تناولنا علم النسخ وبعض النسّاخين، وجهودهم فى مجال المخطوطات، تلك التى شكّلتْ أساس التراث المعرفى الحضارى فى شتى العلوم والفنون والآداب، وكان نواة النهضة الأوروبية الحديثة.
واليوم نقف أمام نماذج عملية من تلك المخطوطات، ونقف على جانب سلبى مع الأسف من بين الجوانب الإيجابية العظيمة لحركة النسخ والنسّاخية فى تراث اللغة العربية غى العصور الوسطى.
ومن ذلك الجانب التطبيقى وصف مخطوطة ديوان الحماسة لأبى تمام:
كتب المخطوط على كاغد عربى قديم، واستخدم الناسخ المداد الأسود المائل إلى اللون البنّى بالنسبة للمتن، واستخدم المداد الأحمر فى عناوين الأبواب، وبعض الشروح والتعليقات على الحواشى والمتن واختلاف القراءات فى النسخ التى قابل نسخة عليها. يمتاز النسخ بأن الحروف أخذت حقها من الإتمام والإشباع، كما تمتاز الكتابة بالمدّات المستحسنة، ووصْل الحرف بطريقة جيدة، وغير متزاحمة، وبه شروح وتعليقات كثيرة على الحواشى وبين السطور. حققها عبدالمنعم أحمد صالح، دار الرشيد، بغداد، وطبع مرة أخرى بهيئة قصور الثقافة، القاهرة 1996.
ونموذج من وصف مخطوط (رسالة فى استخراج المعمّى من الشعر لصاحب أدب الشعراء).
هذا المخطوط هو آخر رسائل المجموع ترتيبا، ويحتل منه نحوا من خمس عشرة ورقة ، إذ يشغل الورقات 119/ب 133/أ، وهو لا يحمل عنوانا مستقلا، وإنما يبدأ بالبسملة، ويتبعها بمقدمة يليها عنوان فى وسط الصفحة نصه: «معنى قولهم فلان يستخرج المعمّى من الشعر»، ويتابع بعد ذلك الكلام.
ومع هذا فإن من النسّاخ من خان أمانته العلمية، وشاركهم فى ذلك التجار، ومما شجع على ذلك تنافس الملوك على جمْع الكتب، إسهاما منهم فى إثراء الحركة الفكرية والثقافية بجوانبها المتعددة، والتى كان لها أكبر الأثر فى إفادة البشرية حتى يومنا هذا.
يقول آدم ميتز فى كتابه (الحضارة الإسلامية):
«كان الملوك يتفاخرون بجمع الكتب حتى كان لكل ملك من ملوك الإسلام الكبار بمصر وقرطبة وبغداد فى أواخر القرن الرابع ولع شديد بالكتب، فكان الحكم صاحب الأندلس يبعث رجالاً إلى جميع بلاد المشرق ليشتروا له الكتب عند أول ظهورها، وكان فهرس مكتبته يتألف من أربع وأربعين كراسة بكل منها عشرون ورقة، ولم يكن بها سوى أسماء الكتب أما فى مصر فكان للخليفة العزيز خزانة كبيرة، وقد ذكر عنده كتاب العين للخليل بن أحمد، فأمر خزّان دفاتره فأخرجوا من الخزائن سبعاً وثلاثين نسخة منها نسخة بخط الخليل بن أحمد، وحمل إليه نسخة من تاريخ الطبرى، فأمر العزيز الخزان فأخرجوا ما ينيف على عشرين نسخة من تاريخ الطبرى منها نسخة بخطه، وذكر عنده المتأخرون كتاب الجمهرة لابن دريد فأخرج من الخزينة مائة نسخة، وقد أراد المتأخرون أن يقيدوا عدد ما كانت تشتمل عليه هذه الخزانة فقال المقريزى: إنها كانت تشتمل على ألف وستمائة ألف كتاب وها هو ذا المقدسى يصف مكتبة عضد الدولة بأنها حجرة على حدة عليها وكيل، وخازن، ومشرف، ولم يبْق كتاب صُنِّف إلى وقت عضد الدولة من العلوم المتنوعة إلا ووجده فيها». أما اليمن فكان الملك المؤيد الرسولى قد جمع مكتبة كبيرة ضمت نحو مائة ألف مجلدة، ويستحضر لها الكتب من كل صوب وقيل إنه دفع فى نسخة جيدة من كتاب الأغانى بخط ياقوت المستعصمى نحو مائتى دينار، وكان الملك المظفر الرسولى يبعث منْ يحضر له الكتب من مصر والشام والعراق. ويذكر ابن حجر العسقلانى (الدرر الكامنة 2/100، و365) أنه قدم بنسخة جيدة من كتاب (فريدة القصر) بخط ابن القوطى إلى الملك فكافأه عليها مكافأة سخية.
لكن ذلك لا يقلل من أهمية دور المصنفين، والمؤلفين، والنسّاخ والورّاقين الذين اتسموا بالأمانة والنزاهة، وثراء الفكر وجميل العطاء.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
“فلكية جدة”: كوكب الزهرة اعتلى السماء فجر اليوم وكان أحد أبرز معالم فجر الصيف
شهدت السماء في أنحاء الوطن العربي ومع الساعات الأولى من فجر اليوم السبت واحدة من أجمل المشاهد الفلكية الصيفية حين اعتلى كوكب الزهرة السماء الشرقية في أعلى نقطة له خلال هذا الظهور الصباحي.
وأوضح رئيس الجمعية الفلكية بجدة المهندس ماجد أبو زاهرة أن الاستطالة العظمى الغربية أي أبعد زاوية بين الزهرة والشمس كما ترى من الأرض، حدثت بالفعل في مايو الماضي وأن الكوكب واصل ارتفاعه في السماء تدريجيًا حتى وصل فجر اليوم إلى أقصى ارتفاع زاويّ له فوق الأفق الشرقي في هذا الموسم كما يشاهد من خطوط العرض الوسطى.
وبين أن كوكب الزهرة ظهر واضحًا وساطعًا قرب الأفق الشرقي قبل شروق الشمس ببضعة ساعات بقدر ظاهري يصل إلى -4.1 ما جعله أكثر الأجسام لمعانًا في السماء بعد القمر، وبدا لكثير من الراصدين كأنه “نجم” منفرد يشق ظلام الفجر ويتلألأ بثقة فوق خط الأفق وباستخدام منظار أو تلسكوب صغير تمت رؤيته في طور الأحدب وهي علامة على موقعه في مداره.
أخبار قد تهمك فلكية جدة: كوكب الأرض يبلغ أبعد نقطة عن الشمس غدًا ويُعرف علميًّا بـ”الأوج” 2 يوليو 2025 - 9:02 مساءً بيان رسمي من فلكية جدة حول رصد بقعة وردية في سماء شمال غرب المملكة. 2 يوليو 2025 - 2:17 مساءًومثل الذروة البصرية لزهرة الفجر هذا العام وكان في أعلى موقع له فوق الأفق منذ ظهوره الصباحي في أوائل الربيع، ومع أنه سيبدأ لاحقًا بالانخفاض تدريجيًا في الأسابيع القادمة إلا أن تلك اللحظة كانت الأنسب لرصده وتصويره، إلى جانب الزهرة الذي كان بالإمكان محاولة رصد كوكب أورانوس الذي وجد على مقربة زاوية منه في السماء، ورغم أن أورانوس لا يرى بالعين المجردة فإن منظارًا متوسطًا يكفي لرصد لونه المزرق.