في 12 يونيو وبعد تحقيق حول الدعم الحكومي ذكرت المفوضية الأوروبية أنها ستفرض مؤقتا رسوما جمركية تتراوح بين 27.4% و48.1% على السيارات الكهربائية القادمة من الصين، يأتي هذا القرار بعد شهر من إعلان الولايات المتحدة عن عزمها رفع رسومها الجمركية الخاصة بها على السيارات الكهربائية الصينية بنسبة غير مسبوقة تصل إلى 102.

5%.

تحركات المفوضية بشأن السيارات الكهربائية قد لا تكون الأخيرة التي تُتَّخذ ضد تقنية الطاقة النظيفة المستوردة من الصين. فهنالك إجراءات تجارية جرى النظر فيها مؤخرا لركيزتين من ركائز الانتقال إلى الطاقة النظيفة في أوروبا. لقد تم إيقاف تحقيق في الدعم الحكومي لشركات صينية تصنع ألواح الطاقة الشمسية سبق أن تقدمت بعطاءات لمشروع حكومي في رومانيا وذلك بعد انسحاب هذه الشركات من المناقصة. ويجرى الآن تحرٍّ مماثل حول شركات توربينات الرياح الصينية. ودشَّنت الجهات المعنية كلا التحقيقين بموجب لائحة الدعم الأجنبي الجديدة.

مخاطر فرض التعريفات الجمركية

الاتحاد الأوروبي حريص على حماية شركاته مما يعتبرها منافسة غير عادلة، فهو لديه ذكريات مريرة عن أوائل العشرية الثانية عندما كادت ألواح الطاقة الشمسية الصينية الرخيصة أن تقضي على صناعتها الأوروبية.

الاتحاد الأوروبي مصيب في اعتباره تقنية الطاقة النظيفة صناعة استراتيجية بالغة الأهمية والعمل على التلطيف من العواقب السلبية لارتفاع الواردات من الصين. فعلى خلفية جيوسياسية متقلبة يمكن أن يكون من المعقول دفع علاوة سعرية للسلع المنتجة محليا.

لكن تقنيات التخلص من الكربون كألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية لها خصيصة تميزها عن السلع التجارية الأخرى. فهي عندما تُستخدم كبدائل للوقود الأحفوري تقلل من كمية غازات الاحتباس الحراري التي تُضخ في طبقات الجو العليا. إنها مطلوبة بكميات كبيرة وبسرعة لتجنب أسوأ آثار التغير المناخي.

والاتحاد الأوروبي ملزم قانونا بتحييد انبعاثات غاز الاحتباس الحراري بحلول عام 2050 وتحقيق هدف فوري بخفض الانبعاثات بنسبة 50% في عام 2030 قياسا بمستوياتها في عام 1990. وكان هنالك اقتراح بخفضها بنسبة 90% في عام 2040.

هذه الأهداف طموحة ولو أنها ليست كافية للحد من الاحترار عند 1.5 درجة مئوية. ومع خفض الانبعاثات بنسبة 32.5% في عام 2022 (قياسا بمستواها في عام 1990) سيكون المطلوب القيام بعمل متسارع ومستدام. هذا يعني ضمنا استخدام منتجات التقنية النظيفة التي تستهدف سوقا واسعة كألواح الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية وبأعداد كبيرة جدا.

تكاليف الصناعة الأوروبية

يريد الاتحاد الأوروبي تصنيع هذه المنتجات داخل حدوده. وكانت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين جازمة في خطابها عن حالة الاتحاد لعام 2023. فمستقبل التقنية النظيفة في الاتحاد الأوروبي يجب أن يتشكل في أوروبا. وتسعى الخطة الصناعية للصفقة الخضراء التي أعلنت في أوائل عام 2023 إلى القيام بذلك من خلال التخلص من الروتين الحكومي (خفض العوائق البيروقراطية) وتحسين إمكانية الحصول على التمويل وتعزيز المهارات والترويج للتجارة العادلة. ويضع قانون الصناعة للحياد الكربوني هدفا للاتحاد الأوروبي يتمثل في تصنيع 40% على الأقل من تقنيات الحياد الكربوني الاستراتيجية التي يوظفها سنويا بحلول عام 2030. ويقترح القانون تحقيق ذلك من خلال إجراءات تشمل مطالبة السلطات العامة بالنظر في مقاييس "استدامة ومرونة" غير سعرية عند شراء الطاقة المتجددة. فهذا نظريا من شأنه زيادة جاذبية السلع المصنَّعة في التراب الأوروبي.

لكن هذا المطلب يمكن تجاهله إذا انطوى على تكاليف إضافية غير متناسبة. لذلك من المشكوك فيه أن يكون كافيا للتعويض عن الاختلاف الكبير في تكاليف الإنتاج بين ألواح الطاقة الشمسية الصينية وتلك التي يتم تصنيعها في الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.

حسب التقديرات يحتاج تشييد المصانع المطلوبة لبلوغ أهداف القانون في تصنيع ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات إلى ما يقرب من 70 بليون دولار بحلول عام 2030.

لكن خلافا لما في الولايات المتحدة حيث يتيح قانون خفض التضخم دعومات سخية لا تقدم خطة الاتحاد الأوروبي الصناعية للصفقة الخضراء شيئا يذكر في جانب التمويل الجديد. الخطة تخفف من ضوابط العون الحكومي مما يمكِّن الدول الأعضاء من دعم الصناعة الخضراء. واقترحت تمويلا جديدا على مستوى الاتحاد الأوروبي للاستثمار في مشروعات التقنية النظيفة الاستراتيجية.

على أية حال، عودة القواعد المالية على نطاق الاتحاد الأوروبي ستقيِّد الإنفاق الحكومي بما في ذلك الصرف على الانتقال إلى الطاقة الخضراء. فالصندوق السيادي الأوروبي تم تقليصه وفي نهاية المطاف صار منصة لتحشيد التمويل الخاص.

المستويات الحالية للاستثمار في انتقال الاتحاد الأوروبي للموارد المتجددة غير كافية إلى حد بعيد مع تقدير العجز السنوي للاستثمار المناخي بحوالي 406 بليون يورو أو 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي مما يعني ضمنا الحاجة إلى مضاعفة التمويل المناخي للوفاء بأهداف عام 2030.

وأشار تقرير صادر في يونيو 2023 عن محكمة المراجعين الأوروبية إلى "عدم وجود معلومات تشير إلى أن التمويل الكافي لبلوغ أهداف 2030 سيتم توفيره. "والإنفاق العام الموجه للمناخ من المرجح أيضا تقليصه بالتركيز المتزايد على الدفاع والأمن. ومع قيود الموارد المالية وضيق الإطار الزمني تصبح تكلفة الوحدة لكل منتج مطلوب لتحقيق الانتقال إلى الموارد الخضراء متغيِّرا بالغ الأهمية.

عندما يتعلق الأمر بالتقنية النظيفة والرخيصة فإن الصين هي زعيمة العالم بلا منازع. فعشرون عاما من السياسة الصناعية المتواصلة والموجهة إلى جانب فوائد السوق المحلية الضخمة يعني أن الصين اليوم تنتج سلعا متدنية الكربون ورفيعة المستوى وبأسعار تنافسية إلى حد بعيد.

في عام 2023 كانت وحدات الطاقة الشمسية تُصنع في الصين بتكلفة تبلغ 0.15 دولارا لكل واط مقارنة بحوالي 0.30 دولارا في أوروبا. وفي فرنسا في عام 2023 كانت أسعار أرخص السيارات الكهربائية تتراوح بين 22 ألف يورو إلى 30 ألف يورو (24 ألف دولار إلى 32 ألف دولار.) هذا فيما في الصين يباع محليا ما يزيد على 50 طرازا من السيارات الكهربائية بأقل من 100 ألف رينمينبي (15 ألف دولار).

إلى ذلك، وجد تحليل أجراه مركز أبحاث "النقل والبيئة" أن شركات صناعة السيارات الأوروبية خصصت الأولوية لإنتاج السيارات الكهربائية الفاخرة والكبيرة على حساب الموديلات الرخيصة والصغيرة.

رفع تكلفة المعيشة

إذا ظلت الأمور على ما هي عليه فإن كل شيء يؤدي إلى وقف تدفق أرخص المنتجات المنخفضة الكربون سيزيد تكلفة التحول إلى الطاقة المتجددة ويبطئه. وهذا ما سيفاقم بدوره من مخاطر عجز الاتحاد الأوروبي عن بلوغ أهدافه في خفض انبعاثات الكربون لكن هذه ليست المخاطر الوحيدة. فإذا صارت ألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح أغلى ثمنا سيقود ذلك في نهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار الكهرباء وزيادة تكلفة المعيشة بالنسبة للمواطنين ويشكل ضغوطا تضعف التنافسية الهشة للصناعة الأوروبية.

وإذا ظلت تكلفة المنتجات الاستهلاكية مثل السيارات الكهربائية ومضخات الحرارة مرتفعة لن يقتصر أثر ذلك على إبطاء تبني التقنيات الخضراء فقط. بل سيعزز أيضا التصور بأن الطاقة المتجددة شيء خاص بالأثرياء والاهتمام بحماية البيئة قضية تتعلق بالنخبة. وليس من الصعب أن نرى كيف يمكن استغلال هذه القضايا لتحقيق مكسب سياسي وهذا ما يفرض المزيد من المخاطر على نجاح الانتقال إلى الموارد المتجددة.

في انعطافة جديدة على صعيد المعضلة الثلاثية للطاقة يسعى الاتحاد الأوروبي إلى موازنة الأهداف الثلاثة المتنافسة وهي خفض انبعاثات الكربون بسرعة وإزالة على المخاطر المتعلقة بالصين والمحافظة على الوظائف الصناعية. وليس واضحًا أن كل ذلك يمكن تحقيقه في الوقت ذاته.

ما يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي هو الاستفادة من ميزة منتجات خفض انبعاثات الكربون القليلة التكلفة والتي تستهدف سوقا واسعة لتحقيق أهدافه المناخية والحفاظ على موطئ قدم صناعي استراتيجي حيث تكون الحاجة لذلك. لكن أيضا تركيز الدعم على الجيل التالي من تقنيات خفض الكربون حيث يمكن أن يقدم نظامه البيئي للبحث والابتكار ميزة تنافسية.

على الاتحاد الأوروبي أيضا أن يضع حسابا للحقيقة غير المريحة سياسيا وهي استبعاد تحقيق أحلام تصنيع التقنيات النظيفة في أوروبا بدون زيادة الموارد التمويلية على مستوى الاتحاد.

لكن على الأقل، على الاتحاد الأوروبي أن يضع في باله المخاطر التي تواجهها أهدافه المناخية الخاصة به عندما يفرض قيودا على تقنية الطاقة النظيفة القادمة من الخارج.

الكاتب باحث مشارك بمركز البيئة والمجتمع بالمعهد الملكي للشئون الدولية (شاتام هاوس)

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ألواح الطاقة الشمسیة السیارات الکهربائیة الاتحاد الأوروبی الطاقة النظیفة الانتقال إلى فی أوروبا عام 2023 فی عام التی ت عام 2030

إقرأ أيضاً:

مجلس الوزراء يقر 8 قرارات جديدة تشمل دعم الاستثمار والطاقة والصحة والنقل

وافق مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأسبوعي، اليوم الأربعاء، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، على ثمانية قرارات حيوية تتعلق بدعم مناخ الاستثمار، وتوسيع مشروعات الطاقة، وتحسين البنية التحتية الصحية، وتعزيز النقل النهري، بالإضافة إلى دعم الابتكار الرقمي والاقتصاد الأخضر.

إطلاق البث التجريبي للمنصة الإلكترونية لتراخيص الاستثمار

استعرض مجلس الوزراء الإجراءات المتخذة لإطلاق البث التجريبي للمنصة الإلكترونية لتراخيص الاستثمار، التي تهدف إلى تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام المستثمرين، وتوفير بيئة شفافة تتيح المعلومات المطلوبة.

مركز معلومات الوزراء: السياحة الدولية تسجل نموًا بنسبة 5% في الربع الأول من 2025 رغم التحديات العالمية مجلس الوزراء يستعرض إجراءات البث التجريبي للمنصة الإلكترونية لتراخيص الاستثمار


وتهدف المنصة إلى تقليل زمن إصدار التراخيص ليصل إلى 20 يومًا كحد أقصى عند استيفاء المستندات، وتتيح الاستعلام وتقديم الطلبات إلكترونيًا، دون الحاجة إلى التوجه لمراكز خدمات المستثمرين، مما يعزز مناخ الاستثمار المحلي والأجنبي.

إقرار تعريفة تغذية كهربائية لمشروعات الطاقة من الحمأة والغاز الحيوي

وافق المجلس على مشروع قرار يحدد تعريفة تغذية لمشروعات إنتاج الكهرباء من حمأة الصرف الصحي أو الغاز الحيوي، بقيمة 0.044 دولار لكل كيلووات ساعة، تُسدد بالجنيه المصري وفقًا لسعر صرف البنك المركزي.
وينص القرار على منح الشركات حق الانتفاع بالأراضي لمدة 25 عامًا، على أن تتحمل الشركة جميع تكاليف الدراسات والربط والصيانة، على ألا تتجاوز القدرة المركبة الإجمالية للمشروعات 80 ميجاوات خلال ثلاث سنوات.

بيع أراضٍ في العلمين لتقنين أوضاع واضعي اليد

اعتمد مجلس الوزراء توصية وزارة المالية بخصوص بيع 11 قطعة أرض بمدينة العلمين لواضعي اليد، وذلك بعد دراسة الموقف القانوني والإجراءات اللازمة لتقنين أوضاعهم.

شراء 3 وحدات نهرية جديدة لتحديث النقل بالقاهرة

وافق المجلس على طلب هيئة النقل العام بالقاهرة شراء ثلاث وحدات نهرية جديدة، تشمل وحدتين بسعة 50 راكبًا، ووحدة بسعة 100 راكب، وذلك في إطار جهود تطوير منظومة الأتوبيس النهري وتحسين خدمات النقل الجماعي.

تنفيذ 10 مشروعات نفع عام في 5 محافظات

أقر مجلس الوزراء إقامة 10 مشروعات خدمية ذات نفع عام في محافظات دمياط، الأقصر، الغربية، بني سويف، والدقهلية.
تشمل المشروعات: محطة تموين سيارات، مركز شباب، مدارس، معاهد أزهرية، مسجد، مخزن للوجبات المدرسية، وموقف سيارات، على مساحة إجمالية تتجاوز 6 أفدنة.

تعديل جدول تشغيل مشروع أبيدوس 2 للطاقة الشمسية

وافق المجلس على طلب شركة "أميا باور"، التابعة لمجموعة "النويس الإماراتية"، بتعديل موعد التشغيل التجاري لمشروع "أبيدوس 2" لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية (1000 ميجاوات)، وتخزين الطاقة (600 ميجاوات/ساعة)، ليتم التنفيذ على مرحلة واحدة في يونيو 2026 بدلًا من مرحلتين.
وأكدت الشركة التزامها التام بإنجاز المشروع وفقًا لأعلى المعايير الفنية.

توقيع بروتوكول تعاون بين الصحة والكهرباء لتسريع تشغيل المشروعات

أقر المجلس توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة الصحة والسكان والشركة القابضة لكهرباء مصر، لتسريع توصيل الكهرباء للمشروعات والمنشآت الصحية في مختلف المحافظات، بما يشمل تركيب العدادات وتفعيل التغذية الكهربائية، دعمًا للبنية التحتية الصحية.

اتفاقية تعاون مع الاتحاد الدولي للاتصالات لتعزيز الابتكار الرقمي

وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس الجمهورية بشأن اتفاقية تعاون بين الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات والاتحاد الدولي للاتصالات، لتأسيس مركز مصري ضمن مراكز التسريع الخاصة بالاتحاد الدولي للاتصالات.
تأتي الاتفاقية ضمن مبادرة "تحالف الابتكار وريادة الأعمال من أجل التنمية الرقمية"، التي تهدف إلى دعم قدرات الدول في التحول الرقمي، وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال، حيث تم اختيار مصر ضمن 3 دول عالمية (إلى جانب الصين وكينيا) لإنشاء مركز تسريع الابتكار في يوليو 2023.

مقالات مشابهة

  • الصين تعزز استثماراتها في بطاريات السيارات الكهربائية بالمغرب لتأمين بوابة إلى أوروبا
  • الوزير الشيباني: نشيد بالدور الحيوي الذي أداه الاتحاد الأوروبي بدعم اللاجئين حيث فتحت أوروبا أبوابها لمن فر من جرائم النظام البائد.
  • دعوات السكان لشراء الطاقة الشمسية هل تمثل بديلا عن الكهرباء الوطنية؟
  • بسبب القيود الصينية على المعادن النادرة.. موردو قطع غيار السيارات في أوروبا يعلقون الإنتاج
  • تعرف على أفضل السيارات الكهربائية في العام 2025 (إنفوغراف)
  • مجلس النواب يدشن استوديو سمعي بصري متطور بدعم الاتحاد الأوروبي
  • السيارات الصينية تتربع على عرش المبيعات بالمغرب
  • مجلس الوزراء يقر 8 قرارات جديدة تشمل دعم الاستثمار والطاقة والصحة والنقل
  • صرف بالإسكندرية: بحث مقترح لتحويل الحمأة إلى مصدر للطاقة النظيفة ضمن رؤية الدولة 2030
  • الاتحاد الأوروبي يؤيد فرض قيود على مشاركة شركات الأجهزة الطبية الصينية في المناقصات العامة