أفضل السياسات المناخية تضع الجزرة قبل العصا
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
مونيكا شنيتزر
جيرنوت فاجنر
من المُعترف به على نطاق واسع أن التحول إلى اقتصاد خال من الكربون يتطلب كلا من الجزرة والعصا: الحوافز والعقوبات. لكن الأمر الذي يحظى بقدر أقل من التقدير هو أهمية هذا التسلسل: الجزرة قبل العصا.
صحيح أن أهل الاقتصاد أصروا لفترة طويلة على أن السبيل الوحيد لخفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي بسرعة وعلى نطاق ضخم هو تحديد سعر لها.
في ألمانيا، حيث يمتلك 80 مليون شخص 40 مليون سيارة تعمل بإحراق البنزين والديزل، قد تبدو الضريبة المرتفعة بالقدر الكافي عقابية إلى الحد الذي يجعلها عاجزة عن اجتياز الاختبار السياسي الدقيق. تفسر هذه الحسابات أيضا لماذا تُـعَـد المركبات الكهربائية حلا بالغ الأهمية.
تكمن ميزة التكنولوجيا في الفيزياء الأساسية: تحول المركبات الكهربائية 90% من قوتها إلى مسافة، مقارنة بنحو 20% فقط لمحركات الاحتراق الداخلي. وتنطبق نِـسَـب كفاءة مماثلة عند مقارنة المضخات الحرارية بأفران الغاز، ومواقد الحث بمواقد الغاز، ومصابيح الصمام الثنائي الباعث للضوء (LED) بمصابيح الإضاءة المتوهجة القديمة. هذا المثال الأخير مفيد بشكل خاص، لأن التحول إلى مصابيح الـ LED اكتمل بالفعل غالبا.
ولأن المصابيح المتوهجة كانت غير فاعلة إلى حد مشين - حيث تحول 90% من الطاقة إلى حرارة بدلا من الضوء - فإن التحول إلى مصابيح الـ LED كان كافيا لتغطية تكاليفه عدة مرات، لكن حتى هذا التغيير القائم على الإدراك السليم كان يتطلب التنسيق لتحقيق التحول على نطاق ضخم، والتغلب على الحواجز مثل التكاليف الأولية المرتفعة وعزوف المُلّاك عن توفير مصابيح أكثر كفاءة للمستأجرين.
في الولايات المتحدة، بدأ الأمر بقانون استقلال الطاقة والأمن لعام 2007، الذي وقّعه الرئيس جورج دبليو بوش، والذي وضع معايير كفاءة جديدة لمصابيح الإضاءة المنزلية. أثار ذلك القانون الاستجابة المعهودة في حرب ثقافية، حيث تقدمت عضو الكونجرس الجمهورية ميشيل باخمان بقانون حرية اختيار المصابيح الكهربائية في عام 2008. ولحسن الحظ، لم يذهب مشروع القانون الذي قدمته إلى أي مكان، وكذا كان مصير محاولات الرئيس دونالد ترامب لإلغاء معايير الكفاءة بعد عقد من الزمن. فقد استحوذت مصابيح الـ LED بالفعل على مكانة التكنولوجيا الأفضل والأكثر كفاءة والأرخص في نهاية المطاف. لقد تغلبت الفيزياء والاقتصاد على الحروب الثقافية، واستفاد المستهلكون وكوكب الأرض نتيجة لذلك.
الآن، تتبع التحولات إلى المركبات الكهربائية، والمضخات الحرارية، ومواقد الحث، وتكنولوجيات عديدة أخرى أحدث وأفضل مسارات مماثلة وسريعة بذات القدر. وفي حين ظلت تكلفة الطاقة المولَّدة من الفحم بعد تعديلها تبعا للتضخم دون تغيير تقريبا لأكثر من 200 عام، فقد انخفضت تكاليف الطاقة الشمسية والبطاريات بأكثر من 99% في السنوات الثلاثين الأخيرة وحدها.
الواقع أن الطاقة الشمسية أصبحت الآن أرخص مصدر للكهرباء على الإطلاق -أجل، حتى عندما نضع في الحسبان حقيقة مفادها أن الشمس لا تشرق ليلا - ومن المحتم أن تزداد رخصا، فالشمس والرمال والإبداع البشري كلها عناصر وفيرة، ويُـفضي هذا إلى مزيد من اقتصاديات الحجم الضخم. ولكن كما كان الحال مع تبني مصابيح الـ LED، يتطلب النشر السريع للطاقة الشمسية التنسيق بين الأسر، والمرافق، والهيئات التنظيمية، والصناعة، وأولئك الذين يطورون التكنولوجيات الجديدة.
يتلخص الهدف النهائي في شحن المركبات الكهربائية عندما تشرق الشمس، وتشغيل غسالة الأطباق أو المساعدة في استقرار الشبكة المحلية عندما تغيب الشمس، وهذا التنسيق مطلوب أيضا لتشجيع شراء الألواح الشمسية وغيرها من التكنولوجيات في المقام الأول، فعندما أطلقت ألمانيا خطتها الطموحة للتحول في مجال الطاقة في عام 2011، ساعدت رسوم الإمداد بالطاقة وغيرها من إعانات الدعم مصنعي الألواح الشمسية على تسلق منحنى التعلم ودفع التكاليف إلى الانخفاض، لكن مُصنّعي الطاقة الشمسية انتقلوا بعد ذلك إلى الصين، الأمر الذي أدى إلى خفض التكاليف بدرجة أكبر لكنه أضر بالقوى العاملة الألمانية.
والآن، قد تؤدي إعانات الدعم الضخمة الجديدة في الولايات المتحدة بموجب قانون خفض التضخم إلى دفع مزيد من شركات التكنولوجيا النظيفة الأوروبية إلى البحث عن شواطئ أكثر اخضرارا، هذه المرة عبر الأطلسي.
إن الاستجابة المناسبة لهذه التطورات ليست التخلي عن التكنولوجيات الأحدث والأكثر كفاءة. بل يجب أن تتمثّل الاستجابة في إيجاد طرق أخرى لتصنيعها ونشرها في الداخل.
الواقع أن الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على مبيعات السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي اعتبارا من عام 2035 من شأنه أن يساعد، وكذا الضغط المنسق لدعم تبني المضخات الحرارية، ولا شك أن التراجع عن هذه السياسات سيكون خطأ كبيرا، وسوف يكون لزاما على الأوروبيين ابتكار حلول إبداعية لدعم إنتاج وتبني تكنولوجيات نظيفة.
تشكل إصلاحات سوق الكهرباء التي تكافئ توليد الطاقة المنخفضة الكربون وبالتالي تمرير أسعار الطاقة الشمسية المنخفضة إلى المستهلكين بداية طيبة، وفي التعامل مع المركبات الكهربائية ومضخات الحرارة وغيرها من المنتجات الأكثر كفاءة، يجب أن تكون جداول التحول المستهدفة جزءا من الحزمة؛ فهي توفر اليقين الاستثماري وتوجِد التوازن بين الجزرة والعصا.
على سبيل المثال، حظرت ولاية نيويورك توصيل الغاز إلى معظم المباني الجديدة (وهو الإجراء الذي لم تُـقِـرّه ألمانيا بعد)، وبالتالي الحد تدريجيا من اعتمادها على أحد مصادر الوقود الأحفوري مع عدم فرض الضرائب عليه.
على نحو مماثل، أقرت الآن ولاية مينيسوتا، تحت قيادة الحاكم تيم والز، المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس، قانونا يُلزم المرافق العامة بتحقيق مستوى من الكهرباء الخالية من الكربون يصل إلى 60% إلى 80% من احتياجاتها بحلول عام 2030، و100% بحلول عام 2040، ارتفاعا من نحو 50% اليوم.
يُـنَـفَّذ هذا القانون بمعيار حافظة الطاقة المتجددة المرنة، لكنه يظل يمثل العصا إلى حد كبير، أما الجزرة فتتمثل في 2 مليار دولار من إعانات دعم الطاقة النظيفة، كجزء من خطة العمل الشاملة في الولاية. ولكن لا تسير كل الأمور بذات القدر من السلاسة؛ فبرغم أن خطة حاكمة نيويورك كاثي هوشول التي طال انتظارها لتقديم تسعير الازدحام في مدينة نيويورك كانت لتمول الاستثمارات المطلوبة بشدة في مجال النقل العام، فقد اعتُبِرت بمثابة وضع العصا قبل الجزرة.
في النهاية، خضعت هوشول للضغوط السياسية وتخلت عن الخطة في اللحظة الأخيرة.
تواجه الولايات المتحدة تساؤلات أعرض تتعلق بالتسلسل الآن بعد أن أثبتت إعانات دعم عديدة بموجب قانون خفض التضخم شعبيتها الشديدة، فمتى يكون الوقت المناسب لإتباع الجزرة بالعصا؟ إن انتهاء العمل بالتخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب لصالح الأثرياء في العام المقبل قد يُنظَر إليه باعتباره فرصة للبدء أخيرا في تسعير الكربون، ولكن بطبيعة الحال، كل شيء سوف يعتمد على نتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.
مونيكا شنيتزر رئيسة قسم الاقتصاد المقارن في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ ورئيسة المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين.
جيرنوت فاجنر خبير اقتصادي في مجال المناخ في كلية كولومبيا للأعمال، هو مؤلف كتاب الهندسة الجيولوجية: المقامرة.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المرکبات الکهربائیة الطاقة الشمسیة
إقرأ أيضاً:
وزيرا الكهرباء والبترول يؤكدان على خطة عمل لتوفير الوقود لتأمين التغذية الكهربائية
أكد الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، التنسيق الدائم والتكامل والتعاون المستمر بين الجهات المعنية، لاسيما وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، ووزارة البترول والثروة المعدنية، موضحا المتابعة المستمرة والدائمة من الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وذلك لتأمين استمرارية التيار الكهربائي وتحسين جودة التغذية الكهربائية وخاصة خلال الفترة الحالية، والتي تشهد زيادة في الطلب على الطاقة الكهربائية وارتفاع في الأحمال مع ارتفاع درجات الحرارة.
جاء ذلك خلال استقباله للمهندس كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية، اليوم /الاثنين، بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية، لبحث ومراجعة خطة العمل في إطار المتغيرات والاستعدادات الدائمة للوفاء بمتطلبات زيادة الطلب على الطاقة خلال المرحلة الحالية، والتي تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة وزيادة الأحمال الكهربائية.
واستعرض الوزيران، خلال اللقاء، خطة العمل على مستوى قطاعي الكهرباء والبترول، وتمت مراجعة الاستعدادات المتكاملة بين الوزارتين، والإجراءات الديناميكية، والبدائل في إطار التنسيق المستمر لتحقيق الأهداف المرجوة وتحسين جودة التغذية الكهربائية وتحقيق الاستقرار للشبكة الموحدة على مدار اليوم، لاسيما خلال فترات الذروة وزيادة الأحمال وارتفاع درجات الحرارة.
كما تناول اللقاء مؤشرات الزيادة في الطلب على الطاقة قياسا بالأحمال القصوى خلال العام الماضي، والرصد الدائم والمستمر للمؤشرات خلال الفترة المقبلة من قبل لجان العمل المشتركة لتوفير الوقود اللازم لاستمرار عمل محطات إنتاج الكهرباء.
وتطرق اللقاء، إلى جهود قطاع الكهرباء خلال الفترة الماضية على صعيد تغيير نمط التشغيل وزيادة العائد على وحدة الوقود المستخدم وخفض استهلاك الوقود التقليدي وتحسين معدلات الأداء وكفاءة الطاقة وزيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة، وإضافة 2000 ميجاوات من الطاقات المتجددة إلى الشبكة الموحدة قبل الصيف الحالي.
وأشار إلى استمرار العمل في إطار الاستراتيجية الوطنية للطاقة وتنويع مصادر توليد الكهرباء والاعتماد على الطاقات المتجددة وتعظيم عوائدها باستخدام تقنيات تخزين الطاقة والتوسع في إقامة محطات التخزين المتصلة والمنفصلة لتحقيق الاستقرار للشبكة الكهربائية في أوقات الذروة، موضحاً استمرار العمل في إطار الخطة الحالية وتغيير نمط التشغيل وخفض استهلاك الوقود، والوصول بمعدلات الاستهلاك إلى أقل من 65 جرام وقود مكافئ لكل كيلووات، موضحا تحسين جودة الخدمة ورفع كفاءة منظومة الطاقة والارتقاء بمعدلات أداء وتشغيل الشركات التابعة، واستقرار التغذية الكهربائية وتلبية كافة الاحتياجات من الكهرباء.
من جانبه.. أكد المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية أن هذا اللقاء يأتي في إطار التواصل المستمر واللقاءات المتوالية والعمل الحكومي التكاملي والتنسيق بين الوزارتين في مجال الطاقة بوجه عام وتوفير احتياجات محطات توليد الكهرباء من الوقود في إطار المستجدات، مستعرضاً الإجراءات التي اتخذها قطاع البترول لتوفير احتياجات قطاع الكهرباء من الغاز والمازوت، وكذلك العمل على توفير المازوت اللازم وفقاً لاحتياجات محطات الكهرباء التي تحددها وزارة الكهرباء مسبقاً، موجها الشكر لفريق العمل في الوزارتين على الجهود المبذولة، والتنسيق المستمر على مدار اليوم والعمل على وضع سيناريوهات استباقية للتعامل وتوفير الوقود اللازم مع ارتفاع دراجات الحرارة بشكل غير معتاد خلال أشهر الصيف.
وأشاد بدوي بالتعاون والتكامل بين الوزارتين لتحقيق الأهداف المنشودة وتحسين جودة الخدمات المقدمة.
اقرأ أيضاًالبترول: حفر 11 بئرًا جديدًا لإنتاج 160 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي
وزير الكهرباء يبحث مع كبرى الشركات الصينية نقل تكنولوجيا الطاقة المتجددة إلى مصر
وزير الكهرباء يبحث مع «شركة صينية» إنشاء مصنع لبطاريات تخزين الطاقة في مصر