خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
مكة المكرمة
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ياسر الدوسري المسلمين بتقوى الله سبحانه وتعالى بالإكثار من الطاعات لنيل رضوانه عز وجل ومراقبته في السر والعلن.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام إن للعلمِ في الإسلامِ منزلةً عُظمى، ومرتبةً كُبرى، يبلغُ العبدُ بهِ منازلَ الأبرارِ، في جناتٍ تجري منْ تحتهَا الأنهارُ، قالَ تعالى: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ}، فالعلمُ أفضلُ ما أُفنيتْ فيهِ الأعمارُ، وأُنفقتْ فيهِ الأموالُ، فهو الطريقُ إلى معرفةِ اللهِ وخشيتِهِ، وتعظيمِهِ ومخافتِهِ، قالَ تَعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، ولكلِّ ساعٍ إلى النجاةِ وصولٌ، وإنَّما الوصولُ إحكامُ العَملِ بأحكامِ العِلْمِ المنقولِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ».
وأشار إلى أنَّ العلمَ حياةُ القلوبِ، ونورُ البصائرِ والعقولُ، بهِ يُطاعُ الله ويُعبدُ، ويُذكرُ ويحمدُ، وبهِ توصلُ الأرحامُ، ويُعرفُ الحلالُ منَ الحرامِ، طلبُه قُربةٌ، وبذلهُ صدقةٌ، ومدارستُهُ عبادةٌ، ولذا جاءتْ نصوصُ الوحيين متضافرةً في بيانِ فضلِهِ، وما أُعدَّ لأهلِهِ، قالَ تَعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وعن مُعَاوِيَةَ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
وأكد أن العِلمَ بالكتابِ والسنةِ هو الأصلُ الذي تُبنى عليه سائرُ العلومِ، وعلماءُ الشريعةِ الراسخون همْ ورثةُ الأنبياءِ، وهم الأخيارُ الأصفياءُ، والأئمةُ الثقاتُ، والأعلامُ الهداةُ، والأدلّاءُ الذين يُهتدى بهم في المُلماتِ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي اللهُ عنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». رواه أحمد، فمِنْ سلكَ الطريقَ بلا علمٍ، وقطعَ مفازةَ الحياةِ بلا بصيرةٍ وفهمٍ، فقدْ سلكَ عسيراً ورامَ مستحيلاً، إذ لا يستطيعُ المرءُ أنْ ينفعَ نفسَهُ، أو يقدِّمَ خيراً لمجتمعِهِ إلا بالعلمِ، فبالعلمِ تُبنى الأمجادُ، وتُشيّدُ الحضاراتُ، وتسودُ الأممُ، وما فشَا الجهلُ في أمةٍ منَ الأممِ إلا قَوَّضَ أركانَهَا، وصدَّعَ بنيانَهَا.
ومضى فضيلته قائلاً إنَّ ديننَا الحنيف كما فرضَ طلبَ العلومِ الشرعيةِ، فإنه حثَّ على اكتسابِ العلومِ الكونيةِ؛ التي بها صلاحُ الإنسانِ وعمارةُ الأرضِ، قالَ تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، ومنْ محاسنِ هذا الدينِ وكمالِهِ أنهُ جاءَ بالأخلاقِ العاليةِ، والمبادئِ الساميةِ، التي تحكمُ الحياةَ وعلومَهَا، وتضمنُ استقرارَهَا واستمرارَهَا، محققةً المقاصد الكبرى والغاياتِ العظمى، التي أرادَهَا اللهُ تَعالى، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ». رواه البيهقيُّ.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام أوشكتِ الإجازةُ على الانقضاءِ، وأيامُها على الانتهاءِ، غَنِمَ فيها قومٌ، وفرَّطَ آخرونَ، وها نحنُ على مشارفِ عامٍ دراسيٍّ جديدٍ، تستأنفُ فيه رحلةُ العلمِ والمعرفةِ، وتنطلقُ مسيرةُ التعليمِ في طريقِ الرُّقي والازدهارِ والعِزَّةِ والافتخارِ. واعلموا – رحمكم الله – أنَّ المؤسساتِ التعليمية إنما أُنشئتْ لتكونَ مناراتٍ للهُدى، وأبوابًا للخيرِ، ونماءً للعلمِ، وزكاءً للنفسِ، وتأسيسًا للفضيلةِ، فعلينا أنْ نستشعرَ هذه المسؤوليةَ العظيمةَ، وأنْ تتحدَ جهودُنَا لتحقيقِ تلكَ الأهدافِ الساميةِ، والغاياتِ النبيلةِ، وأنْ يكونَ مدارُ أعمالِنَا على الإخلاصِ؛ فما كان للهِ يدومُ ويتصلُ، وما كانَ لغيرهِ ينقطعُ ويضمحلُ، فإنما الأعمالُ بالنياتِ، يقولُ ابنُ المباركِ رحمه الله: «أَوَّلُ العِلْمِ النِّيَّةُ، ثُمَّ الِاسْتِمَاعُ، ثُمَّ الفَهْمُ، ثُمَّ الحِفْظُ، ثُمَّ العَمَلُ».
وخاطب الدكتور الدوسري المعلمين والمعلمات قائلاً إنَّ التعليمَ مِهنةٌ جليلةٌ، تقلَّدهَا الأنبياءُ، وورثَهَا العلماءُ، وقامَ بها الأخيارُ والصلحاءُ، فطوبى لمن عَرَفَ حقَّهَا، وبذلَ الوسعَ في إتقانِهَا، فالتعليمُ رسالةٌ وأنتم حملتُهَا، وعليكمْ بعدَ اللهِ تُعقدُ الآمالُ، وتُحطُّ عندكمْ الرِّحَالُ، فبينَ أيديكمْ عقولُ الناشئةِ، فأغنوهُم بالعلومِ النافعةِ، وأَقْنُوهُم بالوصايا الجامعةِ، وابذلوا قصارَى جهدِكُم في التربيةِ على الأخلاقِ الفاضلةِ، والآدابِ الزاكيةِ، والمكارمِ الساميةِ، واغرسُوا في القلوبِ الولاءَ للهِ ولرسولِهِ، ثم السمعَ والطاعةَ لولاةِ الأمر، واحرصُوا على تعزيزِ الانتماءِ للوطنِ، والمحافظةِ على ثقافتِهِ ومقدراتِهِ، والسعي لتحقيقِ رؤيتِهِ وتطلعاتِهِ. يا مصابيحَ العلمِ والنورِ، لقدْ كانَ نبيُّكم ﷺ في تعليمِهِ حليماً رفيقاً، رحيماً شفيقاً، ييسِّرُ ولا يُعسِّرُ، يبشِّرُ ولا يُنفِّرُ، فعنْ معاويةَ بنِ الحكمِ رضيَ اللهُ عنه قالَ: «فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي». رواه مسلمٌ.
ودعا فضيلته الآباء والأمهات إلى تربية الأبناء على حُبِّ العلمِ وإجلالِ العلماء وأنَّ الأدبَ قبلَ العلمِ رفعةٌ وسناءٌ، فهذه والدةُ الإمامِ مالكٍ كانتْ تُلبسُهُ أحسنَ الثيابِ، ثمَّ تقولُ لَه: اذهبْ إلى ربيعةَ فتعلَّمْ مِنْ أدبِهِ قَبلَ علمِهِ. واعلمُوا – رحمكم اللهُ – أن لكم في التربيةِ والتعليم الجانبَ الأكبرَ، والحظَّ الأوفرَ، فإنَّ أولادَكُم ودائعُ عندَكُم، قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». متفقٌ عليهِ.
وحث فضيلته الطلاب والطالبات على الجدِّ والاجتهادِ، وعلوِّ الهمةِ لنيلِ المرادِ، واستثمارَ ما أعطاكُم اللهُ منَ الهباتِ والملكاتِ للرقي في مدارجِ العلمِ، وتحقيق أعلى الدرجاتِ، فمنْ طلبَ عظيمًا بذلَ عظيمًا.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: ى الله
إقرأ أيضاً:
تسلسل زمني- المسجد النبوي عبر العصور: مراحل البناء والتوسعات الكبرى
(رويترز)
حظيت عمارة المسجد النبوي باهتمام لم يفتر على مر الأزمان قديما وحديثا خدمة للدين وحرصا على استيعاب الأعداد المتزايدة من المصلين.
والمسجد النبوي الذي يقع في غرب المملكة العربية السعودية حاليا هو ثاني أقدس مسجد لدى المسلمين وتهفو إليه القلوب دوما لزيارة قبر نبي الإسلام. وبناه النبي محمد بعد هجرته للمدينة سنة 622 ميلادية ليكون مركزا اجتماعيا ودينيا.
وشهد المسجد منذ بنائه العديد من التوسعات وعمليات الترميم والإصلاح والتسقيف والعمارة بداية من عهد الخلفاء الراشدين مرورا بالدول الأموية والعباسية والعثمانية وصولا لعهد الدولة السعودية الحديثة.
وفيما يلي عرض لأبرز محطات بناء وتوسعات المسجد النبوي على مر التاريخ.
*البناء الأول في السنة الأولى من الهجرة – 622م
بنى النبي محمد المسجد بعد هجرته مع من آمنوا به من مكة إلى المدينة. وكانت مساحته حينها نحو 1030 مترا مربعا. وكان سقفه من الجريد وأعمدته من جذوع النخل.
* السنة السابعة من الهجرة – 628م
توسعة قام بها النبي محمد ورفعت مساحة المسجد إلى 2475 مترا مربعا.
* توسعة سنة 17 هجرية – 638م
كانت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ورفعت مساحة المسجد إلى 3575 مترا مربعا.
* توسعة بدأت سنة 29 هجرية – 649م
جرت هذه التوسعة في عهد الخليفة عثمان بن عفان بعدما ضاق المسجد بالمصلين. وتجاوزت مساحته بعدها الأربعة آلاف متر مربع. وبني جدرانه من الحجارة المنقوشة والجص وجعل أعمدته من الحجارة المنقورة وبداخلها قضبان من الحديد مثبتة بالرصاص وغطى سقفه بخشب الساج.
* توسعة بدأت سنة 88 هجرية – 707م
جرت هذه التوسعة في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وقام عليها واليه في المدينة عمر بن عبد العزيز، ورفعت مساحة المسجد إلى أكثر من 6400 متر مربع. وفي عهد الوليد شهدت التوسعة لأول مرة بناء المنارات وكذلك إقامة محراب مجوف للمرة الأولى.
* توسعة بدأت عام 161 هجرية – عام 779م
كانت هذه التوسعة في عهد الخليفة العباسي أبو عبد الله المهدي ورفعت مساحة المسجد إلى نحو 8900 متر مربع. وشهدت هذه التوسعة عمارة المسجد وزخرفته بالفسيفساء وأعمدة الحديد.
* توسعة بدأت سنة 886 هجرية – 1481م
جرت في عهد السلطان المملوكي قايتباي بعد الحريق الثاني الذي لحق بالمسجد، ورفعت هذه التوسعة مساحته إلى أكثر من تسعة آلاف متر مربع.
* توسعة بدأت في سنة 1265 هجرية – 1849م
في عهد السلطان العثماني عبد المجيد الأول ورفعت المساحة إلى أكثر من 10300 متر مربع. وشملت التوسعة عمارة لكامل المسجد واستغرقت نحو 13 سنة. وتم استخدام حجارة حمراء من جبل غرب الجماوات بذي الحليفة لبناء الأعمدة. وفيما يتعلق بالجدران فقد كانت من حجر البازلت الأسود. وجرى تزيين سقف المسجد بالقباب.
* توسعة بدأ العمل فيها سنة 1372 من الهجرة – 1952م
أصدر أوامر القيام بهذه التوسعة الملك عبد العزيز آل سعود، ووصلت بالمساحة إلى أكثر من 16300 متر مربع. وجرى افتتاح هذه التوسعة في سنة 1375 من الهجرة الموافق 1955م. وأقيمت التوسعة كمبنى هيكلي من الخرسانة المسلحة وهي عبارة عن أعمدة تحمل عقودا مدببة، كما قسم السقف إلى مسطحات مربعة شكلت على نمط الأسقف الخشبية وزخرفت بأشكال نباتية. أما المآذن فقد بلغ ارتفاعها 72 مترا تتكون كل واحدة من أربعة طوابق.
* توسعة بدأت أعمالها 1406 هجرية – 1985م
جرت هذه التوسعة بأمر من الملك فهد بن عبد العزيز وتم الانتهاء منها عام 1994. وبهذه التوسعة أصبحت المساحة الإجمالية للمسجد النبوي 98500 متر مربع، كما أن سطح التوسعة المقدرة مساحته بنحو 67 ألف متر مربع تم تغطيته بالرخام ليستوعب 90 ألف مصل، وبذلك يبلغ استيعاب المسجد النبوي بعد التوسعة أكثر من 257 ألف مصل ضمن مساحة إجمالية 165500 متر مربع.
واشتملت التوسعة كذلك على إحاطة المسجد النبوي بساحات مغطاة بالرخام والجرانيت خُصص جزء كبير منها للصلاة يستوعب 250 ألف مصل ويمكن أن يزيد عدد المصلين إلى 400 ألف في حالة استخدام كامل الساحات المحيطة بالمسجد النبوي، مما يجعل الطاقة الاستيعابية لكامل المسجد والساحات المحيطة به تزيد عن 650 ألف مصل لتصل إلى مليون مصل في أوقات الذروة
* توسعة بدأت 1433 هجرية-2012م
أمر بهذه التوسعة، التي تعرف بالتوسعة السعودية الثالثة، الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لتكون الأكبر على مدى التاريخ وبما يصل بالطاقة الاستيعابية إلى ما يقرب من مليوني مصل بعد إنهاء الأعمال.
كما شمل مشروع على مظلات المسجد النبوي التي جرى تركيبها على أعمدة ساحات المسجد ويصل عددها إلى 250 مظلة تغطي مساحة 143 ألف متر مربع وصممت بارتفاعين مختلفين بحيث تعلو الواحدة الأخرى على شكل مجموعات لتكون متداخلة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق عربي ودوليقيق يا مسؤولي تعز تمخض الجمل فولد فأرة تبا لكم...
المتحاربة عفوًا...
من جهته، يُحمِّل الصحفي بلال المريري أطراف الحرب مسؤولية است...
It is so. It cannot be otherwise....
It is so. It cannot be otherwise....