قضيت عاما كاملا جديدا فى رئاسة تحرير الوفد يضاف إلى سجل تحملى المسئولية الكبيرة فى هذه المؤسسة العريقة التى كنت أحد تلاميذها منذ تأسيسها على يد المؤسس الأول المرحوم الكاتب الصحفى الكبير مصطفى شردى الذى أنشأ صحافة جديدة فى المنطقة العربية ،ومازلت تؤدى دورها الوطنى الليبرالى.
صحيح أن المناخ الذى صدرت فيه الوفد يختلف تماما عن المناخ الحالى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا ،ٱلا أننى وزملائى كنا نسعى جاهدين قدر الاستطاعة إلى أداء الواجب الوطنى بكل ما أتيح لنا من إمكانيات تعبيرا عن سياسة الحفاظ على الأمن القومى المصرى والحفاظ على ثوابت ومؤسسات الدولة الوطنية المصرية ،وكذلك التعبير عن سياسة حزب الوفد العريق الذى يسعى إلى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وكل ما يحقق الحياة الكريمة للمواطن المصري العظيم الذى يستحق الإشادة والتقدير.
لا أخفى أننى منذ توليت مسئولية تولى رئاسة تحرير الوفد فى المرة الثانية أول يوليو 2023 كنت متوجسا جدا ،لأن البلاد كانت مقبلة على انتخابات رئاسية ،واستعنت بالله على هذه الأمانة وأديت الدور كما ينبغى بحس وطنى فى ظل 4مرشحين ،وفى سابقة لم تشهدها مصر من ذى قبل.ثم جاءت الحرب الاسرائيلية البشعة التي تدور رحاها حاليا ،فى ظل وجود مجتمع دولى. متخاذل يرى جرائم الصهيونية الأمريكية ويقف متفرجا حتى هذه اللحظة.
وكان على مصر دور كبير فى التصدى لهذه الكارثة الاسرائيلية التى تريد تصفية القضية الفلسطينية والتهجير القسرى للفلسطينيين ،ومازالت مصر حتى كتابة هذه السطور تتصدى بكل قوة لهذا المخطط الإجرامى الذى يسعى إلى تهجير أهالى غزة إلى سيناء وأهالى الضفة إلى الأردن ،إضافة الى كل الجهود الشاقة والمضنية لوقف الحرب الإسرائيلية الغاشمة..وكان ومازال هناك تحدى كبير للحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربى ،لأن مخطط الصهيونية الأمريكية هو سقوط مصر كما سقطت دول عربية مجاورة مثل العراق وليبيا واليمن وسوريا والسودان،وبمعنى أدق وأوضح أن مصر يحيط بها الخطر من كل جانب لأنها باتت وسط كتلة ملتهبة ولا يخفى هذا على أحد
ولذلك شهد هذا العام أحداثا جساما ومهمة ،وكان هذا قدرى أن أتولى المسئولية فى الوفد وبصحبة زملائى الأعزاء أدينا الدور الوطنى المطلوب ،ويبدو أن هذا قدرى فمن قبل كنت مسئولا خلال أحداث 25يناير وبعدها ثورة 30يونيو .وأعتقد أن التوفيق دائما من الله العلى القدير .
وأتمنى أن أكون فى العام الذى قضيته مسئولا فى الوفد أكون قد أديت الدور الوطنى المطلوب منى ،وأسأل الله التوفيق لكل الزملاء الذين يخلفوننى فى الوفد فى أداء دورهم الوطنى من أجل رفعة مصر وأمنها القومى ،ومن أجل خدمة حزب الوفد العريق.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاوى المسئولية د وجدى زين الدين مصطفى شردى صحافة جديدة الوفد
إقرأ أيضاً:
بين الكاتب والمكتوبجى
الصحافة حرفة قبل أن تكون رسالة، فكيف يمكن لمن يمارس تلك الحرفة أن يحمل تلك الرسالة وقد أصابه القلق والخوف من أن يعضه الجوع، وأن يكون مصيره التشرد؟ الواقع الذى يعيشه من يمتهن الصحافة الآن هو الدافع الأول لطرح السؤال، وقبل أن نخوض فى هذا الواقع، أعرض بعض ما قيل عن تلك المهنة ورسالتها.
قيل عن الصحافة إنها رسالة خالدة، وأنها ركن من أعظم الأركان التى تشيد عليها دعائم الحضارة، وأن كل أمة متمدنة يجب عليها أن تحترم الصحافة، وقيل عنها: لا شىء يدل على أخلاق الأمة ومكانتها مثل الجرائد، فهى المنظار الأكبر الذى ترقب فيه حركاتها وسكناتها، هى رائد الإصلاح ورياح التقدم، إنها لسان الأمة وبرهان ارتقائها، فأمة بدون صحافة لا عين لها فتبصر، ولا قلب لها فتشعر.. ما سبق قليل من كثير يوضح أهمية الرسالة فى حياة أى أمة.
ورغم سمو تلك الرسالة فقد عانت الصحافة ومن يمارسها على مر تاريخها فترات عصيبة من التعنت والاضطهاد والقسوة، تشتد وتلين حسب سياسات السلطة الحاكمة، فاخترع الحكم العثمانى مثلًا دور «المكتوبجى» ليمارس الرقابة على الصحف رغم جهله باللغة العربية، وكان من غرائب هذا «المكتوبجى» ما سجله «سليم سركيس» خلال توليه تحرير جريدة «لسان الحال» فى بيروت عما عاناه هو وغيره فى كتابه «غرائب المكتوبجى عام 1896».
ومن غرائب هذا «المكتوبجى» كما يحكى «سركيس» عن تلك الفترة في بيروت، أنه عندما طبع يوسف أفندى حرفوش كتابًا فى الأمثال وورد فيه المثل الشهير «الحركة فيها بركة»، أمر بحذف المثل زاعمًا أن لفظ الحركة تفيد الثورة!، ومن غرائبه أيضًا عندما كتبت جرائد بيروت أن أحمد أفندى سلطانى زايل «أى تارك ومغادر» الثغر لزيارة شقيقه محمد أفندى سلطانى المقيم فى الأستانة، حذف المراقب النون والياء من سلطانى وصار الاسم «محمد أفندى سلطا»، لأن السلطان لا يكون إلا لعبدالحميد!، ومما ذكره «سركيس» فى كتابه: أنه عندما ضجر عبدالقادر أفندى القبانى صاحب «ثمرات الفنون» من كثرة حذف المقالات، زار «المكتوبجى» راجيًا منه أن يحدد لهم خطة يسيرون عليها فى تحرير صحفهم وأن يريهم القانون الذى يخضعون له، فنظر إليه وقال: ألا تدرى أين القانون؟ فأجاب قبانى أفندى سلبًا، فوضع إصبعه على دماغه وقال: إن القانون هنا!
تلك العلاقة بين الكاتب والمكتوبجى يمكنها أن تمر رغم صعوبتها ووحشتها، يمكن التعايش معها وتفهمها رغم قسوتها ومرارتها، ولكن الأَمَّر الذى لا يمكن أن يمر هو حال من يمارسون تلك المهنة الآن، فقد أصبح قطاع عريض منهم يطارده شبح التشرد، وبات شغلهم الشاغل البحث عن عمل خارج نطاق تلك المهنة لسد حاجتهم وحاجة أولادهم قبل أن يعضهم الفقر.
لا يخفى على أحد أن هناك قطاعًا عريضًا ممن يمارس مهنة الصحافة الآن يكافح من أجل البقاء فى مواجهة ارتفاع جنونى للأسعار متسلحًا برواتب متدنية تسير كالسلحفاة فى سباق غير متكافئ مع سرعة هذا الجنون المتصاعد، وبينما لم يصل الكثير والكثير منهم إلى الحد الأدنى للأجور الذى أقره القانون، يجد البعض أنفسهم فى مواجهة مُلَّاك صحف لا يشعرون بهم ولا يألمون لهم، مُلَّاك لديهم أجندات ومصالح ومكاسب مختلفة، يشهرون أسلحة التهديد بالإغلاق وإعلان الإفلاس إذا لزم الأمر.
فى النهاية: أعلم أن هناك من يكره الصحافة كما السلطان عبدالحميد الثانى عندما قال بعد خلعه من عرش السلطنة: «لو عدت إلى يلدز لوضعت محررى الجرائد كلهم فى آتون كبريت»، وأعلم أن هناك من يتوجس خيفة من أرباب القلم كما نابليون الأول عندما قال إنه يخاف من ثلاث جرائد أكثر من مائة ألف جندى، ومنهم من يسير على نهج «نقولا الثانى» قيصر روسيا عندما قال: «جميل أنت أيها القلم ولكنك أقبح من الشيطان فى مملكتى».. وبين تلك الكراهية والخوف أو التفاهم، يوجد صحفى يريد أن يأكل ويشرب، يريد أن يعيش مطمئنًا بدلًا من تهديده بشبح التشرد أو الخوف من عضة جوع.
أخيرًا: الصحافة لسان الأمة والمرآة التى تريها نفسها اليوم وغدًا وبعد غد.. وما يعانيه قطاع كبير ممن يمارسون تلك المهنة لابد أن يكون له حل عاجل.
[email protected]