جدوى الحوار السياسي قبل وقف الحرب

أسئلة دون اجابات

حق الحياة قبل الحقوق السياسية

 

ياسر عرمان     

قال غابريل ماركيز في روايته الشهيرة (مائة عام من العزلة): “انهم يجرون الانتخابات في قرية خالية من العواطف السياسية”. السياسة الحقيقية هي التي تخاطب مصالح وأولويات الناس وتطرحها بشكل صحيح، فالحقوق الطبيعية تاتي قبل الحقوق المدنية والسياسية والحرب تطرح حق الحياة كاولوية لملايين السودانيات والسودانيين الذين تكمن مصالحهم الفعلية في وقف الحرب كمهمة عاجلة، الحرب لا يوفقها الا الذين يشعلون اوارها ويمتلكون البارود والبنادق.

حق الحياة متعلق بتوفير الامن ووقف القتل والاغتصاب واحتلال القري واحياء المدن ووقف قصف الطيران على الابرياء وحماية المدنيين ووقف تنزيح النازحين داخل السودان واللجوء خارجه وفتح الممرات الآمنة للاغاثة. كل ذلك يتطلب وقف اطلاق نار انساني طويل الامد بشكل عاجل، وهو الاولوية الاولي والثانية والثالثة، ويجب وقف النزيف اولا ومعالجة اسبابه هذا هو منطق الحياة والحرب، واي حوار سياسي جاد لا بد ان يتزامن مع وقف الحرب اذا لم يسبقه وقف الحرب الحوار نفسه حتي يكون ذو معني وقيمة.

 

دعوات الحوار نبيلة ومهمة وقد صدرت من عدة منابر هامة، وهي مجهودات تستحق التقدير، ولكنها تضع الاولويات بصورة معكوسة سيما وإن الاطراف المسلحة لن تشارك في هذه المنابر وستواصل حربها اثناء انعقاد جلسات الحوار، ولن تلتزم بوقف الحرب وقد اصبحت لا تهتم حتي بوقف الحرب اثناء الاعياد بل إن الاعياد كانت فرصة للتصعيد، ولن تهتم باعطاء السلام فرصة كما عبرت اغنية  فريق (الخنافس) وجون لينون الشهيرة (اعطي السلام فرصة).

 

ففي الماضي- وما اشبه الليلة بالبارحة- تم مطالبة القوى السياسية بالحوار والاتفاق قبل انهاء الانقلاب، وذكر الانقلابي “اذا توافقت القوى السياسية فاننا سنسلمها السلطة” واسلموا البلاد الى الحرب مفضلين الحرب على الاتفاق الاطاري!

 

القوى التي يُراد دعوتها اليوم شديدة الشبه بالقوى التي تم اشتراط الحوار معها بالامس، وهي قوى ذات صلة بالعسكر اكثر من صلتها بالسياسة- مع بعض الاستثناءات- بل ان بعضها يمتلك جيوش ويحارب في هذه الحرب فعليا!

 

كيف يتم ربط منابر الحوار السياسي مع بعضها البعض؟ وكيف ستشارك القوى الاقليمية والدولية في مراقبة الحوار وضمان تنفيذ نتائجه؟ وما مدي الزامية نتائج الحوار في غياب اطراف الحرب؟ وكيف يتم الربط بين منبر الحوار العسكري ومنابر الحوار المدني السياسي؟ وكيف تشارك اطراف شريكة لاحد اطراف الحرب وتحارب معه في حوار مدني سياسي؟ وهل بمشاركتها تكون اطراف مدنية ام عسكرية؟ ام خاطفة لونين؟ وكيف سيتم دمج نتائج الحوار السياسي مع نتائج الحوار العسكري اذا كانت هنالك نتائج؟ وهل الاجدى حشد الطاقات لوقف الحرب ام لاجراء حوار سياسي دائري؟ وهل الاولولية لاجراء حوار سياسي بين قوى الثورة لتكوين كتلة حرجة ام القوى الداعمة للانقلاب والحرب و التي تقف ضد ثورة ديسمبر؟ ما هي الآليات التي تؤدي لضمان موافقة اطراف النزاع العسكري على نتائج الحوار السياسي؟ كيف سيتم مناقشة اهم قضية وهي بناء جيش مهني واحد في غياب الاطراف العسكرية والتزامها؟

 

الاهم للشعب وللمواطن في الظرف الحالي هو اتفاق الاطراف العسكرية على وقف الحرب كواحد من مراحل العملية السياسية الشاملة. إن الحوار السياسي يقع في دائرة انهاء الحرب ومعالجة اسبابها التاريخية وتاسيس الدولة واكمال الثورة والوصول الى حلول مستدامة تبعدنا عن الحلول الهشة التي ستعيد الحرب، وبداية العملية السياسية هي وقف الحرب وانهاءها هو مرحلة ثانية تؤدي لمعالجة اسبابها في عملية سياسية واحدة. قرارات مجلس الامن واهمها القرار 2427 لم تحدد الاليات ولم تربط بين المنبر العسكري والسياسي ولم تصادق مع الاتحاد الافريقي على بعثة في الارض للسلام وحماية المدنيين.

 

ان تجارب التفاوض في حل النزاعات المسلحة والحروب الاهلية قد دمجت وربطت على الدوام بين وقف الحرب والحلول السياسية. ان الاطراف المسلحة ذات قدرة على التاثير في المسار السياسي وتمد يدها في قفاز مخملي من الحرير لا يخفي ظهور الحديد مهما تفننت في اظهار الحرير المخملي.

 

كل عام وانتم بخير وتصبحون على وطن جديد.

 

١٨ يونيو ٢٠٢٤

الوسومأسئلة الحوار السياسي وقف الحرب ياسر عرمان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أسئلة الحوار السياسي وقف الحرب ياسر عرمان

إقرأ أيضاً:

عُمان التي أسكتت طبول الحرب

في ركنٍ من هذا العالم العربي الملتهب، حيث تتشابك مصالح الإمبراطوريات وتتصادم استراتيجيات الدول الكبرى على حساب الجغرافيا والتاريخ، هناك دولة اختارت طريقًا مختلفًا.

سلطنة عُمان هذه الواحة الهادئة وسط صحراء النزاعات لم تسمح لنفسها أن تكون بيدقًا في رقعة الشطرنج الدولية، ولم تُبدّد مكانتها في لعبة المحاور والاصطفافات، بل وقفت كـ«السيدة الحكيمة»، كما يسميها المراقبون، تمسح عن الوجوه غبار الحروب، وتفتح للخصوم أبوابًا لم يكونوا يتوقعونها.

في منطقة تتوزعها الرياح بين الطموح النووي الإيراني، والوجود الأمريكي الصارم، والاشتباك العربي المزمن، رفعت سلطنة عمان راية أخرى: راية «الاحترام المشترك»، و«الحوار قبل الضربة»، و«اليد الممدودة بدل الإصبع على الزناد».

وهنا، يكمن الاستثناء العُماني: دولة لم تُقامر يومًا بدماء جيرانها، ولم تبنِ مجدها على ركام الدول الأخرى. بل آمنت أن دورها الحضاري ليس بالتحالف مع الأقوى، بل بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع.

في السادس من مايو، بينما كانت شاشات الأخبار تغرق في صور الانفجارات، وبينما كانت المؤشرات تنذر بتوسّع خطير في الصراع الدائر بين جماعة أنصار الله والتهديدات أمريكية المتصاعدة تجاه استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، خرجت مسقط باتفاق ناعم لكنه جلل: وقف إطلاق نار مؤقت بين واشنطن وصنعاء، يضمن سلامة الملاحة، ويمنح للسلام فرصة ليلتقط أنفاسه.

ولم تكن هذه المبادرة وليدة لحظة، بل هي نتيجة شهور من الحوار الصامت الذي أجرته سلطنة عُمان، بهدوء، بعيدًا عن الأضواء، في قنوات خلفية لا تعتمد على التصعيد، بل على بناء الثقة، حجرةً بعد حجرة.

لكن الأمر لم يتوقف عند اليمن.

إذ حملت الأيام التالية مفاجأة أكبر: إيران تُعلن موافقتها على مبادرة عُمانية لاستضافة جولة رابعة من المفاوضات مع الولايات المتحدة.

في وقتٍ كانت فيه التوترات تنذر بالانفجار، وبين تحركات بحرية ومواقف سياسية حادة، قررت طهران أن تستمع لصوت مسقط.

لماذا؟ لأن هذه الدولة التي لا تلوّح بالقوة، تملك ما هو أثمن من ذلك: تملك المصداقية.

لقد فهمت سلطنة عمان منذ بداية الجمهورية الإسلامية في إيران، ومنذ لحظة دخول الأساطيل الأمريكية للخليج، أن دورها ليس الوقوف في الضد، بل الوقوف في المنتصف، لا كحياد باهت، بل كوسيط نشط، بكرامة وهدوء.

فما الذي يجعل هذا البلد العملاق برسالته، ينجح فيما فشلت فيه دول كبرى، ذات أبواق وسفارات وميزانيات مهولة؟ الجواب، ببساطة، إنه لا يُمارس السياسة من أجل العنوان، بل من أجل الغاية.

ففي السياسة كما في الطب، لا يحتاج الطبيب الجيد إلى صخب، بل إلى يد ثابتة ونية خيّرة.

وهذا ما فعلته سلطنة عُمان.

اقتربت من الجراح وهي تهمس لا تصرخ، ووضعت الضمادة لا الحطب.

لقد وُلدت هذه الفلسفة من تاريخ طويل في العلاقات الإنسانية والسياسية.

فسلطنة عُمان، التي تفتح أبوابها للحجاج والدبلوماسيين على حد سواء، تعرف أن الكلمة الطيبة تُغيّر العالم أكثر مما يفعل الرصاص.

عرفت ذلك عندما وقفت على مسافة متزنة من كل صراعات المنطقة، وعندما شاركت في مساعي الاتفاق النووي مع إيران، وعندما رفضت أن تدخل تحالفات استنزفت الدول وأغرقتها في الرمال.

عُمان لا تُراهن على النصر، بل على النُبل.

لا تُقايض بالتحالفات، بل تُبادر بالثقة.

لا ترفع شعارات، بل ترسم جسورًا.

وفي لحظةٍ يخشى فيها العالم اندلاع حربٍ جديدة بين قوى كبرى، تُطفئ مسقط الشرارة قبل أن تصبح نارًا.

تجمع طهران وواشنطن تحت سقف واحد، لا لتفرض رأيًا، بل لتفتح نافذة.

هذا المقال ليس تمجيدًا لدبلوماسية، بل احتفاء بأخلاق دولة.

بدولةٍ فهمت أن القيادة لا تحتاج صراخًا، بل رقيًّا.

وأن التاريخ لا يخلّد الأصوات العالية، بل الأفعال العظيمة التي تمشي على أطراف الأصابع.

تحية إلى عُمان، دولة الأفعال الهادئة التي كلما اقتربت الحرب، قررت أن تكتب فصلًا جديدًا للسلام.

مقالات مشابهة

  • قمة بغداد تعلن دعمها لوحدة اليمن والحل السياسي الشامل
  • أبو الغيط: العراق هو الدولة الأولى التي تترأس القمتين السياسية والاقتصادية
  • مبعوث أوروبا للكوني: الأوضاع مقلقة، وندعو لوقف التصعيد واستئناف الحوار السياسي بدعم أممي
  • فيديو ذكاء اصطناعي يثير تفاعلا خلال قمة المجموعة السياسية الأوروبية
  • رئيس وزراء فلسطين: لا حرج في الإصلاح السياسي للسلطة.. والانتخابات بعد انتهاء الحرب
  • حول البلطجة التي تعرض لها ابراهيم نقد الله في القاهرة! 
  • سند مجلي يدعو لإعادة تفعيل دور الشباب في الحياة السياسية: “نحتاج إلى قيادة شبابية مدرّبة لصناعة المستقبل
  • مساعد وزير الخارجية يتابع مع السفير الكندي نتائج المشاورات السياسية الاقتصادية المشتركة
  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب
  • المفتي قبلان استقبل سفير إيران.. وهذا ما تم بحثه