رغم تقييد الحريات، رحب الكثير من أبناء نيامي بالانقلاب العسكري في النيجر، لمعارضتهم الرئيس المخلوع محمد بازوم، وأملاً بإسماع صوتهم بعد أعوام من تجارب مريرة مع حكم بقي طابعه الديمقراطي أشبه بوعود فارغة.

واحتضن ملعب سييني كونتشه، وهو الأكبر في النيجر، نحو 30 ألف شخص أول أمس الأحد، في تحرك مؤيد للعسكر الذين أطاحوا في 26 يوليو (تموز) الماضي، الرئيس بازوم، وأنهوا حكم حزب الديموقراطية والاشتراكية في النيجر، الذي استمر أكثر من 12 عاماً.

استعراض للقوة 

وتزامن عرض القوة الذي يرجّح وقوف الحكام الجدد للبلاد خلف تنظيمه وإقامته، مع الساعات الأخيرة للمهلة التي حددتها لهم الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) لإعادة النظام الدستوري، وفكّ احتجاز بازوم، وإلا مواجهة تدخل عسكري محتمل.

وامتلأت مدرجات الملعب بالمشاركين الذين غلبت عليه مظاهر الفرح، وضجت أرجاؤه بأجواء احتفالية رفعت فيها شعارات مناهضة لإكواس والقوة الاستعمارية السابقة فرنسا، ومع انقضاء المهلة من دون أي مؤشرات على تدخل عسكري وشيك، بدت نيامي على طبيعتها أمس الإثنين، مع هدوء في الشوارع لا يخفي الحماسة التي لا زالت تسيطر على سكان العاصمة المؤيدين للانقلاب.

وقال الحسيني تيني إن "مجريات الأيام الماضية هي أقرب إلى عملية تحرير"، ووافقه الموظف الإداري الحسن أدامو الرأي بتأكيده أن سكان نيامي "يشعرون بأنهم باتوا أحراراً نظراً إلى الوضع الذي ساد البلاد خلال العقود الماضية".

دعم الانقلاب 

وعكس كل من استطلعت الوكالة آراءهم موقفاً مماثلاً، في وقت آثر معارضو الانقلاب عدم الإدلاء برأيهم في العلن، وأعلن المجلس العسكري تعليق العمل بالدستور ومنع التظاهرات، وقام باحتجاز بازوم وتوقيف عدد من وزرائه. لكن العسكر لم ينفذوا حملات توقيف واسعة النطاق بحق السكان.

وعلى مدى الأعوام الماضية، لم يقتنع سكان العاصمة التي تعرف بكونها معقلاً للمعارضة، بأن النظام السياسي القائم كان ديمقراطياً بالممارسة، وأعرب التاجر إسماعيل عبد الرحيم عن دعمه للعسكر "100%"، وأوضح "في ظل النظام السابق كانوا يحدّثوننا عن الديموقراطية، لكن ذلك كان مجرد حبر على ورق. لم نكن نعيش في ظل ديموقراطية، بل ديكتاتورية".

وأعمال الشغب التي اندلعت غداة فوز بازوم بالانتخابات الرئاسية عام 2021، لا تزال ماثلة في أذهال سكان العاصمة، وهي أدت إلى مقتل شخصين وتوقيف 468، كما لم ينسَ السكان الحكم على المعارض أمادو هاما بالسجن عاماً لإدانته في قضية إتجار بالأطفال، اعتبرها مجرد "مؤامرة" لإبعاده عن خوض الانتخابات.

#FPWorld: A senior US #diplomat said coup leaders in #Niger refused to allow her to meet Monday with the #WestAfrican country’s democratically elected president, whom she described as under “virtual house arrest.”https://t.co/ieZMSVVjgX

— Firstpost (@firstpost) August 8, 2023 غضب متراكم 

ووفق تصنيف لمجموعة "ذا ايكونوميست" صادر في 2022، كان نظام الرئيس المخلوع بازوم يعتبر "استبدادياً"، وشدد الحسيني تيني على أن الناس "كانوا يخشون التعبير. بمجرد أن تعبّر عن آرائك، سيتمّ استجوابك".

وتراكم الغضب على مدى الأعوام بسبب غلاء المعيشة وانعدام الأمن والفساد والطبقة السياسية، واعتبر الحسن أمادو أن هذه الأسباب "دفعت الناس للسير وراء هذا الانقلاب"، ولا يخفي سكان العاصمة انتقادهم لفرنسا القوة الاستعمارية السابقة، التي ما زالت تتمتع بنفوذ، ويعتبرون أنها دعمت بازوم وطبقة سياسية مكروهة.

واعتبر الأستاذ المتخصص بالشؤون الإفريقية في جامعة جورجتاون كين أوبالو، أن الأولوية بالنسبة للشركاء الدوليين في منطقة الساحل "كان الحد من تدفق المهاجرين ومكافحة الإرهاب، والحفاظ على نفوذهم في المنطقة"، وأضاف "الديمقراطية والتنمية الاقتصادية خضعتا بشكل كبير لتلك الأهداف".

وجعلت الدول الغربية من بازوم شريكاً موثوقاً بصبغة ديموقراطية، في منطقة غالباً ما شهدت انقلابات عسكرية. ولقي انقلاب النيجر تأييد بوركينا فاسو ومالي المجاورتين، حيث يسيطر العسكر أيضاً على الحكم بعد خطوة مماثلة.

تغيير منشود

ورأت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير، أمس الإثنين، أن "بازوم بدأ مجهوداً صادقاً لإصلاح المؤسسات وممارسات السلطة"، إلا أنها أشارت إلى أن "قدراته على تغيير الممارسات الفعلية للدولة وممثليه كانت تقيّدها الحاجة إلى الحفاظ كذلك على التوازنات السياسية، التي أوصلته إلى الحكم".

ويبقى السؤال عما إذا كان قائد المجلس العسكري الانقلابي الجنرال عبد الرحمن تشياني، الذي يعدّ مقرّباً من الرئيس السابق محمد يوسفو، هو الشخص القادر على إحلال التغيير المنشود، ووفق استطلاع أجرته شبكة "أفروبارومتر" البحثية في مارس (أذار) 2022، أعرب أكثر من نصف النيجريين عن عدم رضاهم عن وضع الديمقراطية في بلادهم، لكن 61% أكدوا أنهم يفضلونها على أشكال أخرى من الحكم.

وشدد 84% على رفضهم التام لأي شكل من أشكال الديكتاتورية، وأكد التاجر عبد الرحيم أنه "في حال بدأ العسكر يتحولون لسياسيين، سننتفض ضدهم، نحن نؤيدهم اليوم فقط لأن وجودهم هو لصالحنا، لأن حالياً، نحن الشعب هو من يقرر".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي ثريدز وتويتر محاكمة ترامب أحداث السودان مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة انقلاب النيجر إكواس دول غرب إفريقيا سکان العاصمة فی النیجر

إقرأ أيضاً:

عائلة كابيلا.. بين الثورة والاستبداد بالكونغو الديمقراطية

لعب لوران ديزيريه كابيلا دورا بارزا في تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية -التي كانت تعرف سابقا باسم زائير- باعتباره أحد أشرس المعارضين للرئيس موبوتو سيسي سيكو الذي حكم البلاد بأسلوب استبدادي منذ استيلائه على السلطة عام 1965 وحتى 1997.

كان موبوتو يسيطر على ثروات البلاد من مناجم الذهب والفضة والمعادن النفيسة، وأطلق على بلاده اسم "زائير" مؤسسا لنظام استبدادي استغل خلاله موارد الدولة لخدمة حكمه وثرائه الشخصي، في حين ظل معظم الشعب يعيش في فقر مدقع.

بدأ كابيلا نشاطه السياسي منذ أوائل الستينيات رافعا شعارات تتعلق بالعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وجذب خلفه قطاعات واسعة من الشعب الغاضب من حكم موبوتو الذي وصف بالفاسد.

لكنه لم يخض حربا مسلحة منظمة ضده إلا في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، خاصة بعد تدهور الأوضاع في المنطقة إثر حرب رواندا (1994) التي أدت إلى نزوح ملايين اللاجئين إلى شرق الكونغو، مما زاد تعقيد الصراعات الإقليمية والداخلية.

قاد كابيلا حركة مسلحة ضمن تحالف أوسع يسمى "تحالف قوى التحرير الديمقراطي" بدعم من رواندا وأوغندا، والتي كانت تسعى إلى إطاحة موبوتو بسبب مخاوف أمنية وسياسية.

إعلان

في عام 1997 نجح هذا التحالف في الإطاحة بموبوتو الذي فر إلى توغو ثم إلى المغرب حيث توفي بعد فترة قصيرة من المرض.

أعاد كابيلا تسمية البلاد بجمهورية الكونغو الديمقراطية وتولى رئاستها.

لكن حكم كابيلا لم يكن خاليا من الجدل، إذ اتُهم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان شملت إعدامات خارج نطاق القضاء، وقمع المعارضين، بالإضافة إلى إلغاء بعض المواد الدستورية التي تحمي الحريات السياسية.

كما أثار تعيين ابنه جوزيف كابيلا نائبا للرئيس انتقادات محلية ودولية، حيث اعتبرها البعض مقدمة لترسيخ حكم العائلة.

في 16 يناير/كانون الثاني 2001 اغتيل كابيلا على يد الكولونيل كايمبي نائب وزير الدفاع، والذي كان قد أقيل مع عدد من الضباط بسبب خلافات داخل الجيش تتعلق بسير الحرب الأهلية والصراعات المسلحة في شرق البلاد، خصوصا في المناطق الغنية بالموارد الطبيعية.

بعد اغتيال والده تولى جوزيف كابيلا حكم البلاد لأكثر من عقدين، مع تعزيز السلطة المركزية ومحاولات إصلاح محدودة، لكنه واجه انتقادات واسعة بسبب قضايا الفساد، واتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، واحتكار السلطة، خصوصا مع تأجيل الانتخابات وتسليم الحكم.

في يناير/كانون الثاني 2019 أعلن جوزيف كابيلا تنحيه عن الرئاسة بعد ضغوط شعبية ودولية متزايدة، وتسليم السلطة سلميا إلى الرئيس المنتخب الجديد، في خطوة نادرة بتاريخ البلاد.

رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية السابق جوزيف كابيلا الذي ورث الحكم بعد اغتيال والده (رويترز)

ورغم خروجه من السلطة فإن جوزيف كابيلا لم يتوقف عن السعي للعودة إلى المشهد السياسي، حيث يقوم بتحركات ومشاورات داخل البلاد وخارجها لتعزيز نفوذه، خصوصا من خلال حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والسلام، في ظل أجواء سياسية متوترة ومستقبل غير واضح لمسار الديمقراطية في الكونغو.

إعلان

ويبقى تأثير لوران ديزيريه كابيلا وابنه جوزيف واضحا في تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد شكلا حقبة معقدة تجمع بين مقاومة الاستبداد القديم ومحاولات إعادة بناء الدولة، لكن حكمهما تخللته صراعات داخلية وانتهاكات أثرت على استقرار البلاد وتطورها الديمقراطي، ويبقى تقييم إرثهما موضوع نقاش مستمر داخل البلاد وخارجها.

مقالات مشابهة

  • صفحات سوداء سوف يطويها التاريخ!!
  • وزير الخارجية والهجرة يلتقى مع وزيرة الخارجية بجمهورية الكونجو الديمقراطية
  • الأحمر يستعرض برباعية في شباك النيجر استعدادا للتصفيات
  • شخبوط بن نهيان يلتقي رئيس النيجر
  • برباعية.. منتخبنا الوطني يتفوّق على النيجر
  • شركات التأمين تواجه الاحتيال بسلاح الذكاء الاصطناعي: حرب تقنية على المطالبات الزائفة
  • مآخذ على المبعوث الأممي «العمامرة»..!
  • عائلة كابيلا.. بين الثورة والاستبداد بالكونغو الديمقراطية
  • زلزال بقوة 4.5 درجات يضرب جزيرة إيفيا اليونانية ويشعر به سكان أثينا
  • الكونغو الديمقراطية.. حركة أم 23 المتمردة تهجر مئات المدنيين إلى رواندا