لماذا كان هذا الكتاب القرآن القائم الرسول الجامع والخاتم؟ (2 من 2)
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
القرآن الكريم حافل بالآيات التي تدعو إلى التعلم عن طريق القراءة والكتابة، وبالآيات التي تبين شمولية العلم وسعته في المنظور الإسلامي وعدم قصوره على الماديات وما يخضع للمس والمشاهدة كما تبين أنه ليس قاصرا على معرفة الشريعة وما يعلم عن طريق الأنبياء والمرسلين .
ومن هنا ندرك سر كثرة استعمال العلم في القرآن الكريم وتنوع سياقاته، فهو تارة يطلق على الحقائق الدينية من وجود الله والوحي واليوم الآخر.
والقرآن يعرض ذلك في شكل مترابط متماسك لا انفكاك لجزئياته ومكوناته، ولا صراع ولا تناقض بينها. وفي هذا يختلف العلم عند المسلمين عنه في الغرب الذي يحصر مجال العلم في الماديات وحدها وما يخضع للتجربة ونحوها كما هو واضح.
العلم فضيلة والجهل رذيلة في كل العصور، ونحن نصف عصرنا الحاضر بأنه عصر العلم والتكنولوجيا ... وكل الأجيال القادمة ستصف عصرها بهذا الوصف، لأن القدرة البشرية على الاكتشاف والاختراع في مجال الكون المرئي ليس لها حدود إلا ما حدده الله صراحوعلى خلاف ما ذهب إليه هؤلاء الغربيون تجاه العلم، فإن الإسلام أرسى بتعاليمه السمحة أسس العقلية العلمية والبحث العلمي وهيأ المناخ النفسي الذي نبتت فيه شتى العلوم، والعلوم التجريبية بالذات. وعلى هذا الأساس فإن الفضل يرجع إلى المسلمين الذين وضعوا أسسا للبحث العلمي، وكل ذلك يتمثل في استخدامهم لأسلوب الإحصاء والتخطيط وإقرارهم لمنطق التجربة في الأمور الدنيوية واقتباسهم لكل علم نافع وحملتهم على الأوهام والخرافات وسواها فقضوا على المنهاج الأسطوري الذي سيطر على الذهنية الغربية طوال قرون ولعل من أروع ما يتجسد فيه نموذج هذه الآيات الجامعة وبشكل مذهل أيضا قوله تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" (فاطر / 28)، والغريب أن هذه الآية والآية السابقة لها مباشرة (27) تشمل أهم العلوم الوضعية والتجريبية التي توصل إليها الإنسان في مجال الكيمياء، والفيزياء والجيولوجيا والبيولوجيا والجغرافيا والفلك والفضاء، والزراعة والمناخ، وأصل الحياة وعلم الإنسان والحيوان والنبات، حيث يقول تعالى: "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنَّما يخشى اللَّهَ من عباده العلماء" (فاطر 27 ـ 28 فخشية العلماء هنا مرتبطة بالعلوم الكونية، وليست الفقهية فقط!؟ كما هو واضح صراحة في الآية، وهي إشارة قاطعة الدلالة على ما نقول.
فالعلم فضيلة والجهل رذيلة في كل العصور، ونحن نصف عصرنا الحاضر بأنه عصر العلم والتكنولوجيا ... وكل الأجيال القادمة ستصف عصرها بهذا الوصف، لأن القدرة البشرية على الاكتشاف والاختراع في مجال الكون المرئي ليس لها حدود إلا ما حدده الله صراحة (كالعجز عن رؤيته أو إدراك ذاته أو معرفة سر الروح...) والتي أردف قوله في شأنها بعبارة: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" (الإسراء (85) .
ولذلك فالآية المذكورة لا تقول: إنما يؤمن بالله العلماء وإنما تقول: "إنما يخشى..."، ولو كانت العبارة غير هذه لاعترض بعض الذين في قلوبهم مرض من الذين يبتغون الفتنة بقولهم: يوجد العديد من العلماء الكبار الملاحدة في العالم، والذين لم يؤد بهم علمهم بحقائق هذا الكون إلى الإيمان بالله، ولكن الآية تؤكد الخشية التي تنتج عن التعمق في العلوم الكونية والدقيقة، وهذا ما ينطبق على المؤمنين من العلماء وغير المؤمنين منهم على حد سواء، والذين لا ينكر عليهم أحد صفة العلمية، وربما يكون بعض هؤلاء حائزا حتى على جائزة نوبل للعلوم!؟
فالمؤمنون لا يزيدهم علمهم إلا خشية في مطلق القدرة في خلقه كما قلنا ، والملاحدة منهم سيزيدهم علمهم وتعمقهم في دقائق الكون خشية من اللغز المجهول الذي أرقهم وأقض مضاجعهم وقضوا سنين عددا من حياتهم في المخابر والمقابر يبحثون له عن تفسير مادي لإيجاد البديل الذي يعوضهم عن وجوده المرعب لهم دوما (كما قلنا) ما لم يجدوا له تفسيرا مقنعا لهم على الأقل ولن يجدوه ابدا!؟
ويكفي دليلا على ذلك خشيتهم المطلقة للطبيعة القاهرة باعترافهم هم أنفسهم وبدون استثناء بأن قوانينها هي الغالبة دائما والمنتصرة على الإنسان حتى الآن، وعلى رأسها قانون الشيخوخة والموت، وهو قانون مجرب صحيح!!! وقد عبر عنه جوزيف ستالين الملحد بقوله: "إن الإنسان في صراع أبدي من أجل الحياة ولكن الموت هو المنتصر دائما!!". فهذه الخشية من المجهول القهار هي التي دفعت يوري غاغارين رائد الفضاء السوفييتي الأول سنة (1961) إلى القول في أول تصريح له بعد عودته من الرحلة الأولى إلى الفضاء الكوني: "لقد بحثت عنه ولم أجده!" ويقصد الله! لكن رائد الفضاء المذكور لم يُمهل ليطلعنا على آخر استنتاجاته يوم لقي حتفه في حادث مروع لطائرة عسكرية تجريبية لا تضاهي من حيث الهيلمان والبهرج مركبة الفضاء !!!
وحتى لو كان إلَهُهُم الذي يخشونه هو قانون الشيخوخة والموت والعواصف والبراكين والزلازل والصواعق كما يصرحون، فإن خشية هذا "القانون" نفسه يدل في حقيقة الأمر على خشية الله، مع اختلاف في التسمية والمصطلح كما قلنا ، فهم يخشون الله رغما عنهم، حتى ولو لم يؤمنوا به وببعثه كما نؤمن به نحن واستبدلوا به إيمانهم بوجود القوانين الطبيعية المخيفة لهم والقاهرة!!؟؟
وإن هذا الشك نفسه المترتب عن فشل كل أبحاثهم المخبرية في فك ألغاز الخلق حتى الآن وإلى الأبد (كما أشرنا ) هو نفسه مثبت للخشية المذكورة من حيث لا ينوون ولا يدرون مهما يتظاهروا بالاطمئنان الاصطناعي والرهان المستقبلي على التطور العلمي الذي باتوا يعبدونه من دون الله (دون رؤيته) أملا في أن ينقذ أخْلافَهم من قوانين الفناء الحتمي المتمثل في الموت الذي لا يستثني أحدا منهم، والفناء العام المتمثل في زوال الكون ذاته، وبأسره حسب قوانين الفيزياء المعروفة (وليس هنا موضوع شرحها).
وهكذا يتمسك غريق بغريق والخشية ثابتة وقد انطبق عليهم قول تلك العجوز تعليقا على أحد العلماء في عصرها قدّم لها بصفته يملك مائة دليل على وجود الله، فأجابت على الفور: "إنه لا يملك مائة دليل على وجود الله إلا لأنه يملك مائة شك في وجود الله !" وهؤلاء الماديون الذين لا ينفكون يبحثون عن الأدلة لنفي وجود الله لا يفعلون ذلك إلا لكونهم يشكون في حقيقة نفي هذا الوجود، ومن هنا كانت خشيتهم ثابتة إلى يوم يبعثون!
كما يصف الله ذلك اليوم الحق بقوله "أَفَعَيَيْنا بالخَلْقِ الأَوَّلِ بل هم في لَبْس من خَلْقِ جديد، ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما تُوَسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقى المُتَلَقِّيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يَلْفِظُ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد، ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد، لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد، وقال قرينه هذا ما لدي عتيد، ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مُريب، الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد" (ق / 15 - 26) .
هذا؛ ومن باب ذكر الفضل لأهله، كواجب ديني وعلمي في الوقت ذاته، نقر أننا قد استفدنا كثيرًا من مراجع وأعمال وكتابات واجتهادات بعض القمم العلمية والدعوية في هذا الخصوص وعلى وجه الخصوص نذكر الصيدلي والداعية الكبير الشيخ عبد المجيد الزنداني وعالم الجيولوجيا والفلك الدكتور زغلول النجار، وعالم الجغرافيا والتاريخ الدكتور طارق السويدان والباحث المدقق والداعية المحقق الأستاذ عبد الله المصلح والطبيب البحاثة في عالم النبات والحيوان الدكتور مصطفى محمود، وحجة الإيمان ومفسر القرآن الشيخ محمد متولي الشعراوي، والبحاثة الفذ في اللغة والإعجاز البياني للقرآن الكريم الدكتور فاضل صالح السامرائي...
لقد مات الرسول البشر وبقي الرسول الدائم المبلغ بلسان الخالق، كما نزل أول مرة دون تحريف أو تزييف، مصداقا لقول منزله تعالى منذ أربعة عشر قرنا: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".. صدق الله العظيم.وغير هؤلاء الأفذاذ في اختصاصهم وإنتاجهم الكثير من الأسماء التي يتعذر حصرها في هذا المقام والمقال كما نشير في النهاية إلى أن هذا العمل الذي يعالج موضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم يهدف إلى الدعوة إلى الحق بالمنطق والعلم الصحيح المفضي حتما إلى الإسلام دين الحق، لأن خالق الكون وموجد القوانين الفيزيائية التي تحكمه (من أصغر خلية في جسم الكائن الحي إلى أكبر جرم في السماء) هو نفسه منزل القرآن المبين وموجب الدين المبني على العلم مصداقا لقوله تعالى: "والراسخون في العلم يقولون آمنًا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولوا الألباب" (آل عمران / (7) و"سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" (فصلت (53) و "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها، وما ربك بغافل عما تعملون» (النمل (93) . صدق الله العظيم.
لهذا إذن ولغيره، كان القرآن معجزة كل العصور، لأن المنزل عليه (محمد صلى الله عليه وسلم) هو آخر الأنبياء والمرسلين، وبما أنه خاضع لسنة الله في الكون، فإن كل من عليها فان، فلا بد من أن يظل القرآن حياً مهيمنا ومتحديًا كل العقول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
لقد مات النبي الرسول البشر وبقي النبي الرسول الدائم المبلغ بلسان الخالق، كما نزل أول مرة دون تحريف أو تزييف، مصداقا لقول منزله تعالى منذ أربعة عشر قرنا: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، و"وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها، وما ربك بغافل عما تعملون" (النمل (93) . صدق الله العظيم.
لهذا إذن ولغيره، كان القرآن معجزة كل العصور، لأن المنزل عليه (محمد صلى الله عليه وسلم) هو آخر الأنبياء والمرسلين، وبما أنه خاضع لسنة الله في الكون، فإن كل من عليها فان، فلا بد من أن يظل القرآن حياً مهيمنا ومتحديًا كل العقول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
لقد مات الرسول البشر وبقي الرسول الدائم المبلغ بلسان الخالق، كما نزل أول مرة دون تحريف أو تزييف، مصداقا لقول منزله تعالى منذ أربعة عشر قرنا: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".. صدق الله العظيم.
إقرأ أيضا: لماذا كان هذا الكتاب "القرآن" القائم الرسول الجامع والخاتم؟ (1 من 2)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير القرآن القرآن رأي خطاب قراءات أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صدق الله العظیم وجود الله کل العصور من علیها فی هذا
إقرأ أيضاً:
لماذا يعطي الله العاصي الخير ويغنيه؟.. انتبه لـ10 أسرار
لعل ما يطرح السؤال عن لماذا يعطي الله العاصي الخير ويغنيه ؟، هو كثرة هذا الأمر الذي من شأنه أن يزعزع إيمان البعض في قلوبهم ، حيث إنهم يرون أن العاصي كسب الدنيا ، بل إن ما يطرح سؤال لماذا يعطي الله العاصي الخير ويغنيه ؟ حاجة الجميع إلى سعة الرزق والغنى، ومن ثم ينبغي الوقوف على حقيقة لماذا يعطي الله العاصي الخير ويغنيه ؟.
قال الدكتور علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه لا يمكننا أن نربط بين معصية الله ورزق العاصي، أو بين طاعة الله وضيق الرزق.
وأوضح " فخر " في إجابته عن سؤال: لماذا يعطي الله العاصي الخير ويغنيه ، فنحن نرى أناس ترتكب معاصي ومع ذلك أرزاقهم واسعة؟، أن هذه قضية تتعلق بنظرتنا القاصرة إلى الأمور الدنيوية.
ونبه إلى أنه لا يمكننا أن نربط بين معصية الله ورزق العاصي، أو بين طاعة الله وضيق الرزق، لأن هذه أمور ترتبط بحكمة الله سبحانه وتعالى التي لا نعلمها بالكامل، فالله سبحانه وتعالى قد يبتلي العبد بالتقليل من الرزق ليختبر صبره وشكره.
وتابع: بينما قد يفتح أبواب الرزق والنعيم أمام العاصي ليُمهله حتى لا يغتر بما لديه، ويظل في غفلته، منوهًا بأن ما نراه في الدنيا ليس مقياسًا نهائيًا لرضا الله عن العبد، فنحن لا نعلم ماذا كتب الله للعباد في الآخرة.
وأضاف أنه قد يُكرم الله العبد بمال واسع في الدنيا وهو عاصٍ، لكنه قد يعاقب في الآخرة جزاءً لتركه لشكر الله واستمراره في معصيته.. بينما العبد الطائع قد يُبتلى بشدة أو ضيق في الرزق، لكن ذلك قد يكون من رحمة الله به لاختبار صبره وإيمانه.
واستشهد بقول الله تعالى: ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات بَل لاَّ يَشْعُرُونَ) الآية 55 من سورة المؤمنون، منوهًا بأن هذه الآية لتوضيح أن ما نراه في الدنيا من توسع في الرزق أو متاع لا يعني بالضرورة أن الشخص قريب من الله أو راضٍ عنه.
وأشار إلى أن الظن الدنيوي بأن المال هو من يُعد مقياسًا لنجاح الإنسان عند الله، لكن الخيرات الحقيقية هي ما يحصل عليه الإنسان في الآخرة، منبهًا إلى أن العيش الصحيح هو الحياة في الآخرة، أما الدنيا فزائلة، وما نبتغيه هو السعادة الحقيقية عند الله في دار الآخرة، لذلك يجب أن نتحلى بالبصيرة والبعد عن النظرة الضيقة لما يحدث في الدنيا.
لماذا الكافر يُمد له في الخير والتوفيقينبغي العلم بأن الله سبحانه وتعالى حكيم، وقد أخبرنا عن نفسه بهذا الاسم وما يتضمّنه من هذه الصفة في آياتٍ كثيرة في كتابه العزيز، والحكمة هي فعل ما ينبغي، وضع الأشياء في مواضعها، وهو سبحانه وتعالى أعلم بما يُقدّرُه من الأقدار.
وقد أخبرنا سبحانه في كتابه الكريم عن جانب حكمته تعالى في بسطه الأرزاق للكفّار وللمجرمين، وأنه إنما يفعل ذلك بهم ليزيدوا في آثامهم، فيستحقُّوا العقاب ولا تكون لهم حُجّة وعُذر عند الله تعالى.
وقال تعالى : {ووَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } الآية 178 من سورة آل عمران، فالله تعالى يبسط لهم الأرزاق ولكنّه بذلك يستدرجهم ويُمهلهم، ثم إذا جاء وقت العقاب عاقبهم بجميع ما قدّموا.
ولفت إلى أنه لم يكن لأحدهم عُذر أو حُجّة يحتجّ بها، وقد قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)} من سورة الطارق، ولكن ليس صحيحًا أن الله تعالى يمدُّهم بالتوفيق إن كنت تقصدين بذلك التوفيق إلى الطاعات والخير، أمَّا بالنسبة لقضاء حاجاتهم في الدنيا فذلك من جملة الأرزاق .
وورد أنه بالنسبة لأهل الإيمان والطاعة فإن الله سبحانه وتعالى يُعطي مَن يشاء منهم من هذه الدنيا، ويبسط له في الرزق، ويبتلي مَن يشاء منهم بالتضييق عليه في رزقه لحكمٍ جليلةٍ، فليس صحيحًا أن مَن آمن حُرم، والواقع العملي الذي نراه في حياتنا خير شاهد على ذلك.
وجاء أن كثير من المؤمنين قد بسط الله تعالى لهم الأرزاق، ولكنّ القضية كلّها أن الله تعالى لم يجعل هذه الدنيا ولا أرزاقها هي الثواب على الأعمال الصالحة، إنما الثواب على الأعمال الصالحة مُدّخرٌ في الدّار الآخرة، فقد يعمل الإنسان العمل الصالح ومع ذلك لا يبسط الله تعالى له رزقًا، لأن هذا الرزق ليس هو الجزاء على عمله الصالح، فالأرزاق يُقسِّمُها الله تعالى بحكمة وعلمٍ، فيبسُطُها لمن يشاء ويُضيِّقُ بابها على مَن يشاء، وله في ذلك الحكمة البالغة.
وورد أن هذا الذي ضيّق الله تعالى عليه رزقه فإنه إذا كان من أهل الإيمان والعمل الصالح قد وَعَدَه الله تعالى بأن يُعوّضه خيرًا ممَّا فاته في هذه الدنيا، فالفقراء يدخلون الجنّة قبل الأغنياء يوم القيامة بخمسمائة عام، ولك أن تتصوري النعيم الذي يتنعّم به هذا الفقير المؤمن قبل أن يدخل الغني من المؤمنين إلى الجنة.