هل يدفع ضغط المعارضة التركية أردوغان إلى انتخابات رئاسية مبكرة؟
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
يضغط رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا، أوزغور أوزيل، بقوة من أجل دفع البلاد نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، في لهجة جديدة تشير إلى توجه جديد لدى زعيم المعارضة التركية، الذي كان قبل أشهر قليلة في مقدمة المرحبين بمبادرة الرئيس رجب طيب أردوغان التي هدفت إلى تليين السياسة الداخلية وإنهاء حقبة الاستقطاب السياسي التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضي.
وفي أكثر من لقاء ومناسبة، رفع أوزيل بشكل متسارع من سقف مطالباته لإجراء انتخابات مبكرة في البلاد قبل موعدها المحدد عام 2028، كما دعا حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى العمل مع حزبه من أجل تأمين أصوات النواب المطلوبة في البرلمان لتمرير قرار يقضي بالذهاب في هذا الاتجاه.
واعتبر أوزيل الذي التقى مع أردوغان ثلاثة مرات خلال ما يقل عن شهرين في سابقة لم تشهدها تركيا على مدى العقدين الأخيرين، أنه يقدم فرصة للرئيس التركي من خلال مطالبته بتقديم موعد الانتخابات، للفوز بولاية رئاسية جديدة بعدما استنفد الأخير حظوظه القانونية في الترشح بعدما فاز بولايتين رئاسيتين، كان آخرهما في عام 2023.
وينص الدستور التركي على إمكانية ترشح الرئيس، الذي فاز بولايتين رئاسيتين للانتخابات في حال تم إقامتها مبكرا خلال الفترة الثانية من ولايته، حيث من الممكن لأردوغان في حال توجهت البلاد إلى انتخابات جديدة في أي وقت قبل الموعد المقرر في عام 2028، الترشح لولاية جديدة تمتد 5 سنوات.
وتحدى أوزيل خلال حديث سابق له، أردوغان لخوض الانتخابات مجددا والفوز بفترة رئاسية جديدة، في حال كان يعتقد أنه لا يزال يتمتع بالشعبية اللازمة كما كان عليه الحال في انتخابات عام 2023.
ما أسباب توجه أوزيل الجديد؟
شهدت تركيا في أيار/ مايو عام 2023 انتخابات رئاسية وبرلمانية انتهت بفوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة تمتد إلى عام 2028، متغلبا على منافسه كمال كليتشدار أوغلو، الزعيم السابق لحزب "الشعب الجمهوري"، الذي خاض الانتخابات حينها مرشحا عن تحالف الطاولة السداسية الذي عقدته أحزاب المعارضة للإطاحة بالرئيس التركي.
كما تمكن "تحالف الجمهور" بقيادة الرئيس التركي من الفوز بأغلبية المقاعد في البرلمان، الأمر الذي أفقد المعارضة فرصتها للحصول على أداة للضغط على أردوغان عبر الحصول على الأغلبية البرلمانية.
لكن أردوغان تعرض لخسارة غير مسبوقة في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 آذار /مارس الماضي، حيث خسر حزب العدالة والتنمية العديد من بلديات المدن الكبرى وبلديات المقاطعات لصالح "الشعب الجمهوري"، سيما في الولايات الرئيسية مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير.
وأطلقت صحف تركية على تقدم "الشعب الجمهوري" على "العدالة والتنمية" ليصبح الحزب الأكثر حصولا على أصوات الناخبين لأول مرة منذ عقود، وصف "الموجة الحمراء"، في إشارة إلى لون الحزب المعارض الذي احتكر أجزاء واسعة من الخارطة التركية.
ورفع هذا الفوز من أسهم أوزيل بشكل كبير لدى معسكر المعارضة في تركيا، حيث تحول إلى أول زعيم لحزب "الشعب الجمهوري" يعيد أكبر أحزاب المعارضة إلى صدارة الأحزاب الأكثر حصولا على أصوات الناخبين منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، الأمر الذي ساهم في تعزيز موقفه كزعيم جديد للمعارضة وصل إلى كرسيه بعد انقلاب داخلي قاده مع رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، ضد كمال كليتشدرا أوغلو الذي خسر أمام أردوغان مرارا طوال 13 عاما من تزعمه لـ"الشعب الجمهوري".
وتأتي دعوة أوزيل إلى إجراء انتخابات مبكرة، بعد خوضه في مسار تطبيع العلاقات بين المعارضة والحزب الحاكم، الذي أسفر عن زيارات متبادلة بين الرئيس التركي وزعيم المعارضة، حيث استقبل كل منهما الآخر في مقر حزبه بالعاصمة أنقرة.
وكان أوزيل سار في هذا التواجه الذي دعا له أردوغان، على الرغم من المعارضة الشديدة التي قوبل بها من قبل العديد من أجنحة المعارضة التركية، لاسيما من حزبه "الشعب الجمهوري". كما وضع أوزيل نفسه في سبيل هذا التوجه في مواجهة مباشر مع حزب الحركة القومية، حليف أردوغان في "تحالف الجمهور" الحاكم.
الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، يرى أن" هذا التحول يعكس أولا فشل رهان أوزغور أوزيل على نهج الانفتاح على أردوغان كوسيلة لتغيير ديناميكيات السياسة الداخلية ولدفع أردوغان إلى التخلي عن شراكته مع الحركة القومية".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "إثارة مسألة الانتخابات المبكرة تنطوي على الكثير من المخاطر على المعارضة قبل أردوغان، فأي دفع بهذا الاتجاه قد يأتي بنتائج عكسية خصوصا أن الشارع يريد التخلص من حقبة الاستقطاب والتركيز على المشكلة الاقتصادية".
في السياق، ذاته يرى الباحث التركي علي أسمر أن "المطالبة بانتخابات مبكرة هي رسالة من أوزغور أوزيل إلى الناخبين المعارضين للتشديد على وجود معارضة قوية على رأس عملها في تركيا، وذلك من أجل تخفيف حدة الانتقادات التي طالته بسبب اجتماعه مع أردوغان أكثر من مرة بعد توليه رئاسة حزب الشعب الجمهوري".
لذلك، يسعى زعيم المعارضة التركية لإرسال رسائل طمأنة إلى قاعدته الشعبية من خلال المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة، حسب حديث أسمر لـ"عربي21".
الضغط الاجتماعي
لا يستطيع حزب الشعب الجمهوري حتى في حال تحالف مع كافة أحزاب المعارضة التركية، دفع البلاد نحو انتخابات مبكرة دون موافقة تحالف الجمهور الحاكم، الذي يملك الأغلبية في البرلمان التركي.
كما لا يستطيع التحالف الحاكم الذهاب بمفرده نحو الانتخابات المبكرة، حيث ينص الدستور التركي على ضرورة موافقة 360 نائبا على الأقل، في حين يملك حزبي العدالة والتنمية والحركة القومي معا 321 مقعدا في البرلمان.
و"لا تمتلك المعارضة الأصوات البرلمانية الكافية للدعوة لانتخابات مبكرة. والخيار الواضح لديها هو الضغط الاجتماعي للدفع بهذا الاتجاه"، حسب علوش الذي استبعد أن يكون مثل هذا الخيار مطروح حاليا على أجندة أوزيل.
ويضيف الباحث لـ"عربي21"، أن "أوزيل يستخدم من جانب الانتخابات المبكرة كورقة ضغط على أردوغان ومن جانب آخر لاحتواء التيار المعارض لسياسة التطبيع مع الحكومة داخل حزب الشعب الجمهوري".
كما أن أوزيل "أصبح أكثر ميلا للتفكير في مزايا العودة إلى السياسة المستقطبة لأن أردوغان يستخدم عملية التليين لتقويض قدرة حزب الشعب الجمهوري على استثمار نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة لزيادة الضغط على الحكومة"، وفقا لعلوش.
وكانت تركيا شهدت خلال السنوات الأخيرة مرحلة من الاستقطاب السياسي الشديد بعد تحول البلاد إلى النظام الرئاسي، حيث تسبب تدرع المكونات السياسية خلف التحالفات في تصاعد حدة الخطاب السياسي الداخلي.
ومع انتهاء فترة الانتخابات الأخيرة، دعا الرئيس التركي أحزاب المعارضة التركية إلى تليين السياسة الداخلية، الأمر الذي لاقى قبولا لدى أوزيل في البداية، قبل أن يتوجه نحو مسار المطالبة الحثيثة بالانتخابات المبكرة،
و"يحتاج المشهد السياسي في تركيا لمرحلة هادئة بعد حالة الاستقطاب الحادة خلال الانتخابات التركية"، يقول أسمر لـ"عربي21"، موضحا أن "حزب الشعب الجمهوري متلهف كثيرا للانتخابات القادمة ويرغب بإجرائها بشكل مبكر"، وذلك بعد الفوز الذي حققه في الانتخابات المحلية.
ومع مرور البلاد بأزمة اقتصادي تلقي بظلالها بشكل مباشر على المواطنين بسبب تراجع القدرة الشرائية لليرة وارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم، رفع أوزيل شعار "إما الانتخابات أو المعيشة" في وجه أردوغان"، في محاولة للحشد الضغط الشعبي لدفع الحكومة نحو التوجه نحو انتخابات مبكرة.
لكن وفقا لعلوش، فإن "أردوغان يريد التركيز على إنجاح الخطة الاقتصادية وهذا يتطلب تجنب العودة إلى حالة عدم اليقين السياسية".
ويوضح أن "الحالة الوحيدة التي قد تدفع أردوغان لقبول الانتخابات المبكرة هي نجاح التعافي الاقتصادي وهذا ما لا يمكن تصوره قبل النصف الأول من ولايته الحالية".
وبعد إعادة انتخاب أردوغان العام الماضي، تخلت تركيا عن السياسة غير التقليدية بالإبقاء على الفائدة منخفضة، وأطلقت العنان لتشديد السياسة النقدية، ورفعت سعر الفائدة الرئيسي على دفعات متتالية من 8.5 بالمئة إلى 50 بالمئة.
جاء ذلك ضمن خطة اقتصادية يقودها بشكل أساسي فريق اقتصادي مكون من وزير المالية محمد شيمشك، ونائب الرئيس جودت يلماز، ورئيس البنك المركزي فاتح قره خان، من أجل خفض معدلات التضخم المرتفعة وجذب المستثمرين الأجانب.
وفي هذا السياق، يشدد أسمر على أن خيار التوجه إلى انتخابات مبكرة عند الحزب الحاكم "غير مطروح، لأن الاقتصاد التركي في تحسن مقارنة بما كان عليه الوضع سابقا، والعلاقات الدولية لتركيا جيدة حاليا لذلك لا يوجد أي مبرر لإقامة هذه الانتخابات المبكرة".
إلا أن "المعارضة ستظل تطالب بهذا الأمر كي تثبت لقاعدتها الشعبية أن أمور المعارضة في تركيا على ما يرام وأن هذه التقاربات مع الحزب الحاكم هو مجرد سياسية مصالح مشتركة"، حسب تعبير أسمر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد تركي منوعات تركية تركيا أردوغان تركيا أردوغان اوزغور اوزيل سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات المبکرة حزب الشعب الجمهوری المعارضة الترکیة العدالة والتنمیة انتخابات مبکرة أحزاب المعارضة الرئیس الترکی فی البرلمان فی ترکیا من أجل فی حال
إقرأ أيضاً:
إثيوبيا تحدد موعد انتخابات 2026 وسط تحديات
أعلنت المفوضية الوطنية للانتخابات في إثيوبيا أن الانتخابات العامة ستجرى في الأول من يونيو/حزيران 2026، في خطوة تأتي وسط ظروف داخلية معقدة وتحديات أمنية متواصلة.
وقالت رئيسة المفوضية، ميلاتورك هايليو، لوسائل إعلام محلية إن المفوضية أنجزت "أنشطة تنظيمية شملت فتح مكاتب فرعية وضمان جاهزية مراكز الاقتراع"، مضيفة أن الأحزاب السياسية تلقت تدريبات لعرض برامجها على الجمهور.
وتواجه عملية تنظيم الانتخابات عقبات كبيرة، إذ لا تزال البلاد تتعافى من الحرب التي اندلعت بين جبهة تحرير شعب تيغراي والقوات الفدرالية بين عامي 2020 و2022 في إقليم تيغراي، والتي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص.
وتشير تقديرات إلى أن نحو مليون مواطن ما زالوا يعيشون في حالة نزوح.
كما تشهد مناطق أوروميا وأمهرة أعمال عنف متكررة، مما يثير مخاوف بشأن قدرة السلطات على ضمان أجواء آمنة وشفافة للعملية الانتخابية.
وكان رئيس الوزراء آبي أحمد أكد في كلمة أمام البرلمان يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول، أن "الحكومة تمتلك القدرة والإرادة اللازمة لإجراء هذه الانتخابات"، مشددا على أنها ستكون "الأكثر تنظيما في تاريخ البلاد".
تأتي هذه الانتخابات في وقت تسعى فيه الحكومة لإعادة بناء الثقة بين المكونات السياسية والاجتماعية، وسط ضغوط داخلية وخارجية لضمان مسار ديمقراطي مستقر.
ويرى مراقبون أن نجاحها سيعتمد على قدرة السلطات على معالجة التوترات الأمنية، وتوفير بيئة سياسية تسمح بمشاركة واسعة للأحزاب والمواطنين.