز” إنه باع الخروف في اليوم التالي حتى يتمكن من توفير الحد الأدنى من المتطلبات الغذائية لأسرته، وسداد جزء بسيط من ديونه، و إدخال البهجة والسرور على قلب ابنته الصغرى بشراء فستان جديد. لكنه أعرب عن قلقه من تأثير المبلغ الذي سيتم خصمه منه شهريا ابتداء من الشهر الجاري على حياة عائلته.
وفي الوقت الذي تمتنع فيه بعض العائلات عن مغادرة المدن والسفر إلى بلداتها الأصلية في القرى والأرياف سنوياً، خلال عيد الأضحى وأعياده؛ وفي اليومين الماضيين، وفي العاصمة المؤقتة عدن، كان لافتاً تزاحم بعض الشباب على أبواب المغاسل الآلية، لغسل وكوي أحدث الملابس المستعملة، حتى تبدو جديدة، وحتى يتمكنوا من ارتدائها. لهم في العيد.
ظروف أسوأ
ويشير رب الأسرة فهمي عبد الرب، إلى أن عيد الأضحى جاء في ظل أسوأ الظروف الاجتماعية والمعيشية والخدمية والغلاء الباهظ للأسعار، وهو ما حرم الكثيرين من فرحة استقباله.
وقال في حديث لـ”إرم نيوز”، إن الظروف غير المسبوقة ستحرم أسرتهم الكبيرة من أجمل عادات العيد، “كما كنا نحن الإخوة والأخوات نجتمع في بيت أهلنا ونذبح أضحيتين، وسط أجواء ومناسبات”. طقوس مليئة بالبهجة والسرور، لكن الوضع تغير ومؤخراً أصبحنا نذبح أضحية واحدة”. “هذا العام لن تكون هناك تضحيات، وقد نفقد هذه الأجواء”.
ويأتي الانهيار التاريخي للريال اليمني، في أعقاب الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي اليمني في المناطق الحكومية، لتعزيز سيطرته المالية وتوفير الحد الأدنى من المعايير المصرفية، في مواجهة التهديدات التي تشكلها مليشيا الحوثي على الاقتصاد الوطني. .
ويرى رئيس مؤسسة “الجمعية الاقتصادية”، الدكتور حسين الملاصي، أن القرارات الأخيرة للبنك المركزي اليمني، وردود الفعل السلبية من قبل بنك صنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون، “أثارت اضطرابات، هلع، وحالة من عدم الثقة بالريال السائدة في المناطق الحكومية”.
وقال في حديثه لـ”إرم نيوز” إن أحد أسباب التدهور الحالي للريال هو وجود خلل بين المعروض من العملات الأجنبية والطلب عليها، إذ يبدو أن هناك طلباً كبيراً على مختلف العملات أغراض، من أهمها تحويل الريال بكافة أشكاله إلى عملات أجنبية، نظراً لحالة الذعر، بالإضافة إلى ظهور الطلب. مصطنع مرتبط بإجراءات وقف التعامل مع 6 بنوك في مناطق الحوثيين.
وأوضح الملاصي أن تراجع الثقة بالريال اليمني جاء بعد ارتفاع المعروض منه، خاصة بعد عمليات الصرف بين الريال في عدن وصنعاء، بسعر صرف 3.35 ريال للريال الواحد، ما تسبب في ارتفاع المعروض. الريال وزيادة الطلب على العملات، بالإضافة إلى عوامل اقتصادية أخرى. والنقدية، واستخدام العملة الوطنية كوسيلة سياسية في الصراع الدائر.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور يوسف سعيد، أن التحويلات المالية من المغتربين قبل العيد من المفترض أن تؤدي إلى زيادة المعروض في سوق الصرف الأجنبي، ورفع العملة الوطنية أو استقرارها على الأقل، خاصة بعد انتهاء موسم استيراد احتياجات عيد الأضحى، لكن ما يحدث هو العكس «حيث نلاحظ استمرار التدهور بوتيرة متسارعة».
وأوضح أن الانهيار الذي يحدث «ليس نتيجة عوامل اقتصادية تتعلق بشح المعروض منه، بل عوامل سياسية تهدف إلى ضرب العملة الوطنية في المناطق الحكومية».
وقال سعيد إن السلطة النقدية في البلاد يجب أن “تقف بجدية أمام ما يحدث، وتفعيل دور القانون ضد المتلاعبين، واتخاذ الإجراءات، بما في ذلك دراسة خيار تغيير نظام سعر الصرف، لأنه يجب على الدول اعتماد سياسة نظام سعري يستجيب لاحتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية، وليس سعر صرف محدد”.
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: العملة الوطنیة فی المناطق عید الأضحى إرم نیوز
إقرأ أيضاً:
وزير التجارة الأفغاني للجزيرة نت: محادثات مع روسيا والصين لاستخدام العملات الوطنية
في خطوة جديدة تعكس توجهاً اقتصادياً جديداً، أعلنت الحكومة الأفغانية أنها ستبدأ التعامل مع روسيا والصين باستخدام العملة الوطنية "الأفغاني" بدلاً من الدولار الأميركي أو العملات الأجنبية الأخرى.
وقال وزير التجارة الأفغاني نور الدين عزيزي للجزيرة نت: "إن محادثات بدأت مع روسيا والصين لاستخدام العملات الوطنية، مثل الأفغاني والروبل واليوان، بدلاً من الدولار في المعاملات التجارية بين هذه الدول، وأن المحادثات لا تزال في مراحلها الأولى، ونسعى إلى تقليل اعتماد أفغانستان على الدولار وفتح آفاق جديدة للتجارة الخارجية، وقد أبدت روسيا والصين رغبتهما في تعزيز التجارة الخالية من الدولار، واعتبرتا العرض يتوافق مع التغيرات الاقتصادية في النظام العالمي".
ويأتي هذا الإعلان في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية خانقة، وسط عقوبات دولية وتجميد للأصول الأفغانية في الولايات المتحدة والبنوك السويسرية.
وتشير تقارير حكومية أفغانية إلى أن بعض الشركات الروسية والصينية بدأت فعلياً بقبول الدفع بـ "العملة الأفغانية" مقابل بضائع تصدّر إلى أفغانستان.
حماية الاحتياطات ومنع التهريبمنذ عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس/آب 2021، تعاني أفغانستان من شح حاد في العملات الأجنبية، خاصة بعد تجميد نحو 9 مليارات دولار من الأصول الأفغانية في البنوك الأميركية.
ويرى خبراء اقتصاديون، أن التحول نحو العملة المحلية يمثل محاولة لحماية الاحتياطي النقدي المتبقي، والحد من تسرب العملات الصعبة خارج السوق المحلية.
إعلانفي حديثه للجزيرة نت، يرى الخبير الاقتصادي الأفغاني نعمت الله شفيق أن "استخدام العملة الأفغانية في التبادلات مع قوى كبرى مثل روسيا والصين قد يعزز استقرار السوق المحلية مؤقتاً، لكنه يتطلب تنسيقاً مصرفياً عميقاً لضمان استدامته".
الدولار والاقتصاد الأفغانيفي أفغانستان، يُعد الدولار أحد الركائز الأساسية للنظام المالي، من شراء السلع المستوردة إلى تسعير المنتجات في السوق، ومن المعاملات الكبيرة في كابل إلى التحويلات المالية من اللاجئين، فإن الدولار حاضر بقوة.
ويستخدم البنك الوطني الأفغاني سعر الدولار كأساس لتحديد سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية.
وبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، واجه الاقتصاد الأفغاني صدمة كبيرة. فقد ضخت الولايات المتحدة نحو 145 مليار دولار في الاقتصاد الأفغاني بين عامي 2001 و2021، ما أدى إلى تحويل البنية الاقتصادية إلى نمط معتمد على الدولار. وحتى بعد الانسحاب، أعلنت واشنطن تخصيص 21.6 مليار دولار كمساعدات إنسانية لأفغانستان.
في حديثه للجزيرة نت، يقول الخبير الاقتصادي عزيز الله جاويد: "الدولار ليس مجرد عملة أجنبية، بل هو أيضاً جزء من البنية التحتية للاقتصاد الأفغاني. خلال فترة الوجود الأميركي، تعزز دوره بشكل كبير، وأي تقلب في سعره يؤثر مباشرة على معيشة المواطنين.
ويضيف "محاولة طالبان تقليص الاعتماد عليه (الدولار) في التجارة مع الصين وروسيا ليست قراراً اقتصادياً بحتاً، بل خطوة معقدة ذات أبعاد سياسية واقتصادية حساسة".
رسائل سياسيةويرى مراقبون أن هذا التوجه يحمل دلالات سياسية واضحة، خصوصاً في ظل استمرار رفض الولايات المتحدة الاعتراف بحكومة طالبان، وربطها الإفراج عن الأصول المجمدة بشروط سياسية وحقوقية.
ويقول المحلل السياسي عبد الغفار جلالي للجزيرة نت: "هذا الإعلان ليس مجرد إجراء مالي، بل رسالة واضحة بأن كابل تسعى إلى التخلص من الهيمنة الغربية، وتقترب أكثر من محور موسكو-بكين.
إعلانويضيف "روسيا التي تعاني من عزلة غربية، والصين التي تسعى إلى ربط أفغانستان بمبادرة الحزام والطريق، قد لا تمانعان التعامل بعملة محلية طالما أن هناك ضمانات تبادل مستقرة".
ولم تصدر موسكو أو بكين بياناً رسمياً عن قبول التعامل بالعملة الأفغانية، لكنّ محللين يعتقدون أن البلدين سيتعاملان ببراغماتية، خاصة في ظل المصالح الاقتصادية المتزايدة في أفغانستان، مثل مشاريع التعدين والطاقة.
ورغم الطابع السيادي للقرار، فإن تطبيقه على أرض الواقع يواجه تحديات هيكلية، أبرزها هشاشة النظام المصرفي، وضعف ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في قدرة العملة الأفغانية على الصمود في الأسواق الدولية. كما أن غياب الاعتراف الدولي الرسمي بحكومة طالبان يعقّد عمليات التسوية المالية عبر البنوك، ما قد يدفع نحو الاعتماد على أنظمة بديلة بدائية مثل المقايضة أو الاستعانة بأطراف ثالثة.
ويقول ممثل أفغانستان السابق لدى البنك الدولي ضياء حليمي للجزيرة نت: "قرار طالبان بالتعامل مع روسيا والصين بالعملة الأفغانية يجمع بين الطموح الاقتصادي والرسالة السياسية، ويعكس رغبة الحركة في كسر العزلة الدولية عبر بناء شراكات بديلة، لكن نجاح الخطوة يتوقف على مدى تجاوب الشركاء الدوليين، وقدرة الداخل الأفغاني على استيعاب التحديات التقنية والمالية المصاحبة".
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول نائب البنك الوطني السابق، واحد نوشير، إن محاولة طالبان التعامل مع روسيا والصين ترتبط أيضاً بقيود الوصول إلى مصادر الدولار الرسمية مثل المساعدات الدولية والاحتياطيات الأجنبية المجمدة، في ظل العقوبات الدولية وعدم القدرة على استخدام نظام "سويفت" للتحويلات المالية.
إعلانوأصبح الحصول على الدولار لتمويل الواردات أمراً صعباً، مما يرفع من سعره في السوق، ويضعف قيمة العملة المحلية، ويؤدي بالتالي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
الهروب من العقوباتويشكك بعض المحللين الاقتصاديين في فاعلية هذا النهج في تجاوز الدولار واستبداله بالروبل أو اليوان. ويقول الخبير الاقتصادي محمد صديق للجزيرة نت: "التخلي عن الدولار لا يعني حل الأزمة الاقتصادية. في ظل الوضع الراهن، تغيير العملة في سوق الصرف الأجنبي قد يغيّر مظهر المشكلة دون معالجتها من جذورها".
ويقول وكيل وزارة الاقتصاد السابق عبد الجليل مخان للجزيرة نت، إن الدولار أو الروبل أو اليوان جميعها أدوات نقدية خارجية، ولا يمكن أن تكون بمثابة منقذ للاقتصاد عندما تُفرض على بنية تحتية اقتصادية غير مستقرة.
ويضيف أن أي عملة بديلة قد تتحول بدورها إلى أداة ضغط جديدة، ويبدو أن طالبان تسعى من خلال هذا التوجه إلى الالتفاف على العقوبات أكثر من تحقيق استقلال اقتصادي حقيقي.