تشريح الصهيونية وطرق مُطاردتها
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
د. عبدالله الأشعل **
إذا أرادت إسرائيل وحُماتها أن تستمر يلزم توفُّر ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تتخلى إسرائيل عن المشروع الصهيونى أو تقوم بتعديله؛ لأنه يستحيل أن تستمر في التهام الأرض وتظل تجسيدًا للمشروع الإجرامي تمهيدًا لتكون مقرًا لما يسمونه "الكمولث الصهيوني".
الشرط الثانى: أن تتخلى عن فكرة الدولة اليهودية وأن تعترف بأن اليهودية شريعة إلهية لا يجوز تشويه صورتها بالتستر بها والافتراء على الله، فيأتون كل الجرائم المنهي عنها في الكتاب المقدس الذي لم يمسه التحريف.
الشرط الثالث: أن تعتذر للشعب الفلسطيني عمّا ألحقته به من أضرار نفسية وأخلاقية والالتزام بتطبيق القانون الدولي، والسعي لدى واشنطن لنزع القداسة عن المشروع الإجرامي في قوانين الكونجرس عام 1992، وعام 2002 وغيرهما.
ويجب على الدول العربية والإسلامية والإفريقية إصدار قوانين تحظر مبادئ الصهيونية، خاصة وأن اتجاها ظهر عام 1985 يسجل مكاسب الصهيونية عند العرب وغيرهم فصدر كتاب ريجينا الشريف ونشرت ترجمته في سلسلة عالم المعرفة في الكويت عدد ديسمبر 1985 وعنوانه الصهيونية غير اليهودية، وسجلت فيه أن الإيمان بالفكرة الصهيونية أي إفراغ فلسطين من أهلها وتسليمها للصهيونية وطرد أهلها على زعم أن فلسطين كانت موطن اليهود، وحيث إنه لا علاقة بين اليهود والصهيونية فهما ضدان، فلايجوز أن ينسب الصهاينة الجرائم والمقولات الشاذة إلى الشريعة اليهودية.
الصهونية غير اليهودية
لفت الكتاب إلى أنَّ الصهيوني لابُد أن يكون يهوديًا وإنما الصهيوني المتستر باليهودية هو الأصل في الصهيونية أي الإيمان بملكية الصهاينة لفلسطين. وتحرص إسرائيل على أن تسمي نفسها صهيونية ومن يقدح في الصهيونية توجه له تهمة لامعنى لها اسمها "معاداة السامية" وهي سوط تُلهِب به الصهيونية كل مُنصف.
ولكن الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته النادرة لإسرائيل في نوفمبر 2023 أكد أنَّه ليس يهوديًا، ومع ذلك فهو صهيوني وجده كان صهونيًا أيضًا، وأملي أن نُحاكِم الصهيونية أمام محاكم الغرب، وأعني أن تتشكل مجموعة من المحامين العرب فى أوروبا وأمريكا ويتولون هذه المهمة.
أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن فخلال زيارته الأولى لإسرائيل (ضمن 8 زيارات منذ بدء العدوان وهو رقم قياسي) أكد أنه جاء إلى إسرائيل بصفته يهوديًا (يقصد صهيونيًا) على أساس اعتقاده الخاطئ، أن كل يهودي صهيوني وفقًا لتفسير الحاخام الأكبر (وهو توظيف لليهودية لدعم الصهيونية الإجرامية في مآلها وأساليبها وأصلها) وبصفته يهوديًا وليس بصفته وزيرَ خارجية الولايات المتحدة وأتمنى أن يُحاكم على هذا التصريح أمام القضاء الأمريكي.
الفئة الثالثة هي فئة العرب الذين يؤمنون بحق الصهاينة في فلسطين. ويتبعون هذا الاعتقاد بمواقف سياسية هي في الغالب خوفًا أو إرضاءً للأمريكان؛ لأنَّ واشنطن تعتقد أن الحاكم العربي يجلس على كرسي تضمنه واشنطن مقابل خدمة إسرائيل، ولقد رأينا في ملحمة غزة سلوك بعض الحكام العرب، ولا يدركون أن اعتناق الصهيونية يعني التنصُّل من العروبة؛ لأنَّ الصهيونية هوية تحل محل العروبة، وتتخذ من الشرق الأوسط الجديد بديلًا للعروبة ومؤسساتها؛ فالتخلي عن العروبة ثمن بقاء الحاكم في منصبه بامتيازاته وفور انتهاء مُهمته تُبعده واشنطن من الحياة أو من المنصب!
والحق أن الصهيونية استغلت كرم المجتمعات العربية وقدمت نفسها في القرن العشرين على أنها جمعيات خيرية قبل فيضان هجرتهم هربًا من المحرقة الألمانية؛ وهي رواية مشبوهة والتبس حتى على كبار المفكرين، مثل د. طه حسين، ولا ندري هل غفل عن حقيقة الصهيونية أم أنه استُدرِج إلى موقف المساندة والتعاطف بخلاف محمود عباس العقاد الذي وضع الصهيونية والنازية والشيوعية في نفس المستوى. وقد انتشرت موجات الصهيونية العربية في الخطاب السياسي والإعلامي، ولذلك يجب التصدي لهؤلاء المرتدين عن العروبة المُغرَّر بهم وربما أصحاب المصالح مع النظم العربية الصهيونية.
وعندما يكون الحاكم العربي صهيونيًا يُجاري الجهود الأمريكية، فيعمد إلى التدليس حتى لا ينكشف موقفه أمام الشعوب العربية؛ فيشترط مثلًا للتطبيع مع إسرائيل، وقف الحرب في غزة وحل الدولتين المعيب سياسيًا وقانونيًا. والأمثلة كثيرة ونعف عن ذكرها منعًا للإحراج، خاصة وأنهم يعلمون أن إسرائيل الصهيونية تريد أن تنفرد بالأرض الفلسطينية وإبادة السكان وعدم الاعتراف بهم.
ومن ناحية أخرى تُعتبر واشنطن التطبيع العربي مع إسرائيل هو أكبر إنجاز للسياسة الأمريكية خاصة في عهد جو بايدن.
والغرب أنشأ إسرائيل ويرعاها ويستخدم الصهيونية أداةً لقهر العرب وتحقيق مصالحه في المنطقة، ولو استغنى عن الصهيونية لكان خيرًا للعرب والغرب.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل يؤثر تصاعد الانتقادات لنتنياهو داخل إسرائيل؟ محللون يجيبون
تزداد حدة الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الداخل الإسرائيلي، مع اتهامات صريحة له بإطالة أمد الحرب في قطاع غزة لأهداف سياسية، وسط دعوات عسكرية لتحويل الإنجاز الميداني إلى مسار تفاوضي.
ووفق مسؤولين عسكريين تحدثوا لهيئة البث الإسرائيلية، فإن إسرائيل حسمت المعركة عسكريا في غزة، ولم يعد هناك ما يمكن تحقيقه ميدانيا، مؤكدين أن المماطلة في التوصل لاتفاق تضعف موقف إسرائيل الدولي وتزيد عزلتها.
وحذر هؤلاء من أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأت تتخذ خطوات تضر بإسرائيل، كان آخرها قرار البنتاغون سحب حاملة الطائرات "ترومان" من الشرق الأوسط دون إرسال بديل لها، ما عُدّ مؤشرا على تغير في حسابات واشنطن.
وفي هذا السياق، أوضحت كيرستين فونتين روز، مستشارة ترامب لشؤون الخليج، في حديثها لبرنامج "مسار الأحداث"، أن سحب الحاملة مرتبط باعتبارات لوجيستية وإنسانية، وليس رسالة سياسية لنتنياهو كما يُروَّج.
وأكدت فونتين روز أن الحاملة أمضت فترة طويلة خارج الوطن، وأن توقيت سحبها جاء بعد تراجع تهديدات الحوثيين، ما أتاح الفرصة لإعادة الجنود إلى عائلاتهم، مضيفة أن هذه الخطوة لا تعني تخلي واشنطن عن إسرائيل.
إعلان
رسائل مزدوجة
أما الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا، فرأى أن سحب الحاملة يحمل رسائل مزدوجة، منها التزام واشنطن بوقف إطلاق النار مع الحوثيين، ورغبتها في التهدئة، لكنه في الوقت نفسه يعكس عزلة نتنياهو وتراجع الدعم الأميركي له.
وقال حنا إن نتنياهو تُرك عسكريا وسياسيا، في وقت تركّز فيه واشنطن على ما سماه "الجيو اقتصاد" بدلا من "الجيو سياسة"، مشيرا إلى أن التباعد الأميركي-الإسرائيلي بات ملموسا رغم دعم واشنطن المالي والعسكري لإسرائيل.
من جانبه، أكد الباحث في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن نتنياهو لا يسعى لإنهاء الحرب، رغم إدراك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أنها استنفدت أدواتها الميدانية، معتبرا أن استمرار القتال يخدم بقاءه السياسي.
وأضاف مصطفى أن وقف الحرب يعني نهاية نتنياهو السياسية وسقوط حكومته، ولهذا يربط مصيره الشخصي بمواصلة الحرب، رغم دعوات الخبراء للانتقال إلى مسار سياسي بعد انتهاء الفائدة العسكرية للعملية الجارية في غزة.
وأشار إلى أن نتنياهو بدأ منذ أشهر يتحدث عن "تغيير الشرق الأوسط"، لكن الواقع الجديد في الإقليم يتشكل من دون إسرائيل، بسبب إصراره على المضي في الحرب، مما أفقد تل أبيب تأثيرها في التحولات الجارية.
وبينما يستمر الجمود التفاوضي، أظهرت تسريبات إعلامية أن واشنطن بدأت تضغط لتفعيل خطة تنهي الحرب، تشمل وقف إطلاق نار، وتبادل أسرى، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وتولي جهة عربية إدارة القطاع.
الخطة الأميركية
وذكرت فونتين روز أن الخطة الأميركية المطروحة تقضي بأن تسلم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أسلحتها لدولة عربية، على أن تغادر قياداتها غزة، مقابل دخول السلطة الفلسطينية في عملية إصلاح داخلي تمهيدا لإدارة القطاع مستقبلا.
وأكدت فونتين روز أن الولايات المتحدة تسعى لإنشاء مجلس استشاري عربي-دولي لإدارة غزة، مع تشكيل قوة أمنية فلسطينية مدربة، وسط دعم سعودي وإماراتي ومصري لضمان استقرار الوضع خلال السنوات المقبلة.
إعلانورغم ذلك، أقرّت فونتين روز بأن الولايات المتحدة لن توقف دعمها الأمني لإسرائيل طالما بقيت تهديدات من أطراف كإيران وحزب الله والحوثيين، معتبرة أن واشنطن ملتزمة بضمان تفوق إسرائيل النوعي في المنطقة.
لكن مهند مصطفى لفت إلى أن إدارة ترامب لم تستخدم بعد أدوات ضغط حقيقية على إسرائيل، رغم أنها الجهة الوحيدة القادرة على وقف الحرب، مؤكدا أن واشنطن لا تزال تمنح نتنياهو هامش مناورة سياسيا وعسكريا.
ارتباط لا تبعية
واعتبر مصطفى أن إسرائيل مرتبطة أمنيا بأميركا، لكنها ليست تابعة لها، ما يصعّب على واشنطن فرض سياسات تتعارض مع توجهات الحكومة الإسرائيلية، خاصة في ظل دعم أميركي لرفض تسليم المساعدات للمنظمات الدولية.
وأشار إلى أن استمرار الحرب يهدد حياة الأسرى الإسرائيليين ويضاعف الكلفة الاقتصادية والعسكرية، ومع ذلك يتم تجاهل توصيات مراكز أبحاث إسرائيلية حذرت من عواقب العملية العسكرية الشاملة في رفح.
من جانبه، يرى العميد حنا أن الجيش الإسرائيلي بلغ ذروة قدرته العسكرية، وأن مواصلة القتال في غزة ستكون بلا جدوى ميدانية، إذ لم يعد هناك بنك أهداف واضح، خاصة بعد التهجير المكثف والقصف واسع النطاق.
وأوضح أن المقاومة الفلسطينية أظهرت قدرة على التكيف، ما جعل أي اجتياح بري محتمل مرهقا ومكلفا، لافتا إلى أن الفجوة بين التطلعات السياسية والعسكرية داخل إسرائيل باتت جلية أكثر من أي وقت مضى.
وعن الغارات الإسرائيلية على اليمن، اعتبر حنا أن نتنياهو يسعى لتوسيع رقعة التوتر لعرقلة أي جهود تبريد إقليمية، خصوصا في ظل تحركات دولية تهدف للتوصل إلى اتفاق يشمل غزة والجبهات المحيطة.