اجتاحت قوات عسكرية كبيرة كافة مناطق ومدن ومخيمات شمال الضفة الغربية من عدة محاور، وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن العملية يشارك فيها سلاح الجو وقوات كبيرة، بالإضافة إلى جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك) وقوات المستعربين، وتمت الاستعانة بمروحيات ومقاتلات.

وأعلن الهلال الأحمر الفلسطيني أن 11 شهيدا قتلوا في اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية الذي بدأ فجر اليوم الأربعاء، وذكرت تقارير فلسطينية أن الشهداء مقاومون في الفصائل الفلسطينية، وأنه تم استهدافهم بالطائرات المسيرة.

تصعيد مستمر

وأطلق جيش الاحتلال على تصعيده اليوم اسم "مخيمات الصيف"، ويعد الأوسع منذ التصعيد الذي قامت به إسرائيل عام 2002 ضمن عملية "السور الواقي"، كما يأتي ضمن سلسلة ممتدة من أوراق التصعيد التي تمارسها إسرائيل في الداخل الفلسطيني بالضفة وغزة، أو تستهدف بها أماكن أخرى في الإقليم، مثل التصعيد مع حزب الله في لبنان، والاغتيالات في إيران، والعمليات النوعية في اليمن.

ويمكن رصد أبرز عمليات التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية في الفترة الأخيرة على النحو التالي:

كاسر الأمواج: أطلقها الاحتلال الإسرائيلي في مارس/آذار 2022، وبدأت في جنين ثم عمت أنحاء الضفة، لمحاولة وقف هجمات الفلسطينيين وتقويض المقاومة ومنع حدوث المواجهات وقمعها. حارس الأسوار: أطلقها الاحتلال في مايو/أيار 2021 في القدس، لكن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حذرت إسرائيل وطالبتها بإنهاء هذا التصعيد، وأطلقت عملية مقاومة من جانبها أسمتها "سيف القدس"، واندلعت حرب راح ضحيتها أكثر من 200 فلسطيني، كما قُتِل أكثر من 13 إسرائيليًا. بيت وحديقة: أطلقها جيش الاحتلال في يوليو/تموز 2023 ضد المقاومة الفلسطينية في جنين، لكنه وجد مقاومة شديدة من المقاومة التي أطلقت على هذا التصعيد "بأس جنين"، وتسبب التوغل الإسرائيلي في تدمير كبير للبنية التحتية، وهدم العديد من المنازل ونزوح عدد كبير من السكان.

لماذا التصعيد الآن؟

تصعيد اليوم لا يمكن عزله عن التصعيد الأكبر في قطاع غزة والعدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي يهدف كله إلى القضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني بجميع صورها وأماكن تواجدها.

الكاتب والباحث السياسي ساري عرابي يقول إن "الهدف الأمني للكيان الإسرائيلي كله مُجمع على ضرورة إنهاء أي حالة مقاومة في الضفة الغربية ومنع تطورها وتعظمها وانتقالها إلى مناطق أخرى".

وأضاف عرابي -في تصريحات للجزيرة نت- أن الاحتلال يمارس سياسة العقاب الجماعي مع الفلسطينيين وعلى الحواضن الاجتماعية للمقاومة من خلال تدمير البنية التحتية وتجريف الشوارع ومداخل المدن لتحويل المقاومة إلى عبء على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه يقدم نموذجا لإرهاب باقي الفلسطينيين وتخويفهم.

لكن سياسة "العقاب الجماعي" هذه يناقشها الباحث والمحلل السياسي ناصر الهدمي قائلا إن العقاب يكون لمن يرتكب ذنبا، ومقاومة الاحتلال عمل مشروع لا يستلزم عقابا، والمقاومة جزء أصيل من الشعب الفلسطيني وتمثله، وفيها حاضنته الطبيعية، والجريمة هي التي يقوم بها الاحتلال بجرائمه الجماعية في حق الشعب كله.

أهداف سياسية

وأضاف الهدمي -في تصريحات للجزيرة نت- أن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير معنية بانتهاء العدوان، وترى أن بقاءها في السلطة مرهون باستمرار هذا الصراع، وكانت هناك أكثر من فرصة لوقف الحرب على قطاع غزة وإبرام صفقة لتبادل الأسرى، ولكنها غير معنية بتوقف هذا الصراع، بل إن تشكيلتها الحالية ترى أنها ضرورة لوجودها.

ويعزز هذه الرؤية ما صرح به وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأنه يجب التعامل مع الضفة "تماما كما نتعامل مع البنية التحتية في غزة، بما في ذلك إخلاء مؤقت للسكان وأي خطوات قد تكون مطلوبة".

كما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أنه من المحتمل "أن يتم تنفيذ إخلاء منظم للسكان الفلسطينيين المدنيين وفقا لمراكز القتال المتوقعة" خلال العلمية العسكرية.

ويعزز ذلك أن ما يظهر من التصعيد الإسرائيلي حتى الآن يستهدف المناطق التي تمتاز بالكثافة السكانية المرتفعة للفلسطينيين داخل الضفة الغربية.

"مخطط مشبوه"

ويذهب رئيس دائرة العلاقات العربية والدولية عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي إحسان عطايا إلى أن "العدو الصهيوني والحلف المعادي معه لفلسطين ولشعبنا يعملون على تفريغ الضفة الغربية ومحاولة تهجير أكبر عدد ممكن من أبناء شعبنا الفلسطيني وإنهاء المقاومة بشكل كامل في الضفة".

وأضاف عطايا -في تصريحات للجزيرة نت- أنه ضمن هذا المخطط أيضا يهدف الاحتلال إلى تغيير الوقائع في غزة، ويريد أن ينقل السلطة الفلسطينية إلى هناك وينهي الوجود الفلسطيني المتماسك في غزة، ويحاول أن يجزّئ المجزّأ من أجل مزيد من الهيمنة وبناء المستوطنات.

هذا المخطط وإن كانت له شواهد في الميدان، فإن المصلحة الإستراتيجية لدى إسرائيل قد لا تفضل القيام به، وهذا ما يذهب إليه ساري عرابي، إذ أشار إلى أن هناك حاجة ماسة ما تزال قائمة لدى المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، التي ينبغي أن تبقى موجودة وقائمة، ولكن مع إضعافها وإيصالها إلى مرحلة من العجز بحيث لا يمكنها الاستمرار إلا بالاعتماد على قوة الأمن الإسرائيلية والاستجابة لشروطها.

يذكر أنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدت الاعتداءات الإسرائيلية على سكان الضفة الغربية إلى استشهاد أكثر من 640 وإصابة نحو 5400، وفق ما أعلنته مصادر رسمية فلسطينية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الضفة الغربیة فی الضفة أکثر من

إقرأ أيضاً:

غزة واليمن ومعادلات حزيران

 

– تدرك قيادة المقاومة في غزة ومثلها قيادة الجمهوريّة اليمنية في صنعاء أن الوقت ثمين جداً في حياة أبناء قطاع غزة مع حرب التجويع التي باتت في مراحل متقدّمة من تأثيرها على مئات الآلاف المعرّضين للموت جوعاً، وأن رهان حكومة بنيامين نتنياهو ومن خلفه إدارة الرئيس دونالد ترامب في واشنطن، يقوم على وضع اتفاق إذعان مثل الذي عُرض على المقاومة لقاء تأمين دخول كميّة من المساعدات ولو لعدة أيّام، توفر بعض شحنات الغذاء وتؤخر حلول المجاعة.

– تدرك قيادة المقاومة والقيادة اليمنيّة أن لا فرص راهنة لتحوّلات في أوضاع المنطقة بحجم يُغيّر وجهة الحرب، وأن ما توفره الساحة العالميّة من حراك لنصرة غزة يُقدّم أفضل ما لديه ويضغط إعلامياً وسياسياً، لكن ذلك لا يكفي لفرض التحوّل المطلوب، وأن إحداث توازن في موقع كل من المقاومة والاحتلال في المفاوضات يستدعي إلحاق خسائر والتهديد بمخاطر تعادل رهان الاحتلال على حرب التجويع.

– تدرك قيادة المقاومة والقيادة اليمنية أن المطلوب واضح وهو الرمي بكل أوراق القوة التي يملكانها في الميدان في سباق مع الوقت، هو وقت فتك الجوع بالأرواح الفلسطينية المعذبة والصامدة في غزة، وأوراق القوة واضحة وهي العمليّات النوعيّة الموجعة لجيش الاحتلال بكثافة وضراوة بما يكفي لنقل جيش الاحتلال من التذمّر والاحتجاج إلى الصراخ بأعلى الصوت لوقف الحرب، من جهة، ومن جهة موازية تكثيف الهجمات الصاروخيّة اليمنيّة بصورة تدفع الجبهة الداخلية في كيان الاحتلال إلى الانتقال من التصويت في استطلاعات الرأي ضد استمرار الحرب إلى الانخراط في حركة في الشارع تهدّد بإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو ما لم تقف الحرب.

– تلاقي فعل العوامل الثلاثة في السعي لتغيير المشهد يستند إلى تاريخ وفعل كل منها، فمن جهة تتقدّم الضغوط المتزايدة عالمياً على حكومة نتنياهو، والعزلة التي تتسع دائرة المشاركين فيها، والتداعيات الداخليّة لذلك على تماسك الرأي العام حول حكومة نتنياهو. وهذا الضغط لا يجري من نقطة الصفر بل هو يستند إلى تراكم عمره سنة وعدّة شهور تحوّل معها التضامن مع غزة إلى جزء من الحياة اليوميّة لملايين المتظاهرين على مساحة العالم، ومن جهة ثانية يأتي تصاعد العمل المقاوم النوعيّ وتوسيع نطاقه ليشمل دفعة واحدة أنحاء قطاع غزة شمالاً وجنوباً ووسطاً، ورفع كلفة الاحتلال بالآليّات والضباط والجنود الى حدّ يفوق قدرة الجيش على الاحتمال، ويدفع بقيادته إلى الضغط المباشر على حكومة نتنياهو لوقف الحرب، أو قبول صيغ تفاوضيّة قابلة للحياة تتيح فرص التوصل إلى اتفاق، والأمر يستند إلى إشكاليّات بنيويّة صعبة يعيشها الجيش بفعل تداعيات حرب عمرها عشرون شهراً، سواء على مستوى نقص العنصر البشريّ أو تراجع الروح القتالية أو تمرّد الاحتياط عن الالتحاق، ومن جهة ثالثة يتقدّم اليمن بعد فوزه بالنزال مع أميركا وإجبارها على الخروج من ساحة القتال، ليمسك بالزناد ويصوّب على الجبهة الداخليّة للكيان وقد أصابها بالإرهاق، وهي تعيش حال الهرب كل يوم من الصواريخ التي تجعل الحياة لا تطاق في وسط الكيان وتغيّر جدول أعمال ملايين المستوطنين، بينما تقول الإحصاءات الإسرائيلية إن إقفال مطار بن غوريون أصبح أمراً مقلقاً بنتائجه الاقتصادية والسياسية والمعنوية.

– الواضح أن شهر حزيران سوف يقرّر مصير الأشياء الكثيرة التي تدور حولها الحرب في غزة، وأن المقاومة تدرك أن الموافقة على الصيغ المفخّخة للاتفاقات التي لا تنتهي بـ وقف نهائيّ للحرب، تعني بلوغ مرحلة إلقاء السلاح والاستسلام وفتح الطريق لمذبحة كبرى بحق الفلسطينيين ونكبة جديدة للقضية الفلسطينية ومسيرة تهجير تاريخيّة لسكان قطاع غزة، وأن قول لا لصيغة الاتفاق، ولو بطريقة دبلوماسيّة يفرض امتلاك خطة تفرض التفاوض على شروط جديدة تلبي الحد الأدنى لطلبات المقاومة وشروطها، ولذلك نحن نرى ما يجري منذ أسبوع ونستنتج ما قد يجري خلال هذا الشهر الفاصل، بحيث يزداد عدد صواريخ اليمن اليوميّة وقد تتغيّر نوعيتها نحو الأكثر قدرة والأكثر تسبباً بالأذى، وبالتوازي تبدو عملية تصاعد القتال في غزة، وصولاً لما قالته عمليّة الأمس النوعيّة في جباليا من أن مساراً نوعياً تصاعديّاً قادم وبسرعة تلاقي سرعة زحف الجوع على أهل غزة الصامدين.

 

* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية

مقالات مشابهة

  • لإنهاء المقاومة.. الاحتلال ينقل نموذج تدمير رفح لشمال الضفة الغربية
  • محللون: تصدع بين حكومة الاحتلال وجيشه بسبب مستنقع غزة
  • اعتقالات واقتحامات وسرقة ممتلكات.. الضفة الغربية تحت نيران الاحتلال
  • الضفة الغربية.. استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال في الخليل
  • استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي جنوب الضفة الغربية
  • غزة واليمن ومعادلات حزيران
  • محللون عسكريون: المقاومة بغزة تقاتل بطريقة مختلفة ضد جيش يتخبط ويستنزف
  • باحث سياسي فلسطيني: إسرائيل تسعى للسيطرة الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 2017
  • عيد أضحى دامٍ.. الاحتلال الإسرائيلي يعتقل العشرات ويقتحم مدن الضفة في تصعيد جديد
  • الاحتلال الإسرائيلي ينفّذ عمليات هدم واسعة شمال الضفة الغربية