عبد القوي السباعي
تسع سنوات ولا يزالُ التبايُنُ والغُموضُ يسمِّمُ بعضَ العقول الشابَّة، ويسيطر على قناعاتها وتفاعلاتها، ويبدو أن البيئةَ التي شكّلت هذه القناعة وهذا الوعي كانت عُرضةً لاستهداف طويل لوسائط التنشئة الاجتماعية التربوية والثقافية الفكرية لمجموعة الخبرات والبرامج التي كانت تدار من داخل السفارة الأمريكية بصنعاءَ ولعصورٍ من الزمن، عبر شبكاتٍ من جواسيس وعملاء المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي، التي ما تركت مجالاً إلا ونفذت إليه لتشمل جميع جوانب الوجود في الحياة والتي مرَّت بها الأجيالُ اليمنية؛ ولولاها ما شهدنا ذلك الصَّفَّ الكبيرَ من الخونة والمرتزِقة.
لكن؛ وبعد إسقاط واحدة من أخطر الشبكات والكشف عن كافة أنشطتها ووسائلها ومختلف أساليبها وأبرز لاعبيها، أصبح لدى الشاب اليمني مستوعب عملي ومعرفي هائل من التجارب والقصص التي من المفترض أن تضيف إلى رصيد تجاربه وعياً وطنياً محصناً ضد كُـلّ الآفات؛ يمكّنهُ من نظم سلوكه وتوجّـهاته وأفكاره وفق الهُــوِيَّة الوطنية، ويساعده على تجسيد حضور متميز في الساحة كشخصٍ له من القابلية والتأثير والعطاء في كُـلّ اتّجاه بكل استقلاليةٍ وتجردٍ تام.
وحتى يتفهم الشاب اليمني لذاته وقدراته لا بُـدَّ من أن يمتلك مهارة تفسير وتحليل قضايا مجتمعه والتحديات المعاصرة التي تواجهه بكل إيجابية، يشارك هو في مواجهتها ووضع حلول جذرية لها؛ لذلك يُعد الوعي والإدراك واستيعاب ما نحن عليه اليوم، قضية أمن قومي؛ كونها تجعل العقل البشري في حالةٍ من الإدراك السليم للأحداث والمستجدات والأفكار والقيم التي تساعد على فهم واستيعاب النفس والعالم المحيط وتفسير الأحداث بكل شفافيةٍ وبصيرة.
وكي يمتلك الفرد منّا بنية معرفية صحيحة، أدعوه إلى إدراك واستيعاب قيمة الإنجازات والانتصارات التي تحقّقت لليمن واليمنيين خلال ثماني سنوات من العدوان والحصار وفترة التهدئة الممتدة إلى اليوم، مُرورًا بالالتحام بمعركة (طوفان الأقصى)، وانتهاء بخوض معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدَّس”، ووضعِ كُـلّ ذلك، في ميزان الوعي والمعرفة المستقلة عن أية محفزات أَو شحن انتقامي “إعلامي دعائي ونفسي” لا يؤمن بالقضايا الوطنية والقومية الجامعة ولا يعبر عن الانتماء إليها.
وعلى ضوء ذلك؛ يمكنك أن تجعل من التعدد والتنوع الفكري الحاصل في اليمن، قالباً للتفسير والتحليل إلى صورته الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والصحية والقانونية والقيمية والتكنولوجية وغير ذلك من الصور والضوابط التي تتمخض من خصائص التحليل ونتائجه، وبما يساعدك في إدارة حوار بنَّاء مع نفسك ومع الآخرين، يسهم في استقراء الواقع وتبادل الخبرات والرؤى حول مجالات الاهتمام المشترك؛ وتوظيفها في عمليات المواجهة والتحدي والبناء والتنمية، وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار؛ بفكرٍ مبتكر وعقلٍ مستنير.
وعليه؛ أدعو كُـلّ يمني ينتمي إلى اليمن، الأرض والإنسان، بغض النظر عن فكره وتوجّـهاته ورؤاه ومنطقته، إلى إدراك أن علينا جميعاً مسؤولية الدفاع عن سيادة واستقلال اليمن والارتقاء به، والحفاظ على مكتسباته ومنجزاته، وتدعيم انتصاراته التي تحقّقت في الماضي والحاضر، والاستعداد التام لخوض معركة الشرف المصيرية القادمة، التي هي في أمسِّ الحاجة لاستمرارية هذه النجاحات، والتي من شأنها تعزيز التلاحم والاصطفاف الوطني للمضي قدماً نحو صناعة مستقبل مشرق يليق بنا وبدولتنا؛ فإمّا أن نكونَ في الصفوف الوطنية الأولى، أَو أن نكون ضمنَ قطيع التدجين في الحضيرة الأمريكية.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
هل ينفرط عقد مجلس القيادة الرئاسي اليمني أمام تعقيدات المحاصصة؟
عدن- يقف مجلس القيادة الرئاسي في اليمن أمام منعطف بالغ الخطورة منذ تأسيسه قبل أكثر من عامين، وسط تصاعد الانقسامات بين مكوناته وتباين أجنداتها السياسية والعسكرية، بالتزامن مع تنامي النزعة الانفصالية لدى المجلس الانتقالي الجنوبي، أحد أبرز أعضائه وأكثرهم نفوذا.
وتشير الوقائع إلى أن مجلس القيادة، المكوّن من 8 أعضاء برئاسة رشاد العليمي وهو أعلى سلطة شرعية معترف بها دوليا في البلاد، يعيش اليوم اختبارا وجوديا، فهل يقترب من مرحلة التفكك؟
منذ تشكيله في أبريل/نيسان 2022 بهدف توحيد الجبهة المناهضة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، حمل المجلس في تكوينه تناقضات بنيوية، إذ ضم قوى جنوبية ذات نزعة انفصالية، إلى جانب مكونات متمسكة بمرجعيات الشرعية ووحدة الدولة، وأطراف محلية أخرى تسعى لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري في معادلة ما بعد الحرب.
وخلال الأشهر الأولى، حافظ مجلس القيادة على تماسك نسبي بفعل انشغال مكوناته بالمعركة ضد الحوثيين، غير أن هذا التماسك الهش لم يصمد طويلا. فتعقيدات المحاصصة وتضارب المصالح دفعت الخلافات إلى السطح سريعا، لتتفجر أزمات متكررة، تهدأ حينا وتشتعل في أحيان أخرى.
ورغم محاولات السعودية -الداعم الأبرز له- احتواء هذه التباينات منذ اللحظات الأولى، فإن خلافات المكونات انعكست تدريجيا في تباعد المواقف داخل مؤسسات الدولة وتضارب القرارات، وامتدت إلى خارطة الانتشار العسكري في المحافظات المحررة.
وبحسب مراقبين، فإن المشهد داخل المجلس يعكس تحالفا هشا بين أطراف متناقضة الرؤى والمشاريع. فبينما يدفع الانتقالي الجنوبي -ممثلا بثلاثة أعضاء- نحو مشروع انفصالي واضح، تتمسك قوى أخرى بخيار الدولة الواحدة، في حين تتحرك أطراف محلية لتعزيز حضورها.
إعلانوخلال الأيام الماضية، انفجر الخلاف إلى تصعيد غير مسبوق، بعد أن نفذ الانتقالي عمليات عسكرية واسعة في وادي حضرموت والمهرة، وبسط سيطرته على مواقع ومدن ومرافق حيوية، بينها مناطق نفطية إستراتيجية، مما وسّع نطاق نفوذه ليشمل نحو نصف مساحة البلاد.
أثار هذا التصعيد غضب الحكومة التي غادرت عدن باتجاه السعودية في خطوة فسّرها مراقبون كمؤشر على عمق الأزمة، واتهم رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي الانتقالي الجنوبي بتقويض شرعية الدولة، داعيا المجتمع الدولي إلى موقف ضاغط لعودة القوات إلى مواقعها السابقة، ومحذرا من تداعيات الإجراءات الأحادية.
سلطة موازيةويُعد الانتقالي الجنوبي، منذ تأسيسه عام 2017 بقيادة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي سلطة موازية للحكومة الشرعية، القوة الأكثر نفوذا في الجنوب. وبرغم مشاركته في السلطة عبر رئاسة ونائبين داخل مجلس القيادة، يواصل الدفع نحو برنامج انفصالي يهدف لاستعادة دولة الجنوب السابقة.
في المقابل، تسعى السعودية إلى احتواء التصعيد عبر جهود تهدئة مكثفة، لكن دون تحقيق اختراق حقيقي حتى الآن. مما يجعل قدرة المجلس على الاستمرار مرهونة بمدى استعداد أطرافه لتقديم تنازلات، أو تدخل خارجي قادر على فرض تسوية داخلية، بحسب مراقبين.
ويرى محللون أن جذور الأزمة داخله تعود إلى تركيبته الأولى التي جمعت أطرافا ذات مصالح متناقضة تحت مظلة واحدة، لم يجمعها سوى هدف مواجهة الحوثيين.
ويقول رئيس مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية عبد السلام محمد إن تعثر تحقيق هذا الهدف دفع كل طرف إلى تنفيذ أجندته الخاصة، في ظل تعقيد إضافي فرضته الخلافات الإقليمية. وأشار -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن تلك الخلافات انعكست على أداء المجلس فأضعفت قدرته على اتخاذ قرارات جماعية، مما دفع بعض المكونات -وفي مقدمتها الانتقالي- إلى إجراءات أحادية عمّقت الانقسام.
وباتت ملامح التفكك -وفق محمد- ظاهرة من خلال قرارات فردية وتعيينات أحادية، ثم بفرض واقع عسكري جديد في حضرموت، محذرا من أن المجلس "يقترب من نهايته" ما لم تتوحد مكوناته حول "هدف إسقاط الحوثيين".
دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد محمد العليمي المجتمع الدولي إلى موقف موحّد يرفض الإجراءات الأحادية للمجلس الانتقالي، ويضغط لعودة قواته الوافدة من خارج حضرموت والمهرة.
وحذّر العليمي من أن تحركات الانتقالي تُقوّض وحدة القرارين الأمني والعسكري وتهدد العملية السياسية،… pic.twitter.com/02eCh1Yl1P
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) December 9, 2025
سيناريوهات متعددةومع انسداد أفق التفاهمات وتصاعد الخلافات، تبدو فرص بقاء مجلس القيادة الرئاسي بصيغته الحالية محدودة. ويطرح مراقبون سيناريوهات متعددة، تشمل إعادة هيكلته، أو تقليص عدد أعضائه، وصولا إلى "الانهيار السياسي" إذا استمرت التصدعات.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الزرقة أن المجلس "أثبت فشله وانتهاء عمره الافتراضي" نتيجة تضارب أجندات مكوناته وتعدد ولاءاتها الإقليمية، معتبرا أن تشكيله "وجّه ضربة قاصمة للشرعية اليمنية" بدل أن يكون منصة لتوحيد القوى المناهضة للحوثيين.
إعلانوتوقع -خلال حديث للجزيرة نت- إعلان "وفاة المجلس" فعليا إذا استمرت الأزمات، مع احتمال ظهور ترتيبات جديدة قد تشمل تقليص أعضائه أو تشكيل سلطة بديلة قائمة على الغلبة، خصوصا في ظل تقدم الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة.
وحذّر الزرقة من أن رفع الانتقالي سقف طموحات أنصاره نحو الانفصال سيجعل أي محاولة لإعادة صياغة مجلس القيادة الرئاسي صعبة ما لم يتوصل الداعمون الإقليميون إلى تفاهمات حاسمة، معتبرا أن تصاعد نفوذ الانتقالي واتساع خطواته الأحادية يهددان شرعية المجلس، الذي قد يفقد مبرر وجوده ما لم تُعالج الخلافات المتفاقمة سريعا.