تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

منذ أن اجتاحت موجة الاستقلال الكبيرة عن الحكم الأوروبي، قارة أفريقيا في عام 1960، لم تنضم أي دولة في القارة إلى نادي أغنى دول العالم. 
والملاحظ أن الأمر لم يكن قاصرا على دول قارة أفريقيا وحدها. فمنذ الحرب العالمية الثانية، كانت كل الدول التي صعدت وأصبحت غنية هي تقريبا من الدول الأوروبية المستفيدة من خطة مارشال، أو المستعمرات الاستيطانية الغربية مثل أستراليا ونيوزيلندا، وبعض الدول المطلة على آسيا، فيما كان الاستثناء الوحيد قلة من الدول الغنية بالنفط والغاز.


وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الأمر الذي يدعو للدهشة هو أن دول قارة أفريقيا، وبعد عقود من الاستقلال، ما تزال على قوائم أفقر دول العالم، رغم ما تمتلكه بعضها من ثروات طبيعية، مشيرة إلى أنه على الرغم من الإهمال الكبير الذي لحق بأفريقيا، إلا أن تحقيق النهضة الاقتصادية في القارة يشكل واحدا من أعظم التحديات في هذا القرن، خاصة وأن القارة على مدى العقود المقبلة ستكون المكان الذي يحدث فيه معظم النمو السكاني العالمي في عصر الشيخوخة السريعة في العديد من المجتمعات الغنية. 
وأشارت المجلة إلى أهمية تعزيز قدرة القارة الأفريقية على بناء طبقات متوسطة قوية، حيث إن البديل هو تحول أفريقيا لتصبح مصدرا أكبر للهجرة الدولية والذعر المصاحب لها في الغرب. علاوة على ذلك، فإن تحقيق أهداف المناخ العالمي يتطلب إيجاد وسيلة لإنتاج قدر أكبر من الطاقة صديقة البيئة لشعوب أفريقيا، حيث في أجزاء كثيرة من القارة، يستهلك الأفراد كهرباء أقل بكثير سنويا في المتوسط من استهلاك ثلاجة أمريكية نموذجية.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن جزءا كبيرا من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها أفريقيا يمكن إرجاعها إلى التأثيرات الأجنبية المدمرة التي تعود إلى تاريخ عميق ومأساوي للغاية من الاستغلال والقهر معظمه على أيدي الأوروبيين بحق الشعوب الأفريقية المستعبدة، حيث تم استعباد 12 مليونا من أبناء القارة أو نحو ذلك لتعزيز خلق الثروة الغربية.
وواصلت المجلة أن هناك تيارا عميقا آخر من المأساة يمر عبر استيلاء أوروبا الصريح على ثروات أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر وما بعد هذه الفترة، حيث كان تركيز أوروبا مُنصبا على استخراج الموارد الطبيعية مثل المطاط والكاكاو والمعادن الثمينة، إلى جانب إجبار الأفارقة على العمل في ظروف أشبه بالعبودية حتى بعد الحرب العالمية الثانية مع استخدام أعداد كبيرة منهم للقتال في حروب أوروبا.
وترى المجلة الأمريكية أنه منذ استقلال القارة، ساهمت عوامل خارجية أخرى في فشل أفريقيا في الانطلاق اقتصاديا. ففي حين تمكنت الصين من الصعود على مدى العقود الأربعة الماضية، وحققت تقدما صناعيا على نطاق واسع، فقد عانت أفريقيا من انقسامات عميقة إلى 54 دولة معظمها صغيرة وغير ساحلية في كثير من الأحيان، وهو إرث الاستعمار الذي دام لفترات زمنية طويلة.
وشددت المجلة على أنه يتعين على البلدان الأفريقية أن تعالج مشاكلها الداخلية إذا كانت راغبة في إيجاد الطريق نحو قدر أعظم من الرخاء والازدهار، مشيرة في هذا الصدد إلى ثلاثة كتب لباحثين يقدمون من خلالها نظرة ثاقبة للطبيعة الفريدة للقضايا الداخلية الحالية لأفريقيا، والطرق التي قد تتمكن بها القارة من تحويل واقعها الاقتصادي نحو الأفضل.
ويأتي الكتاب الأول للباحث وانج فينج تحت عنوان "عصر الوفرة في الصين: الأصول، والصعود، والعواقب". ويرى وانج، عالم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا، أن نجاح الصين الهائل في تحقيق الرخاء بين عامي 1979 و2019 يرجع إلى درجة عالية من الاستقرار السياسي والتماسك في برنامجها للتنمية الاقتصادية، مع التزام قادة الصين بخريطة الطريق التي وضعها الإصلاحي العالمي الصيني المخضرم "دنج شياو بينج".
وتؤكد المجلة الأمريكية أن الخروج من الفقر هو مشروع أجيال وليس مهمة قائد واحد، حتى لو كان قائدا لفترة طويلة. لذا، فإن أفريقيا بعكس الصين كانت تفتقر إلى هذا النوع من الاتساق عبر الأجيال، حيث عانت بلدان القارة إما من حكم أنظمة استبدادية لفترات طويلة أعاقت وضع القواعد المستقرة وبناء المؤسسات، أو أنها عانت من عدم الاستقرار الذي عادة ما يكون في شكل انقلابات يعقبها حكم عسكري.
أما الكتاب الثاني، فيأتي تحت عنوان "التراخي نحو المدينة الفاضلة"، للاقتصادي ج. برادفورد ديلونج من جامعة كاليفورنيا. وعلى الرغم من أن ديلونج لا يركز بشكل مكثف على أفريقيا في كتابه، إلا أن الاتجاهات التي تناولها تظهر حاليا بشكل واضح في المنطقة الأقل استقرارا في أفريقيا، وهي: الحزام العريض من الدول الذي يمتد تحت الصحراء الكبرى والمعروف باسم الساحل، والذي شهد ثمانية انقلابات ناجحة منذ عام 2020.
وحمل الكتاب الثالث عنوان "التفاوت العالمي: نهج جديد في التعامل مع عصر العولمة"، للخبير الاقتصادي البارز برانكو ميلانوفيتش من جامعة نيويورك. وحاول ميلانوفيتش تفسير لغز فشل أفريقيا في الانطلاق إلى المزيد من التقدم، حيث أشار إلى أنه بعد الأداء الجيد في الستينيات والسبعينيات، شهدت القارة انتكاسة اقتصادية هائلة في التسعينيات، وهو العقد الذي توقف فيه النمو فعليا في العديد من البلدان الأفريقية، حيث بحلول عام 2000، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في القارة بشكل كارثي 20% أقل من مستواه في عام 1980. وبعد 13 عاما، ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا إلى 1.9 مرة أعلى من مستواه المسجل في عام 1970. 
ويرى ميلانوفيتش أن المشاكل في أفريقيا أكثر تعقيدا مما توحي به هذه الأرقام، حيث شهدت البلدان الأفريقية في كثير من الأحيان طفرات في النمو أعقبها انخفاضات سريعة. ويبدو أن عدم القدرة على الحفاظ على معدلات نمو حتى وإن كانت متواضعة لفترات طويلة هي المشكلة الرئيسية لدول القارة. كما أن تقلبات النمو هناك مدفوعة بالصراعات السياسية والحروب الأهلية واتجاهات الأسعار التي تؤثر على الموارد الطبيعية والتي يعتمد جزء كبير من إنتاج وصادرات أفريقيا عليها.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الكثيرين يلقون باللائمة أيضا على الفساد في أفريقيا كسبب رئيس يحول دون تحقيق النهضة الاقتصادية المرجوة، دون أن يأخذوا في الاعتبار أن الصين والعديد من البلدان الأخرى الناجحة اقتصاديا تعاني هي الأخرى من قدر كبير من الفساد. ففي الواقع، قامت بكين منذ فترة طويلة بإعدام أو سجن المسؤولين المدانين بتهمة الإثراء غير المشروع. ولكن الاختلاف هنا أنه في حين ينخرط مسؤولون في الصين في الكسب غير المشروع، فإن المشاريع التي يشرفون عليها تستمر ويتم إنجازها في نهاية المطاف ولا تتوقف.
ونوهت المجلة إلى أن ما ساعد الصين –بخلاف أفريقيا- على التقدم بقوة في فترة زمنية قصيرة نسبيا هو استثمارها المستدام فيما يسميه بعض الاقتصاديين بنيتها التحتية البشرية، حيث وفقا للباحث وانج فينج في كتابه "عصر الوفرة في الصين: الأصول، والصعود، والعواقب"، فقد حققت الصين قبل انتهاء الفترة الماوية (فترة حكم ماو تسي تونج) في عام 1976، تقدما هائلا في تحسين الصحة العامة لسكانها؛ ما أدى إلى انخفاض كبير في حصيلة الأمراض المعدية وغيرها من أسباب الوفاة التي يمكن الوقاية منها إلى حد كبير، مثل الوفيات عند الولادة، ووفيات الرضع، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة إنتاجية السكان.
وشهد العصر الذي أعقب وفاة ماو تسي تونج كذلك تحسينات إضافية مستمرة في الرعاية الصحية، وهو ما تؤكده جميع أنواع الإحصاءات، بدءا بمتوسط العمر - الذي يبلغ حاليا 78.99 سنة - والذي يشبه المتوسط في الولايات المتحدة الأكثر ثراء بكثير، في حين ماتزال أفريقيا تعاني من الأمراض الاستوائية المتوطنة مثل الملاريا، ولديها أسوأ المؤشرات الصحية مقارنة بأي قارة. لذا، فإن السياسات البسيطة، مثل تحسين وتوسيع شبكات المياه البلدية وشبكات المياه الريفية، على سبيل المثال، من الممكن أن تنقذ الأرواح على نطاق واسع وتطيل العمر وبالتالي تحسين الإنتاجية.
ويولي كتاب وانج أيضا المزيد من الاهتمام لجانب آخر من مشروع الأجيال الذي بدأ في عهد الرئيس الصيني دنج شياو بينج (1978-1992) لتحويل الصين، وهو: التعليم، حيث ارتفع معدل الالتحاق بالمدارس في جميع المستويات فوق المرحلة الابتدائية بشكل كبير. ومن خلال هذا التوسع الهائل في نظامها التعليمي، قامت الصين بتحسين جودة قوتها العاملة بشكل كبير ومستمر.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه في المقابل، فإن الأمية لا تزال منتشرة على نطاق واسع في بعض البلدان الأفريقية، فيما تحصل الفتيات في العديد من البلدان هناك على تعليم أقل بكثير من الأولاد. 
وأكدت المجلة أنه ليس أمام القارة خيار سوى القيام باستثمارات أكبر بكثير في البنية التحتية البشرية إذا كان لها أن تغير ظروفها الاقتصادية في العقود المقبلة، خاصة وأن شعبها يتمتع بموهبة طبيعية مثل أي شعب آخر في أي مكان آخر، ولكن المشاركة في الاقتصاد العالمي بصورة أكثر فعالية تعتمد على إنتاج فكري أكبر بكثير مما هو قائم حاليا في القارة، مع أهمية إيجاد حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية، الأمر الذي لن يتأتى إلا من خلال التعليم.
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الحكم الأوروبي قارة إفريقيا الحرب العالمية الثانية البلدان الأفریقیة فورین بولیسی أفریقیا فی فی أفریقیا فی القارة فی عام إلى أن

إقرأ أيضاً:

سباق القواعد والنفوذ في أفريقيا.. من يملك القرار في القارة؟

الدوحة ـ في وقت تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية عالميا، تعود القارة الأفريقية إلى صدارة المشهد الدولي، ليس فقط بوصفها فضاء غنيا بالموارد والأسواق الواعدة، بل باعتبارها ساحة مفتوحة لتنافس القوى الكبرى عسكريا واقتصاديا وإستراتيجيا.

وبين انتشار القواعد العسكرية الأجنبية، وتدفق الاستثمارات، ومحاولات تنويع الشراكات الدولية، يظل السؤال الجوهري مطروحا: هل تمتلك أفريقيا اليوم القدرة على حماية استقلال قرارها، أم أنها ما تزال أسيرة أنماط قديمة من التبعية بأدوات جديدة؟

في هذا السياق، قدم عدد من الباحثين والأكاديميين، خلال جلسة "سيادة الدول الأفريقية في مواجهة التدخلات الخارجية" على هامش مؤتمر أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الذي ينظمه مركز الجزيرة للدراسات، في الدوحة اليوم، قراءات متقاطعة حول واقع الوجود العسكري الأجنبي، وأبعاد التنافس الدولي، ومستقبل الاستثمار في القارة، خلال نقاشات عكست تعقيدات المشهد الأفريقي وتحدياته البنيوية.

المتحدثون في المؤتمر قدموا قراءات متقاطعة حول واقع الوجود العسكري الأجنبي بأفريقيا (الجزيرة)استقلال القرار الأفريقي

وخلال مداخلته في الجلسة، قال الشافعي أبتدون الباحث المهتم بشؤون القرن الأفريقي إن الوجود العسكري الأجنبي في أفريقيا يترك تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على استقلال القرار الأفريقي، سواء على المستوى الأمني أو السياسي.

وأوضح أن هذه القواعد تقيد في كثير من الأحيان حرية الدول المضيفة في رسم سياساتها الدفاعية، إذ يصبح جزء من أمنها الوطني مرتبطا بأجندات قوى خارجية، مضيفا أن الوجود العسكري الأجنبي لا يقتصر أثره على البعد الأمني، بل يمتد سياسيا عبر ممارسة ضغوط على صناع القرار، ما يحد من استقلالية المواقف الأفريقية في القضايا الإقليمية والدولية، ويحول القارة إلى ساحة تنافس مفتوح بين القوى الكبرى.

إعلان

وأشار أبتدون إلى أن وجود القواعد العسكرية الأجنبية، أو حتى انسحابها، لا يعني بالضرورة تدهور العلاقات بين الدول، بل قد يفتح المجال أمام إعادة تشكيل علاقات جديدة بين الدول المضيفة والقوى الدولية، وفق منطق المصالح المتبادلة وإعادة التموضع الجيوسياسي.

وضرب الباحث مثالا بجيبوتي، التي تمثل نموذجا واضحا لهذا الواقع، إذ تحتضن عددا كبيرا من القواعد العسكرية الأجنبية في مساحة جغرافية وسكانية محدودة. ولفت إلى أن الهدف الأساسي لجيبوتي يتمثل في حماية هذه القواعد واستثمارها اقتصاديا.

وبين أن الولايات المتحدة تدفع ما بين 63 و75 مليون دولار سنويا مقابل قاعدتها العسكرية، تليها فرنسا بنحو 40 مليون دولار، ثم اليابان وإيطاليا، إضافة إلى الصين، موضحا أن هذه العائدات تمثل قرابة 10% من الميزانية العامة للدولة، وتسهم في دعم الاقتصاد الوطني، رغم أن الأوضاع المعيشية للسكان ما تزال متدنية مقارنة بدول الجوار.

وحذر الباحث المهتم بشؤون القرن الأفريقي من أن هذه العائدات، على أهميتها المالية، تكرس نمطا من التبعية الاقتصادية، حيث تستبدل من التنمية المستدامة إيرادات ريعية قصيرة الأجل، مشددا على أن المكاسب الأمنية التي توفرها القواعد قد تكون مؤقتة، في حين تمتد آثارها السلبية على المدى الطويل.

أشار أبتدون، في تصريح للجزيرة نت إلى تحركات إقليمية ودولية متسارعة، لاسيما في الصومال، لإعادة فتح أو تفعيل قواعد عسكرية تحت ذريعة تقديم الدعم الأمني، في ظل تنافس أميركي وإقليمي متزايد على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي، موضحا أن لجوء الدول الأفريقية إلى تنويع شراكاتها الدولية لا يعني بالضرورة تغيير عقيدتها السياسية، بل يخضع لمنطق اقتصادي معروف يقوم على تنويع الشركاء لتقليل المخاطر وجذب الاستثمارات.

وأكد أن رأس المال تحكمه المصالح لا الاعتبارات الأخلاقية، مبينا أن قوة المؤسسات الوطنية وقدرتها التفاوضية تمثل عاملا حاسما في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب وجود ضمانات قانونية واضحة وعلاقات دبلوماسية مستقرة، مستشهدا بتجربة تركيا التي وسعت شراكاتها الاقتصادية عبر تعزيز تمثيلها الدبلوماسي، وضمان آليات التحكيم الدولي لحماية المستثمرين.

وشدد على أن أفريقيا ليست مضطرة للبقاء رهينة أنماط التبعية، غير أن ذلك يتطلب شراكات تبادلية قائمة على مبدأ الربح المتبادل، وليس على نماذج الهيمنة أو المكاسب الأحادية، مشيرا إلى أن بعض التجارب الناجحة، مثل رواندا، ما تزال بحاجة إلى مزيد من الشفافية، خصوصا في ما يتعلق بحجم الاستثمارات والصفقات غير المعلنة.

مداخلات الحضور ركزت على طريقة خروج أفريقيا من التبعية الدولية (الجزيرة)أفريقيا ساحة نفوذ

من جانبه، قال بوحنية قوي، الأكاديمي الجزائري المتخصص في قضايا الحوكمة والشؤون الأمنية والأفريقية في مداخلته أمام الجلسة، إن تعاطي القوى الكبرى مع أفريقيا لا يقوم فقط على منطق الاستثمار، بل على اعتبارها ساحة لتقاسم النفوذ، موضحا أن هذا التنافس يجري اليوم بأدوات جديدة تشمل أبعادا اقتصادية وأمنية وعسكرية واستخباراتية.

إعلان

وأوضح أن القارة تشهد انتشارا واسعا للقواعد العسكرية الأجنبية، مع وجود أكثر من 40 قاعدة أميركية وأوروبية، ساهم بعضها، بحسب تعبيره، في تقويض الاستقرار داخل عدد من الدول الأفريقية بدلا من دعمه.

وأضاف بوحينة قوي، في حديث للجزيرة نت، أن لكل قوة دولية مقاربتها الخاصة، فالولايات المتحدة تعتمد منظورا أمنيا وعسكريا ذا طابع استخباراتي مغلف اقتصاديا، في حين دخلت روسيا بقوة إلى منطقة الساحل بعد الحرب في أوكرانيا، عبر دعم دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو في إعادة تأهيل قدراتها العسكرية، وإن كان ذلك ضمن رؤية قصيرة المدى.

وأشار إلى أن تركيا اختارت مسارا مختلفا قائما على التعليم وبناء القدرات المؤسساتية، في حين تواصل الصين توسيع حضورها من خلال إستراتيجيات اقتصادية وتنموية طويلة الأمد.

وشدد قوي على أن الإشكالية الأساسية لا تكمن في الصين أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، بل في غياب الأجندة الوطنية الواضحة لدى العديد من الدول الأفريقية منذ الاستقلال، موضحا أن الخلط بين المسارات الدستورية والانتخابية دون بناء مشروع تنموي علمي متكامل أدى إلى تعثر هذه الدول لعقود.

وأكد أن القوى الكبرى تعتمد ما وصفه بـ"المشي الهادئ"، القائم على التغلغل الاقتصادي أولا، ثم التمويل والدعم، قبل تثبيت النفوذ، مستشهدا باستثمارات تتجاوز مليار دولار في بعض الحالات.

جانب من المشاركين في جلسة سيادة الدول الأفريقية في مواجهة التدخلات (الجزيرة)مفتاح مستقبل القارة

بدوره، قال محمد زكريا، الباحث في الشؤون الأفريقية الاقتصادية والاجتماعية، إن المقاربة الدولية تجاه أفريقيا لا يمكن اختزالها في المساعدات الإنسانية أو الترتيبات الأمنية، مؤكدا أن الاستثمار سيظل العامل الحاسم في رسم ملامح القارة خلال العقود المقبلة.

وأوضح أن القارة تشهد تحولا لافتا نحو تنويع الشركاء الدوليين، كما في حالة النيجر، التي تسعى إلى الانفتاح على الأسواق العالمية لتحقيق توازنات اقتصادية وربما سياسية، في ظل التنافس الدولي المتصاعد على الموارد.

وأشار إلى أن الصراعات المقبلة في أفريقيا ستكون مرتبطة بشكل متزايد بالموارد الإستراتيجية، وعلى رأسها الذهب والمعادن النادرة، في سياق التحولات العالمية المرتبطة بالتكنولوجيا والعملات الرقمية، إلى جانب قطاعات الزراعة والصناعات المرتبطة بها.

وحذر من أن الاستثمار الأجنبي، رغم قفزته بنسبة 75% ليصل إلى 162 مليار دولار في 2024، قد يتحول إلى عامل تعميق للتبعية إذا لم يضبط بإطار قانوني ومؤسسي عادل، مشددا على أن أفريقيا تحتاج إلى استثمارات حقيقية ومنتجة، لا إلى استثمارات مرتبطة بحسابات نفوذ.

وختم زكريا بالتأكيد على أن استقلال القرار السياسي، وبناء السياسات الوطنية، وتعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، تشكل شروطا أساسية لتحقيق تنمية مستقلة ومستدامة، وضمان استفادة المجتمعات المحلية والأجيال القادمة من الفرص الاستثمارية.

مقالات مشابهة

  • سباق القواعد والنفوذ في أفريقيا.. من يملك القرار في القارة؟
  • الدولية للهجرة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم
  • “الدولية للهجرة” تحذر من تفشي الأمراض في غزة
  • المنظمة الدولية للهجرة: الأمطار تعرض النازحين في غزة للخطر
  • فورين بوليسي: 3 دروس تعلمتها الصين من الولايات المتحدة
  • وزير الاستثمار يطرح رؤية مصر لتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية
  • وزير الاستثمار يشارك في "منتدى أعمال منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية" بالمغرب
  • وزير الاستثمار: تحرير الجمارك والدفع بالعملات المحلية يدعمان التجارة بين الدول الأفريقية
  • “الدولية للهجرة” تجدد دعوتها لوصول المساعدات بشكل آمن ودون أي عوائق إلى غزة
  • لماذا تحتاج أمريكا إلى الخليج في معركة الذكاء الاصطناعي مع الصين؟