سرايا - لم يكن يخطر ببال الدكتورة نوال عسقول في يوم من الأيام أن الطب البشري والنفسي بالإضافة إلى ما درسته على مدار سنوات، سيقف عاجزاً عن فهم ما يحدث في التعامل مع الأمراض الغريبة والأعراض الأغرب بعد المجازر التي يتعرض لها قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.

اعتادت الدكتورة عسقول، المتخصصة في الاضطرابات النفسجسمانية واضطرابات ما بعد الصدمة، أن تستقبل حالات للعلاج في بيتها الكائن قرب مجمع ناصر الطبي غربي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، لكنه تحول لبقايا نتيجة قصف الاحتلال واجتياحه المدينة، ورغم ذلك بات عيادة تعج بمئات الحالات بعد استحالة الحصول على علاج نفسي في ظل انهيار كامل للمنظومة الصحية نتيجة استهداف المستشفيات وإحكام الحصار على دخول المستلزمات الطبية والدواء.



وكان قطاع غزة يحتوي على مستشفى واحد للطب النفسي وقد تم تدميره في الأيام الأولى للحرب.

تقول عسقول "كمية الحالات ونوعيتها التي تزورني في المكان للعلاج، تحمل كماً كبيراً من الغرابة نتيجة هول ما حدث".

وتضيف "لا أكاد أصدق فظاعة الحالات التي تمر علي، فالأعراض غريبة لدرجة تجعلك عاجزا عن تقديم العلاج، والحالات بتفاصيلها القاسية لا تدل إلا على وحشية هذه الحرب التي لا يقبلها عقل ولا منطق ولا يحتملها بشر".

في العيادة، تتواجد سيدة ثلاثينية وقد أجهد عيونها الوجع، تحمل على يدها طفلها الذي لم يتجاوز الثلاثة أسابيع، تقول: "جاءني المخاض أثناء نزوحنا من خان يونس إلى رفح، وقد خرجنا والقذائف تدوي من فوق رؤوسنا، وما أن وصلت إلى عيادة في رفح وبعد خمس ساعات ولدت طفلي وكنت أعاني ألم الخوف وألم المخاض".

وتضيف "منذ اليوم الأول لولادتي لاحظت بأن طفلي يعاني من كحة مزمنة وبلغم كثيف في الصدر، وحين تم تصوير الصدر كانت النتيجة أن صور الأشعة للصدر نظيفة، وهنا كانت الصدمة".

وهنا تعلق الدكتورة عسقول: "مشكلة الطفل هي أن الأم تلقت صدمة الخوف من النزوح وصدمة الخوف من الولادة، وهاتان الصدمتان تلقاهما الطفل في طريقه خارجاً من رحم الأم بالإضافة إلى صدمة الخوف التي عايشها مع أمه في رحمها أثناء الحرب وصوت القصف والمجازر".

وتضيف: "تم إعطاء الطفل علاجاً للكحة لكن دون جدوى، والسبب هو أن هذا الرضيع يعاني متلازمة ما بعد الصدمة".

وفي حالة أخرى، والدة الطفلة ليان من ذوي الإعاقة وتبلغ خمسة عشر عاماً، والتي فقدت المقدرة على النطق والأكل بعد مجزرة رفح في 26 أيار التي خلفت عشرات الشهداء والإصابات أغلبهم من الأطفال والنساء، تقول: "في الحادث الذي هز المنطقة صرخت ابنتي صرخة مدوية، وبعدها فقدت الشهية وقل وزنها في غضون أسبوعين".

وتضيف "عرضت ليان على أكثر من طبيب وأخبروني أن الأمر عبارة عن صدمة ولا علاج لها طبياً، بل إنها تحتاج علاجاً نفسياً مكثفاً".

تتدخل الدكتورة عسقول بالقول إن "تحرير الصدمة يحتاج إلى فتح مسارات الطاقة في جسد المصاب.. وفي الجلسة الثانية من العلاج وبينما كنت أقوم بذلك صرخت ليان "خلص يا الله بكفي".

ويمثل الأطفال الشريحة الأكثر معاناة من ضمن سكان غزة، إذ أظهرت العديد من المقاطع المصورة كثيرين منهم وهم يرتعدون خوفا بعد تعرض منازلهم للقصف، ويرى مختصون ومعالجون نفسيون أن آثار الصدمة على الأطفال قد تستمر طويلا.

هذا وحذرت خبيرة أممية من مخاطر الحرب النفسية لدى سكان القطاع، خاصة الأطفال بالقول "الألم النفسي الحاد سيتحول إلى رهاب وأنواع أخرى من الأمراض النفسية في مرحلة لاحقة".

وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في الصحة تلالنج موفوانغ: "​بطبيعة الحال، نرى الإصابة الجسدية، ولأنها جسدية، يمكن للمرء أن يقدر مدى خطورتها، لكن الألم النفسي الحاد الذي سيتحول بعد ذلك إلى رهاب وأنواع أخرى من الأمراض النفسية في مرحلة لاحقة من الحياة هو أمر مهم حقا للبدء في وضعه بالاعتبار".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" قد أعلنت في شباط الماضي أن "97 ألف طفل في غزة انفصلوا عن عائلاتهم، وأن جميع الأطفال تقريبا في غزة بحاجة لدعم نفسي".

المسن أحمد عقلين (85 عاماً) يقول "أعاني تبولاً لا إرادياً منذ الشهر الخامس للحرب، كما أن شللاً نفسياً قد أصابني، أصبحت على إثره لا أقوى على تحريك أطرافي الأربعة، واعتقدت في البداية أنني قد شللت تماماً إلى أن تعرفت على الدكتورة عسقول التي أكدت لي أن الأمر ما هو إلا أعراض متلازمة ما بعد الصدمة".

تقول الدكتورة عسقول "هذه الحالات لم ندرسها في مساق الطب البشري ولا في أي تخصص طبي على الإطلاق"، مضيفة أن "الشلل النفسي يفقد فيه المصاب القدرة على تحريك أطرافه لأن الجسد بكل بساطة يعيد برمجة نفسه على الوضعية التي كانت وقت الصدمة فتؤدي إلى شلل نفسي".

وتابعت: "علينا إقناع الشخص أنه ليس مشلولاً، مما يحتاج وقتا طويلا في العلاج.. والأدوية التقليدية لم تعد قادرة على علاج هذه الأمراض والأعراض".

وتقول عسقول: "يومياً هناك أطباء في الطب النفسي وأطباء المخ والأعصاب وصيادلة، يرسلون لي حالات تعرضت للصدمة ولم تعد العقاقير تجدي معها نفعاً".

وتنتاب أعراض الصدمة المريض حين يبدأ الدماغ بإعطاء إشارات خاطئة من الوعي للجسد، وما أن يتم تعديل مسار الوعي في الدماغ في الغدة النخامية حتى تعود ذبذبات الطاقة للانتظام ويعود الدماغ لوضعه الطبيعي.

أزمة أخرى من الأزمات النفسية، تطرقت لها عسقول وهي الوسواس القهري، الذي تفاقم مع النقص الحاد في الوصول الكافي إلى المياه النظيفة والصرف الصحي.

تقول عسقول: "في ظل نقص مواد التنظيف والمياه النظيفة، يعيش مرضى هذا المرض عذاباً لا يطاق، فهم يعيشون على منظومة من النظافة الشخصية ولما أصبحوا غير قادرين على توفيرها باتوا يذهبون إلى البحر لفرك أجسادهم برماله، ولا يكتفون بأي نوع من الرمل بل يبحثون بعيداً في البحر للحصول على رمل نظيف".

وتضيف: "بعض الحالات لا يهنأ لها بال إلا عندما ترى الدماء وهي تخرج من أجسامها نتيجة الفرك الشديد بالرمال، حينها يشعرون أن أجسادهم نظيفة".



المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

إقرأ أيضاً:

لطلاب الثانوية العامة.. أفكار سلبية يجب التخلص منها لتحقيق النجاح والاستقرار النفسي

مع اقتراب انطلاق ماراثون امتحانات الثانوية العامة، حذر الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة، من الأفكار السلبية التي تدور في أذهان بعض طلاب الثانوية العامة وقد تصيبهم بالتوتر والقلق أو بالشعور بالعجز والنقص وفقدان الثقة في النفس وفي كل الأحوال تؤثر على حالتهم النفسية وقدرتهم على تحقيق التفوق.

ومن هذه الأفكار السلبية:

_ إذا لم أحصل على الدرجات النهائية فسأكون قد خسرت مستقبلي.

وهذه الفكرة تضع الطالب تحت ضغط كبير وتجعله يفقد ثقته بنفسه ويفقد تركيزه وترتكز هذه الفكرة في تأثيرها السلبي على الخوف من الفشل.

_ زملائي أكثر مني ذكاء ولن أستطيع الوصول أبدا إلى مستواهم.

وهذه الفكرة تجعل الطالب يقع ضحية للشعور بالعجز المكتسب وتقلل من دافعيته وتدفعه إلى اللجوء إلى أساليب المنافسة غير الشريفة كالغش مثلا وتدفعه للالتحاق بالدروس الخصوصية لدى أكثر من معلم وترتكز على مقارنة غير منطقية وسلبية.

_ شعور الطالب بمحدودية قدراته وذكائه وعدم جدوى المذاكرة.

وترتكز على فكرة أن الذكاء ثابت لا يتغير بالتدريب والممارسة وتجعل الطالب يزهد في بذل الجهد لشعوره بعدم جدواه.

_شعور الطالب أن المنهج صعب وكبير جدا ويفوق قدرة مخه على الاستيعاب.

تؤدي هذه الفكرة إلى التسويف وفقدان الدافعية والحماس والاستسلام للفكرة وتصنيف الذات بشكل سلبي.

_ عند دخولي لجنة الامتحان لن أستطيع تذكر المادة.

وهذه الفكرة تصيب الطالب بالتوتر والقلق وفقدان التركيز.

_ إذا لم أستطع أن أحقق طموحات أسرتي فسأكون فاشلا.

وهذه الفكرة تضع الطالب في حالة من الصراع والضغط النفسي الشديد الذي يفقده تركيزه ويجعله غير قادر على اكتشاف قدراته الحقيقية وتوظيفها بشكل جيد.

_ شعور الطالب بأن ذهنه غير قادر على استيعاب مادة معينة.

وهذا يجعل الطالب لا يبذل جهدا كافيا لدراستها ويسعى للنجاح فيها بطرق غير صحيحة.

_ إذا لم ألتحق بكلية معينة فكل الكليات بعد ذلك سواء.

وهذه الفكرة تجعل الطالب حينما يخفق في بعض المواد أثناء الامتحانات تضعف دافعيته ولا يهتم بتحقيق التفوق في باقي المواد ويصاب بالإحباط واليأس.

_ على أن أذاكر طوال اليوم لتحقيق التفوق.

وهذه الفكرة تصيبه بالاجهاد والتعب وضياع التركيز وتجعله عرضة للنسيان وتداخل المعلومات.

وعلى الطالب أن يدرك أولا أن جميع هذه الأفكار خاطئة وعليه أن يتخلص منها فورا ويستبدلها بأفكار إيجابية تدعم ثقته بنفسه وقدرته على تحقيق النجاح.

وعليه أن يدرك أن الجميع قادر على تحقيق النجاح والتفوق بالتخطيط الجيد والثقة بالنفس والتنظيم.

وعليه أن يدرك أن مجالات النجاح كثيرة ولا تقتصر على جانب واحد أو مجال محدد.

وعليه أن يدرك أن النجاح الحقيقي يكون من خلال اكتشاف قدراته وتوظيفها بشكل جيد.

د.عاصم حجازي أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة.

مقالات مشابهة

  • هل يمكن لفنجان من الشاي أو القهوة أن يحمي من السكري وأمراض القلب؟
  • لطلاب الثانوية العامة.. أفكار سلبية يجب التخلص منها لتحقيق النجاح والاستقرار النفسي
  • أبرزها التبول المتكرر.. أعراض تكشف عن الإصابة بمرض السكري
  • أطباء بلا حدود: المساعدات القليلة التي سمحت “إسرائيل” بدخولها غزة مجرد ستار لتجنب اتهامها بالتجويع
  • هل تكشف الحرب جوهرنا البشري أم تبدله إلى الأبد؟
  • القانون يواجه منتحلي مهنة العلاج النفسي .. اعرف الإجراءات
  • استشاري الطب النفسي: «لما الكلمة توجع.. بقت تنمّر مش هزار»
  • 10 أعراض غريبة تدل على إصابتك بالحساسية
  • بعد إصابة بايدن.. ماذا تعرف عن سرطان البروستاتا؟
  • أعراض خطيرة تشير إلى إصابتك بالحساسية