شمسان بوست / مصطفى نعمان:
في أحاديث كثيرة تبادلتها أخيراً مع كثير من الأصدقاء عرباً ويمنيين عن الأوضاع في اليمن، اتفقنا على أهمية وضرورة أن يجتهد الجميع في البحث عبر إطلاق العنان للخيال السياسي، وعن مخرج لوقف التدهور المأسوي الذي تعيشه البلاد منذ عام 2011، مع اتفاق الجميع على أن مجرد التفكير في العودة والحنين للماضي والإغراق في وهم وأنه من ضمن الحلول التي يمكن اللجوء إلى نماذجها المختلفة، ليس سوى قضية عبثية تتنافى مع حال الاهتزازات التي ضربت جذور المجتمع، ويتغافل عن الاستقطابات الحادة الاجتماعية والمذهبية التي عصفت بمجمل العلاقات الإنسانية والمناطقية بين اليمنيين.
منذ بدايات حركة الاحتجاجات ضد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح لم يستغرق إسقاط نظامه وقتاً طويلاً، وجرت عملية الاستيلاء على المؤسسات بسرعة ثم تقاسمها بين شركاء ساحات التغيير ولكن بغير خطة وطنية جامعة، ولم يفلح مؤتمر الحوار الوطني في الـ 18 من مارس (آذار) 2013 أو الـ 25 من يناير (كانون الثاني) 2014 في وضع البلاد عند خط البداية الصحيحة، على رغم كل الصخب الذي صاحب انطلاقه وختامه، وعلى رغم كل الأماني التي علقها كثيرون عليه، وهو الذي جمع ممثلين افتراضيين عن المجتمع جرى اختيارهم عبر آليات حزبية وتدخلات خارجية ومجاملات محلية، وكيانات جرى استنساخها كما “النعجة دوللي”.
وما كاد فندق “موفينبيك” يغلق أبوابه بعد 10 أشهر من الإنفاق الترفي على المشاركين في النقاشات والجدل برغبة بلوغ ما كان الرئيس عبدربه منصور هادي يبشر أنه “اليمن الجديد”، حتى فوجئ الجميع بأن “جماعة أنصار الله” الحوثية تلاعبت بالجميع وتمكنت بذكاء وحيوية وبراعة من الاستيلاء بمفردها على كل مفاتيح السلطة، بينما ممثلو الشعب الافتراضيون منشغلون في توزيع المناصب.
ومن الواجب القول إن النظرة البعيدة من التطرف لا يمكن أن تخطئ في توجيه الإشارات الواضحة إلى أن غياب القيادات الراشدة غير الأنانية هو الذي قاد الأوضاع إلى هذا الحال من الفوضى العارمة والعجز الإداري الفاضح، ولكن الخطر الداهم هو أن ما جرى ولا يزال يعني صراحة ومن دون مزايدات أن تحسن الاحوال غير ممكن في المناطق التي يُطلق عليها “المحررة”، فما العمل؟
لقد بلغت البلاد مرحلة من التهشم أصبح معها الحديث عن وطن يمني واحد أمراً جالباً للمرارة على رغم المشاعر والعواطف التي ترفض قبول هذه الخاتمة المحزنة، ومن المهم عدم التوقف كثيراً والاستغراق في البحث عن حلول لترقيع نتاجها، وإنما المطلوب هو إطلاق العنان للتفكير في غير المألوف للبحث في طريقة للتعاطي مع آثاره تبدأ بالتعاطي معه كأمر واقع، ومن ثم اعتراف الجميع بأنه ليس في مقدور أحد تجاوز تأثيرات ما خلفته الحرب وما سبقها، ودخول لاعبين جدد يحملون السلاح ويستخدمونه لغة للحوار، وهؤلاء أنتجتهم الصدف ورفعتهم إلى صدارة المشهد من دون تهيئة.
والأمر ليس هيناً لأن غالبية القادة الذين يمتلكون عوامل القوة لا يكترثون أخلاقياً ووطنياً لما يدور في البلد، مكتفين بما تحت أيديهم من نفوذ وثروة حصدوها بعيداً من الأطر القانونية، وهكذا يكون انتزاعها أو في أقل تقدير تقليص نفوذها وسيطرتها على الموارد التي تتيح لها الاستمرار، أمران غير ممكنين في ظل الانقسامات الحادة الحالية بين القيادات المفترض فيها تدبير أمور البلاد والناس، وإذا كان الأمر عصياً على تفكيك تعقيداته فإن ذلك لا يجب أن يدفع إلى التوقف عن البحث في معالجة حقيقية للنتوءات التي يجب تسويتها داخل معسكر “الشرعية”.
تحدثت كثيراً عن أن نقطة الانطلاق هي في الاعتراف بوجود خلافات وصراعات داخل مجلس القيادة الرئاسي، ومن الطبيعي أن الأوضاع إبان حكم الرئيس هادي كانت أقل تعقيداً بسبب تركز كل السلطات في يده وقلة من حوله، ولكنه عجز عن إدارة المشهد وترك القضايا كافة معلقة من دون حسم، مما راكم الأزمات التي نرى حصيلتها في ما يدور اليوم، كما خلف إرثاً من الفوضى يصعب التغلب عليه من دون اتفاق كامل بين أعضاء “المجلس”، وتعاون كامل من مجالس النواب والشورى والوزراء.
إن التكتم على الخلافات والاستخفاف باستحقاقاتها على أمل أن تذوي مع الأيام سياسة خاطئة، ولكنها حين تخرج إلى العلن تكون صورة فاضحة لحقيقة ما يدور، وهذا ما حدث بالضبط بتفاصيله حين قام أحد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي وهو اللواء فرج البحسني بكتابة منشور عبر صفحته الرسمية على منصة “إكس”، كانت عبارة عن رسالة موجهة إلى رئيس “المجلس”، وبغض النظر عن المحتوى سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، فإنه يسجل سابقة سياسية يجب عدم تجاهلها أو الاستخفاف بها.
وحين أتحدث عن “التهشيم” الذي تعرض له اليمن فما ذلك إلا محاولة لاستدعاء الجميع لكي يطرحوا بجدية ما يرونه متوافقاً مع الواقع الحالي من دون مبالغات وأوهام، وقبل أن يتكرر الحديث عن “الانقلاب” فمن الأجدر البحث عن كيفية العمل في إطار المساحة الجغرافية التي يمكن، بل يجب، تحسين أوضاع الناس فيها، معيشة وخدمات وأمناً، فمن دون ذلك تتضاعف سرعة الانزلاق إلى قعر هاوية لن يتمكن أحد من إيقافها والخروج منها.
إن الخطر المميت الذي يواجه أية سلطة هو انفصالها عن الواقع والناس وابتعادها في إعلامها اليومي من معاناتهم وآلامهم، فيقابلها الناس بالسخرية من خطابها السياسي ويفقدون الثقة فيها، وهنا يصبح من اليقين أن تخسر ما بقي من رصيد الأمل الضئيل عند الناس.
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: من دون
إقرأ أيضاً:
استمرار البحث عن جثمان غريق شاطئ «شهر العسل» غرب الإسكندرية
تواصل قوات الإنقاذ النهري بمحافظة الإسكندرية، بالتنسيق مع فريق "غواصين الخير" المتطوع، اليوم الثلاثاء عمليات البحث، في محاولة لانتشال جثمان الشاب الغريق الذي ابتلعته مياه شاطئ "شهر العسل" بمنطقة البيطاش، غرب المدينة.
يُذكر أن شاطئ "شهر العسل" بمنطقة البيطاش غرب الإسكندرية شهد اليوم واقعة غرق مأساوية راح ضحيتها شاب يُدعى عبد الرحمن كمال السيد عبده، يبلغ من العمر 17 عامًا، من محافظة الغربية، وذلك أثناء استجمامه ونزوله مياه البحر برفقة أصدقائه ووفقًا لشهود العيان، فقد جرفته الأمواج إلى داخل المياه وسط محاولات استغاثة لم تفلح في إنقاذه، ما دفع المتواجدين على الشاطئ إلى إبلاغ الأجهزة الأمنية.
وتلقى قسم شرطة الدخيلة إخطارًا من إدارة شرطة النجدة، يفيد بورود بلاغ يفيد بغرق الشاب "عبد الرحمن كمال السيد عبده"، مقيم بمدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية، وذلك خلال استجمامه بشاطئ شهر العسل على الفور، انتقلت قوات الإنقاذ النهري، ترافقها سيارة إسعاف وضباط القسم، إلى موقع الحادث، وبدأت عمليات البحث عن الجثمان وسط ظروف بحرية صعبة.
من جانبه، أكد إيهاب المالحي، قائد فريق "غواصين الخير"، أن الفريق يواصل جهوده التطوعية المكثفة للمشاركة في عمليات البحث عن جثمان الشاب الغريق، بالتنسيق الكامل مع قوات الإنقاذ النهري موضحًا أنه تم الدفع بعدد من الغواصين المتطوعين المدربين على التعامل مع مثل هذه الحالات، حيث بدأوا منذ الساعات الأولى في تمشيط منطقة شاطئ "شهر العسل" بالبيطاش، مستخدمين المعدات والأدوات المناسبة لرصد أي مؤشرات تدل على موقع الجثمان.
وأشار إيهاب المالحي، إلى أن طبيعة التيارات البحرية بهذه المنطقة تُعد من أبرز التحديات التي تواجه فرق البحث، ما يستدعي تضافر الجهود وتسخير كافة الإمكانات المتاحة، مؤكدًا التزام الفريق بالاستمرار في عمليات الغوص والتمشيط لحين الوصول إلى الجثمان، في مشهد يعكس روح التضامن والمسؤولية المجتمعية التي يحملها هؤلاء المتطوعون في سبيل إنقاذ الأرواح وتقديم يد العون للأسر المكلومة.
تم تحرير المحضر اللازم بالواقعة، وأُخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات.