يمن مونيتور/ من مروان المنيفي
بعنوان واسع عريض صدر كتاب “بدايات إبراهيم الحمدي رحلة الصعود وقصة الطموح” الطبعة الأولى يوليو/تموز 2022 عن الدار العربية للعلوم ناشرون.
مؤلّف الكتاب هو لطفي نعمان المنتمي إلى عائلة من الطبقة السياسية تشغل منذ عهد اليمن الجمهوري الحديث داخل أجهزة الدولة السياسية والدبلوماسية، ما مكنه طوال مسيرته من إنجاز نحو 30 كتاباً يتعلق بتاريخ اليمني السياسي المعاصر فكل شيء متاح وميسر له من مادة تاريخية خام مثل الوثائق وأرشيف الصحف والمذكرات والصور، وهذا الكتاب بحق جامع لمادة بحثية تقدم إعدادها إطلاع صاحبها على كل ما يتعلق بدرب وقصة الرئيس الحمدي وحركة 13 يونيو/حزيران1974.
وبالرغم من كل الامتيازات وشغل الرجل منصب السكرتير الصحافي لرئيس مجلس الشورى في الحكومة الشرعية، غير أن له رأي شديد الاستقلالية بعيداً عن سلك وظيفته كالنشاط في الدعوة للسلام، ولا يعبر حتى عن احتفائه السنوي بذكرى ثورة سبتمبر في زخمها الشعبي الذي بات حاضراً، على الأقل تقدير وامتنان للثورة والجمهورية فهو من جيلها وحاز من عهودها مكتسبات رأسمال ثقافي واجتماعي.
الكتاب: “بدايات إبراهيم الحمدي: رحلة الصعود وقصة الطموح” المؤلف: لطفي فؤاد نعمان الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون عدد الصفحات: 332 صفحة |
في البدء وقبل الشروع من البداية يمكننا القفز الزمني إلى ختام البدايات من الكتاب، الذي يؤكد المؤلف ان الاهتمام ببدايته دونًا عن نهايته “لقد أُشبع الحديث عن مقتله حتى شبع قتلاً، واذا خدمه قتلته وأحسنوا إليه بأن ضاعفوا شعبيته حتى الآن، فقد قتله محبوه أيضاً”.
من ولادة نشأة الحمدي في مدينة قعطبة عام 1943 ودراسته الأولية في عدة مناطق تبعاً لعمل والده تبدأ رحلة الكتاب، ثم التحاقه نهاية الخمسينيات في كلية الطيران بصنعاء حتى انقطع عنها في خلاف مع مدير الكلية النقيب عبدالله السلال، والمؤلف لا يفسر منشأ وأسباب الخلاف كحق معرفي لفهم العلاقة التي حكمت الرئيسين بينهما لاحقاً، وبعد قيام الثورة دخل السجن مدة قصيرة كونه ابن حاكم ذمار للإمام وخرج عائداً للكلية الحربية لتجديد معلوماته.
في واقعة سجن الحمدي بعد قيام الثورة كونه أن حاكم للإمام في لواء ذمار، لم يحملها الكارهون بالشك والجهل المضلل بالأكاذيب والمبالغة في ان عهده القصير هي عودة وتمكين الاماميين، الا بعد مجيء الامامة الجديدة بنسختها الحوثية فقط لأنها تتبنى من حادثة مقتله نكاية بالسعودية، أما من قبل فقد رفع شباب ثورة 2011 من الصور واللافتات أشكال والوان مع شقيقة عبدالله، والشطط بالهتافات من الأحزاب والقوى والشخصيات نكاية معارضتها لصالح، لكأن ثورة 2011 هي الأخرى اكتشفت سر مجهول أن اغتيال الحمدي كان بأيدي رفيقيه الغشمي وصالح وإشراف خارجي.
تلك الواقعة لن ينساها الحمدي ومن حقه أن ينتقم لها عند وصوله الحكم وهي أن يفرض الاقامة الجبرية لبعض ضباط الثورة ممن كان لهم صلة بسجنه لأيام قصيرة في بدايتها قبل أن يتدخل القائد العسكري حسن العمري ويطلق سراحه، وقد وردت بعض الشهادات ما يعزز قولنا هذا، منها ما تذهب إلى قول أن علاقاته بالضباط السبتمبريين هي حزارات نفوس ومطامح للسلطة، وسنورد ما قاله اللواء عبدالله الراعي أحد ضباط تنظيم الأحرار وثورة سبتمبر ومن مؤسسين حزب البعث ” كان لديه (الحمدي) مواقف من بعض ضباط الثورة، وهو موقف غير جيد واعتبرته غير سليم أو صحيح، وأكثر حديثي خلال لقاءاتنا كان حول علاقته بهؤلاء البعض ولابد من تطويرها وتفعيلها. ( عبدالله الراعي يحكي قصة ثورة وثوار _ص 162)
والآن لماذا لم يحْملُوا على بعض الشخصيات الدينية التي انسجمتِ موقفاً وفكراً مع الإمامة في حربها على الجمهورية وتبوّأت مناصب رفيعة، والدفاع عن حقهم الالهي بالعودة أو بتبني الدولة الاسلامية في جولات الحوارات والمفاوضات من “اركويت” السودان إلى “حرض”، وعادت عام 1970 لتدخل مؤسسات الدولة من أوسع أبوابها، وهم كذا يخمدون ذكرها واستدعاها بأن يبرروا مواقفها وفقاً للظروف التاريخية التي كانت فيها ويبطلان الظروف ذاتها على الحمدي بلباس اليوم.
يمكن النظر على ما وقع بعد قيام ثورة سبتمبر/أيلول من فوضى حدثت سجن وإعدامات بدون محاكمة لرجالات الإمامة طبيعياً كي تثبت من هيبتها في نفوس العامة وتتدارك أخطاء حركات سابقة تم وَأَدَها، والعام التالي لقيام الجمهورية شكل المشير السلال محكمة الشعب تحت شعار أطلقه “نحاكم عهدا ولا نحاكم أفرادا”.
تحصن الحمدي بالجناح القوي داخل الجيش اليمني بعد الثورة الفريق حسن العمري الذي رافقه بجولاته الميدانية والإدارية والعمل بدائرة مكتبه، من بعدما أنقذه من حصار عسكري بثلا في حرب الثورة، والحمدي امتداده الناجح في الوصول للحكم الذي فشل في احرازه العمري، ومال مع من مالوا إلى الجناح السياسي المعارض للرئيس السلال آنذاك، وتخلق داخل السلطة السياسية والعسكرية بعد 5 نوفمبر/تشرين الثاني.
حيث يحلو عند إثارة روايات طموح الشخصيات التاريخية وارتقاءها سلم إمارة السلطة من صلب عصاميتها مقتبل العمر، كان للحمدي ذات الظروف فقد توسّلها داخل زنزانة السجن الحربي في القاهرة وهو صحبه الحكومة اليمنية في الحادثة الشهيرة لاعتقالها.
يعَدَّ الحمدي رأس جناح الصقور في أحداث اغسطس/آب 68م وجهاً لوجه مع الوحدات العسكرية الخاضعة لحركة القوميين العرب التي كانت تنحو منحى ماركسياً، شوهد نشيطاً ومخلصاً حازماً في قمع التمرد، وهو الضرر الفادح الذي بدأ يلحقه بالحركة وما تفرع منها من أحزاب ماركسية رغم ما يُشاع عن انتمائه التنظيمي لها.
في سؤال الصحفي صادق ناشر للواء الراعي في مذكراته التي نُشرت كحوارات في صحيفة الخليج، باعتبار الراعي من الطرف البعثي في قتال أغسطس، مع من وقف الفريق العمري في القتال الذي استمر ليومين داخل محيط العاصمة؟ أجاب الراعي ان العمري كان محايداً ومتعاطف مع عبدالرقيب عبدالوهاب رئيس الأركان وفي ذلك تخفيف من وطأةِ اتهام العمري وحده، وهو يقر ان أحداث أغسطس كانت ضربة مُجْهِزة لكل القوى القومية واليسارية وإن بقي وجود حزب البعث في السلطة فهو بشقها المدني لا العسكري الذي تم قبيلته حد قوله.
في جانب آخر للحمدي فقد واجه فكرياً النظام الجنوبي والأحزاب اليسارية السرية شمال اليمن بأن أدخل إلى وحدات الجيش والأمن مواد التثقيف السياسي والتوعوي بألوف النسخ لمحاضرات الدكتور عبدالرحمن البيضاني التي كان يلقيها في القاهرة لرابطة طلبة اليمنيين أشهرها لهذا نرفض الماركسية وسوق الشعارات.
حين تولى الرئاسة وفي ذكرى إنشاء لواء الاحتياطي العام التي تشكلت من دمج لواء العاصفة ولواء الاحتياط بعد الصدام العسكري بمقترح سوفيتي، فكان أول من تفرغ لقيادتها وتعزيز موقعها عُدَّة وعَتادًا، حضر المقدم احتفاء الذكرى السابعة عام 1974 وكرر من جديد الحديث عن طرف أغسطس المهزوم واصفاً إياهم بحزبيين الأفكار المستوردة.
يدرج المؤلَّفُ في كتابه هذا علي عبدالله صالح ضمن قادة الوحدات العسكرية الواقعة تحت نفوذ حزب البعث في اصطدامات أغسطس فما هي الرتبة العسكرية وما هو الموقع القيادي لصالح حينها حتى يتم صكّه في الصف الأول مع ذوي الرتب الرفيعة!
صحيح أن سيرته تذكر أنه في حرب الثورة وحصار السبعين كان ملازم في سلاح المدرعات التي يقودها اللواء محمد عبدالخالق وهي القوات التي حسمت الموقف في اليوم الثاني للقتال لصالح القائد العمري وأنصاره من القوى القبلية، لكن ذلك سيدفعنا للسؤال إلى أيّ جانب مال عبدالله عبدالعالم وثيق الصلة بالحمدي الذي أعاد له ترتيب وتنظيم وقيادة وحدة المظلات.
في جل مقابلته عن مشوار حياته ووصوله السلطة يتجاوز علي صالح مرحلة الستينيات ويكتفي بالسنوات الأولى التي واجهها كأكثر رئيس في اليمن الشمالي أشتداد الزحف المسلح للجبهة الوطنية اليسارية التي أفرزتها أحداث أغسطس.
لم يعلق المؤلف على تقرير نشره الصحفي فؤاد مطر في صحيفة النهار اللبنانية حول أحداث أغسطس 68 وترحيل الفريقين المتصارعين إلى الجزائر، فوفقًا للواء عبدالله الراعي الضابط في كتيبة المدرعات ان ترحيلهم بعدد 22 ضابطاً دبرها الشيخان الأحمر وأبو لحوم والنعمان الأبن، ومع ذلك لم تستقبلهم الجزائر بصفة وظلوا عالقين 24 ساعة، وعندما أَطْلَعَ الرئيس هواري بومدين على رسالة صنعاء تضمنت توكيل بسجنهم جميعاً لكن بومدين رفض ان يكرر ما فعلته القاهرة بالحكومة اليمنية ورحب بهم مواطنين عرب.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق فكر وثقافةسلام الله على حكم الامام رحم الله الامام يحيى ابن حميد الدين...
سلام الله على حكم الامامه سلام الله على الامام يا حميد الدين...
المذكورون تم اعتقالهم قبل أكثر من عامين دون أن يتم معرفة أسب...
ليست هجمات الحوثي وانماالشعب اليمني والقوات المسلحة الوطنية...
الشعب اليمني يعي ويدرك تماماانكم في صف العدوان ورهنتم انفسكم...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الحکومة الیمنیة فی الیمن
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: مياه حي الصفا تنتظر القرار
تمر ولاية الخرطوم بواحدة من أدق مراحلها التاريخية، حيث تتقاطع الأزمات الخدمية مع تعقيدات المشهدين الأمني والسياسي، في صورة قاتمة تنعكس بوضوح على حياة المواطنين. ومن بين هذه الأزمات، تبرز مشكلة المياه كواحدة من أشد صور المعاناة اليومية، لا سيما في محلية كرري – حي الصفا، الواقع غرب شارع الوادي بالقرب من قسم الحتانة، حيث لم تعد المياه موردًا طبيعيًا متاحًا، بل تحوّلت إلى سلعة باهظة تثقل كاهل الأسر محدودة الدخل.
تعتمد محطة “المنارة”، أحد أبرز مصادر الإمداد المائي في المنطقة، اعتمادًا كليًا على الكهرباء. ومع تكرار استهداف البنية التحتية من قِبل مليشيا الدعم السريع، توقفت المحطة عن العمل، ما أدى إلى تداعيات إنسانية قاسية. المخابز توقفت، والطوابير امتدت في انتظار التناكر، والمياه تحولت إلى أزمة معيشية خانقة.
في حي الصفا كان السكان يعتمدون على بيارة الحارة 20 كمصدر شبه وحيد للمياه في حال الطواري، لكنها خرجت عن الخدمة نتيجة محدودية طاقتها التصميمية. وارتفعت على إثر ذلك تكلفة برميل المياه إلى ما يزيد عن أربعين ألف جنيه، في منطقة يعيش معظم سكانها على دخول يومية أو معاشات حكومية لا تواكب تكاليف الحياة.
استجابة لهذا الواقع المؤلم، طرحت اللجنة الشعبية في الحي مبادرة لحفر بئر جوفية كحل عملي ومستدام. وقد أبدت اللجنة استعدادها الكامل للتعاون مع القطاع الخاص أو المنظمات الإنسانية أو مع حكومة الولاية، سواء من خلال المساهمة المجتمعية أو التنسيق الفني، في خطوة تعكس وعيًا شعبيًا عميقًا، وإرادة جادة لتجاوز الأزمة.
غير أن هذه المبادرة، كسابقاتها من المبادرات المحلية، لا تزال رهينة الانتظار، تنتظر قرارًا إداريًا واضحًا ودعمًا لوجستيًا من الجهات المختصة. ويُذكر أن أحياءً أخرى في محلية كرري تمكنت بالفعل من حفر آبار جوفية بتمويل رسمي أو شعبي، مما يدل على جدوى هذا الخيار ونجاعته ، إن توفرت الإرادة السياسية والدعم التنفيذي.
زيارة والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة لمحطتي بيت المال والمنارة، وغيرها من المواقع، شكّلت إشارة إيجابية إلى وجود وعي رسمي بحجم الكارثة. لكن هذا الوعي لم يُترجم حتى الآن إلى خطة عملية لإعادة المياه إلى الأحياء المتضررة. فلا تزال وعود الوالي حبيسة التصريحات تنتظر التنفيذ ، فيما يقول سكان حي الصفا إنهم “أول من تُقطع عنه المياه، وآخر من تعود إليه عند استئناف الضخ”.
أبناء حي الصفا، الذين تمسكوا بمنازلهم رغم الحرب والقصف، لم يجدوا بُدًّا من اللجوء إلى الصحافة لإيصال صوتهم، بعد أن غاب صوت القرار الإداري المحلي. بالنسبة لهم، لم يعد انقطاع المياه أزمة خدمية فحسب، بل صار دليلاً صارخًا على هشاشة منظومة الطوارئ، وسوء إدارة الأزمات.
إن الحرب التي تتخذ من تدمير البنية التحتية وسيلة لإضعاف الدولة، تتطلب استجابة غير تقليدية. لم يعد بالإمكان الاستمرار في الاعتماد على الكهرباء وحدها لتشغيل محطات المياه. المطلوب هو توفير بدائل فعالة، كمولدات الكهرباء أو أنظمة الطاقة الشمسية، ووضع خطة تشغيل طارئة تضمن استمرارية الخدمة.
لقد تجاوزت أزمة المياه في الخرطوم حدود الشأن المحلي، وأضحت مؤشرًا خطيرًا على ضعف الإدارة الحكومية في زمن الحرب. وفي حي الصفا، باتت المياه تمثّل اختبارًا حقيقيًا للدولة: هل تستطيع صون هذا الحق الأساسي، أم تترك المواطنين فريسة للعطش واستغلال ضعاف النفوس؟
ومن منظور #وجه_الحقيقة، فإن تحديات ما بعد الحرب تقتضي نموذجًا جديدًا في الإدارة. لم يعد هناك متسع للوعود المؤجلة أو الحلول المؤقتة. المطلوب قرارات جذرية تعيد المياه للمواطنين، والثقة في مؤسسات الدولة. فالماء ليس فقط مورد حياة، بل ركيزة للاستقرار الاجتماعي، ودعامة للأمن الوطني.
ولسقيا الماء فضلٌ عظيم؛ فلولاه لما كانت الحياة ممكنة. كما قال تعالى: “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”. إن فقدان هذا المورد اليوم في حي الصفا لا يهدد صحة الأجساد فحسب، بل يُضعف روح التضامن، ويُخلخل بنيان المجتمع.
ومع ذلك فإن استعداد السكان للتكاتف، وحفر الآبار بجهدهم، يثبت أن الأمل لا يزال حيًّا، حين تتلاقى الإرادة الشعبية مع القرار الرسمي. فالناس ينتظرون القرار، سيدي الوالي.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأحد 25 مايو 2025م. Shglawi55@gmail.com