بعد فشلها في الغاز.. هل تحقق مصر نجاحا كمركز عالمي لإنتاج الهيدروجين الأخضر؟
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
في ضوء التحديات التي واجهتها في قطاع الغاز الطبيعي، أعلنت مصر عن خطط جديدة تهدف إلى التحول لمركز عالمي لإنتاج الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030. تأتي هذه الخطوة في إطار سعي البلاد لتعزيز مساهمة الاقتصاد الأخضر في الناتج المحلي الإجمالي ومضاعفة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء.
وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي ، إنّ الحكومة تستهدف زيادة مساهمة الاقتصاد الأخضر في الناتج المحلي الإجمالي من خلال مضاعفة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء إلى إجمالي الاستثمارات العامة إلى نحو 55 بالمئة عام 2026، وأن تصبح بلاده مركزا عالميا لإنتاج الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030.
واجهت مصر مشكلة في تحقيق هدفها الأول بالتحول إلى مركز إقليمي للغاز، فبعد سنوات قليلة من تحقيق الاكتفاء الذاتي وإعلان مصر خططها لأن تصبح مركزا إقليميا لتجارة ونقل الغاز، تحولت إلى مستورد صاف في ظل تراجع إمدادات الغاز المحلية.
خطط مصر لتوليد 42 بالمئة من الكهرباء من مصادرة الطاقة الجديدة والمتجددة بحلول عام 2030. والهيدروجين الأخضر هو الهيدروجين المنتج من التحليل الكهربائي للماء بالاعتماد على الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح.
تتوقع مصر ضخ استثمارات أجنبية ضخمة وأن يصل إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مشروعات الهيدروجين الأخضر إلى نحو 81.6 مليار دولار بحلول 2035.
في أيلول/ سبتمبر 2023 أنشأت مصر مجلساً وطنياً لمشروعات الهيدروجين الأخضر، بهدف تحفيز الاستثمارات بواحد من أهم مصادر الطاقة النظيفة.
أزمة إمدادات الغاز المحلي
عادت مصر إلى ساحة الدول المستوردة للغاز المسال من الأسواق العالمية، بعد أن أصبح الاستيراد من "إسرائيل" غير كافٍ لسد النقص والذي يصل إلى مليار قدم يوميا، وتراجع إنتاج حقولها من الغاز لأسباب فنية وتقنية.
على إثر ذلك تراجع حجم إنتاج الحقول من الغاز إلى أقل من 5 مليارات قدم مكعب تقريبا حالياً، في حين يتراوح الاستهلاك بين 6.7 إلى 6.8 مليار قدم مكعب يوميا، وتستورد نحو مليار قدم مكعب يوميا من "إسرائيل" ما يعني استمرار فجوة بنحو 800 مليون قدم مكعب إلى مليار قدم مكعب يوميا لمواجهة انقطاعات الكهرباء ، ونقص إمدادات الغاز للمصانع.
رغم التحديات التي تواجهها، فإن مصر تسعى جاهدة لتحقيق تحول اقتصادي أخضر يعزز من استدامة مواردها ويحسن من وضعها الاقتصادي. بينما يبقى السؤال: هل ستتمكن مصر من تحقيق هذه الأهداف الطموحة في ظل التحديات الراهنة؟
تحديات التحول الجديد
قدمت دراسة مصرية حديثة أهم العقبات الفنية والاقتصادية التي تواجه التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر، لا سيما في ظل التوجه العالمي لتحقيق الحياد الكربوني.
وأشارت الدراسة، التي حملت عنوان "الهيدروجين الأخضر .. التقنيات والواقع والتحديات" إلى أن فجوة التكلفة بين الهيدروجين الأخضر ونظيره المُنتج من الوقود الأحفوري ما تزال تمثّل التحدي الرئيس للهيدروجين منخفض الكربون.
كما يواجه إنتاج الهيدروجين الأخضر وتخزينه ونقله وتزويده واستعماله عددًا من التحديات الفنية والاقتصادية والعملية، وهناك عدد كبير من الأبحاث جارية لمعالجة هذه التحديات.
3 مصاعب ومنافسون كبار
لخص الباحث المتخصص في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية خالد فؤاد، التحديات في مجال الاقتصاد الأخضر، قائلا: "أولها: توفير التمويلات اللازمة للمشروعات الضخمة المتعلقة بالطاقة المتجددة. وثانيها: التكنولوجيا، فهو يحتاج إلى تبني أحدث التقنيات العالمية في مجال الطاقة الخضراء. وثالثها، تطوير البنية التحتية مثل نقله وتخزينه واستعماله لتناسب متطلبات المشروعات الخضراء".
ورأى في حديثه لـ"عربي21" أن "توجه مصر لإنتاج الهيدروجين الأخصر منفصل تماما عن خططها للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز ونقله إلى أوروبا، ولكنه يأتي ضمن توجه أوسع في الإقليم، وبعض الدول قطعت شوطا طويلا مثل السعودية والإمارات و"إسرائيل"، نحو التنافس على إنتاج الهيدروجين الأخضر باعتباره سيكون جزء مهما من خريطة الطاقة".
وأوضح فؤاد أن "مصر سوف تواجه نفس المعوقات التي واجهتها في قطاع الغاز، فهو بحاجة إلى دعم حكومي وضخ استثمارات ضخمة، وتقنيات متقدمة، ووضع تسهيلات تنظيمية لجلب استثمارات أجنبية كبيرة في هذا المجال مع الأخذ في الاعتبار أن هناك منافسة كبيرة في هذا المجال".
هيمنة الدول الكبرى وحسابات إقليمية
الخبير العالمي في مجال الطاقة ورئيس مجلس إدارة مجموعة شركات بيت الأمريكية، عبد الحكيم حسبو، قال إن إنتاج الهيدروجين بأنواعه هو نقطة تحول في مجال الطاقة على مستوى العالم للحصول على طاقة نظفية، وبيئة مصر الصحراوية مناسبة لإنتاج الهيدروجين الذي يعتمد على طاقة الشمس والرياح ونقلها للأماكن التي تحتاج للطاقة، وتؤهلها لأن تتحول إلى إحدى الدول المنتجة للطاقة النظيفة بكميات كبيرة في حال توفرت الشروط".
تكمن المشكلة، بحسب تصريحات حسبو لـ"عربي21" في أن " مشاريع الهيدروجين الأخضر تتطلب تمويلات ضخمة لبناء محطات التحليل الكهربائي وتطوير تقنيات الإنتاج والتخزين والنقل. ويُعدّ جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق أهداف مصر في هذا المجال، وتحتاج أضعاف استثمارات الغاز وإلى وقت طويل".
ورأى أن أكثر ما يعيق خطة الحكومة المصرية "هو عدم وضع إطار قانوني وتنظيمي واضح لتنظيم إنتاج الهيدروجين وتجارته، وهو أمر ضروري لجذب الاستثمارات وضمان سلامة وجودة الإنتاج. وتتطلب مشاريع الهيدروجين كوادر بشرية مؤهلة للتعامل مع تقنيات الإنتاج والتخزين والنقل".
واعتبر خبير الطاقة العالمي أن "مشكلة الغاز في مصر لها شقين اقتصادي وسياسي، وهما مرتبطان ببعضهما البعض، فيما يتعلق بالشق الاقتصادي فالقوى الإقليمية تسعى إلى تصدير الغاز بدون المرور بمصر وما تستورده من "إسرائيل" تستهلكه محليا، أما الشق السياسي فإن الدول الكبرى هي التي تتحكم في مسارات الغاز بالمنطقة وتخضع للتوترات الجيوسياسية المتقلبة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الغاز مصر مصر قروض الغاز الهيدروجين الاخضر المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إنتاج الهیدروجین الأخضر لإنتاج الهیدروجین ملیار قدم قدم مکعب فی مجال
إقرأ أيضاً:
هل يسرّع الغاز الأميركي وتيرة تحول تركيا لمركز إقليمي للطاقة؟
إسطنبول- تتحرك تركيا بخطوات متسارعة نحو الاستثمار المباشر في حقول النفط والغاز الأميركية، في إطار خطة أوسع لإعادة هيكلة محفظتها من موارد الطاقة التي ظلت حتى وقت قريب تعتمد بدرجة كبيرة على واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة.
ويأتي هذا التوجه ضمن إستراتيجية تركية متكاملة تهدف إلى تنويع مصادر الإمداد وتقليص الارتباط التقليدي بالغاز الروسي، بالتزامن مع دفع قوي لتحقيق طموح أنقرة بالتحول إلى مركز إقليمي ودولي لتجارة الغاز يربط بين منتجيه في الشرق ومستهلكيه في الغرب.
التوجه التركي نحو الغاز الأميركيوكشف وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، الأربعاء الماضي على هامش القمة العالمية للغاز الطبيعي المسال في إسطنبول، أن شركة البترول التركية دخلت في محادثات متقدمة مع كبار منتجي الطاقة في الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم شيفرون وإكسون موبيل، بهدف شراء حصص في مشاريع أميركية للتنقيب والإنتاج.
ويأتي هذا التوجه، وفق بيرقدار، لبناء سلسلة قيمة متكاملة في قطاع الغاز تبدأ من منبع الإنتاج في الولايات المتحدة وتنتهي بتلبية الطلب المحلي، بما يعزز قدرة أنقرة على التحوط أمام تقلبات السوق ويحمي أمن إمداداتها على المدى الطويل. ومن المنتظر الإعلان عن أولى الاتفاقيات الاستثمارية خلال الأسابيع المقبلة.
ويمثل هذا الانفتاح خطوة نوعية في مسار الشراكة الطاقية المتنامية بين أنقرة وواشنطن، إذ أصبحت الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة أحد أهم موردي الغاز طويل الأجل لتركيا.
وعززت أنقرة هذا الاتجاه عبر سلسلة من العقود التي تجاوزت كمياتها 150 مليار متر مكعب منذ نهاية 2024، على أن يبدأ معظمها بالتوريد الفعلي بين 2027 و2030، لتصعد الولايات المتحدة إلى موقع رابع أكبر مورد للغاز إلى تركيا في عام 2025 بحجم بلغ 5.5 مليارات متر مكعب تمثل نحو 14% من إجمالي وارداتها.
إعلانويؤكد بيرقدار أن الغاز الأميركي بات أكثر تنافسية من الغاز الذي يصل عبر خطوط الأنابيب من روسيا وإيران، الأمر الذي شجع تركيا على رفع حصته ضمن مزيج الطاقة الوطني.
ووفق بيانات بلومبيرغ، بلغت واردات تركيا من الغاز المسال 5.2 ملايين طن منذ مطلع 2025، مقارنة بـ3.98 ملايين طن خلال عام 2024 بأكمله.
كما تستعد تركيا لاستقبال 1500 شحنة من الغاز الأميركي خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 المقبلة، في إطار عقود ترتبط بمؤشر "هنري هب" الأميركي (معيار مرجعي لتسعير الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة) بما يعزز استقرار الأسعار على المدى الطويل.
وبالتوازي مع هذا التحول، تراجع اعتماد تركيا على الغاز الروسي إلى أقل من 40% بعد أن كان يتجاوز 50% قبل سنوات قليلة، إذ تم تمديد عقود استيراد 22 مليار متر مكعب لمدة عام واحد فقط.
كما تواصل أنقرة مباحثاتها مع طهران لتجديد عقد توريد يبلغ 10 مليارات متر مكعب وينتهي منتصف 2026، إلى جانب بحث رفع كميات الغاز التركماني التي تمر عبر الأراضي الإيرانية.
وفي هذا السياق، أبرمت أنقرة اتفاقا قصير الأجل لاستيراد 1.3 مليار متر مكعب من تركمانستان عبر إيران، تم توريد نحو نصفها حتى الآن.
تعاون إقليمي مع المغرب ومصروإلى جانب توسعها في السوق الأميركية، تمضي تركيا في تعزيز تعاونها الإقليمي في قطاع الغاز بوصفه ركيزة أساسية ضمن خطتها للتحول إلى مركز طاقة إقليمي.
وفي إطار زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، توسع أنقرة قدراتها التشغيلية عبر إضافة وحدتين عائمتين جديدتين للتخزين وإعادة التغييز، ليصل عدد المرافئ التركية القادرة على استقبال الغاز المسال إلى 5 مرافق.
وبفضل هذه التوسعة، ترتفع القدرة الاستيعابية لتركيا إلى ما يتجاوز 50 مليار متر مكعب سنويا، بما يتيح لها فائضا تشغيليا يمكنها من تقديم خدمات طاقة لدول أخرى.
وانطلاقا من هذا الفائض، تخطط أنقرة لإرسال إحدى وحداتها العائمة إلى مصر خلال أشهر الصيف لمساندة القاهرة في تغطية العجز الموسمي للغاز خلال ذروة استهلاك الكهرباء.
كما تخوض تركيا مباحثات مع المغرب بهدف ترتيبات مشابهة تسمح للرباط باستئجار وحدة تركية لإعادة التغييز، بما يضمن تلبية احتياجاتها المتزايدة من الغاز.
وفي مستوى الربط القاري، تعمل أنقرة على توسيع خطوط الأنابيب نحو أوروبا، وقد أعلن الوزير بيرقدار استعداد تركيا لزيادة القدرة التمريرية للغاز نحو بلغاريا لتصل إلى 7–10 مليارات متر مكعب سنويا.
فرص ومخاطرويرى المحلل الاقتصادي شكري جوفان أن توسع تركيا في عقود الغاز الأميركي يحمل مزيجا من الفرص والمخاطر، إذ قد يزيد الضغط على ميزان المدفوعات في المدى القصير بسبب ارتفاع فاتورة الاستيراد وربط التسعير بالدولار، لكنه يتيح في المقابل بناء آلية تحوط من خلال الاستثمارات المباشرة في قطاع الإنتاج الأميركي.
ويضيف جوفان للجزيرة نت أن نجاح تركيا في لعب دور مركز إقليمي لإعادة التصدير قد يحول جزءا من وارداتها إلى إيرادات خدمات وعبور، بما يخفف تدريجيا من عبء العجز الجاري، كما أن تنويع شبكة الإمداد يحد من هشاشتها تجاه صدمات الطاقة المرتبطة بمورد واحد.
ومع ذلك، يحذر جوفان من أن الاعتماد المتزايد على عقود مسعرة بالدولار قد يرفع حساسية الاقتصاد لتقلبات سعر الصرف، مما يتطلب إدارة اقتصادية أكثر حذرا.
إعلانوإذا نجحت أنقرة في ترسيخ نفسها مركزا تجاريا للغاز، فإنها ستنتقل من موقع المستهلك المعرض للصدمة إلى موقع الوسيط القادر على التفاوض وتعديل مزيج الإمدادات وفقا لتطورات السوق.
تحديات جوهريةمن جانبها، ترى الباحثة في شؤون الطاقة جيران بيلتكين أن تركيا تمتلك جزءا مهما من مقومات التحول إلى مركز إقليمي للغاز، غير أن الطريق نحو هذا الهدف لا يزال محفوفا بتحديات تقنية وتنظيمية وجيوسياسية.
وتلفت بيلتكين للجزيرة نت إلى أن تحويل مركز تراقيا (شمال غربي البلاد) إلى منصة تسعير إقليمية يتطلب معالجة ملفات أساسية، أبرزها:
غياب سوق غاز محررة بالكامل. سيطرة شركة بوتاش على سلاسل التوريد والتوزيع. الحاجة لإطار تنظيمي مستقل يضمن الشفافية ويوفر أدوات مالية متطورة للتداول.وتشدد بيلتكين على أن التعقيدات الجيوسياسية المرتبطة باعتماد الإمدادات على دول ذات مصالح متباينة، إضافة إلى محدودية الثقة الأوروبية بأي مركز تسعير يمر عبر تركيا، تشكل عقبات حقيقية أمام المشروع.