هل واجهت من قبل مشكلة فقد شخص عزيز أو تخلّى عنك شخص تحبه؟ وهل لديك خوف من عدم القدرة على النسيان؟ بالتأكيد فإن فقدان شخص عزيز هو حدث محزن ومؤلم. ولفهم سبب ذلك، قام باحثون من جامعة "كولورادو بولدر" بفحص الطريقة الكيميائية التي يتفاعل بها الدماغ مع الحب والفقد، ونشرت النتائج حديثًا في دورية "كارنت بيولوجي".

شرع الباحثون في استكشاف الروابط الكيميائية في أدمغة فئران البراري بعد تكوين علاقة بين شريكين، وفئران البراري من الثدييات القليلة الأحادية الزواج والتي ترتبط بشريك واحد مدى الحياة، وتنتهج سلوكا عدوانيا تجاه الفئران الجديدة من كلا الجنسين.

وقد ثبت -بحسب الدراسة- أن تكوين هذه الروابط الزوجية يعتمد على إشارات الدوبامين في الدماغ، الذي يتدفق عندما تكون الحيوانات مع شركاء حياتها، وأن فقدان الشريك يمحو هذا الارتباط الكيميائي العصبي بالدماغ.

ما الدوبامين؟

الدوبامين ناقل كيميائي يُطلق بشكل طبيعي من الخلايا العصبية في الدماغ، وإحدى وظائفه هي خلق شعور جيد بعد القيام بشيء ممتع، وهذا يجعلك ترغب في القيام بهذا الأمر مرة أخرى، فمثلا يزيد إفرازه عند القيام بأنشطة ممتعة مثل تناول الطعام أو ممارسة الرياضة أو التفاعل الاجتماعي، مما يعزز الشعور بالمتعة والتحفيز لتكرار تلك الأنشطة، ولهذا السبب قد يلعب الدوبامين دورًا في الإدمان.

ويتحكم الدماغ في حركة الجسم عن طريق إفراز الدوبامين، إذ تسبب المستويات المنخفضة من الدوبامين في مناطق معينة من الدماغ مرض باركنسون. كذلك يحدث خلل في مستويات الدوبامين أيضًا عند الإصابة بالأمراض العقلية مثل الاكتئاب والفصام، وقد يحتاج المرضى إلى تعاطي أدوية مساعدة لعلاج أعراض زيادة الدوبامين أو نقصه. ويلعب الدوبامين أيضًا دورًا في التحكم في الذاكرة والمزاج والنوم والتعلم والتركيز والحركة ووظائف الجسم الأخرى.

الدوبامين يؤثر في مناطق الدماغ ليمنحك مشاعر المتعة والرضا والتحفيز وله دور في التحكم في الذاكرة والمزاج والنوم والتعلم والتركيز والحركة ووظائف الجسم الأخرى (بيكساباي)

 

قياس ضوئي

وفي دراستهم الجديدة، قام فريق الباحثين بإجراء تجربة قاسوا فيها مستويات الدوبامين في النواة المتكئة بأدمغة فئران البراري المنفصلة عند عودتها إلى شركائها. والنواة المتكئة منطقة دماغية مرتبطة بالتحفيز الاجتماعي والمكافأة.

ولاحظ الباحثون أنه عندما تتسلق فئران البراري حاجزًا لتدخل إلى مكان وجود شريكها، يتدفق الدوبامين إلى النواة المتكئة ويستمر التدفق أثناء تعانق فئران البراري.

وقام الباحثون بتقدير كمية الدوبامين باستخدام تقنية متطورة تسمى القياس الضوئي للألياف، يستخدم فيها الضوء لقياس تغيرات الناقلات العصبية في الدماغ أثناء قيام الحيوانات بسلوك معين.

بعد ذلك قاموا بفصل فئران البراري بعضها عن بعض لمدة 4 أسابيع، وهي فترة كافية لتكوين الفئران لرابطة جديدة مع شركاء جدد. ولكن عند إعادة تقديم الشركاء القدامى مرة أخرى لبعضهم بعضا وقياس مستويات الدوبامين بالدماغ كان هناك غياب لتدفق الدوبامين الأصلي بالدماغ بعد اللقاء، إذ زالت الرغبة و تكيفت أدمغة فئران البراري بعد الفقد، وأصبحت مستويات الدوبامين بأدمغة الفئران عند لقاء الشريك القديم مشابهة لأي فأر آخر غريب.

أدمغة فئران البراري تكيفت بعد الفقد وأصبحت مستويات الدوبامين فيها عند لقاء الشريك القديم مشابهة لأي فأر آخر غريب (بيكساباي) المرونة العصبية

وتعرف قدرة الدماغ على التغيير بهذه الطريقة المذهلة بالمرونة العصبية، والمعروفة أيضًا باسم لدونة الدماغ، وهي قدرة الدماغ على التغيير والتكيف استجابةً للتجربة أو التعلم أو الإصابة.

ويحدث ذلك لأن الدماغ يعيد تنظيم نفسه بتكوين روابط عصبية جديدة. ويمكن أن تحدث إعادة التنظيم هذه من خلال تقوية الروابط الموجودة، وتشكيل نقاط اشتباك عصبي جديدة، وأحيانًا بإنشاء خلايا عصبية جديدة.

وتوضح الدراسة الجديدة أن مرونة الدماغ وقدرته المذهلة على التكيف مع الأحداث تساعد على تجاوز الأحداث المؤلمة والمضي قدما، ويأمل فريق الباحثين أن يؤدي هذا البحث إلى دراسات سريرية مستقبلية على البشر، لكشف الغموض عن أشكال الحزن غير القابلة للتكيف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مستویات الدوبامین الدوبامین فی

إقرأ أيضاً:

الحرب والذكاء الاصطناعي

في عالمنا الراهن، لم تعد الحروب الطويلة -لا الخاطفة- تعتمد في المقام الأول على الطائرات الحربية أو المقاتلات التي يقودها مقاتل طيار، وهي الطائرات التي تشكل القوة الضاربة في أي جيش قوي، وإنما أصبحت تعتمد على المسيرات أو الطائرات من دون طيار، وهي أبرز الأسلحة المبرمجة وفقًا للذكاء الاصطناعي، والتي تُستخدم في الحروب الآن على نطاق واسع؛ لأنها سهلة التصنيع ورخيصة التكلفة إلى حد بعيد. ولكن استخدام مثل هذه الأسلحة أو الآلات القاتلة في الحروب يثير أسئلة فلسفية عديدة تتعلق بفلسفة الأخلاق، بل حتى بنظرية المعرفة ذاتها، وهذا ما أهتم بالتنويه إليه في هذا المقال.

من المعلوم أن هذه الأسلحة تكون قابلة للخطأ على أنحاء عديدة مهما كانت دقتها: فهي مبرمجة على إحداثيات وخوارزميات يمكن أن تصيب أهدافًا مدنية، ومن ثم لا تكون قادرة على التمييز بين المدنيين والعسكريين، وهي بذلك تخالف المبادئ الأخلاقية للحرب التي أقرتها القوانين الدولية. وربما يجادل بعض المفتونين بالقدرات الهائلة للتكنولوجيا بالقول بأن هناك أدلة كثيرة على القدرة اللامحدودة لأسلحة الذكاء الاصطناعي على إصابة أهدافها بدقة؛ ولكن رأي هؤلاء غافل عن أن الآلة العسكرية المبرمجة وفقًا للذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون متحيزة؛ وبالتالي يمكن أن تتخذ قرارات نهائية خاطئة! وربما يدعو هذا القول إلى الدهشة؛ لأننا اعتدنا أن ننسب التحيز أو عدم التحيز إلى البشر وليس إلى الآلات.

ولكن هذا القول لا ينبغي أن يكون مدعاة لدهشتنا؛ ببساطة لأن هذه الآلات تنحاز وفقًا لانحياز البشر، أعني وفقًا لانحياز البيانات التي زودها بها البشر. وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن أن تكون هذه البيانات متحيزة ضد جماعة بعينها أو جنس أو عرق معين؛ ولذلك تختلف هذه البيانات بحسب الدول المصنعة لهذه الآلات، وبحسب الحروب التي تخوضها في مرحلة معينة ضد دولة أو دول بعينها. حقًّا إن هذه الآلات قد تستخدم أنظمة مبرمجة آليًّا بطريقة جيدة لاتخاذ قرارات ذاتية، ولكن قرارتها تظل عُرضة للخطأ، بل للأخطاء المميتة وغير القابلة للتدارُك. وربما يجادل بعض آخر بالدفاع عن إمكانية أخطاء هذه الآلات بالقول بأن هذه الأخطاء تُوجد أيضًا لدى البشر؛ فلماذا نتحفظ على نجاعة آلات وأسلحة الذكاء الاصطناعي في هذا الصدد. غير أن هذا القول غافل أيضًا عن أن نتائج القرارات الخاطئة للذكاء الاصطناعي هنا تكون كارثية بشكل يفوق كثيرًا أخطاء البشر؛ لأن هذه القرارات تكون نهائية وغير قابلة للمراجعة أو التصحيح أو التعديل.

هذا كله له صلة وثيقة بموضوع أخلاقيات الذكاء الاصطناعي Ethics of Artificial Thinking، وهو موضوع مطروح بقوة في مجال البحث الفلسفي، وهو يندرج تحت موضوع أكثر عمومية يتعلق بأخلاقيات التكنولوجيا، والتي هي بدورها تمثل فرعًا رئيسًا من فلسفة الأخلاق التطبيقية Applied Ethics . غير أن هذا الذي تناولناه هنا له صلة بجانب آخر يتعلق، لا بفلسفة الأخلاق في حد ذاتها، وإنما بنظرية المعرفة أيضًا. وهذا يتبدى لنا بوضوح حينما نضع هذا السؤال: هل الآلات الذكية، وبالتالي الأسلحة المبرمجة وفقًا للذكاء الاصطناعي، تُعتبر عاقلة بما أنها قادرة على اتخاذ قرارات معينة؟ هل يمكن أن ننسب صفة العقل إلى هذه الآلات، وهي الصفة التي طالما قصرناها على الموجودات البشرية؟ سرعان ما سيجيب المتحمسون بلا حدود للذكاء الاصطناعي بالإيجاب، وربما ذهبوا إلى القول بأن قصر العقل على البشر وحدهم من دون الآلات هو نوع من التحيز للطبيعة البشرية.

ولكن لنتريث قليلًا ونتساءل: ماذا تعني صفة «عاقل»؟ لا شك في أن العقل مرتبط بالقدرة على اتخاذ قرار، ومن هذه الناحية فإن الآلات الذكية يكون فيها شيء من سمات العقل. ومع ذلك، فإننا لا يمكن أن نصفها بأنها عاقلة تمامًا: فالذي يمتاز بالعقل هو القادر على أن يعقل مشكلته التي يواجها، وهذا يعني أنه يكون قادرًا على اتخاذ قرار بعد إجراء موازنات بين البيانات أو المعطيات المطروحة أمامه، وليس هذا حال الآلات المبرمجة لتتخذ قرارًا معينًا على أساس من بيانات مبرمجة مسبقًا، ومن دون قدرة على النظر والتقدير في ضوء السياق والمتغيرات التي تطرأ على المشهد أو الواقع الفعلي الذي تتعامل معه. والواقع أننا يمكننا القول بأن القليل من البشر هم الذين يكونون قادرين على التعقل بهذا المعنى، وأن الآلات المبرمجة وفقًا للذكاء الاصطناعي تفتقر إلى هذه الخصيصة، بل إنها تكون حتى أدنى من قدرة الحيوانات العليا على التعقل والتفكير بهذا المعنى!

ما يمكن أن نستفيد مما تقدم هو أن الموازنة بين المعطيات على أرض الواقع في ضوء الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية هو مناط الصلة بين العقل والإرادة، وتلك مسألة تفتقر إليها آلات وأسلحة الذكاء الاصطناعي؛ ومن ثم فإن السؤال الذي يبقى هو: هل هناك إمكانية لوضع ضوابط أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا الصدد؟ بطبيعة الحال يمكن للفلسفة أن تسهم في ذلك بقوة، ولكن الأهم أن تصبح هذه المعايير الأخلاقية بمثابة ضوابط أخلاقية مُلزمة تتبناها المؤسسات الدولية: كالأمم المتحدة على سبيل المثال، وهذا أمر يبقى مطروحًا للنظر.

مقالات مشابهة

  • هل حبوب منع الحمل آمنة للرجال وفعالة؟
  • دراسة تكشف: المحليات الصناعية تقلل فعالية علاج السرطان
  • «تشات جي بي تي» يغير قواعد التعليم.. هل انتهى عصر المعلم؟
  • احتياطي البنك المركزي التركي يقترب من مستويات قياسية
  • استشارية أعصاب: علاج الزهايمر الجديد يغير أسلوب العلاج ويمنع الوصول للخرف .. فيديو
  • ثورة طبية جديدة في علاج باركنسون: التحفيز الضوئي يُعيد إحياء الخلايا العصبية المدمرة
  • طالب من غزة يجتاز التوجيهي بالضفة رغم الفقد والمرض
  • "الأغذية العالمي": 75% من سكان غزة يواجهون مستويات جوع طارئة
  • اليمن: الوضع في غزة بلغ مستويات كارثية
  • الحرب والذكاء الاصطناعي