نشر موقع "ريسبونسل ستيت كرافت" الأمريكي تقريرا تحدث فيه عن كيفية تحوّل السعودية من دولة منبوذة إلى دولة راعية، وذلك بالتركيز على إعلان الرئيس بايدن استئناف مبيعات الأسلحة الهجومية للمملكة.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن تخلى تمامًا عن تعهّد حملته الانتخابية منذ أربع سنوات بإنهاء مبيعات الأسلحة إلى السعودية، بإعلانه في نهاية يوم الجمعة 9 آب/ أغسطس أن الإدارة ستستأنف مبيعات الذخائر الهجومية جو-أرض إلى السعودية.



وأوضح الموقع أن هذا الحظر كان في الواقع الأثر الأخير لسياسة مهجورة منذ فترة طويلة لعزل السعودية ومعاقبتها على فظائعها وانتهاكاتها المروعة المختلفة في الداخل والخارج. وبدلاً من ذلك، ضاعفت حاشية إدارة بايدن من احتضانها لولي العهد محمد بن سلمان، وعرضت سلة لا تنتهي من التنازلات والمكافآت باعتبارها التذكرة الذهبية لمواصلة تفوق الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مهما كان الثمن.

وأضاف الموقع أن فرض حظر على أكبر مشترٍ للأسلحة الأمريكية في العالم ينطوي على تكاليف مفهومة جيدًا، مما أزعج ليس فقط شركات الدفاع الأمريكية المحرومة من الثروة النقدية السعودية بل وشجع أيضًا محمد بن سلمان على الانتقام من خلال التباهي بعلاقات أوثق مع الصين وروسيا. وهكذا بعد بضعة أشهر فقط من السنة الأولى لإدارة بايدن، تراجع فريق الأمن القومي التابع له عن حظر الأسلحة، موضحًا أنهم يعتزمون فقط منع تصدير الأسلحة "الهجومية"، وليس "الدفاعية".

لم تتم الإجابة على استفسارات أعضاء الكونغرس حول التمييز بين هذه المصطلحات. وسرعان ما تدفقت مليارات الدولارات من الأسلحة مما مهد الطريق لمزيد من جهود إصلاح العلاقات مع الحاكم السعودي التي بلغت ذروتها في "مصافحة القبضة" سيئة السمعة بين بايدن ومحمد بن سلمان في جدة في تموز/ يوليو 2022.

وبمجرد أن أعلن فريق بايدن أنه سيتبع أيضًا نهج ترامب لجعل التحاق السعودية باتفاقيات إبراهيم أولوية السياسة الخارجية الأولى في الشرق الأوسط، تم دفن أي مخاوف متبقية بشأن مكافأة المملكة بدعم عسكري جديد على الرغم من أهوالها المنتشرة في اليمن وفي الداخل، أو تأجيج عدوانيتها في المنطقة تحت رمال الصحراء.

وأشار الموقع إلى أن محمد بن سلمان تحوّل إلى لعبة صعبة من النفوذ العكسي، ليس فقط برفض فتح صنبور النفط لتخفيف أسعار النفط العالمية قبل الانتخابات التمهيدية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 على الرغم من توسلات بايدن، وإنما أيضًا باستضافة الرئيس الصيني شي جين بينج بشكل بارز في حفل السجادة الحمراء لعدة أيام، معلنًا أن الصين ستبني محطة نووية مدنية وتدعم تطوير الصواريخ في البلاد، ورفض معاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا.

وهكذا حان الوقت لفريق بايدن للخضوع لرغبات محمد بن سلمان. وكان التنازل الرئيسي الأول هو منح ولي العهد الحصانة من الملاحقة القضائية الأمريكية، وإحباط العديد من الدعاوى القضائية المرفوعة ضده بتهمة قتل جمال خاشقجي، ومحاولة قتل سعد الجابري، والمضايقات والهجمات المستهدفة ضد الصحفية في قناة الجزيرة غادة عويس. وكان التنازل التالي هو حصول فريق بايدن على الجائزة الكبرى في قائمة أمنيات السعودية: ضمان أمني أمريكي على مستوى معاهدة حلف شمال الأطلسي للمملكة بموجب المادة 5. وأوضح أن جهود فريق بايدن لإغواء ولي العهد بمظلة أمنية جوية فقط لم تكن كافية لإقناعه، بل فقط ضمان ثنائي على مستوى المعاهدة هو الذي سينجح.

وأفاد الموقع بأن هجمات حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، والتسعة أشهر من القصف الإسرائيلي المتواصل وتجويع السكان المدنيين في غزة، قلبت هذه الخطط رأسًا على عقب. لقد اضطر سوليفان، الذي أعلن قبل أيام فقط من الهجوم الكارثي أن الشرق الأوسط "أكثر هدوءًا اليوم مما كان عليه منذ عقدين من الزمان الآن" وتباهى بأن "الوقت الذي يجب أن أقضيه في الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط اليوم مقارنة بأي من أسلافي منذ 11 أيلول/ سبتمبر قد انخفض بشكل كبير"، إلى تأجيل خطط اتفاقية السلام السعودية الإسرائيلية. حتى محمد بن سلمان لم يجرؤ على تأييد إسرائيل علنًا في مواجهة التعاطف السعودي الشامل تقريبًا مع معاناة الفلسطينيين.

وفي حين أن الكونغرس الممول إلى حد كبير من قبل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية كان من المرجح أن يدعم ضمانًا أمنيًا أمريكيًا للسعودية مقابل انضمامها إلى اتفاقيات إبراهيم، فإنه بدون هذا سيكون التصديق على التزام على مستوى المعاهدة أمرًا صعبًا للغاية. ويدرس فريق بايدن الآن فكرة فصل الضمان الأمني، فضلاً عن منع تطوير الصين لمحطة الطاقة النووية المدنية، عن التطبيع مع إسرائيل في صفقة "أقل مقابل أقل".

وبموجب "اتفاقية التحالف الاستراتيجي" المقترحة، ستلتزم الولايات المتحدة بالمساعدة في الدفاع عن السعودية إذا تعرضت للهجوم مقابل منح السعودية لواشنطن حق الوصول إلى الأراضي والمجال الجوي السعودي، ومنع الصين من بناء قواعد في المملكة أو متابعة التعاون الأمني معها، وتوقيع "اتفاقية التعاون الدفاعي" الموازية لتعزيز مبيعات الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتخطيط الاستراتيجي بشأن الإرهاب وإيران. وتزيل مثل هذه الخطوة غطاء "السلام الإقليمي لإسرائيل" باعتباره الدافع وراء الضمان الأمني السعودي، وتكشف بشكل أكثر وضوحًا عن الدوافع الأساسية التي تحرك فريق بايدن: نظرة عالمية قديمة ولكنها راسخة مفادها أن المصالح الأمريكية تتطلب الهيمنة العسكرية في الشرق الأوسط، إلى جانب النفط الرخيص وأرباح صناعة الدفاع.

من الصعب تجاهل نداء الربح الشخصي لمسؤولي بايدن، الذين سيفكرون بلا شك في دفع ملايين الدولارات من الإمارات والسعودية، حتى لو لم تكن مربحة مثل المليارات التي حصل عليها مسؤولو ترامب ستيفن منوشين وجاريد كوشنر.

وبين الموقع أنه يبدو أن عقودًا من التكاليف في تسليح الدكتاتوريات والدفاع عنها في الشرق الأوسط - من المذابح الجماعية للمدنيين والحرب الدائمة، وتشجيع العدوانية المزعزعة للاستقرار، وإيقاع بلدنا في صراعات عسكرية محصلتها صفر، وتقويض مكانة الولايات المتحدة العالمية كقوة موثوقة لحقوق الإنسان والديمقراطية - لا تزال ضائعة تمامًا على القيادة الديمقراطية.

وفي الختام، أشار الموقع إلى أنه مع اقتراب موعد انتهاء ولاية بايدن واستمرار حرب غزة، من المشكوك فيه أن تكون الإدارة قادرة على تقديم أي توسع لاتفاقيات إبراهيم أو اتفاقية أمنية لمحمد بن سلمان. وليس من الواضح حتى أن محمد بن سلمان سيقبل هذه المكافآت، ويدخرها للجولة التالية من المساومة مع الإدارة الجديدة. وفي الوقت الحالي، علينا فقط أن نأمل أن الملقب بـ "منشار العظام" سوف يظهر عقلانية أكبر من إدارة بايدن وسيتجنب أي حروب جديدة في المنطقة.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية السعودية محمد بن سلمان الولايات المتحدة السعودية الولايات المتحدة الرياض محمد بن سلمان صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الشرق الأوسط محمد بن سلمان فریق بایدن

إقرأ أيضاً:

بلومبيرغ: السعودية مازالت بعيدة عن التخلص من اعتمادها على النفط

نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرا يسلط الضوء على فشل سياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تقليص اعتماد المملكة العربية السعودية على النفط رغم مرور نحو عقد على إطلاق رؤية 2030.

وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، إن عائدات النفط مازالت تشكل 60 بالمائة من إيرادات المملكة و65 بالمائة من الصادرات، رغم التقدم في قطاعات غير نفطية.

وأوضح الموقع أن ولي العهد محمد بن سلمان أعلن قبل حوالي عقد أن اقتصاد السعودية سيكون قادرًا على الاستغناء عن النفط بحلول سنة 2020، مستندًا إلى استثمارات ضخمة تهدف إلى دخول البلاد عهدا اقتصاديا جديدا. 

غير أن المؤشرات الحالية تُظهر أن الحكومة السعودية مازلت تعتمد بشكل كبير على العائدات النفطية، وربما زاد ذلك الاعتماد خلال الفترة الماضية.

وأضاف الموقع أن السعي لإنهاء ما وصفه محمد بن سلمان بـ"إدمان السعودية على النفط" أدى إلى تغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، من أبرزها زيادة توظيف النساء وازدهار السياحة ونمو صناعات ناشئة مثل السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات.

ومع ذلك، فإن تنويع الاقتصاد، وهو هدف محوري في رؤية 2030 التي يقودها محمد بن سلمان، يسير بوتيرة أبطأ مما كانت تأمله الحكومة.



الحاجة إلى أسعار نفط أعلى 
يقدر الموقع سعر التعادل المالي للنفط في دول الخليج خلال الفترة الحالية بـ96 دولارا للبرميل، وهو أعلى مما كان عليه قبل عقد من الزمن، وإذا ما أُضيفت الاستثمارات المحلية التي ينجزها صندوق الثروة السيادي السعودي، والتي تُعد عنصرًا أساسيًا في رؤية 2030، فإن الرقم يرتفع إلى 113 دولارا.

ويقدم هذا المؤشر تصورا عاما حول السعر الذي يمكن أن للميزانية السعودية تحمّله. فمنذ بداية سنة 2024، بلغ متوسط سعر خام برنت نحو 76.50 دولارا فقط، ما دفع الحكومة إلى تكثيف الاقتراض من أسواق السندات الدولية والنظر في بيع أصول لتمويل العجز المالي.

ويقول زياد داود، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة لدى "بلومبيرغ"، إن السعودية باتت أكثر اعتمادا على النفط رغم أن تقليص هذا الاعتماد هو هدف رؤية 2030.

وأشار إلى أن المملكة تحتاج اليوم لسعر نفط أعلى من عام 2016 لتحقيق توازن في حسابها الجاري، بسبب تصاعد الإنفاق العام على المشاريع الكبرى وضغوط شعبية لزيادة الدعم في ظل ارتفاع الأسعار.

زيادة كبيرة في الإنفاق
أشار الموقع إلى أن الحكومة دأبت على زيادة الإنفاق عندما ترتفع أسعار النفط، وهو نهج كانت تخطط للتخلي عنه في إطار سعيها لتقليل اعتمادها على النفط. وقد صرّح وزير المالية محمد الجدعان بأن المسؤولين "لم يعودوا ينظرون إلى سعر النفط".

ويعتزم المسؤولون السعوديون خفض الإنفاق في 2025 بعد تجاوز الأهداف في السنة الماضية، بسبب تمويل مشاريع ضخمة مثل "نيوم" وناطحة سحاب مكعبة في الرياض، إضافة إلى تسريع الاستثمارات في الصناعات الناشئة.

وقد نما الاقتصاد غير النفطي في المملكة بأكثر من 4.5 بالمائة خلال الربع الأول من السنة الحالية، بما يتماشى مع أهداف الحكومة، وأصبح هذا القطاع يشكل حاليا أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للمملكة البالغ 1.1 تريليون دولار.

كما ارتفعت إيرادات القطاع غير النفطي من نحو 50 مليار دولار في 2016 إلى أكثر من 134 مليارًا في 2024، لكن ذلك تزامن مع زيادة الإنفاق الحكومي مما أدى إلى استمرار تسجيل عجز مالي فصلي في المملكة لأكثر من سنتين.



ويتوقع صندوق النقد الدولي استمرار عجز الحساب الجاري السعودي حتى نهاية العقد الجاري. ويرى زياد داود أن ذلك يمثّل تحولا كبيرا في اقتصاد المملكة من مصدّر لرأس المال إلى باحث عن التمويل.
هدف غير واقعي

وأشار الموقع إلى أن السعودية تتمتع حاليا بسهولة الوصول إلى أسواق السندات العالمية، مستفيدةً من تصنيفها الائتماني "إيه إيه 3" حسب وكالة موديز، وهو نفس تصنيف المملكة المتحدة وفرنسا. وقد مكّنها ذلك من بيع ما يقرب من 15 مليار دولار من الديون السيادية بالدولار واليورو منذ بداية السنة الحالية.

وأوضح الموقع أن السعودية واجهت صعوبة في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة رغم إصدار سندات سيادية ضخمة، إذ بلغت التدفقات 6 مليارات دولار فقط في الربع الأول من 2024، بعيدًا عن الهدف السنوي البالغ 37 مليارًا.

ويقول جيسون توفي، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس"، إن السعودية حققت تحسنًا اقتصاديًا ملحوظًا، لكنه أشار إل

مقالات مشابهة

  • كيف تعيد السعودية رسم التوازنات في سوريا؟.. تحولت لحلبة اقتصادية
  • دولة فلسطين مفتاح الشرق الأوسط الجديد
  • بلومبيرغ: السعودية مازالت بعيدة عن التخلص من اعتمادها على النفط
  • تدشين أول فريق مفتشات بيئيات بحرية في الشرق الأوسط بمحمية الأمير محمد بن سلمان .. صور
  • محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تدشن أول فريق مفتشات بيئيات بحرية في الشرق الأوسط
  • الأول من نوعه بمنطقة الشرق الأوسط.. تدشين فريق نسائي للتفتيش البيئي البحري بمحمية الأمير محمد بن سلمان الملكية
  • شاهد| لأول مرة مفتشات بيئيات بحرية في الشرق الأوسط بمحمية الأمير محمد بن سلمان
  • روسيا: السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق دون إقامة دولة فلسطينية
  • روسيا: من المستحيل تحقيق السلام في الشرق الأوسط دون إقامة دولة فلسطينية
  • السعودية: نواصل جهود التوصل إلى سلام عادل بالشرق الأوسط