بعد السابع من أكتوبر العام المنصرم وفي اليوم التاسع منه، بعدما شنت إسرائيل الحرب المسعورة التي ركزت على الإبادة الجماعية، والتدمير الممنهج لكل قطاع غزة وتهجير المواطنين من منازلهم، تحدث وزير الدفاع الصهيوني «يوآف غالانت» أمام عدسات المصورين والصحفيين قائلاً: «إسرائيل تحارب حيوانات بشرية وتتصرف وفقاً لذلك»، ومن عدة أيام، كرر «غالانت» العبارات نفسها، وزاد عليها أنه سيحاربهم جوا وأرضا وبحرا! وهذه النظرة الفوقية الاستعلائية، ليست بعيدة عن العقلية الصهيونية التي استباحت الأرض العربية الفلسطينية، منذ عام 1948، وقتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين،وطردتهم من أرضهم بدعاوى ليست لها حجج لا تاريخية ولا قانونية، صحيح أن بعض اليهود كانوا يسكنون فلسطين، مثلما يسكن غيرهم في الشام ومصر والعراق والمغرب العربي وتركيا وإيران، والكثير من بلدان العالم الإسلامي، كونهم لهم ديانة سماوية، (ولهم ما لنا وعليهم ما علينا).

وبعد ما قال وزير الدفاع الإسرائيلي عن الفلسطينيين هذا القول ووصفهم بـ(الحيوانات البشرية)، انتقدت منظمة -هيومن رايتس ووتش- المعروفة بحقوق الإنسان، هذه التصريحات لوزير الدفاع الإسرائيلي «يوآف غالانت» الأخيرة عما قاله عن الفلسطينيين، و قالت إنها -دعوة لارتكاب جرائم حرب، في قوله: «نفرض حصاراً كاملا على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب وفقا لذلك».

وهذه الأقوال لوزير الدفاع الإسرائيلي، تبرز العنصرية الاستعلائية ضد الشعب العربي الفلسطيني، وهي في الوقت نفسه نظرة لها نزعة ظالمة شامتة لهذا الشعب الذي اقتلع من أرضه، وتم تهجيره والسيطرة على كل ممتلكاته، ولم يكتف الصهاينة بذلك، بل إن الشماتة امتدت إلى جنس هذا الشعب، واعتبارهم مثل أي حيوان! لذلك كانت الإبادة الجماعية بعد السابع من أكتوبر العام المنصرم، ولا شك أنه حتى الحيوانات كما نعرف ويعرف الغرب الذي يتشدق بحقوق الحيوان أيضاً، حتى في مسألة حقوق الحيوان، فلم تكن له وقفة جادة لما يحصل كل يوم في غزة من مجازر، بعدما ما تم تحييد محكمة العدل الدولية - وتقييد الأمم المتحدة عن اتخاذ قرارات تجاه ما يجري في غزة وفي الضفة والقدس، ولكن تصريحات «غالانت»، كما يقول الكاتب نواف الزرو، ليست جديدة أو أنه يتفرد فيها في المشهد الصهيوني، بل تشكل امتدادا لتراث هائل من الأدبيات الصهيونية العنصرية وثقافة القتل والإبادة لديهم تعود كلها حتى إلى زمن هرتزل، فالتراث الدموي الإرهابي الصهيوني يمتد من هرتزل حتى غالانت في حربهم الجارية على غزة..!.

فالنـزوع للعنف والإرهاب والدم والقتل والمذابح، نزوع متأصل في الأيديولوجيا الصهيونية، فهي من جهة أيديولوجيا عنصرية قامت على أساس الانعزال والتميز والتفوق على - الأغيار - الغوييم - عامة، ومن جهة ثانية اتبعت نهجا انتقائيا في استرجاع الموروث الديني والاتكاء عليه، باعتماد الجانب المحرض على العنف والقتل والتدمير في التعامل مع «الأغيار» وهنا مع العرب الفلسطينيين».

كما أن ما قاله وزير الدفاع الصهيوني، ليس فكرة جديدة، في مسألة القتل والهدم والترويع، وهذه وردت في كتاباتهم القديمة، وطبقت بالفعل بعد حرب عام 1948، فالمنظمات الصهيونية المتطرفة، التي أقامها المؤتمر اليهودي، مثل الهاغنا، والأرجون، وشتيرن، البالماخ، قامت بأبشع الجرائم في فلسطين، خاصة في أراضي 1948، فالذي جرى للشعب الفلسطيني، في مناطق شاسعة من أراضي فلسطين فوق التصور، من حيث القتل والترويع والتهجير، وهذه المآسي تكشف عن نفسها الآن، وكأن التاريخ يستعيد ما جرى في بداية الاحتلال الصهيوني في حروب 1948، و1973، وقد أشرت في كتابات سابقة إلى إبادات جماعية حصلت في فلسطين ولبنان ومصر: فالإبادة الجماعية، ولعقود مختلفة حصلت مذابح وإبادات جماعية لمدنيين، من أطفال ونساء وشيوخ في دير ياسين، وصبرا وشاتيلا وكفر قاسم، وقانا في لبنان، ومدرسة بحر البقر في مصر، وأخيرا المذابح التي جرت في غزة بعد السابع من أكتوبر الماضي، وهم بعشرات الألوف، وشملت الإبادة الجماعية النازيين الجدد حتى المستشفيات والمدارس، وهي بلا شك جرائم بكل المقاييس القانونية والأخلاقية والإنسانية. ويذكر د.عبد الوهاب المسيري في بعض مؤلفاته عن العنصرية الصهيونية، وارتباطها بالرؤية النازية في التوجه الإقصائي، مسألة حقيقية وليست مجرد تُهمة بسبب الاختلاف مع الصهيونية سياسيا، فيقول المسيري: إن البعد المعرفي والحضاري لدراستي عن الصهيونية، وأشرت إلى ضرورة دراسة الظاهرة النازية بالطريقة نفسها بحيث يُنظر إلى كل من الصهيونية والنازية باعتبارهما جزءاً لا يتجزأ من الفكر الغربي والحضارة الغربية من ثم لا يمكن دراستهما بمعزل عن التيارات الفكرية والحضارية الغربية المختلفة، وهو أن الدراسات الغربية في الموضوع قلما تتجاوز البُعد السياسي الاعتذاري، فهذه الدراسات لقد أخفقت في أن تبين أن النازية لم تكن انحرافا عن الحضارة الغربية، وإنما هي تيار أساسي فيها كالصهيونية تماما».

فأين القوانين التي تجرم الإبادة الجماعية في القوانين الدولية؟ مع أن المادة الثانية من القانون الدولي الإنساني، حدد في «منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» وتم إقرارها عام 1948، وتم تطبيقها 1951، واعتبرت العقوبة تشمل: «(أ) قتل أعضاء من جماعة،(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء الجماعة،(ج) إخضاع الجماعة، عمداً لظروف معيشية يراد منها منها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً (ه) نقل أطفال من الجماعة، عنوة إلى جماعات أخرى». وكل هذه النصوص تنطبق على الفلسطينيين في كل العقود التي مرت عليهم منذ النكبة الأولى. وكذلك ما جاء في الإعلان العالمي الذي أصدرته الأمم المتحدة 1948، حيث كان واضحًا وعامًا في نصوصه، ففي المادة الثانية يقول هذا الإعلان: إن«لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أي تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود». إذن المسألة أبعد ما تكون من قضية الحقوق الإنسانية، فهي سياسية وفكرية، وتُحدد وفق هذا المعيار، ومن هنا يعيش الشعب العربي الفلسطيني هذه المأساة الإنسانية، دون أن تتحقق له الحياة الإنسانية الكريمة، والحق في استعادة وطنه وأرضه المحتلة، وما يجري من انتهاكات إسرائيلية وجرائم حرب، يعكس أحد المعايير غير العادلة في عصر ما يسمى بمكاسب حقوق الإنسان؛ حيث الكلام عنها لا يتوقف، لكن الواقع غير ذلك عندما لا يتم اتخاذ موقف لهذه الانتهاكات التي لم تتوقف، والولايات المتحدة تأتي بأقوال تبدو في الظاهر جيدة، لكن السياسة المؤيدة لإسرائيل مستمرة، والسلاح يرسل لها لتدمير الأبرياء!

والذي يؤكد هذا الموقف المتطرف من الفكر الصهيوني، هو استمرار نفس الأساليب التي اتبعتها العصابات الصهيونية منذ بدايات تأسيسها، وهذه الأفعال التي حصلت وتحصل للشعب الفلسطيني، يعترف بها حتى باحثون إسرائيليون، بما يحصل من قتل وتهجير يوميا للأبرياء، ففي كتابات من داخل إسرائيل ومن خارجها، يرى «المفكر الصهيوني آحاد عام 1891 أن المستوطنين الصهاينة يُعاملون العرب باحتقار وقسوة، وينظرون إليهم باعتبارهم متوحشين صحراويين، لا يرون ولا يفهمون شيئًا مما يدور حولهم». كما قال أحد الباحثين الإسرائيليين أوائل القرن الـ20 إن الصهاينة يُعاملون العرب كما يُعامل الأوروبيون السود. وأما أهارون أرونسون (ت 1919م) -أحد زعماء المستوطنين الأوائل أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20- حذّر الرواد الصهاينة من أن يسكنوا بجوار «الفلاح العربي الجاهل الذي تتحكم فيه الخرافات، وأكّد لهم أن كل العرب مرتشون».

هذا الاحتقار للآخر هو سيّد الموقف في الفكر الصهيوني، ولا اعتبار لغيرهم، ولذلك جاءت كلمة الحيوانات البشرية، وما سبق طرحه من آراء يدلّل بشكل واضح على تلك الرؤية تجاه الشعب الفلسطيني، فهذه النظرة العنصرية لا تساهم في سلام مرتقب ولا حلول عادلة، إذا تخلت الدول الكبرى، ومنها الولايات المتحدة عن اتخاذ موقف قوي ومنصف للحق الذي أقرته الأمم المتحدة في الحروب السابقة، وهذه ستكون مشكلة إن لم يتم إقصاء اليمين المتطرف الذي يجر المنطقة إلى حروب كبيرة، وهذه ليست من مصلحة العالم كله، فعند غياب العدل ستبقى الحروب والصراعات قائمة، فالحقوق لا تسقط بالتقادم، ولا باحتقارهم والاستعلاء عليهم بحجج وهمية في احتلال أراضي شعب آخر يدوم الظلم عليهم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة

إقرأ أيضاً:

مسيرتان حاشدتان في القبيطة بلحج إسنادا لغزة وثباتا مع الشعب الفلسطيني

الثورة نت/..

شهدت مديرية القبيطة بمحافظة لحج اليوم مسيرتين حاشدتين تحت شعار “ثباتا مع غزة.. سنصعد في مواجهة جريمة الإبادة والتجويع” إسنادا لغزة وثباتا مع الشعب الفلسطيني.

وخلال المسيرتين اللتين شارك فيهما وكيل محافظة لحج فيصل الفقيه، ومسؤول التعبئة العامة جميل الصوفي، وقيادات محلية وعسكرية وأمنية، وشخصيات اجتماعية، بارك أبناء القبيطة عمليات القوات المسلحة ضد كيان العدو الصهيوني في الأراضي المحتلة، وآخرها استهداف مطار اللد، وميناء حيفا، واستمرار فرض الحظر على الملاحة الجوية والبحرية الصهيونية.

وجددوا التأكيد على ثبات موقف الشعب اليمني الراسخ في مساندة الشعب الفلسطيني، ونصرة غزة بكل الوسائل الممكنة.. داعين الشعوب العربية والإسلامية والحرة إلى الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه ما يتعرض له الأشقاء في غزة من جريمة إبادة وحصار وتجويع، وتفعيل المقاطعة الاقتصادية للأعداء.

وأكد المشاركون في المسيرتين مواصلة النفير والتعبئة والتحشيد لمواجهة العدو الصهيوني.. مجددّين التفويض الكامل لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والجهوزية العالية لتنفيذ كل الخيارات ضمن معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”.

وأشاروا إلى أن ما يجري في غزة جريمة إبادة جماعية ترتكب على مرأى ومسمع العالم أجمع وبشراكة مباشرة من الإدارة الأمريكية التي تمد العدو الصهيوني بالسلاح والدعم.. لافتين إلى أن بعض الأنظمة العربية وبدلاً من الوقوف في مساندة أبناء الشعب الفلسطيني تقوم بضخ تريليونات من الدولارات لأمريكا لتمويل آلة القتل الإسرائيلية.

وأكد بيان صادر عن المسيرتين الثبات على الموقف المشرف المساند للشعب الفلسطيني والتفويض للقيادة، والتأييد لكل القرارات والخيارات والعمليات العسكرية ضد كيان العدو الصهيوني.

وأشار إلى أنه وأمام أبشع جرائم الإبادة الجماعية في العصر الحديث، يؤكد الشعب اليمني أنه لن يقبل بأن يكون جزءاً من هذا العار، بل يسجل موقفه أمام الله، وخلقه ودينه وكتابه الكريم، بأنه لم يقبل، ولن يقبل، ولن يسكت، ولن يتراجع، بل سيواصل بكل ثبات، ويقين، ووفاء، حتى يكتب الله النصر والفرج لغزة، ويتحقق وعد الله.

ودعا البيان شعوب الأمة إلى التحرك والخروج من هذا العار، وتسجيل موقف عملي تجاه هذه الجرائم التي تنفطر لها القلوب والأكباد، وإلا فإن عذاب الله في الدنيا والآخرة، هو النتيجة المحتومة لكل متآمر أو متخاذل.

وعبر عن الفخر والاعتزاز بالعمليات العسكرية لقواتنا المسلحة ضد كيان العدو الصهيوني، والتي ألحقت به الضرر الكبير.. سائلا الله سبحانه وتعالى التوفيق للقوات المسلحة لتطوير القدرات، والارتقاء بها، لفعل ما هو أكبر وأشد بهذا العدو المجرم الظالم الكافر، وصولاً إلى ردعه ودفعه لوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة.

وأكد الاعتزاز بالصمود التاريخي والصبر العظيم والملاحم البطولية التي يسطرها أبناء غزة مقاومة وشعباً.. داعيا الأمة لاستلهام دروس الثبات والصبر والعطاء منهم، وأن يعلموا بأن غزة اليوم – وهي في أصعب وأقسى الظروف – ترفض الاستسلام وتُفشل وتُحبط العدو من تحقيق أي هدف.

وتساءل “فما هو مبرر من يتخاذل ويستسلم بحجة العجز وهو يمتلك الإمكانات الكبيرة والمقومات الهائلة للمواجهة بما لا يقارن مع غزة”.

مقالات مشابهة

  • البرلمان اليمني يثمن مواقف البرلمانين الإسباني والبريطاني تجاه العدوان على الشعب الفلسطيني
  • الهيئة النسائية في حجة تنظم وقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني
  • مجلس النواب يثمن مواقف البرلمانين الإسباني والبريطاني تجاه العدوان على الشعب الفلسطيني
  • مسيرات كبرى تعم المحافظات تأكيداً على الثبات مع غزة والتصعيد لمواجهة جرائم الإبادة الصهيونية
  • اليمنيون يجددون العهد بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى النصر
  • مسيرتان حاشدتان في القبيطة بلحج إسنادا لغزة وثباتا مع الشعب الفلسطيني
  • المتحدث باسم الحكومة الألمانية يكشف تفاصيل خاصة عن المساعدات التي سمح العدو الصهيوني بإدخالها إلى قطاع غزة
  • اليمنيون ينددون بالمجازر الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني المجرم في غزة
  • وزيرة التنمية: الأردن ملتزم بدوره الإنساني تجاه الشعب السوري
  • السيد القائد عبدالملك الحوثي: هذا الأسبوع كان داميا وقاتما بالإجرام والمجازر الصهيونية الفظيعة