بوابة الوفد:
2025-05-25@08:02:10 GMT

عندما حذفن «نون النسوة»

تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT

«إيهٍ يا عزيز! إنى لأقولها لك بين حين وحين وقد قطع الموت ما بينك وبينى من الأسباب، فلا أسمع حديثك راضيًا، ولا أسمع حديثك ساخطًا! ولكنى على ذلك أسمع منك حديثًا صامتًا لا يصل إلى سمعي؛ لأن الموتى لا يتحدثون إلى الأسماع، وإنما يصل إلى قلبي؛ لأن الموتى كثيرًا ما يتحدثون إلى القلوب. وإنك لتعلم يا بنى أن أجسام الموتى تغيب فى الماء أو فى التراب، ولكن نفوسهم تحيا فى القلوب، فتتحدث إليها وتسمع منها فى النوم واليقظة، وفى الإقامة والترحال».


تلك كانت فقرة بديعة مما كتب عميد الأدب العربى فى تقديمه الرائع  للديوان الشعرى البديع « ديوان عزيز» للشاعر الوطنى المبدع « عزيز فهمى « ، فقد كان يرى أن للميت نفسًا لا يبلغها الإحصاء ولا ينالها الحصر ولا يحدها المكان؛ فهى كثيرة على أنها واحدة، وهى تنزل فى قلوب كثيرة فى وقت واحد وعلى اختلاف الأوقات والأطوار والشئون..» ..
وقد تميز «عزيز فهمى» الشاعر المصرى بغزارة إنتاجه الشعرى ، وهو من مواليد طنطا عامَ ١٩٠٩م، وكان والده أحدَ قِياديِّى حزب الوفد. تلقَّى «عزيز» تعليمَه الأساسى فى مَسقط رأسه، ثم انتقَلَ إلى القاهرة فأكمَلَ دراستَه بمدرسة الجيزة الثانوية، والْتَحقَ بعدَها بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، كما انتسب إلى كلية الآداب، فدرَسَ فيهما معًا، وبعدما حصل على ليسانس الحقوق سافرَ إلى فرنسا لدراسة القانون، وهناك حصل على الدكتوراه فى القانون من جامعة السوربون عامَ ١٩٣٨م.
بعد عودته من فرنسا عمل بالنيابة ، غيرَ أنه فُصِل من عمله بعدَ إقالة الحكومة الوفدية عامَ ١٩٤٤م، فاشتغل بالمحاماة، وانتُخِب لعضوية البرلمان المصرى عن حزب الوفد عامَ ١٩٥٠م، وكانت له فيه صَولاتٌ وجَولاتٌ أشهَرُها دِفاعُه عن حُرية الصحافة ؛ ما أوغَرَ صدْرَ المَلِك عليه، فاعتُقِل بتهمة العيب فى الذات المَلكية إبَّانَ الحربِ العالَمية الثانية. وشارَكَ «عزيز» فى تحرير الصُّحف والمَجَلات التى كان يُصدِرها حزبُ الوفد، وكان عضوًا فى كتائب الفدائيِّين، واشترَكَ فى عملياتٍ فِدائيةٍ استهدفَتْ معسكراتِ قواتِ الاحتلالِ الإنجليزى.
وقد رصد النقاد فى زمانه تنوع قصائد دواوينه بينَ الطويلةٍ والمتوسطةِ الطول، واتجاهه إلى رِثاء النفس، والغَزَل العفيف، ومَدِيح أعلام عصره، وبخاصةٍ «طه حسين» و»حافظ إبراهيم»، ورثاء آخَرين، فضلًا عن بُروزِ النَّزْعةِ الوطنية فى شِعره واهتمامِه بقضايا الوطن. 
وعندما نشرت مجلة الرسالة بتاريخ ١٥ / ١ /  ١٩٤٥أن النساء قررن فى مؤتمرهن الذى انعقد فى القاهرة المطالبةَ بحذف نون النسوة من اللغة؛ تحقيقًا لمساواتهن بالرجال، نظم الدكتور عزيز فهمى هذه الأبيات فى ذلك :
هَلَا أتاك حديثُهُنَّه؟
النون ليست نونَهُنَّه
هذا القرار وثيقة
أَفصحْ وذكِّرْ جمعَهنَّه
النون تخدش سمعَهُنَّ
… وما أرقَّ شعورَهنَّه!
ظلم الرجالُ نساءهم
ما للرجال وما لَهُنَّه؟!
النون فرض كفاية
يكفى النساءَ فروضُهنَّه
والميم أحسم للخلاف
فلا تثيروا كيدَهنَّه
بَرِئ النساء من الأنوثة
مذ مَلْكنَ قيادَهنَّه
عِفْنَ الخِباء وما الحياة
إذا لزمن خدورَهنَّه
عبء الأمومة فادح
حسب العقائل حَمْلُهنَّه
حسب العقائل ما احتملــن

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رؤية الشاعر المصرى حزب الوفد

إقرأ أيضاً:

ذاكرة الجدة وذعر الطريق

اختفت الشمس من الصحراء وعاد الليل.

كنتُ متماهية مع صوت جدتي وهي تقص قصصًا من التراث العُماني القديم.

كانت تستحضر القصص من ذاكرتها الحية، التي يبدو نصفها معطوبًا.

أكل الخرف ذاكرتها كما تأكل الرِمَّة الخشب.

روحها لا تُمل، وإحساسها بالأشياء مُذهل، ودقة وصفها جعلتني لا أشعر بالوقت.

غادرت منزلها فور أن استشعرت العُتمة.

شغّلت المُحرّك وسلكت الطريق العام.

هذه القرية تكاد تكون معدومة السُكان، بيوت قليلة تقع في صحراء شاسعة.

بدأ الخوف يدّبُ في أوصالي، وتذكرت أمي وهي تقول: (تعالي قبل ما تغيب الشمس).

شغّلت الراديو رغبةً في تشتيت الخوف، فصدحت منه الأغاني الوطنية.

غيّرت الموجة: حرائق في كاليفورنيا، سقوط طائرة، مفاوضات بشأن السلام في غزة، تسونامي في اليابان.

لا شأن لي بالاستماع للكوارث التي تحدث في العالم، أطفأت الراديو.

ظهرت سيارة بيضاء في المرآة، إنها خلفي مباشرة، تشبه تلك السيارة التي كانت تلاحقني في المنام عندما كنت طفلة.

استيقظ خوف دفين في روحي، وحاولت إبطاء السرعة لأسمح لها بتجاوزي. لكن سائقها لم يُبدِ أي رد فعل، وكأنه يصر على السير خلفي. رفعت هاتفي في محاولة لالتقاط شبكة، لكنه لا يستجيب (No service).

عيناي تقعان على المرآة لمراقبة سلوكه، لعله يتصل، أو يتناول علكة، أو يفعل أي شيء آخر يثبت لي أنه غير مكترث بي، ربما.

لكنه ينظر للأمام بحزم.

بدأ يزيد من مستوى السرعة.

بلغت القلوب الحناجر، وشعرت برغبة هائلة في البكاء، فأنا أبكي فقط عندما أكون قلقة.

ربما أدركَ تمامًا أنني امرأة، ربما يتعمّد إخافتي. ليتني أطعت جدتي عندما قالت لي: (جلسي، ما شبعت منك).

حاولت الاتصال بأي أحد، لكن هاتفي لا يستقبل أي إشارة.

تبًا للأقمار الاصطناعية، تبًا للتكنولوجيا الفاشلة.

بدأت بطارية هاتفي تنفد، وفي الوقت نفسه السائق اللعين تجاوزني.

فتح نافذته رغبة في أن يُسمعني صوته، لكنني لا أعلم ماذا يقول! لا أعلم شيئًا سوى أن الخوف جمّد أطرافي.

رفعت مستوى السرعة محاولة الوصول إلى المحطة، حيث بدت لي الأضواء من بعيد.

شعرت بارتياح هائل عندما رأيت تلك الأضواء.

الآن يسير خلفي مجددًا، وأشعر بالقلق من أن يعترض طريقي.

وصلت المحطة أخيرًا، وعادت الحياة لهاتفي. هناك ١٤ مكالمة فائتة: ٤ من أمي، و١٠ من أخي.

وصل هو أيضًا إلى المحطة، وتوقف بجواري تمامًا، ثم طرق نافذتي محاولًا إخباري بشيء ما.

فتحت جزءًا ضئيلًا من النافذة، جزءًا يسمح فقط بمرور الصوت: (آسف على الإزعاج، بس الدبّة مفتوحة).

لم أُجِب، تملّكني الصمت.

كانت نظراتي التي بدت غاضبة، وأنفي الذي احمّر كأنوف صغار الأرانب، كفيلين بإبعاده.

مقالات مشابهة

  • الكأس بعد الدوري.. سان جرمان يحقق الثنائية وعينه على ميونيخ
  • سان جيرمان.. «الثلاثية المحلية»
  • عندما يصمت الهتاف
  • عندما يكتب الأحرار التاريخ .. اليمن ينتصر لغزة
  • «ضريبة الغياب»
  • عزيز بلال.. فكر حي على الدوام
  • فريق الأهلي للكرة النسائية يتوج بلقب كأس مصر
  • غزة ..ومظاهر العجز العربي
  • ذاكرة الجدة وذعر الطريق
  • مصرع شاب غرقا بمياه ترعة بالشرقية