أزمة مصرف ليبيا المركزي تنذر بمواجهة أوسع
تاريخ النشر: 30th, August 2024 GMT
تسبب نزاع حول السيطرة على مصرف ليبيا المركزي في اضطرابات واسعة لإنتاج البلاد من النفط، وينذر بالتحول إلى أسوأ أزمة منذ سنوات في بلد يعد مصدّرا كبيرا للطاقة، لكنه منقسم منذ فترة طويلة بين فصائل متناحرة في الشرق والغرب.
وتفاقم الخلاف عندما تحركت فصائل من الغرب هذا الشهر للإطاحة بالمحافظ المخضرم، الصديق الكبير، مما جعل فصائل في الشرق تقدم على وقف إنتاج النفط بالكامل.
وصار الوضع متداخلا للغاية لدرجة أنه في حين يحتفظ الكبير بالسيطرة على الموقع الإلكتروني للمصرف المركزي، فإن مجلسا منافسا عينه المجلس الرئاسي يصدر بيانات عبر صفحة البنك الموثقة على موقع فيسبوك.
ونقلت صحيفة فايننشال تايمز، الجمعة، عن الكبير، الذي سافر إلى الخارج مع تطور الأزمة، القول إن "الميليشيات تهدد وترهب موظفي البنك، وتخطف في بعض الأحيان أطفالهم وأقاربهم".
وقد أصبح المصرف المركزي مشلولا بسبب اتباع سياسة حافة الهاوية التي تركته عاجزا عن إجراء معاملات لأكثر من أسبوع مما يهدد قدرته على القيام بالمهام الاقتصادية الأساسية، ولا يبدو أن أيا من الجانبين مستعد لتقديم تنازلات مما يزيد من احتمالات تدهور الوضع يوما بعد يوم.
وسيواجَه أي تحرك لحل الأمور سلميا بتعقيدات يفرضها المشهد المنقسم إلى مؤسسات حكم متنافسة تتمسك بمزاعم هشة للشرعية ولا ينظم عملها قواعد تذكر متفق عليها، وتدعمها فصائل مسلحة متغيرة المواقف والولاءات.
والأسوأ من ذلك هو أن الخلاف يأتي في وقت تعثرت فيه الدبلوماسية الدولية في حل الأزمة السياسية الأساسية في ليبيا مع شغور منصب مبعوث الأمم المتحدة وغياب المؤشرات حتى الآن على نجاح القوى الأجنبية في كبح جماح الفصائل المتنافسة.
وقال جلال الحرشاوي الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة "لقد انتهى التوازن الذي ساد العامين الماضيين. والآن تحاول الأطراف الفاعلة بناء نفوذ جديد. لذا فمن المتوقع أن تتفاقم الأزمة إلى حد كبير".
ويشغل الكبير منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي في عام 2011 والتي دفعت البلاد في دوامة الفوضى، وأصبح محافظ البنك لاعبا رئيسيا بين قادة الفصائل والسياسيين الذين يخوضون صراعا بلا نهاية على السلطة.
ومع انهيار الدولة بين الفصائل المتنافسة، ظل مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط بعيدين عن الصراع مما كفل استمرار بعض وظائف الحكومة.
ويقضي القانون الليبي المدعوم باتفاقيات دولية بأنه لا بيع للنفط إلا عبر المؤسسة الوطنية للنفط على أن تنتقل العائدات إلى مصرف ليبيا المركزي حيث تستخدم لتمويل رواتب موظفي الدولة والهيئات الحكومية في البلاد.
وبدأ هذا المبدأ يتداعى في 2022 حين نصب رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة رئيسا جديدا للمؤسسة الوطنية للنفط، في تسوية فيما يبدو مع الفصائل الشرقية، مما أدى إلى تخفيف الضوابط على قطاع النفط.
لكن خلافا نشب بين الدبيبة والكبير حول الإنفاق وقضايا أخرى، وكان يبدو أن محافظ مصرف ليبيا المركزي يتقارب أكثر مع خليفة حفتر، قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي).
ومن خلال التحرك لاستبدال الكبير، يلقى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، بدعم من الدبيبة، بالسيطرة على الموارد المالية الهائلة في ليبيا في قلب الصراع ولا يستطيع أي من الجانبين التراجع بسهولة.
وقال تيم إيتون من تشاتام هاوس "وجهة نظري العامة هي أن هذه قضية سياسية وليست بيروقراطية. لكنها خطيرة للغاية. وفي غياب توافق الآراء، قد تتقوض فعليا أقوى مؤسسة متبقية في البلاد".
ويتعارض التخلص المعلن من الكبير فيما يبدو مع الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015 الذي قامت عليه أسس تعامل المجتمع الدولي مع الفصائل الليبية على مدى عقد تقريبا.
والحصول على قبول دولي لمحافظ مصرف ليبيا المركزي أمر بالغ الأهمية، ذلك لأن عائدات النفط الليبي المستحقة للمؤسسة الوطنية للنفط تُدفع بالدولار في حسابها بالمصرف الليبي الخارجي في نيويورك قبل أن تنتقل إلى حساب حكومة طرابلس في مصرف لبيبا المركزي.
وحتى الآن، يبدو أن مجلس الإدارة الجديد الذي أعلنه المنفي غير قادر على السيطرة على العمل داخل المصرف. وفي مؤتمر صحفي، الأربعاء الماضي، طلب المجلس من الصديق الكبير تسليم الرموز التي تسمح له بإجراء التحويلات.
كما حث البنوك الليبية على دفع رواتب العاملين بالدولة من احتياطياتها ووعد بسدادها عندما يبسط سيطرته الكاملة على المعاملات.
ورد الكبير ببيان على موقع مصرف ليبيا المركزي طلب فيه من البنوك تجاهل تعليمات الأشخاص الذين ينتحلون صفة أعضاء مجلس الإدارة.
وإذا طال أمد الصراع من أجل السيطرة على عمل المصرف، فإن جميع رواتب موظفي الدولة والتحويلات بين البنوك وخطابات الاعتماد اللازمة للواردات ستصبح مستحيلة، مما سيؤدي إلى تجميد الاقتصاد وتجارة ليبيا مع الدول الأخرى.
وقال موظفون في بنكين بشرق ليبيا إن عمليات المقاصة للبنوك الموجودة في غرب البلاد توقفت، إلى جانب معالجة التحويلات الأجنبية. كما توقف دفع رواتب العاملين بالدولة.
وفي غضون ذلك، سيؤدي إغلاق حقول النفط في شرق ليبيا إلى حرمان مصرف ليبيا المركزي من أي أموال جديدة تدريجيا فضلا عن تقليل المكثفات المتاحة لمحطات الطاقة، مما يهدد بعودة انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة قريبا.
كل هذا يزيد من الصورة المستقبيلة تشاؤما أمام الليبيين ويفاقم خطر لجوء الفصائل المسلحة إلى القتال مجددا بعد وقف إطلاق النار قبل نحو أربع سنوات والذي أنهى آخر موجة كبيرة من الأعمال القتالية.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: مصرف لیبیا المرکزی الوطنیة للنفط
إقرأ أيضاً:
عربات جدعون.. إسرائيل تطلق أوسع عملية عسكرية في غزة وتحذيرات من تهجير جماعي
في خطوة مفصلية تمثل تصعيدًا كبيرًا في الحرب المستمرة على قطاع غزة، أعلنت إسرائيل رسميًا إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق تحت اسم "عربات جدعون"، رغم استمرار الجهود الدبلوماسية للوصول إلى اتفاق تهدئة وتبادل أسرى.
ويأتي هذا الإعلان بعد سلسلة من الضربات الجوية المكثفة التي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، ما يهدد بإعادة إشعال فتيل المواجهات على نطاق أوسع في المنطقة.
أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان رسمي، بدء تنفيذ ضربات واسعة النطاق ونقل قوات إلى قطاع غزة، في إطار ما وصفه ببداية حملة "عربات جدعون" وتوسيع المعركة لتحقيق أهداف الحرب، وعلى رأسها تحرير المختطفين وحسم المعركة مع حركة حماس.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن البيان الصادر عن الجيش كان "دراماتيكيًا" وجاء في وقت متأخر من الليل، ما يعكس طبيعة القرار وخطورته، كما ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن العملية تتضمن "العمل على السيطرة على أراضٍ داخل قطاع غزة".
وفي السياق ذاته، كشفت القناة 12 الإسرائيلية أن الجيش كان يستعد خلال الأيام الماضية للانتقال إلى هذه العملية، والتي تهدف إلى زيادة الضغط على حماس. وصرّح مصدر أمني بأن القصف العنيف الذي نفذ في شمال غزة ليلة الخميس والجمعة يمثل تحضيرًا لتوسيع الغارة والدخول البري المتوقع للقوات البرية والمدرعة.
وأسفرت الضربات الجوية الإسرائيلية التي سبقت الإعلان عن العملية عن مقتل 110 فلسطينيين وإصابة مئات آخرين بجروح متفاوتة، مما يزيد من مأساوية الوضع الإنساني في القطاع.
المفاوضات مستمرة.. لكن بدون تقدمرغم التصعيد العسكري، لا تزال المفاوضات غير المباشرة جارية بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية. وكانت إسرائيل قد ربطت انطلاق العملية العسكرية بانتهاء جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مهددة بالتحرك في حال فشل المحادثات.
وذكر موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي أن فريق التفاوض الإسرائيلي لا يزال في العاصمة القطرية الدوحة، ومن المتوقع أن يبقى حتى مساء السبت على الأقل. ونقل عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إنه "رغم غياب التقدم، فإن فرص التوصل إلى اختراق لم تنخفض إلى الصفر".
كما أشار وزير إسرائيلي إلى أن نتنياهو لا يزال مهتما بإتمام صفقة الرهائن، ولذلك قرر مواصلة المفاوضات رغم تعثرها، ويُتوقع أن يعقد المجلس الوزاري السياسي والأمني الإسرائيلي "الكابينت" اجتماعًا يوم الأحد لبحث توسيع العملية في غزة.
فشل الجولة التفاوضية الحاليةبحسب الوسطاء، فإن الوفد الإسرائيلي لم يبدِ جدية في التفاوض، ولم يقدم أي عروض جديدة، ما دفعهم إلى وصف هذه الجولة بأنها "الأسوأ على الإطلاق".
ونقل الموقع الإسرائيلي عن مصادر في الوساطة قولهم إن "الانطباع السائد هو أن الوفد الإسرائيلي جاء لإفشال المحادثات، لا لإنجاحها"، معتبرين أن إسرائيل تسعى لتبرير العودة إلى الحرب المفتوحة.
ووافقت الحكومة الإسرائيلية، ممثلة بـ"الكابينت"، على خطة "عربات جدعون" في 6 مايو الجاري، وتهدف إلى:
القضاء التام على حركة حماسترسيخ وجود عسكري إسرائيلي طويل الأمد في غزةضمان عودة جميع الرهائن الإسرائيليينوبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تمر الحملة بثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى: الاستعداد والتجهيزبدأت المرحلة الأولى قبل أيام، وانتهت مع نهاية جولة ترامب. تضمنت هذه المرحلة إعداد مناطق جنوب غرب القطاع، خاصة منطقة رفح، لاستيعاب نحو مليوني فلسطيني. وقد فرغت هذه المناطق من السكان، ودُمّرت معظم مبانيها، فيما تؤكد إسرائيل أن الأنفاق الموجودة هناك غير صالحة للاستخدام من قبل حماس.
وشاركت شركة أمريكية في إنشاء مراكز لوجستية لتوزيع المساعدات الغذائية والطبية على السكان، بإشراف الجيش الإسرائيلي.
المرحلة الثانية: قصف تمهيدي وإجلاء سكانيبدأ الجيش في هذه المرحلة بـ نيران تمهيدية كثيفة من الجو والبر، ويطلب من السكان إخلاء منازلهم والانتقال إلى مناطق آمنة. والهدف هنا مزدوج:
الضغط على حماس لوقف القتالتشجيع السكان على مغادرة غزة نحو مصر أو البحر أو أي وجهة خارجيةكما سيتم في هذه المرحلة توزيع مساعدات إنسانية محدودة، وإجلاء المرضى والجرحى خارج القطاع.المرحلة الثالثة: القتال والاحتلال والبقاء الطويلتدخل القوات البرية الإسرائيلية إلى المناطق التي أُخليت من المدنيين، لمحاربة المسلحين المتبقين وفقًا لنموذج العمليات السابق في رفح وخان يونس.
وتهدف هذه المرحلة إلى تفكيك بنية حماس والجهاد وقطع الاتصال بين كتائبهم المختلفة، عبر وجود عسكري دائم يمنع إعادة تنظيم المقاومة المسلحة.
3 فرص لخروج حماس من المواجهةحدد المخطط العسكري الإسرائيلي ثلاث "محطات خروج" لحماس:
قبيل تحريك السكان في المرحلة الثانيةقبل أو خلال بدء العملية البريةقبيل التجنيد الواسع للاحتياط والسيطرة الشاملة على القطاعخمس أدوات ضغط مركزية في خطة "عربات جدعون"تستخدم الخطة خمس روافع ضغط ضد حماس:
السيطرة على أراضٍ في غزة وقطع خطوط الاتصال بين الكتائبتحريك السكان بعيدًا عن مراكز نفوذ حماسمنع حماس من الوصول للمساعدات الإنسانيةعزل الكتائب عن بعضها البعض وعن السكان المدنيينالحرب النفسية – إيصال رسالة واضحة لحماس عن ثمن استمرار القتالوبينما تسعى الوساطات الإقليمية والدولية إلى التوصل إلى حل دبلوماسي، يتجه الميدان نحو تصعيد مفتوح، مع تنفيذ إسرائيل أكبر خطة عسكرية برية محتملة منذ بداية الحرب. ومع استمرار الجمود في المفاوضات، فإن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل القطاع وسكانه، وكذلك مصير الرهائن وأهداف إسرائيل العسكرية والسياسية على حد سواء.
وفي هذا السياق، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية، إن زيارة ترامب كانت تهدف في الأساس إلى إعلان التوصل إلى هدنة شاملة، غير أن ما وصفه بـ"شروط رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو" كانت العائق الأساسي أمام هذا الإعلان.
وأضاف الرقب في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن العقدة الكبرى تكمن في رفض إسرائيل تقديم أي التزام رسمي أو دولي بوقف الحرب، حتى بعد تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، التي تتضمّن الإفراج عن 10 من الأسرى الإسرائيليين مقابل هدنة تستمر لعشرة أسابيع، إلى جانب إطلاق سراح نحو 2000 معتقل من قطاع غزة و500 من المعتقلين القدامى.
لا ضمانات أمريكية.. والمفاوضات تراوح مكانهاوأوضح الرقب أن المقاومة الفلسطينية، "حتى اللحظة، لم تحصل على أي ضمانات أميركية حقيقية بوقف الحرب، وهو ما يُعيق الإعلان عن التهدئة رغم استمرار المفاوضات التي تجري برعاية كل من قطر ومصر".
وشدد على أن هذه الضبابية في الموقف الأمريكي تُعدّ إحدى أبرز العراقيل في طريق التوصل إلى حل، خصوصًا في ظل الضغط الشعبي والسياسي داخل إسرائيل، والذي يدفع باتجاه مزيد من التصعيد.
خطة مراكب جدعون.. جريمة ديموجرافية؟وفي تطوّر خطير، لفت الرقب إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يروّج لما يُسمّى بـ"خطة مراكب جدعون"، وهي خطة تتضمن تهجيرًا جماعيًا لسكان غزة عبر دفعهم جنوبًا إلى رفح، ثم ترحيلهم عبر مطار "رامون" في صحراء النقب.
وصف الرقب هذه الخطة بأنها "جريمة منظمة تهدف إلى فرض واقع ديموجرافي جديد"، معتبرًا أن الصمت الأمريكي تجاهها يثير الريبة، وربما يكون مؤشرًا على أن الخطة جزء من صفقة جيوسياسية أوسع تُطبخ في الكواليس.
وختم الرقب بالتحذير من أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة، التي تحدث فيها عن "استمرار القتال" و"مفاجآت قادمة"، تعكس نية مبيّتة لإفشال أي اتفاق مرتقب، وتؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تُراوغ وتستعد لجولة جديدة من التصعيد.