لجريدة عمان:
2025-05-10@21:31:33 GMT

أنسنة .. تجلّيات السهل الممتنع

تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT

لا أدري لماذا أستحضر الشاعر أحمد الصافي النجفي (1897-1977) كلّما أقرأ نصًّا للشاعر حيدر الخفاجي؟ فكلاهما يركّز على الفكرة، ويعتمد على المفارقة، ويكتب بلغة يومية متداولة، وتعبير بسيط هو أقرب ما يكون لـ(السهل الممتنع)، وكذلك غرابة الموضوعات، وربما هذا هو السبب الذي جعل الخفاجي يتردّد طويلًا بنشر ديوانه الأوّل، رغم أنه يكتب منذ ثمانينيات القرن الماضي، ففي تلك السنوات عرفته، شاعرًا غزير النتاج، مليئًا بالنشاط والحيوية، وكان يضع المثّلثات والدوائر الهندسيّة خلف ظهره في كلية الهندسة التي يدرس فيها، ويأتي إلى كلية الآداب بجامعة بغداد، يقوده هوس كتابة الشعر، ليلقي على مسامعنا ما جادت قريحته من قصائد غالبا ما تمتاز بقوة الفكرة وبساطتها المعجونة بعمق يثير دهشتنا، كقصيدته (أحزان رجل مربع)، التي كان جمهور الطلبة يطلبها منه كلما ارتقى منصّة، ومرّت السنوات، تخرّجنا من الجامعة وخرجنا من البلاد، وتفرّقنا، وظلّ حيدر الخفاجي يبحث تحت كل نجمة عن صديق قديم أضاع أثره، ليتواصل معه، بحميميّته المعروفة، ورغم أنه صار مهندسا يشار إليه بالبنان، يدير مشروعات كبرى لبنايات وفلل، لكن شيطان الشعر لم ينقطع عن زيارته، وكنت أستغرب تأخّره عن جمع نصوصه في ديوان، وكان يقول: لم يحن الوقت بعد! وفي زيارتي الأخيرة لعمّان التي يقيم فيها منذ حوالي عشرين سنة، أهداني نسخة من ديوانه (أنسنة)، الذي صدر مؤخرا عن دار الشؤون الثقافية ببغداد، وقد ضمّ نصوصا كتبها في سنوات متفرقة، ابتداء من الثمانينيات، ولم يتردّد في نشر نص كتبه عام ١٩٨٦ ويليه نص كتبه العام الجاري، ويعقبه بنص كتبه في التسعينيات، وقد لا تجد فروقات كثيرة في النصوص، فهو يكتب على وتيرة شكّلت طابعا تميّز به، وهذا ليس مستغربا، ففي الشعر، قد يدهشنا نصٌّ كتبه شاعر في شبابه، فيما نمرّ بنص آخر كتبه الشاعر نفسه بعد سنوات من الخبرة والنضج مرور الكرام!

وجاء العنوان (أنسنة) مختزلا، مقتضبا يحيلنا إلى أنسنة الأشياء من جمادات، وكائنات، فيضفي عليها الشاعر من إحساسه، فتنطق وتتحرك وتتقمص روحه، فيلصق سماته فيها، ففي قصيدة (هكذا مات الكرسي) يتحدث عن كرسي صبور مركون بزاوية في غرفة مشلول عن الحركة، يُستخدم في المآتم والأعراس، وفي غرف التحقيق، هذا الكرسيّ يحاول أن يفهم ما يجري حوله ويتساءل:

ولماذا يتقاتل أبناء الشعب على كرسي المنصب

في كل صباح ومساء

ولماذا يجلس فوق الكرسي على المنبر

من لا يملك أخلاق الفقهاء؟»

وفي نهاية القصيدة يموت الكرسي، ومن المحزن أن مأتمه لم يحضره أحد كما يموت (ملايين الغرباء)، وهنا يكمن جوهر النص، ورسالته، فالغربة تبسط نفوذها على روح الشاعر، ولكنه يبحث عن ممرّات يسرّب من خلالها أحاسيسه، وهذه الممرّات تأتي على شكل شظايا ذائبة في نصوصه:

المحطّات للغرباء بيوت

فيها نعيش وفيها نموت

المحطّات للغرباء وطن

كل القطارات واقفة كي يمرّ قطار الزمن

وفي قصيدته (مكاشفات الطاولة العجوز) يعقد حوارا بينه وبين طاولة تشكو من الوحدة: حينَ اتكأتُ على الطاوِلةْ

جَفَلَتْ .

. ثمَّ قالَتْ تَعِبْتُ مِنَ الوَحدةِ القاتِلةْ

ويحاول الخفّاجي أن يصنع مشهدا بصريا، متأثرا بالفن التشكيلي الذي يُدرج ضمن اهتماماته، متكئا على حسّ المفارقة، وتقنية التكرار:

النخلةُ قالتْ للنَخلَةِ لنْ أحمِلَ تَمرا هذا العامْ

أخشى أنْ يتفَجَّرَ جِسمُ (الصاعودِ)

وأشارت لطوابيرِ الشُهداءْ

النحلةُ قالتْ للنحلةِ همْسا

لا تَثقي أبدا بالغُرّباءْ

وفي قصيدة «الرجل الذي تحولَ إلى قلمِ رصاصْ»، يكتب نصا على لسان قلم رصاص مشيرا في النهاية إلى قوة الكلمة وتأثيرها، ويصغي إلى صمت الشبابيك في قصيدته (شبابيك) وثباتها رغم تبدّل الأحوال:

الشبابيكُ شاهدةُ صامتةْ

الشبابيكُ أرجوحةُ (الفاخِتةْ)

الشبابيكُ رُغمَ تغيُّرِ أوضاعِها ثابتةْ

والملاحظ أنه يعتني بعناوين قصائده، ويشتغل عليها، ويختزل فيها فكرة النص، كعنوان قصيدته «محاولات فاشِلةٌ للتخلّص مِنْ الجُثةِ المجهولة»، التي يجنح فيها إلى السرد، فيتحدّث عن جثّة أكبر من التابوت، يحتار فيها الدفّان، ويحاول أن يبذل محاولات لدفنها، فيطوي القدمين ويدير الرأس إلى الخلف، بل تطرأ على باله فكرة أن يقطع الفائض عن القبر بالفأس، أو حرق الجثة وذرّ الرماد في الأرض، وفي النهاية يتوصّل إلى نتيجة مؤلمة أن الجثة بلا أبعاد لأنها جثة إنسان بعيد عن وطنه:

«قالَ الدفّانُ: تُرى هلْ أخطأنا في أَبعادِ الحُفرةِ والتابوتْ؟

أمْ أنَّ الإنسانَ يصيرُ بلا أبعادٍ في المَنفى حتّى يتلاشى ويموتْ؟»

وكم كنت أتمنى من الشاعر تكثيف النص، وضغط الأجزاء، لكي لا يفقد النص وهجه، خلال رسمه قسوة المشهد و(فانتازيته) وصولًا للخاتمة التي يكمن فيها مغزى النص، وهذا ينطبق على نصوص أخرى عديدة، فالشاعر حيدر الخفاجي يسترسل في السرد، ويفصّل في الأجزاء، حتى تأتي الخاتمة التي غالبا ما تنطوي على شيء من المفارقة، التي صارت ميزة لتجلّيات الخفّاجي في سهله الممتنع.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حالات يحرم فيها الزواج.. أمين الفتوى يوضح التفاصيل

أجاب الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال حول استمرار الزوجة في الحياة الزوجية مع رجل لا يصرف على بيته، ولا يحسن معاملة زوجته، ويقصر في حقوقه الأسرية، بدعوى الحفاظ على الأبناء.

وقال فى تصريح له إن الزواج ليس مباحًا دائمًا في كل الأحوال، بل قد يأخذ أحكامًا تكليفية مختلفة تصل إلى حد التحريم، إذا علم الرجل يقينًا أنه غير قادر على تحمل مسؤولية الزواج ورعاية الأسرة.

وأوضح أن"قديماً كانت المروءة أساس الحياة، أما اليوم فقد قلّت للأسف هذه المعاني، رغم أن الخير ما زال في أمة النبي ﷺ إلى يوم القيامة".

وأشار إلى أن الأصل في الزواج أن يكون الرجل قادرًا بدنيًا ونفسيًا واقتصاديًا على القيام بواجباته تجاه زوجته وأسرته.



وبين أن من يتزوج وهو غير مستعد لتحمل تبعات الزواج، سواء لمرض، أو فقر مدقع، أو عدم نضج نفس– ثم يُهمل زوجته وأسرته، فإن زواجه محرم شرعًا، لأنه يعرّض المرأة للضرر والفتن ويظلمها ظلمًا بيّنًا.

وأضاف: "فإذا كان الشاب يعلم من نفسه أنه غير قادر على التكسب والإنفاق، ولا على تحمل مسؤوليات الأسرة، فليتجنب الزواج، ولا يظلم الفتاة التى يتزوجها ثم يهملها".

أما فيما يتعلق باستمرار الزوجة مع هذا النوع من الأزواج، فقال: إن القرار النهائي يعود للزوجة، ولكن بعد استنفاد جميع وسائل الإصلاح، بدءًا من التحكيم بين الأهلين، والتوجيه والنصح والوعظ، وإن لم يفلح ذلك فلا حرج من الانفصال، لقوله الله تعالى: "وإن يتفرقا يُغنِ الله كلاً من سعته".

حقوق المرأة المطلقة في الإسلام قبل الدخول وبعد الزفاف.. تعرف عليهابعد أزمة بوسي شلبي .. هل يقع الطلاق الغيابي؟.. الإفتاء تجيباحذر.. عبادة ذكرت في القرآن تؤدي بك لكارثة وهلاك12 ركعة واظب عليها النبي وتبني لك بيتًا في الجنة.. لا تفوت أجرهاكيف أتعامل مع أبي الذي يهين أمي دائما؟

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما هي كيفية تعامل الأولاد مع أبيهم الذي يهين أمهم؟ فوالدي رجل عصبي، ودائمًا نراه يتطاول على والدتي ويسيء إليها على أقل الأسباب أمامي أنا وإخوتي جميعًا، مما يجعلنا في بعض الأحيان نسيء التعامل معه ونقصر في البر والإحسان إليه، فما الحكم في ذلك، وماذا نصنع تجاهه؟.

وقالت إن الأب له حق البر والإحسان في جميع الأحوال، ولا يسقط هذا الحق بإساءته، أو سوء تصرفاته مع الأم، وعلى الأولاد توجيه النصح إليه بالمعروف، وأن يختاروا لذلك الوقت المناسب والأسلوب اللائق، مع الدعاء له بالصلاح والهداية، وإن تعذر عليهم ذلك فيمكنهم اللجوء إلى أهل الخير والصلاح من الأقارب أو غيرهم؛ لرده عن سوء تصرفه.

طباعة شارك استمرار الزوجة في الحياة الزوجية مع رجل لا يصرف على بيته الحالات التى يحرم فيها الزواج كيف أتعامل مع أبي الذي يهين أمي دائما الإفتاء

مقالات مشابهة

  • بعد تألقه في مسلسل "النص".. ميشيل ميلاد يكشف عن تفاصيل بداياته الفنية
  • علامات فارقة في الشعر العربي الحديث ضمن كتاب جديد صادر عن الهيئة السورية للكتاب
  • فلسطين في القلب والهوية في القلم.. سيرة صلاح جرار بين المقاومة والعلم
  • في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر
  • الصول: الدبيبة يتاجر بالقضية الليبية من أجل الكرسي والمال
  • برقية تهنئة من الملك محمد السادس إلى البابا ليو الرابع عشر بمناسبة انتخابه لاعتلاء الكرسي البابوي
  • «الصول»: الدبيبة يتاجر بالقضية الليبية من أجل الكرسي والمال.. وسيلاحقة القانون
  • استمرار نجاح "يا خسارة" لبسمة بوسيل يرسّخ مكانة عمرو المصري في الساحة الغنائية.. ومصطفى قمر يدخل على الخط بـ 3 أغنيات جديدة
  • المرشود: أسعار التذاكر في كثير من المباريات فيها جشع
  • حالات يحرم فيها الزواج.. أمين الفتوى يوضح التفاصيل