أهمية إعلان المبادئ لوقف حرب السُودان
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
أهمية إعلان المبادئ لوقف حرب السُودان
د.الشفيع خضر سعيد
رحبنا في المقالين السابقين بالدعوة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي لعقد لقاء بين قيادات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جنيف، في منتصف الشهر الجاري بهدف بحث إمكانية الاتفاق على وقف لإطلاق النار طويل الأمد في البلاد، وهو ما يتماشى ورغبات كل السودانيين جميعا، إلا تجار وسماسرة الحرب الذين يزكّون نيرانها سعيا وراء السلطة والجاه والمصلحة الخاصة الدنيئة على حساب مصلحة الوطن.
وأشرت في مقالي السابق إلى أن طلب قائد الجيش السوداني إجراء لقاءات تشاورية مع الولايات المتحدة قبل لقاء جنيف المقترح، هو طلب مشروع، بل وضروري. فنجاح أي لقاء أو حوار أو تفاوض بين أطراف متصارعة، عسكريا أو سلميا، يتطلب أن تسبقه مشاورات واسعة يجريها الوسيط مع هذه الأطراف، يتم فيها الاتفاق على طبيعة اللقاء وأهدافه وكيفية إدارته وجدول أعماله ومستوى الوفود المشاركة…الخ.
أضف إلى ذلك، بالنسبة للقاء جنيف المقترح، أهمية بل اشتراط، التشاور حول المراقبين، مصر والإمارات، من حيث قبول الطرفين لهما ودورهما في اللقاء. أيضا، أهمية الوضوح التام حول علاقة لقاء جنيف بمنبر جدة وما وقع فيه من اتفاق.
وقلنا رغم أن الجانب الأمريكي أشار إلى أنه ظل في تشاور مع الطرفين، وأن تحديد موعد ومكان اللقاء لم يكن مفاجئا لأي منهما، إلا أن محاولات المبعوث الأمريكي زيارة بورتسودان تؤكد أن ذلك التشاور لم يكن كافيا، والذي ربما كان عبر الرسائل والاتصالات الهاتفية، وأن الأمر يتطلب لقاء مباشرا بين الجانبين. ونضيف إلى ذلك سببا آخر، وهام جدا، يعزز من ضرورة اللقاء التشاوري قبل لقاء جنيف المقترح، وهو ضرورة بناء الثقة بين الوسيط، الولايات المتحدة الأمريكية، وكل من الطرفين المتحاربين، وأعتقد لن يختلف اثنان في اهتزاز هذه الثقة خاصة بين القيادة في بورتسودان والوسيط.
واختتمت مقالي السابق بالقول إذا كان الجانب الأمريكي يعتقد بوجاهة موقفه وله ما يبرر إصراره بأن يجتمع مع قيادات الجيش السوداني في مطار بورتسودان ولا يدخل المدينة وذلك لدواع أمنية، فإني أرى أن رفض هذه القيادات لهذا الموقف أيضا له ما يبرره لعدة اعتبارات. وأشرت إلى إمكانية تخطي هذه العقبة بأكثر من طريقة، ومنها عقد الاجتماع في دولة أخرى يقبلها الطرفان، السوداني والأمريكي. وأرى أن اختيار جدة موفق جدا بإعتبار الربط الضروري بين منبر جدة وجنيف.
رغم أن السودانيين يترقبون لقاء جنيف بقلق متزايد ويلهثون بالدعاء عله ينجح في وقف القتال، إلا أن المنطق والتجربة يقولان بأن هذا الهدف لن يتحقق بضربة لازب أو من جولة واحدة، رغم أمنياتنا أن يتحقق ذلك، ولكن يظل العشم أن ينجح هذا اللقاء، على الأقل في وقف الاقتتال لأطول مدة ممكنة، بما يسمح بالعمل على إنقاذ حياة السودانيين عبر توفير العون الإنساني وتأمين ممرات إنسانية لمدهم بالغذاء والدواء وضروريات الحياة.
هذه هي الأولوية القصوى التي يجب أن تركز كل الجهود حيالها اليوم، مع التشديد مرة أخرى على أن هذا الملف الإنساني لا يقبل التسييس ولا المساومة به. وغض النظر عن نتائج اللقاء المقترح، إذا تم، فأرى بضرورة تقارب الجولات التالية وتسريع وتيرتها، ولكن الأهم من ذلك أن تستند كل العملية إلى إعلان مبادئ يتم التشاور حوله مع القوى السياسية والمدنية السودانية.
كما أشرنا في مقال سابق، سبتمبر/2023، لم تنجح مبادرة الإيقاد في إيقاف الحرب في جنوب السودان إلا بعد أن انتظمت المفاوضات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة الإنقاذ على أساس إعلان مبادئ الإيقاد في 20 مايو/1994.
صحيح أن إعلان مبادئ الإيقاد صاغتها دول الإيقاد وقدمتها جاهزة إلى الطرفين ليوقعا عليها، لكن لابد من التشديد على أن تلك المبادئ لم تكن من وحي بنات أفكار علماء السياسة الدوليين والإقليميين، بقدر ما كانت إعادة صياغة وترتيب للأطروحات المتناثرة في أدبيات الحركة السياسية السودانية، وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان. واليوم، نحتاج إلى إعلان مبادئ يوجه ويحكم العملية التفاوضية لوقف الحرب ووضع أسس عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة أو العودة لذات أوضاع ما قبل الحرب.
دائما تظل قناعتي الراسخة أن القوى المدنية والسياسية السودانية هي وحدها المؤهلة لاجتراح هذا الإعلان. وأيضا دائما تظل الأولوية الآن هي لإسكات البندقية ودعاوى التسليح الأهلي، وخلق ممرات آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية، وخروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين، ووقف الاعتقالات السياسية من قبل الطرفين، وإطلاق سراح من تم إعتقالهم.
ومرة أخرى، نحن نفرق بين وقف الاقتتال ووقف الحرب. فبينما وقف إطلاق النار والاقتتال هو من صميم واجب الطرفين المتقاتلين، فإنه ليس في مقدورهما، ولا ينبغي لهما، التصدي لوقف الحرب بمعنى الانخراط في العملية السياسية، إلا إذا كنا نود إعادة إنتاج أسباب الحرب.
فوقف الحرب، ويشمل تصميم وقيادة العملية السياسية، هو مهمة القوى السياسية والمدنية السودانية. ومن هنا وجوب انتظام كل الكتل والتنظيمات والأفراد والمجموعات السودانية الرافضة للحرب في نشاط عملي، وفق برنامج عمل مركز متوافق عليه، يغطي المجالات السياسية والإنسانية، ويعمل على خلق آليات للتنسيق مع الجهود الدولية والإقليمية، من أجل الضغط المتواصل على طرفي القتال لوقف دائم للأعمال العدائية.
وفي نفس الوقت يعمل البرنامج على إرساء أسس الفترة الانتقالية لما بعد الحرب. إن أي تقاعس عن العمل المشترك ضد الحرب لا يقل جرما عن جريمة إشعالها.
وفي ذات السياق، صحيح أن مبادرات المجتمع الدولي والإقليمي لفرض وقف إطلاق النار وحل الأزمة السودانية تلعب دورا مطلوبا وأساسيا، ولكنه يظل العامل المساعد وليس الرئيسي الحاسم. فقضية شعب السودان لا يمكن حلها من خارجه أو بالإنابة عنه من قبل المجتمع الدولي.
١٢ أغسطس ٢٠٢٤
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
لقاء حواري يناقش تطوير خدمات الاتصالات وسبل التصدي للاحتيال الإلكتروني
◄ السالمي لـ"الرؤية": صدور أنظمة وقوانين قريبًا لتحسين القدرات الدفاعية الإلكترونية
◄ الاحتيال الإلكتروني المدعوم بالذكاء الاصطناعي أخطر تحدٍ في المرحلة الراهنة
الرؤية- سارة العبرية
تصوير- راشد الكندي
نظّمت هيئة تنظيم الاتصالات، الأحد، لقاءً حواريًا مع المنتفعين ضمن مبادرة "حوار بنّاء"، لبحث ظاهرة الاحتيال الإلكتروني وتحديات مشاركة الشبكات غير المرخصة، وذلك في إطار جهود الهيئة لتعزيز الحوار المباشر مع المجتمع.
وقدم راشد بن سالم السالمي الرئيس التنفيذي لشركة إنسايت للأمن المعلوماتي، عرضا تحدث فيه عن هجمات الاحتيال المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لافتا إلى أن أكثر الهجمات تستهدف الأفراد والمؤسسات بهدف الاحتيال وجمع البيانات، مع زيادة في رسائل التحايل بنسبة تصل إلى نحو 49% بحلول عام 2025 مقارنة بعام 2021.
وأضاف السالمي- في تصريحات لـ"الرؤية"- أن آليات الاستهداف ومجالات الانتحال تشمل المعاملات المالية والمصرفية والخدمات العامة، والتطبيقات الإلكترونية، إضافة إلى خدمات الاتصالات، مبينًا أن من بين الحلول المطروحة وآليات الحماية: رصد وتحليل سلوك الذكاء الاصطناعي، واستخدام أدوات متخصصة في كشف التزييف العميق، إلى جانب المصادقة الصارمة للمحتوى الصوتي والمرئي وتدريب المستخدمين على مخاطر الاحتيال باستخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك لتعزيز بيئة رقمية أكثر أمانًا.
وأوضح: "لاحظنا زيادة كبيرة في عدد محاولات الاحتيال الإلكتروني على المستوى الدولي تصل بنسبة 50% خلال الأربع السنوات الماضية، وهذه الهجمات مدعومة بالذكاء الاصطناعي؛ فالذكاء الاصطناعي غيّر هذا المجال وأثر كثيرًا على الإمكانات الحماية، ونتوقع في الفترة المقبلة صدور بعض الأنظمة والقوانين ومعالجة بعض المسائل التنظيمية لتحسين قدراتنا في الدفاع ضد هذا النوع من الهجمات".
وأكد السالمي أن الوعي المجتمعي يُعد عنصرًا أساسيًا وحاسمًا في المرحلة الراهنة لحماية الأفراد والمؤسسات من الاحتيال الإلكتروني، ولا سيما الاحتيال المدعوم بالذكاء الاصطناعي، موضحًا أن هذه الأساليب تعتمد على التواصل المباشر مع المؤسسات واستغلال نقاط الضعف لدى بعض الأفراد كمدخل لتنفيذ عمليات الاحتيال.
من جانيه، قال المهندس أحمد بن حسن الهدابي المدير التنفيذي للتخطيط الاستراتيجي بهيئة تنظيم الاتصالات، إن أنماط الاحتيال الإلكتروني تتعدد وتشمل الرسائل النصية والروابط الإلكترونية وتطبيقات التجارة الإلكترونية، مؤكّدًا أن العنصر الأهم في مواجهة هذه التهديدات يتمثل في توعية المستخدمين بهذه الأساليب، ورفع مستوى الوعي بكيفية الاستخدام الآمن للتطبيقات، وضرورة عدم مشاركة البيانات الشخصية مع أي تطبيقات غير موثوقة؛ بما يسهم في الحد من المخاطر المرتبطة بها.
وذكر الهدابي أن التطور المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي أسهم في زيادة مخاطر الاحتيال الإلكتروني، من خلال ما توفره بعض التطبيقات من سرعة في معالجة البيانات والاعتماد على مصادر متعددة لتحليلها، معربًا عن أمله في أن يسهم هذا اللقاء الحواري في الوصول إلى فهم مشترك لطبيعة هذه المخاطر، ووضع معالجات مناسبة من شأنها الحد من خطورة أنماط الاحتيال الإلكتروني بمختلف أشكالها.
وتناول اللقاء مشاركة الشبكات غير المرخصة، بدءًا من وضوح التعريفات القانونية لهذه الممارسات، مرورًا بمدى كفاية العقوبات والغرامات الحالية، ووصولًا إلى المخاطر الأمنية التي تنتج عنها وما قد تتيحه من بيئة لتمرير الجرائم الإلكترونية، كما تطرّق المشاركون كذلك إلى تأثير هذه الشبكات على جودة خدمات الاتصالات.
وتناول اللقاء الجرائم الإلكترونية وطرق الاحتيال الحديثة، مستعرضًا الأساليب التي يلجأ إليها المحتالون للحصول على البيانات أو خداع المستخدم، ومناقشة الأنماط المتوقعة مستقبلًا في ظل تطور أدوات الجريمة الرقمية، كما ناقش الحضور جاهزية الجهات المعنية للتعامل مع هذه الحالات، وفاعلية الأطر التنظيمية الحالية في سد الثغرات التي قد يستغلها المحتالون.
وتضمن اللقاء كذلك أساليب الوقاية ومستوى الوعي المجتمعي؛ حيث ناقش المشاركون قدرة الوعي الرقمي السائد على الحد من ضحايا الاحتيال، وما إذا كانت هناك فجوات حقيقية في الثقافة الأمنية لدى المستخدمين.
واختُتم اللقاء بعرض خلاصة للنقاشات والمقترحات، في سياق سعي هيئة تنظيم الاتصالات إلى بناء بيئة اتصالات أكثر أمنًا وثقة، وتحسين جودة الخدمات عبر إشراك المجتمع في صياغة الحلول التنظيمية والرقابية.
ويأتي هذا اللقاء ضمن جهود هيئة تنظيم الاتصالات لتعزيز التواصل المباشر مع الجمهور وفهم آرائهم حول أبرز التحديات التي تواجه المستخدمين، وبحث المقترحات التي تسهم في تحسين جودة الخدمات، وتوفير بيئة اتصالات أكثر أمنًا وثقة.