رغم امتلاك الصهاينة أحدث الأسلحة والتي يستخدمها لإبادة الأشقاء على أرض عزة وفلسطين ورغم أوامرهم للقادة والجنود بعدم الرأفة والرحمة بالضحايا سواء كانوا أطفالا أو نساء، إلا أنهم يدركون حقيقة أن هزيمة المقاومة من المستحيلات وفقاً لتصريحات القادة السياسيين أو المرجعيات اليهودية ذاتها -كبير حاخامات اليهود يقول: «العدو إسماعيل «أولاد إسماعيل» العرب، عدو لا يمكن هزيمته بالطرق العادية، وخطرهم أكبر، ولا سبيل لإيقافهم، بمعنى أنه ليست هناك طريقة منطقية لإيقاف أشخاص مستعدين للموت من أخل قضيتهم، ستهددهم بالموت» لا يهتمون لذلك والموت عند المسلمين شهادة لا يحسنها اليهود ولا النصارى، وهي افضل الطرق لنيل رضوان الله وامتثال أوامره والسير على منهج الأنبياء والمرسلين وذلك مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى « وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» آل عمران الآية (169)، وهو ذات المعنى الذي يؤكده الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي -رحمه الله- حينما قال: «الأمة التي لا تخاف الموت لا يوجد شيْ بيد الأعداء يهددونها به»، وهي ذات المعاني التي سبق أن أشار وأكد عليها الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين -عليهم السلام والرحمة والرضوان-: «من أحب الحياة عاش ذليلاً» ويؤكد -رضوان الله عليه- على أهمية الجهاد وعدم الاستكانة للظلم والظلمة – حيث قال: «والله ما كره قوم حر السيوف إلا ذلوا».
حاخام اليهود يخاف الموت، ويحب الحياة، والله سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين والعالم بدخائل النفوس أخبرنا عن طبيعة اليهود بقوله تعالى: «وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ» البقرة الآية(96)، وهم يقدسون المال، وهم جبناء عند اللقاء، لذلك يحتمون الأسوار العالية والمدافع والطائرات التي تضرب أهدافها عن بعد، ولا يواجهون أبداً لأنهم أحرص الناس على الحياة، فيحتمون بالدبابات الميركافا، والمدرعات وناقلات الجند، وغيرها مثل الأسوار والقلاع والحصون، ومع ذلك فهو يتهم النازيين بالجبن لأنهم يخافون عند مواجهة الموت، وعلى رأسهم هتلر الذي أنهى حياته بالانتحار خوفاً من العواقب التي ستؤول إليها الأمور بعد هزيمته.
إن قادة الكيان الصهيوني من سياسيين وعلمانيين ومتدينين يعلمون جيداً أن معركتهم مع المسلمين المؤمنين المجاهدين لن تؤدى إلى هزيمتهم، لكن السؤال هنا هو: لماذا حرب الإبادة والإجرام وتدمير المدن والقرى فوق ساكنيها حتى أنه تم تدمير أكثر من 90 % من المباني والعمارات في غزة ورفح؟، والجواب واضح وهو أن استخدام القوة العسكرية الغاشمة لهزيمة الجبناء والناس العاديين الذين لا يريدون الموت، وهو ما أكد عليه حاخام اليهود الذي أيد تصريح «أفخيم بيتال» «أن الخطر الإسماعيلي يستحيل هزيمته بالطرق والوسائل العسكرية التقليدية، ولا بالطرق السياسية البسيطة- التي قد تحقق شيئاً لكنها لا تستطيع أن تضمن النتائج».
لقد نجحت الصهيونية والصليبية في تدمير أرض غزة وجعلها غير صالحة للعيش فيها، بل إنها صارت عبارة عن جحيم من القتل والإجرام، وقتل وإبادة بالمجاعة والحصار، لكن الذي لم تستطع تحقيقه هو هزيمة رجال المقاومة وأبطالها، حيث هزمهم رجال غزة بإيمانهم واستبسالهم، وثقتهم بالله بعد أن تكالبت عليهم خنازير المجرمين من كل ارجاس الأمم، أما عن جوانب القوة لدى المقاومة وفقاً لرأيه فهي تكمن في (القوة الجسدية والروحية والثقة بالله) بخلاف اليهود- ولمواجهتهم لا بد من تطوير استراتيجية أكبر، لأنهم آخر وأصعب تهديد سيواجهه جيش إسرائيل مع بني إسماعيل).
تغلغل اليهود في الإعلام، وبعض إن لم يكن كل علماء السلطة الذين تم افساح المجال لهم للنيل من العقيدة الإسلامية الصحيحة والسليمة، وتحريف الحقائق وزرع الفتن وبث الشبهات بين أوساط الجماهير المسلمة، حتى وصل الحال بهم إلى الإشادة باليهود والثناء عليهم وتخوين المقاومة واتهامها بغير حق، وتحميلها المسؤولية عن اجرام اليهود، أما العلماء المؤمنون فقد تم الزج بهم في السجون وتلفيق التهم ضدهم وهي افتراءات كاذبة يعلمها الجميع.
وبينما تتم إبادة الأشقاء في ارض غزة ورفح وفلسطين عامة، يعمل خدام الصهاينة على تحطيم القوة الروحية والإيمانية التي يخشاها اليهود ويسعون جاهدين لنشر الرذيلة والتفسخ والانحلال، وإفراغ الشعائر الإسلامية من مقاصدها وغاياتها التي من أجلها شرعها الله لعباده، فالحشمة والعفة والطهارة اليوم تعاني وتشكو إلى الله ما حل بها من قبل سلطات المملكة السعودية والإمارات والبحرين وغيرها من دول الخليج والعالم العربي والإسلامي، وأصبحت العبادات كالصلاة طقوساً تؤدى، أما ثمارها وغاياتها فقد تم إلغاؤها، حتى أن «فيروس كورونا» دخل واستولى على المساجد والأماكن المقدسة، وغادر الحانات والمراقص والحفلات الماجنة، يقول الحاخام: «الإسماعيليون (العرب) هم الأكثر صعوبة، لأنهم الوحيدون من أعدائنا الذين يمتلكون قوة روحية إلى جانب القوة الجسدية، وعلى المدى الطويل القوة الروحية تهزم الجسدية».
إنهم «أي اليهود والنصارى» يدركون أهمية الإيمان بالله والثقة به، لذلك فإنهم يأمرون المتعاملين معهم بأن يعملوا جاهدين على إفراغ الجوانب الروحية والإيمانية بشتى الوسائل والطرق، حتى يسهل السيطرة عليهم وتحقيق النصر بأقل الخسائر وأقرب الطرق، وهو ما جعلهم ينشئون الحملات المنظمة على كل نشاط من شأنه تعزيز جوانب الإيمان، وأبرز مثال على ذلك الهجوم على المراكز الصيفية وحلقات تعليم القرآن الكريم في بلادنا، لأن فيها اجتماعاً على تعزيز روابط الإيمان، وهي حلقات بسيطة وصغيرة، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بالملايين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، كمؤتمر الحج الذي تمت مصادرة الأساس الذي فرض لأجله، فقد حولته السياسات المتصهينة إلى طقوس بعيدة عن خدمة قضايا الأمة، وما يترتب على ذلك من نتائج قد تقض مضاجع الصهيونية والصليبية، وأولها قضية تحرير الأقصى من دنس اليهود والحلف الصليبي.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
محمد حميد الله.. العالم الذي عاش للإسلام في صمت ورحل في صمت
تنشر "عربي21" بالتزامن مع الصفحة الرسمية للكاتب والباحث المصري جمال سلطان على "فيسبوك" هذه الورقة الفكرية التي تتناول سيرة واحد من أعظم العلماء المسلمين في القرن العشرين، الدكتور محمد حميد الله الحيدر آبادي، الذي مثّل نموذجًا فريدًا للعالم الزاهد العامل بصمت، جمع بين عمق البحث الأكاديمي واتساع الأفق الحضاري، وأسهم بعشرات المؤلفات والتحقيقات التي أصبحت مراجع أساسية في الفكر الإسلامي والفقه السياسي والسيرة النبوية.
يستعيد سلطان في مقاله ملامح هذه الشخصية الاستثنائية، التي عاشت بعيدًا عن الأضواء والمناصب، لتخلّد اسمها في وجدان الباحثين والعلماء عبر إنجازات علمية وتراثية امتدت من السوربون إلى العالم الإسلامي كله.
نوعيات خاصة
في حياتي قابلت ألوانا من البشر، مواهب ودررًا، في الفكر والفن والأدب والمعرفة، ولا يكاد يسمع بهم أحد، نوعيات خاصة من البشر تحب العمل في صمت، وهبت لذلك، وغالبا ما تكون أعمالها من النوع "التاريخي" الذي يمثل مرجعا للباحثين في مجاله، وهم لا يهتمون بحضور المنتديات العامة، ويزهدون في المراتب والمناصب والوظائف، ولا يحرصون على التواصل مع الإعلام ومنابره، ويعكفون طيلة وقتهم على العطاء المخلص الأمين، قد يكون في ذلك بعض التقصير منهم، لأن التواصل مع العالم الإنساني مهم للباحث والأديب والعالم، ولكن الذي لا شك فيه أن التقصير الأكبر هو من جانب الأمة ومؤسساتها ومراكزها العلمية والبحثية ودوائرها الأكاديمية ، فهي التي يفترض أنها تتابع حركة الفكر، وهي المؤهلة لأن تكشف عن الذهب ومعادنه بين المفكرين والباحثين، وهي المنوط بها دعم مثل هؤلاء الأتقياء الأنقياء المترعين عفة ومروءة، لا أن تنتظر أن يأتوها أو يمدوا إليها أيديهم للعون العلمي أو غيره .
العلامة الفذ والباحث المحقق الكبير الدكتور محمد حميد الله الحيدر آبادي (ولد في الهند عام 1908)، نموذج شديد الوضوح لتلك الحالة التي أتحدث عنها، عاش في صمت، ورحل في صمت (توفي في فلوريدا بالولايات المتحدة عام 2002)، وكأنه من غمار الناس، رغم أنه قمة علمية نادرا ما وصل إليها أحد في القرن العشرين، فهو العالم الذي يدين له آلاف الباحثين والعلماء العرب والمسلمين وحتى المستشرقين بالفضل والعرفان، حيث كانت كتبه وترجماته وتحقيقاته هي المرجع الذي ينير لهم فضاء العلم ويختصر لهم صحاريه ومفازاته، ويكفي أن كتابه الفذ عن وثائق دولة الرسول صلى الله عليه وسلم "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة"، وهو بالأساس كان رسالة الدكتوراة التي حصل بها على الدرجة العلمية من جامعة السوربون، كان هذا البحث الفريد والمدهش ـ وما زال ـ هو المرجع الأساس الذي يجده القارئ في ختام أي بحث عن الفكر السياسي في الإسلام، على مدار قرابة خمسين عاما.
إلى جانب الدكتوراه التي حصل عليها في فرنسا بكتابه "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة"، فقد حصل على دكتوراة أخرى في السيرة النبوية من ألمانيا وموضوعها "العلاقات الدولية في الإسلام"، كما حصل على دكتوراة ثالثة في الفلسفة أيضا من فرنسا، كما قام محمد حميد الله بتقديم أدق وأرقى ترجمة للقرآن الكريم إلى الفرنسية، وهي اللغة التي كان يتقنها إلى جانب الألمانية والإنجليزية، بالإضافة إلى الأوردية ـ لغته الأم ـ والعربية والتركية والفارسيةوكان أول من نبهني إليه وحدثني عنه المفكر الكبير الدكتور محمد عمارة رحمه الله، وظل "حميد الله" يضيف إلى كتابه كل فترة ما يتوصل إليه من جديد من تلك الوثائق لتظهر في الطبعات الجديدة، وتشمل المكاتبات "الرسمية" من الرسول إلى عماله وولاته وقادة جيوشه، ورسائله إلى الأمصار المختلفة، وكتبه إلى المقوقس وإلى كسرى، ونص معاهداته مع القبائل ومع اليهود في المدينة، ونصوص اتفاقياته مع قريش في الحديبية وغيرها، ونصوص العهود التي كتبها مع حكام زمنه، ومنها كتابه إلى النجاشي، عدد الوثائق "الرسمية" وصل إلى 373 وثيقة، واللطيف أنه حصل على صور ضوئية من أصول بعض هذه الرسائل والكتابات مختومة بالخاتم النبوي أو خاتم خلفائه، وهي "آثار" نادرة ما زالت محفوظة في متاحف ومكتبات أوربية، مع الأسف استولى عليها مستشرقون، وصور المؤلف بعضها بإذن منهم، وتشمل الوثائق القرارات والرسائل والعهود والتكاليف التي صدرت عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين، وقد ترجم كتابه إلى عشرات اللغات، كما طبع في العربية أكثر من عشر طبعات حتى الآن، على حد علمي، إن لم تكن هناك طبعات مستحدثة.
إلى جانب الدكتوراه التي حصل عليها في فرنسا بكتابه "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة"، فقد حصل على دكتوراة أخرى في السيرة النبوية من ألمانيا وموضوعها "العلاقات الدولية في الإسلام"، كما حصل على دكتوراة ثالثة في الفلسفة أيضا من فرنسا، كما قام محمد حميد الله بتقديم أدق وأرقى ترجمة للقرآن الكريم إلى الفرنسية، وهي اللغة التي كان يتقنها إلى جانب الألمانية والإنجليزية، بالإضافة إلى الأوردية ـ لغته الأم ـ والعربية والتركية والفارسية، فقد كان يتقن هذه اللغات السبع كأحد أبنائها، وأنجز ترجمات للقرآن الكريم إلى العديد من اللغات ، ووضع مؤلفا ضخما عن السيرة النبوية بالفرنسية والعشرات من المؤلفات والمقالات التي تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات، بلغت حوالي 175 كتابا، كما قام بتحقيق عدد من كتب التراث مثل "أنساب الأشراف" للبلاذري، وكتاب "السير الكبير" لمحمد بن الحسن الشيباني، كما عمل معه بعض المستشرقين الكبار على تحقيق نصوص عديدة من عيون التراث الإسلامي، لأنهم كانوا يثقون في علمه ويعرفون قدره، كما ينسب إليه أنه كان سببا في هداية آلاف الأوربيين إلى الإسلام وخاصة في فرنسا، حيث تردد أنه أسلم على يديه هناك قرابة 40 ألف فرنسي من بينهم المفكر الشهير "موريس بوكاي" صاحب كتاب "التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث"، وكتاب محمد حميد الله "التعريف بالإسلام" تمت ترجمته إلى 23 لغة عالمية، فقد كان لجهوده في الدعوة والتعريف بالإسلام بركة كبيرة.
عاش محمد حميد الله منذ خروجه من بلاده " حيدر آباد " أكثر من نصف قرن في باريس، ليكون قريبا من كنوز التراث الإسلامي ومخطوطاته التي تم تهريبها إلى مكتبات ومؤسسات أوروبية، وقد استقر في غرفة صغيرة متواضعة في باريس، لم يغيرها طيلة حياته، كان عازبا لم يتزوج، يعيش حياة الكفاف والزهد، وحده بين الكتب والمراجع والمجلات المتخصصة، ولم يكن في مسكنه لا تليفون ولا راديو ولا تليفزيون، ولا يسافر إلا بحثا عن مخطوطة أو حضور مؤتمر علمي دعي إليه، حتى وهنت صحته فأصرت عليه حفيدة شقيقته المقيمة في الولايات المتحدة أن ينتقل إليها لتقوم على خدمته ولأن إقامته وحيدا في هذه السن خطرة، فوافق بعد إصرارها وانتقل إلى هناك حيث توفي رحمه الله بعد معاناة شديدة مع أمراض الشيخوخة في 17 ديسمبر عام 2002 عن عمر ناهز التسعين عاما، رحل في صمت كما عاش في صمت.
تم تكريمه في باكستان، ومنحوه جائزة مالية كبرى فاعتذر عن قبولها وقرر منحها لأحد المعاهد العلمية في إسلام آباد، كما رشحوه لنيل جائزة الملك فيصل العالمية أيضا، فاعتذر وقال : أنا لم أكتب ما كتبت إلا لله، فلا تحرموني من جائزته، يرحمه الله.