البيت الروسي بالإسكندرية ينظم ندوة علمية شاملة بعنوان «الرحالة الروس في رشيد: رحلة عبر التاريخ والثقافة»
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
استضاف البيت الروسي بالإسكندرية، اليوم الاثنين، ندوة علمية ثرية بعنوان "الرحالة الروس في رشيد"، وذلك بحضور نخبة من كبار الباحثين والمختصين في مجالات التاريخ وعلم الآثار والثقافة وقد سلطت هذه الندوة الضوء على تاريخ مدينة رشيد العريقة، ودورها كمركز ثقافي وتجاري هام على مر العصور، وإسهامات الرحالة الروس في دراسة حضارتها العريقة وفك رموزها.
افتتحت الندوة بكلمة ترحيبية ألقاها مدير البيت الروسي بالإسكندرية، أكد فيها على عمق العلاقات التاريخية والثقافية بين مصر وروسيا، وأهمية هذه الندوة في تعزيز هذه العلاقات وتوطيد أواصر التعاون الثقافي بين البلدين.
ألقى الدكتور سعيد رخا، مدير عام متحف رشيد الوطني، محاضرة شاملة عن تاريخ مدينة رشيد، ملقياً الضوء على أهمية حجر رشيد، الذي يُعدّ أحد أهم الاكتشافات الأثرية في العالم. فقد أوضح الدكتور رخا أن هذا الحجر، الذي يعود إلى عام 196 قبل الميلاد، يحمل نصوصًا مكتوبة بثلاث لغات: المصرية القديمة (الهيروغليفية والديموطيقية) واليونانية القديمة. وقد لعب حجر رشيد دورًا محوريًا في فك رموز اللغة المصرية القديمة، مما أحدث ثورة في فهمنا للحضارة المصرية العريقة وتناول أيضًا رحلة بارتولوميو، وهو عالم آثار روسي شهير زار رشيد في أوائل القرن العشرين وقام بدراسات معمقة لحجر رشيد وساهم بشكل كبير في فهمه.
تناولت الندوة أيضًا إسهامات الرحالة والعلماء الروس الذين زاروا مدينة رشيد منذ القرن الخامس عشر. وتحدث الدكتور رخا عن رحلاتهم وملاحظاتهم الثاقبة، ودورهم الريادي في نقل المعرفة عن مصر إلى روسيا والعالم.
ومن بين هؤلاء الرحالة، برز اسم فاسيلييف، الذي زار رشيد في القرن التاسع عشر وقدم وصفًا دقيقًا للمدينة وتاريخها. كما ألقى الضوء على أهمية حجر رشيد ودوره في فك رموز اللغة المصرية القديمة.
أثنى الحاضرون على أهمية هذه الندوة العلمية، والتي ساهمت في تسليط الضوء على العلاقات التاريخية والثقافية المتميزة بين مصر وروسيا. كما أشادوا بإسهامات الباحثين الروس في دراسة الحضارة المصرية القديمة، وبالدور الذي لعبه البيت الروسي بالإسكندرية في تعزيز هذه العلاقات وتوطيد أواصر التعاون الثقافي بين البلدين.
اختتمت الندوة بحوار مفتوح بين الحاضرين والمحاضرين، تم خلاله مناقشة مختلف جوانب الموضوع وطرح الأسئلة والإجابة عليها. وقد أكد الحاضرون على أهمية الاستمرار في البحث العلمي ودراسة تاريخ مدينة رشيد وحضارتها العريقة، وذلك من أجل تعزيز فهمنا للماضي وتثقيف الأجيال القادمة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإسكندرية مدينة رشيد البيت الروسي حجر رشيد البیت الروسی بالإسکندریة المصریة القدیمة مدینة رشید الضوء على على أهمیة الروس فی
إقرأ أيضاً:
رحلة إلى مدينة الذكريات
عدتُ بعد غيابٍ امتدّ لعشرة أعوام، عدتُ لا لأكتشف مدينة جديدة، بل لأستعيد مدينةً قديمة تسكنني، مدينةً لا ترتبط في ذاكرتي بجغرافيتها، ولا بتاريخها، ولا بمعالمها، بل ترتبط بشخصٍ واحدٍ كان فيها، فصار كل ما فيها يُشبهه، ويُحاكيه، ويُعيدني إليه. لم تكن العودة صدفة، ولم تكن رغبةً عابرة في السفر، بل كانت شوقًا متراكمًا، حنينًا دفينًا، بحثًا عن أي شيء يخصه، عن رائحةٍ علقت في زاويةٍ من شارع، عن مقعدٍ جلس عليه، عن طريقٍ مشيناه سويًا، عن لحظةٍ عشتها معه ولم أُدرك حينها أنها ستكون من كنوز العمر. حين وطئتُ أرض المدينة، شعرتُ أنني لا أعود إليها، بل أعود إليه، أعود إلى نفسي القديمة، إلى ذلك الطفل الذي كان يُمسك بيد أبيه ويشعر أن العالم كله آمنٌ ما دام إلى جواره. كل شيء بدا مألوفًا على نحوٍ مؤلم: الأرصفة التي حفظت وقع خطواتنا، الأشجار التي شهدت صمتنا، المقهى الذي جلسنا فيه ذات صباحٍ هادئ، حين كان يُحدثني عن الحياة كمن يُهدي وصاياه الأخيرة دون أن يدري. سرتُ في الطرقات التي عرفناها معًا، وكل زاوية تنطق باسمه، وكل نافذة تُشبه عينيه حين كان يتأمل المكان بهيبة العارف وحكمة المُحب. جلستُ على ذات المقعد المطلّ على النهر، حيث جلسنا ذات مساء، حين كان يُحدّثني عن طفولته، عن أحلامه، عن أشياءٍ لم أفهمها تمامًا حينها، لكنني اليوم أُدركها بكل تفاصيلها، وأشعر بثقلها في قلبي. رأيتُ السياح يلتقطون الصور، فاستعدت تلك اللحظة التي التقط فيها صورة تجمعنا أمام أحد المعالم، وقال لي ممازحًا: «سنعود لالتقاط صورة بالزاوية ذاتها بعد عشرة أعوام.» وها أنا أكتب بعد عشرة أعوام، لكن لم أستطع التقاط الصورة من دونه. المدينة لم تتغيّر كثيرًا، لكنني أنا تغيّرت، لأنني عدتُ إليها لا كما كنت، بل مثقلًا بما لا يُقال، محمّلًا بما لا يُكتب، أبحث عن وجهٍ غاب، وعن صوتٍ خفت، وعن يدٍ كانت تُمسك بي حين أتعثّر. كتبتُ في دفتري: «اخترتُ هذه المدينة من بين مدن الأرض، لا لأنها الأجمل، بل لأنها الوحيدة التي تُشبهه.» ثم أغلقتُ الصفحة، كأنني أُغلق بابًا على وجعٍ لا يُشفى، ووقفتُ عند المدخل، أستجمع ما تبقّى منّي، وأهمس للمكان: «لقد عدتُ، ولكن أبي لم يعد.» رحمك الله يالغالي. كانت هذه المدينة جميلة بك، وما زالت جميلة، لكنها باتت ناقصة، وما أقسى أن يعود الإنسان إلى مكانٍ كان فيه سعيدًا، ليكتشف أن السعادة لم تكن في الشوارع ولا في المناظر، بل في من كان يشاركه اللحظة، ويمنحها معناها، ويملأها دفئًا وطمأنينة. في كل زاويةٍ مررتُ بها، كنتُ أبحث عنك، لا بعيني، بل بروحي، كأنني أرجو من المكان أن يُعيد تشكيلك من الضوء والهواء والحنين. لكنني أدركت، بعد أن مشيتُ كثيرًا، وتأملتُ طويلًا، أن الذكرى، مهما كانت حيّة، لا تُجاري حضورًا كان يملأ الدنيا بهجة، وأن الأماكن، مهما احتفظت بصورنا، لا تستطيع أن تُعيد إلينا من غاب. ومع ذلك، وجدتُ في هذه الرحلة شيئًا من السلوى، شيئًا من العزاء، شيئًا يُشبه اللقاء، وإن كان قد جدد الجرح. وجدتُك في التفاصيل، في الصمت، في الذكرى، في قلبي الذي لا يزال ينبض باسمك. وها أنا أغادر المدينة، لا كما دخلتها، بل مثقلًا وأحمل معي يقينًا واحدًا: أن الحب لا يموت، وأن الأب، وإن غاب جسده، يبقى حيًا في الأماكن التي أحبها، وفي الأبناء الذين أحبهم، وفي اللحظات التي لا تُنسى، ولا تُستعاد. رحمك الله يا أمان السنين.
قطر زهرة حسن