كاتبة فرنسية: ماكرون سينهي ولايته وحيدا كما بدأها بسبب قراره المجنون
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
قالت كاتبة فرنسية إن قرار الرئيس إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية يوضح كيفية حكم الرئيس الذي لا يثق إلا في نفسه، وكيف تخلى عنه اليوم -بعد 7 سنوات من الحكم دون منازع- أصحاب الوزن الثقيل من أغلبيته.
وأوضحت سولين دي رواييه في عمودها بصحيفة لوموند كيف بدا ماكرون متعبا على متن الطائرة التي أعادته من جزيرة سين (فينيستير)، حيث احتفل بالذكرى الـ84 لنداء الجنرال شارل ديغول، متسائلة بماذا يفكر في هذه اللحظة؟ بعد أن فجر المشهد السياسي الفرنسي، ووجدت أغلبيته نفسها في حالة يرثى لها، وبدا نواب حزبه يصارعون من أجل البقاء السياسي، وهم عالقون بين أقصى اليمين المتقدم في استطلاعات الرأي، واليسار.
ومنذ صدور القرار وماكرون يكافح للدفاع عنه، وقد صرخ أمام الصحفيين المدعوين لحفل الغداء في جزيرة سين "إنه ليس قرارا منفردا"، مع أن هذا بالتحديد هو ما يلومه عليه أنصاره وحلفاؤه.
هروب إلى الأمام
ويعتبر هؤلاء أن القرار هروب إلى الأمام وغرور وغير حكيم ومحفوف بالمخاطر، وقد تترتب عليه عواقب وخيمة، مثل أغلبية مطلقة للتجمع الوطني اليميني المتطرف أو غرفة لا تمكن السيطرة عليها أو عدم تعايش أو شلل للنظام.
وبعد 7 سنوات من السيطرة بلا منازع على معسكره -حسب الكاتبة- يجد ماكرون نفسه موضع انتقادات وتحديات شديدة، بحيث أسقطه أصحاب الوزن الثقيل من أغلبيته، وسجل رئيس وزرائه السابق إدوار فيليب انفصاله عنه بغضب على الهواء مباشرة، متهما إياه "بقتل الأغلبية".
وفي اليوم نفسه، أطلق وزير الاقتصاد برونو لومير على مستشاري الإليزيه اسم "قمل الخشب"، كما قال وزير الداخلية جيرالد دارمانان إنه لن يبقى وزيرا "يوما واحدا" بعد الانتخابات التشريعية إذا هزمت الأغلبية، وحتى رئيس الوزراء غابرييل أتال وعد بأنه سيكون هناك "ما قبل وما بعد في ممارسة السلطة وتوازن المؤسسات" إذا تم انتخابه.
وأشارت الكاتبة إلى أن ماكرون ظل وحيدا في مواجهة الجميع منذ وصوله إلى السلطة، مؤمنا بقدرته على الخروج بمفرده من الأزمات الشائكة، مما جعله يعيش "معزولا بسبب يقينه بموهبته" وشعوره بالتفوق والعصمة، على حد تعبير المؤرخ وعالم الاجتماع بيير روزانفالون.
قرار مجنونوفي هذا "القرار المجنون" بحل الجمعية، تتلخص إدارة ماكرون بأكملها -حسب سولين دي رواييه- إذ وجد نفسه وحيدا في مواجهة "شعبه" وخلق فراغا حوله، متجاوزا الهيئات الوسيطة، ومضعفا الأحزاب القديمة دون بناء بديل لها، مما حرمه من أن يكون لديه رفاق يتمتعون بثقل سياسي مطلوب.
وفي الحكومات التي عيّنها، كان ماكرون يعمل دائما على ضمان عدم بروز أي شخص، ودائما ما كان يرفض التحالف مع اليمين لأنه غير قابل لتقاسم السلطة، لفرط ثقته بنفسه وحدها، فلم لا يكون هو، الذي أراد دائما أن يحكم بمفرده، سعى ببساطة إلى أن يجد نفسه أخيرا وحيدا تماما على القمة، في مواجهة جمعية مفتتة؟
هناك شيء من الإمبراطور نابليون بونابارت في ماكرون، كما يقول المؤرخ فينسان مارتيني "رجل وحيد يحتاج إلى العمل والفتوحات العسكرية ليعيش، ومغامر انطلق في رحلة مجنونة قبل أن تنتهي في واترلو".
وقد بدأت مغامرة ماكرون وحيدا في قاعة نابليون بمتحف اللوفر على أنغام النشيد الأوروبي "نشيد الفرح"، ويبدو أنه سينهي ولايته كما بدأها، على حد تعبير الكاتبة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الخطأ من شيم النفس البشرية وعلى المسلم أن يتوب ويتسامح مع نفسه والآخرين
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن النفس البشرية ليست معصومة من الزلل، بل الخطأ من شيمها، ويستوي في ذلك بنو آدم جميعًا، إلا من اصطفاهم الله لرسالته، فطهَّر قلوبهم من المعاصي. وفي إدراك هذا المعنى طمأنةٌ للنفس، وتسامحٌ معها، وحسنُ ظنٍّ بخالقها إذا رجعت إليه وطلبت منه الصفح والغفران.
واستشهد بما جاء عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون» (رواه الترمذي).
وأوضح أن هذا العفو يُعين الإنسان على استدراك شؤون حياته بعد وقوعه في الذنب أو المعصية، ويمنعه من أن يتوقف عند شؤم الإحساس المفرط بالذنب فيجلد ذاته، فيتعطّل بذلك عن المسير في الحياة، ويُوقِع نفسه والناس في عنتٍ ومشقة.
وأشار إلى أن الاعتراف بالذنب والتوبة منه من أهم ما يعتمد عليه الدين في إصلاح النفس البشرية، إذ يُعيد إليها طمأنينتها وسكينتها المفقودة. ولأجل ذلك شرع الله الاستغفار من الذنوب، وحضّ عليه النبي ﷺ كوسيلة دائمة، تُساعد المرء على التسامح مع نفسه، والرضا عنها.
ولفت إلى أن السيرة النبوية تحكي العديد من القصص التي تؤكد هذا المعنى، ومثال على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه -فيما أخرجه البخاري ومسلم- أنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت!
قال: «مالك؟»
قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم.
فقال رسول الله ﷺ «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا،
فقال: «هل تجد إطعام ستين مسكينًا؟» قال: لا.
قال: «فمكث النبي ﷺ، فبينما نحن على ذلك، أتى النبي ﷺ بعرق فيها تمر . قال: «أين السائل؟» فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدق به». فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي.
فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك».
فهذا الصحابي جاء إلى النبي ﷺ وهو مرتجف، يشعر أنّه وقع في مصيبة مهلكة لا مخرج له منها.
فأخذ النبي ﷺ يُهدّئ من روعه، ويُعينه على الخلاص، فعدّد له مسالك التكفير عن الذنب واحدة تلو الأخرى، فلم يستطع أداء أيٍّ منها. حتى آل الأمر إلى أن أخذ كفارة ذنبه ليطعم بها أهله الفقراء، ممّا يُوضّح أن العقوبة أو الكفارة مقصودة لتصفية نفس المذنب، ومساعدته على العفو عن نفسه، وأنها شرعت لأجل الندم والرجوع عن الخطيئة، وقد تحقق هذان الأمران في نفس الصحابي، فضحك النبي ﷺ وأعطاه العرق وصرفه.
ويلاحظ في هذا الحديث أن مسالك التكفير عن الذنب تظهر في صورة أعمال تكافلية يعود نفعها على المجتمع كله، وأن النبي ﷺ ببساطته وسماحته، سهل على المؤمن سبيل السكينة والعفو عن ذاته، كي يُقبل على عمله وإعمار الحياة بقلبٍ منشرح، لا قلق فيه ولا توتر.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ، أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ» (البخاري).
وفي هذا الحديث تربية على التسامح مع الآخرين، والفرح بعودتهم نادمين على خطئهم. فالله رب العالمين يفرح بتوبة عبده إذا شعر بضعفه، واستشعر عظيم جرمه في حق خالقه، الذي لا يضره ذنب، ولا تنفعه طاعة، وإنما فرحه وشكره ورضاه راجع للعبد فضلا وإحسانا. وقد استخدم النبي ﷺ ضرب المثل البليغ وسيلة تربوية، وضمنه معنى التسامح مع النفس ومع الآخرين، وحث فيه المسلم على التوبة والرجوع عن الخطيئة.