بوابة الوفد:
2025-06-03@11:26:22 GMT

حَدَث فى «باريس»

تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT

فوجئ - بل صُدِم- المتابعون لافتتاح الأولمبياد الرياضى فى باريس عند مشاهدتهم لمحاكاة ساخرة للوحة «العشاء الأخير»، التى تعد أشهر لوحات الفنان الإيطالى ليوناردو دافنشى، وتمثل المشهد الشهير للمسيح والحواريين وهم يتشاركون وجبة أخيرة قبل الصلب، وفق العقيدة المسيحية، بمشاركة مجموعة ممثلين بينهم عارضة أزياء متحولة جنسيًا، يجسدون دور شخصيات اللوحة الشهيرة التى تعتبر أيقونة مقدسة، وتساءل كل مَن تابعوا هذا المشهد عن علاقة افتتاح حدث رياضى بحجم الأولمبياد بمثل تلك المحاكاة وما الرسالة التى يود صانعوها إيصالها للمتابعين فى كل أرجاء اليابسة؟
ورغم اعتذار المتحدثة باسم أولمبياد باريس ونفيها أن تكون النية إظهار عدم الاحترام لأى مجموعة دينية، وأن الهدف كان إظهار «التسامح المجتمعى»!! فإن المشهد أثار استنكار جميع المؤسسات الدينية بكل أطيافها، بدءًا بالكنيسة الكاثوليكية فى فرنسا وليس نهاية بالأزهر الشريف الذى أكد رفضه لكل محاولات المساس بأى نبى من أنبياء الله.


على الجهة الأخرى، فى فرنسا، التى تعتبر أحد البلدان العلمانية والتى تدافع عن حرية انتقاد الأديان استنادًا إلى القانون الفرنسى لفصل الكنيسة عن الدولة الصادر عام 1905، خرج الرئيس إيمانويل ماكرون بتغريدته: «هذه هى فرنسا» تعبيرًا عن فخره بمناخ الحرية الذى عبرت عنه مشاهد الافتتاح، لذا فما بين ما يعتبره طرف ازدراءً وما يعتبره الآخر انتصارًا للحرية يثار التساؤل عن المعنى الحقيقى للحرية.
هل الحرية تعنى أن يعتنق البعض ما يشاء وينتقد ما يشاء، وأنه لا خطوط حمراء فيما يقول أو يفعل، سواء ما هو متعلق بما يعتنقه أو ما يعتنقه الآخرون، وهل تلك الحرية تعنى أن الإنسان هو «النموذج» الذى لا توجد حدود لتقييده سواء من دين أو عرف؟؟ ألا يعد نشر مثل هذه المشاهد فى هذا المحفل العالمى نوعًا من التعدى على الآخر؟ ألا يجب محاسبة هؤلاء ولو «إنسانيًا» لما أثاروه لدى مَن يقدسون مثل هذا الرمز من إيذاء نفسى، رغم عدم محاسبته «قانونيًا» كما تقضى قوانين البلدان العلمانية؟
ألا تثير مثل تلك المشاهد الساخرة حفيظة مَن يعتنقون تلك الأديان -ولا سيما المتشددين منهم- الذين قد يقومون بردود فعل انتقامية ردًا على مثل هكذا استفزازات؟ وليس ما حدث للرسام السويدى لارس فيلكس وتعرضه لمحاولتى اغتيال بعد نشره الرسوم المسيئة للرسول الكريم ببعيد؟
إن قيم الحرية لا بد أن تحمل فى طياتها احترام الآخر بكل ما يؤمن به من قيم ومعتقدات، مع ضمان حمايته من الإيذاء المعنوى قبل الجسدى ولا بد أن يعى الجميع أن احترام الآخر لا ينفصل عن احترام ما يؤمن به، فالبون شاسع بين ما يدَّعونه من «حرية» تتضمن كل ألوان العداء والاستفزاز للآخر وما تعنيه الحرية الإنسانية فى الحقيقة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ح د ث فى باريس أنبياء الله

إقرأ أيضاً:

مصر خارج المشهد

في واحدة من لحظات السخرية الثقيلة في الإعلام المصري، قال الإعلامي أحمد موسى، المقرّب من السلطة: "هناك دول ستظهر، ودول ستختفي، ودول أخرى ستتفكك".. قالها مستعرضا ما بدا له كتحولات تهدد خصوم النظام المصري. لكن في الحقيقة أن الدولة التي باتت مرشحة للاختفاء الرمزي والجغرافي بفعل بيع أراضيها وأصولها، والتي تتآكل أركانها السياسية والاقتصادية والمعنوية، لم تكن إلا مصر نفسها.

هكذا تقول الإيكونوميست في عددها الصادر بتاريخ 29 أيار/ مايو 2025، في تقريرها الصادم: "الخاسرون في الشرق الأوسط الجديد". جاءت مصر، لا كدولة محورية أو مؤثرة، بل كواحدة من أبرز الخاسرين في معادلة إقليم يُعاد رسمه بألوان لا تملك القاهرة فرشاته، ولا حتى القدرة على الوقوف أمام لوحته.

مصر، التي كانت قلب العروبة النابض، بدت في تقرير المجلة كجسد أنهكه المرض، وكنظام لا يعرف سوى سبل الإنكار. تحوّلت من "أمّ الدنيا" إلى عجوز مسنّة منسيّة، تتنفس بصعوبة في ردهة التاريخ، تعاني من شيخوخة اقتصادية، وهشاشة سياسية، وعزلة استراتيجية خانقة.

التحولات واضحة لا تخطئها العين؛ تراجع في الحضور العربي والإقليمي، غياب القدرة على المبادرة أو الردع أو التأثير، اعتماد مفرط على التمويل الخارجي والقروض بدل السياسات الإنتاجية، انسداد سياسي داخلي يستنزف طاقة الدولة في قمع الداخل بدل بناء الخارج. ولعل الأخطر من ذلك كله، هو فقدان الرغبة في العودة
اختفت مصر التي كانت يوما تقود المنطقة، تصنع العواصم وتُسقط الملوك، وتتوسط في النزاعات، لتظهر اليوم مكانها عجوز تقف مترنحة، تراقب المشهد من خلف زجاجٍ معتم، تعاني من عجز متزايد عن التأثير، حتى في قضايا تعتبرها من "حقوقها التاريخية"، مثل الملف الفلسطيني، والسودان، وليبيا.

لم تعد القاهرة قادرة على الحركة، لا فعليا ولا مجازيا. الوساطة التي كانت لعبتها المفضلة فقدت بريقها، لم تعد الفصائل تنتظر كلمتها، ولا العواصم تسعى لرضاها. لقد انسحبت من المشهد، بوهن مخزٍ دون أن تعلن ذلك رسميا.

فالمشهد الإقليمي الآن يُعاد رسمه، لا بالدم وحده، بل بالتحالفات والمصالح والعقول. دول الخليج، مثل السعودية والإمارات وقطر، باتت تمارس أدوارا دبلوماسية متقدمة، مستفيدة من ثرواتها ورؤاها واستقرارها النسبي. تركيا تجاوزت لحظة الانكماش وعادت بثقة إلى الساحة، بينما إيران، رغم العقوبات والضغوط، فرضت نفسها لاعبا حاضرا في ملفات العراق وسوريا ولبنان، وحتى غزة. وفي هذا الزحام، اختفت مصر تدريجيا، لم تُطرد من المشهد، بل خرجت منه بمحض إرهاقها.

تقرير الإيكونوميست لا يكتفي بالرصد، بل يرسم دلالات عميقة لما يحدث. فالمكانة الإقليمية، كما يقول، ليست إرثا يُحتفظ به إلى الأبد، بل وظيفة سياسية تتطلب أدوات: اقتصاد قوي، سياسة خارجية مستقلة، شرعية داخلية مرنة، وقيادة واعية. ومصر اليوم لا تملك من ذلك إلا الذكريات، لم يبقَ من دورها سوى خطاب رسمي هش مكرّر فحواه "ما زلنا هنا"، بينما الأرض تتغيّر من تحت قدميه.

وكان الغياب في غزة: لحظة رمزية للانحدار، حين اندلع العدوان على غزة، بدت القاهرة غائبة بشكل فادح، الحدود المصرية مع غزة لم تكن بوابة فعل، بل جدار توتر، الوساطة لم تكن بيد مصر، بل تحرّكت الدوحة وأنقرة، وتسللت طهران بثقة إلى عمق المعادلات.

القاهرة، التي كانت تُمسك بخيوط الفصائل، أصبحت تنتظر على الهامش، تُناور في العلن، بينما يجري التفاوض الحقيقي في أماكن أخرى. لم تعد غزة بوابة نفوذ، بل مرآة تُظهر حجم التآكل، حجم الغياب، حجم الفقد.

ما تشير إليه المجلة، ضمنا وصراحة، أن مصر إن استمرت في هذا المسار، فهي مرشحة لأن تخرج من معادلات الشرق الأوسط الجديد. لن تُحذف من الخريطة، لكنها ستُختزل إلى رقم في التقارير، ودور شرفي في المؤتمرات.

فالتحولات واضحة لا تخطئها العين؛ تراجع في الحضور العربي والإقليمي، غياب القدرة على المبادرة أو الردع أو التأثير، اعتماد مفرط على التمويل الخارجي والقروض بدل السياسات الإنتاجية، انسداد سياسي داخلي يستنزف طاقة الدولة في قمع الداخل بدل بناء الخارج. ولعل الأخطر من ذلك كله، هو فقدان الرغبة في العودة..

إن استمر العناد والإنكار، فسيُكتب تاريخ الشرق الأوسط الجديد بلا فصل مصري، وسيتحوّل غياب مصر الكامل عن التاريخ الجديد إلى مجرد مسألة وقت، وستتحوّل "أم الدنيا" إلى سطرٍ باهت في ذاكرة الكبار
فالقيادة في مصر لا تشغلها مكانة مصر بقدر ما يشغلها البقاء على كرسي الحكم، مهما كانت النتائج والعواقب التي ستعانيها البلاد والعباد.

بلد لم يعُد يرى في ذاته مشروعا، بل صفقة للبيع لمن يدفع حتى يستطيع النظام أخذ قبلة للحياة، بلد لم يعد منه سوى تماثيل الماضي، أو استعراضات حاضر خادعة، عبر مشروعات خزعبلية لا طائل من ورائها، سوى زيادة الدين والانهيار الداخلي.

ولكن يأتي في النهاية سؤال: هل يمكن إنقاذ تلك العجوز وإعادتها إلى مكانها ومكانتها، خاصة بعد أن أصبح معلوما للجميع، مصريين أو عربا وعجما، من الذي قزّم مصر لهذا الحجم وأسقطها في هذا المستنقع؟

نعم الفرصة لا تزال ممكنة، لكنها تُصبح أقل يوما بعد يوم، الطريق بالتأكيد لن يكون عبر بيعها تحت مسمى "الاستثمارات"، ولا عبر الحملات الإعلامية التي يطلقها النظام، ولا عبر القبضة الأمنية التي تلوي عنق الشعب وتزهق روحه نفسا نفسا، بل عبر تغيير جذري شامل وإصلاح داخلي حقيقي وشجاع: اقتصاد ينبض، وسياسة تنفتح، وإعلام يعكس الواقع بدل أن يزوّره، وشعب يُمنح حقه في أن يحلم ويشارك.

أما إن استمر العناد والإنكار، فسيُكتب تاريخ الشرق الأوسط الجديد بلا فصل مصري، وسيتحوّل غياب مصر الكامل عن التاريخ الجديد إلى مجرد مسألة وقت، وستتحوّل "أم الدنيا" إلى سطرٍ باهت في ذاكرة الكبار، يتذكرونه من كتاب تاريخٍ طواه الزمن، بينما يمضي الشرق الأوسط بشكله الجديد دون أن يعرف أن تلك العجوز كانت يوما تصنع التاريخ.

مقالات مشابهة

  • محافظ أسوان: لا تهاون في الحفاظ على أراضي الدولة والتصدى بحزم لكافة التعديات
  • التواضع بين قيمة الأخلاق وحدود الكرامة
  • بتصميم مختلف.. أحدث إصدارات سامسونج تغزو الأسواق قريبا
  • مصر خارج المشهد
  • نزار قبيلات يكتب: النثر العربي القديم وتقبّل الآخر
  • الحكماء.. والفضائح العائلية
  • إسرائيل وحربها الممنهجة
  • البُعد الأخلاقي في مسيرة الابتكار الإنساني (1- 3)
  • الشغدري يدشن حركة السير في طريق صنعاء – الضالع – عدن “صور”
  • وكيل تعليم سوهاج: معاينة مقر مدرسة صلاح سالم الإعدادية بنين بعد الحريق