خبير عسكري: عملية تل السلطان تشير إلى تخطيط دقيق وحرفية عالية من قبل المقاومة
تاريخ النشر: 15th, June 2024 GMT
يرى الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي أن العملية التي نفذتها كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في تل السلطان غربي رفح، تشير إلى تخطيط دقيق وحرفية عالية مدروسة من قبل فصائل المقاومة.
وأضاف -خلال التحليل العسكري للحرب في غزة- أن هذا التكتيك الذي اعتمدته المقاومة منذ فترة طويلة زاد من خسائر الاحتلال واستنزافه.
ووفقا للفلاحي فإن هذا العدد الكبير من القتلى الذي بلغ 8 جنود يعود إلى أن المركبة التي استهدفتها المقاومة بقذيفة الياسين تتبع للواء الهندسة، مما يعني أنها كانت محملة بالكثير من المتفجرات ومعدات التفجير لأن لواء الهندسة هو المسؤول عن تفجير المربعات السكنية وفقا لرأيه، موضحا أن الجيش الإسرائيلي لم يعلن عن الجرحى حتى هذه اللحظة.
وكشف الخبير أن العملية كانت نوعية ومركبة استهدفت في الأول جرافة من طراز دي 9 وتلاها استهداف مركبة النمر التي حاولت إنقاذ من كانوا داخل الجرافة. مشيرا إلى أن المنطقة سبق أن شهدت مواجهات أدت إلى تدمير دبابات من طراز ميركافا 4، مما يشير إلى تصاعد عمليات المقاومة خلال الفترة الماضية.
ولتمهيد دخول القوة الإسرائيلية إلى المنطقة أوضح أن جيش الاحتلال نفذ قصفا مركزا صباح اليوم على المنطقة، تلاه إدخال الجرافات لفتح الطرق وتجريفها، ولكن المقاومة كانت جاهزة واستهدفت القوة.
وبحسب الفلاحي قام الاحتلال بـ"تعمية" المنطقة بقنابل الدخان الكثيف لإجلاء الجرحى والقتلى، وأعقبها بقصف جوي ومدفعي وبحري بعد خروج قواته، مما يشير إلى مواجهة الاحتلال لإطلاق نار كثيف وعنيف من قبل المقاومة استمر أكثر من ساعتين للوصول إلى موقع جنوده القتلى والجرحى.
مواصفات النمروبالحديث عن مدرعة النمر الإسرائيلية، قال الفلاحي إن سعرها يصل إلى 3 ملايين دولار، وتتميز بـ3 دروع متتالية تزيدها متانة وحصانة، وتحمل 3 جنود في المقصورة و8 جنود في مقاعدها الأخرى، ولكن يمكنها أن تحمل 14 جنديا في حالات خاصة.
وأضاف أن وزنها يصل إلى 10 أطنان وتبلغ سرعتها 60 كيلومترا في الساعة، وهي مزودة بكاميرات تنقل الصورة المحيطة بالناقلة، كما تتيح استخدام الأسلحة والقناصات وتوجيهها بدقة، كما أنها مزودة بـ3 رشاشات من عيارات 12 و30 و40 مليمترا، وبإمكانها -يضيف الفلاحي- حمل العديد من المعدات والأدوات التي يمكن استخدامها في عمليات التفجير .
استنزاف متواصلوفيما يتعلق بحديث الاحتلال المستمر حول استخلاصه للعبر من عمليات المقاومة المتكررة باستهداف جنوده يرى الخبير الفلاحي أن كل عملية عسكرية ترتبط بظروف معينة من حيث الجغرافيا والتفاصيل الأخرى المحيطة بها، إضافة إلى اختلاف المقدرات والقوة القتالية للمقاومة التي تخلف من منطقة لأخرى ومن عملية لأخرى.
وأوضح أن هذا الحديث يشير إلى قلة الخبرة الميدانية والإستراتيجية لدى قادة جيش الاحتلال وضعف الأداء الميداني لعناصره العسكرية في ميادين القتال، رغم امتلاكهم لأسلحة ذات قدرات عالية.
كما أكد الخبير قلة الدراية بأساليب القتالات الخاصة وحرب العصابات والمناطق المبنية وسط جنود الاحتلال مما يجعل خسائر الاحتلال ترتفع باستمرار.
وفيما يتعلق بإعلان الجيش الإسرائيلي استمرار تواجده في منطقة العملية يرى الفلاحي أن الأمر لا يعدو كونه محاولة لإظهار عدم تأثر قواته بها، وأوضح أن التوغل لا يعني السيطرة على المنطقة.
وتوقع الخبير أن تؤثر العملية على معنويات جيش الاحتلال التي تأثرت أصلا بعملية استنزاف متواصلة موضحا أن جيش الاحتلال يعاني من نقص كبير في عدد القوات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات جیش الاحتلال
إقرأ أيضاً:
المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب
أحمد الفقيه العجيلي
تبدو المفارقة في المشهد العربي اليوم لافتة: فبعض الأنظمة تبدو أكثر تشددًا تجاه حركات المقاومة مما هي عليه القوى الكبرى نفسها. ولا يرتبط الأمر بخلاف سياسي محدود؛ بل بتراكم تاريخي وتعقيدات تتداخل فيها هواجس الأمن الداخلي، وتحولات الإقليم، ومحاولات إعادة بناء الأولويات بعيدًا عن القضية الفلسطينية.
حركات المقاومة- وفي مقدمتها حماس- تمثل نموذجًا حساسًا لدى عدد من الأنظمة. فهي قوى شعبية تمتلك خطابًا مؤثرًا، وحضورًا ميدانيًا متماسكًا، وقدرة على الاستمرار رغم الظروف القاسية.
هذا النموذج يُثير مخاوف متوارثة من انتقال "عدوى القوة الشعبية" إلى الداخل، كما حدث حين ألهبت ثورات الخمسينيات مشاعر الشعوب العربية، أو عندما فجّرت انتفاضة 1987 موجة تعاطف وضغط شعبي هزّت المنطقة بأكملها. لذلك تصبح هذه الحركات هدفًا مزدوجًا: تُحارَب من الاحتلال لأنه يراها خصمًا مباشرًا، وتتحفظ عليها بعض الأنظمة لأنها تمثل نمطًا لا ترغب في رؤيته يتكرر.
الأحداث الأخيرة كشفت هذه المعادلة بوضوح؛ فبعد طرح "خطة ترامب"، التي تكشف عن ثغرة قاتلة: غياب الضمانات الحقيقية لوقف الخروقات الإسرائيلية. هذه الخطة لم تُبنَ على أساس موازين قوى متكافئة أو حقوق ثابتة؛ بل اعتمدت في جوهرها على أجندة أمريكية- إسرائيلية تهدف إلى تصفية المقاومة ونزع سلاحها أولًا، دون إلزام الاحتلال بضوابط ردع فعالة لوقف الاستيطان أو الاغتيالات أو التعدي على المقدسات.
وبالتالي تجعل تركيزها كله على مطالبة المقاومة بالتنازل، دون وضع آليات عقابية لإلزام الطرف الإسرائيلي.
والأدهى، أن دور الوسطاء العرب والدوليين يظل في الغالب ضعيفًا وغير فعّال عند وقوع الخروقات الإسرائيلية الكبرى؛ فبدلًا من ممارسة ضغط حقيقي لفرض عقوبة على العدو، تقتصر ردود فعلهم غالبًا على بيانات حذرة أو متابعة للمشهد، ما يضعهم في موقع "المراقب" بدلًا من "الضامن الفعّال". هذا الضعف في آليات الضمان يرسخ الانطباع بأن أي تسوية تُطرح، هي بالأساس إطار قابل للتلاعب من قبل الاحتلال، يتيح له استخدام الوقت لصالحه للمزيد من القضم والتمدد.
التاريخ القريب يدل على أن أي تسوية لا تنطلق من الإرادة الفلسطينية تتحول إلى إطار قابل للتلاعب. حدث ذلك في كامب ديفيد، وفي أوسلو، ويتكرر اليوم مع خطة ترامب. فالاحتلال يملك القدرة على إعادة تفسير البنود واستخدام الوقت لصالحه، بينما تكتفي الأطراف العربية المعنية بمتابعة المشهد أكثر مما تُسهم في تشكيله.
ويبقى السؤال: هل يمكن لمثل هذه الخطط أن تنجح؟ التجربة تشير إلى أن نجاحها يتطلب قبولًا فلسطينيًا واسعًا، وهو ما لم يتحقق، خصوصًا أن الخطة بُنيت على منطق أحادي يجعل "الحل" أقرب إلى إعادة ترتيب الاحتلال بلغة سياسية ناعمة. وهكذا تبقى المقاومة- رغم اختلاف تقييم أدائها- الطرف الوحيد الذي يتحرك على قاعدة الفعل لا البيانات.
بحسب ما أتابعه من قراءات وتحليلات، فإن فرص نجاح أي خطة لا تُلزم الاحتلال بقواعد واضحة وتضمن الحد الأدنى من الحقوق، ستظل ضعيفة. فالخطة التي تستند على الضغط على المقاومة دون ردع الاحتلال، تشبه محاولة بناء بيتٍ على أرض رخوة؛ أول هبّة ريح تكشف هشاشته.
ولعل العدو يدرك- قبل غيره- أن كسر حماس ليس سهلًا؛ فالمقاومة التي صمدت تحت الحصار، وتحت النار، وتحت كل حملات التشويه، ليست مجرد تنظيم؛ إنها حالة وعي تشكّلت عبر عقود من الجراح والأمل. وهذا ما يجعل بعض الأنظمة أكثر حذرًا… وربما أكثر عداءً.
في الجوهر، الموقف المتشدد تجاه المقاومة لا يرتبط بقيم سياسية بقدر ما يرتبط برغبة عدد من الأنظمة في طيّ صفحة الصراع، أو على الأقل تحييده عن حساباتها الجديدة. لكن وجود مقاومة فاعلة يعيد تذكير الجميع بأن الملف لم يُغلق، وأن أي ترتيب لا يأخذ حقوق الفلسطينيين بجدية لن يعيش طويلًا.
لهذا تبدو المفارقة مفهومة: تُنتقد المقاومة لأنها ترفض التكيف مع المعادلات الجديدة، ولأن استمرارها يربك خطاب “الاستقرار بأي ثمن”. أما الاحتلال، فاعتاد أن يجد من يخفف عنه عبء الانتقاد، حتى وهو يمضي في خروقاته يومًا بعد يوم.
ولذلك، كلما اشتد الهجوم على حماس… ازددتُ يقينًا أن ما يؤلم خصومها ليس فعلها، بل ثباتها.
وما يزعجهم ليس قوتها، بل قدرتها على النجاة. وما يخيفهم ليس خطابها؛ بل الأمل الذي تبقيه حيًا في قلوب الناس.
هذه الصورة ليست تحليلًا سياسيًا بقدر ما هي قراءة واقعية لمشهد يتكرر عبر العقود: حين يتراجع الصوت الرسمي، تظل القوى الشعبية- مهما اختلفت التقديرات حولها- هي الكف التي تمنع سقوط القضية بالكامل.
في النهاية.. يظل الثابت أن من يحمل البندقية ومن يرفض الانحناء هو الأكثر استهدافًا. أما من يفاوض بلا أوراق قوة، أو يساير الرياح حيثما هبّت، فلن يكون موضع قلق لأي أحد.