مجلة بريطانية: أزمة صحة نفسيّة بما فيها ميول انتحارية تتفاقم لدى الجنود الإسرائيليين
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
الثورة نت../
أحدثت عملية طوفان الأقصى البطولية التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر من العام الفائت، صدمة جماعية في أوساط المجتمع الإسرائيليّ الذي يعيش أزمة صحة نفسية غير مسبوقة.
وكشفت دراسة نشرت في مجلة (ذي لانسيت) الطبية البريطانية ‘‘أنّ كل سكان إسرائيل “تعرضوا بطريقةٍ أوْ بأخرى لتداعيات هذا الهجوم غير المسبوق من حيث النطاق وهول الصدمة النفسية”.
وتطرقت الدراسة إلى “صدمة نفسية وطنية جسيمة” نظرًا لعدد الأعراض التالية للصدمة وحالات الاكتئاب والكرب، ما يؤشر إلى أثرٍ ملحوظٍ على الصحة النفسية للإسرائيليين.
وفي السياق كشفت صحيفة (هآرتس) العبريّة النقاب عن أنّ أربعة أساتذة جامعات في مجال الطبابة النفسيّة باشروا منذ السابع من أكتوبر الماضي بإجراء مسحٍ لحالة الإسرائيليين عقب عدوان الاحتلال على قطاع غزّة، وتبيّن من البحث الذي ما زالوا يجرونه أنّ أكثر من أربعين بالمائة من أبناء المجتمع الصهيونيّ يُعانون من الاكتئاب ومن الصدمة النفسيّة، وبالتالي فهم بحاجةٍ لعلاجٍ نفسيٍّ في محاولة لإخراجهم من هذا الوضع الذي يؤثّر سلبًا على سلوكهم اليوميّ.
وفي وقت تكشف فيه وسائل إعلام إسرائيلية عن خسائر فادحة تفوق الأرقام الرسمية من قتلى وجرحى في صفوف جيش الاحتلال، يبدو أنّ الحرب على غزة تفرض ثمنًا باهظًا ليس في الأرواح والإصابات الجسدية فقط، بل كذلك في الاضطرابات النفسية بين جنود الاحتلال، الذين باتوا يعانون من ميول انتحارية.
ونقلت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية عن مسؤولين قولهم إنّ قسم التأهيل في الجيش قرر تشكيل فرق من أطباء نفسيين وممرضين قادرين على التعامل مع الميول الانتحارية، من أجل إجراء تقييم للجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية.
ودخل البرنامج الجديد حيز التنفيذ في شباط (فبراير) الفائت، ويشمل الجنود الذين يتلقون العلاج من حروب تل أبيب السابقة على غزة ويفوق عددهم الـ 13.500 جندي.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ أكثر من خمسة آلاف جندي دخلوا إلى قائمة إعادة التأهيل النفسي بينهم 3 بالمائة يعانون من حالة خطيرة، و18 بالمائة من مشاكل عقلية بسبب “اضطراب ما بعد الصدمة”.
وقالت رئيسة وحدة الخدمة الاجتماعية في قسم إعادة التأهيل، نوا روفا، إنّ بعض الجنود الذين ساءت حالتهم النفسية، أصبحوا يتصلون بمشرفيهم أوْ أفراد أسرهم طلباً للإغاثة، مؤكدة أنّ الأعداد سوف تتضاعف خلال عامين.
وتابعت: “عندما يكون لدي جندي معوّق يخبرني بأنه في محنة وقرر عزل نفسه، وأنه يفكر في إيذاء نفسه، الشيء الوحيد الذي نفعله هو إخبار الشرطة. وفي كثير من الأحيان، يؤدي استدعاء الشرطة إلى تفاقم الوضع”.
وأضافت: “من هنا ولدت فكرة فريق الأزمات وهي وحدات متنقلة على مدار الساعة، من ممرضين وأطباء نفسيين ومسعفين يعرفون كيف يتعاملون مع الميول الانتحارية”.
“أشم رائحة الجثث وأراها في كوابيسي”
وكانت القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ، قد كشفت في وقت سابق، أنّه تم تصنيف 3000 من جرحى الحرب، التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيليّ على قطاع غزة، بأنّهم “أصحاب إعاقات دائمة في الجيش”.
ويعاني الجنود العائدون من غزة، من صدمات نفسية وكوابيس مزعجة من هول مشاهد الحرب، وحسب تقارير عبرية، فإنّ المستشفيات تحقن المضطربين بمواد مخدرة ليتمكنوا من النوم.
وقبل يومين أدلى جندي إسرائيلي عاد من قطاع غزة باعترافات صادمة أمام جلسة في الكنيست، مؤكّدًا أنّه “يتبول على نفسه” من الرعب ليلاً وهو يرى الفلسطينيين يزورونه في كوابيسه ليسألوه: “لماذا قتلتنا؟”.
وقال الجندي أفيخاي ليفي، الذي انسحب من معارك غزة: “أتخيل الآن أن قذائف آر بي جي تطير فوق رأسي. وأتخيل نفسي داخل الجرافة وأقاتل وأشم رائحة الجثث”،
وأضاف “أتبول على نفسي خلال نومي من الخوف.. ولا أتمكن من النوم إذا لم أشرب زجاجة كحول”.
كما حمّل مسؤولية ما حصل له ولرفاقه للحكومة الإسرائيلية، قائلاً إنّها “تخلت عنا في الحرب”، وأضاف خلال اعترافاته: “أنا قتلت رجالاً بيدي من أجلكم وأنتم تقولون إنّ الإرهابيين تلطخت أيديهم بالدماء. أنا قتلت من أجلكم أكثر من 40 إنسانًا”.
ومن الأهمية بمكان الإشارة في الختام إلى أنّ الأرقام التي نُشِرَت خضعت بطبيعة الحال للرقابة العسكريّة قبل أنْ تجِد طريقها لوسائل الإعلام، لذا من غير المُستبعد أنْ تكون الأرقام أعلى بكثير، وللتدليل على ذلك، تكفي الإشارة إلى أنّ جنديًا انتحر أمس في مدينة نهاريا الشاطئيّة في شمال الأراضي المحتلة يوم أمس لأسبابٍ نفسيّةٍ مرّدها الحرب، كما أنّ استمرار الحرب سيؤدّي لرفع عدد الجنود والضُبّاط المُصابين نفسيًا، وإذا اندلعت مواجهة مع (حزب الله) فإنّ الأعداد ستتزايد وبكثرةٍ.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: نفسی ة
إقرأ أيضاً:
القبة الزجاجية.. دراما نفسية تأسر المشاهد بتفاصيل الجريمة والاختطاف
من المرعب أن تظل حبيسا في داخل صندوق زجاجي، لا ترى من خلاله إلا انعكاس وجهك إذا اشتدت حلكة المكان، والمرعب أكثر أن تظل تشعر أنك ما زلت مطوقا في المكان المغلق ذاته رغم هربك منه منذ مايزيد عن 20 عام، ومع توهمك بمقدرتك على التجاوز إلا أنك تبقى أسيرا لوحشة عشتها طفلا، وكبرت معك حتى تمكنت منك.
هكذا يصور لنا المسلسل السويدي "القبة الزجاجية" قصة فتاة اختطفت في طفولتها، وكان الخاطف يحتجزها في صندوق زجاجي لم تتمكن فيه من رؤيته، ورغم هربها وعيشها برفقة والديها بالتبني، إلا أنها كانت تستعيد تلك الذكرى حتى كبرت، وأصبحت باحثة في علم الإجرام والشؤون المتعلقة بعمليات اختطاف الأطفال، سعيا منها ألا تقع أي حادثة مشابهة لطفل ويعيش ذات تجربتها المريرة، ومع عودة الباحثة "ليلى" إلى مسقط رأسها بعد وفاة والدتها بالتبني، يصادف أن تقتل إحدى صديقاتها، واختفاء ابنتها الوحيدة، مع الاشتباه أنها مختطفة.
تبدأ خيوط الحكاية بالتشابك كثيرا، لا سيما حين بدأت عمليات البحث عن الفتاة المفقودة "إليسيا"، والتي تتشارك "ليلى" ووالدها بالتبني المتقاعد من الشرطة في عملية البحث، وتنتقل أصابع الاتهام لمن يكون القاتل والمختطف، ومن هو المتسبب في عمليات إجرامية متتالية في قرية يعملها الهدوء، ولكن سير التحقيق في القضايا كان يعيد شيئا من الذكريات إلى "ليلى"، وكأن المختطف يعيد سيناريو اختطافها وهي طفلة، وهو فعلا ما حدث أخيرا، حين تقع في وكره مجددا، مع صدمة أشد وأقوى حين تكتشف من يكون المختطف الحقيقي.
المسلسل يمتلك قدرة فذة على التشويق والإثارة، ورغم أحداثه المتصاعدة بشكل ديناميكي، إلا أنه يثير الكثير من التساؤلات في ذهن المشاهد، ويفتح بابا للتفكير والتحليل كحال الأعمال المرتبطة بالجريمة، والتي من شأنها أن تجذب المشاهد ليكون جزءا من فريق التحقيق والتحري.
ويمتاز مسلسل "القبة الزجاجية" باعتماده على جذب العاطفة، وله مقدرة على ملامسة الجانب النفسي، لا سيما أن "ليلى" تمر بالعديد من النواحي النفسية المضطربة التي من شأنها أن تمثل عنصر جذب واهتمام من المشاهد، كما ان مسألة اكتشاف من يكون المختطف والقاتل تسبب حالة من الصدمة النفسية على بطلة العمل، وكذلك على المشاهد أيضا، وهو ما يجعلنا على يقين أن السيناريو مدروس بعناية ليكون ذو تأثير نفسي على المشاهد.
المسلسل الذي اختير له عنوان "القبة الزجاجية" يستطيع التعبير عن عدة تفاصيل، فانطلاقا من فكرة الاحتجاز في الصندوق المغلق الزجاجي، إلى الحاجز النفسي الذي بقى يطوق حياة "ليلى" حتى بعد تمكنها من إكمال حياتها الطبيعية إلا أن تبقى تعيش حالات العزلة والانفصال عن الواقع، وملاحقتها للذكريات في يقظتها ومنامها.
ومن الجماليات التي تتضح في العمل الدرامي، هو امتلاكه القدرة على صنع جمالية بصرية، في اختيار الجو العام، الموسيقى الهادئة والمتصاعدة أحيانا، والإضاءة الخافتة، والألوان الباردة، وهي عناصر في مجملها تستطيع أن تلامس نفسية المتلقي وإيصال فكرة العزلة والتوتر، وتصنع حيزا قريبا من الشخصيات من خلال صورة واضحة لأحساسيس التوتر والاضطراب والخوف.
كما يمتلك العمل القدرة على التمازج الدقيق بين الماضي والحاضر، وهو ما يسهم في إيصال الفكرة من العمل، ويساعد على جذب المشاهد لمشاهدة الحلقات تواليا، كما أن انكشاف الحقائق بكل بطء، وعدم إظهارها في آن واحد، مع التشتيت في بعض الحقائق التي اتضح لاحقا عدم صحتها، أدى إلى نوع من الغموض المحبب للمشاهد، والذي يعشيه في حالة من الترقب والتوتر.
المسلسل ليس مجرد عمل درامي عن جريمة بأسلوب تقليدي مكرر، بل هو شعور نفسي يلامس عاطفة المشاهد، ويبحث في كثير من الأفكار، ويناقش مجموعة من القضايا الاجتماعية والنفسية، اجتمعت فيه بعض عناصر القوة والجذب الجماهيري من فكرة وسرد متقن، وأداء تمثيلي قوي، ورؤية إخراجية مبتكرة.