«الصيد والفروسية» ينقل تراث الإمارات للعالم
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
هالة الخياط (أبوظبي)
اختتمت أمس، فعاليات معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية في دورته الـ21، التي استمرت لـ9 أيام في مركز أدنيك أبوظبي بحضور جماهيري واسع، محققاً نجاحات جديدة في استقطاب أنظار العالم إلى تراث دولة الإمارات وتاريخها العريق، ومسلطاً الضوء على أهم الرياضات المتعلقة بالصيد بالصقور والفروسية.
وشهدت قاعات مركز أدنيك أبوظبي، أمس، اختتام فعاليات المعرض الذي امتد على مساحة 87 ألف متر مربع، بمشاركة أكثر من 1.742 شركة عارضة وعلامة تجارية من 65 دولة احتضنتها العاصمة أبوظبي راعية الثقافة والصيد المستدام، والتي باتت بفضل هذا الحدث المتجدد كل عام مركزاً مهماً على الخريطتين الإقليمية والدوليّة يجمع أصالة التراث العريق وأحدث ما تقدمه تكنولوجيا اليوم.
وتألقت خلال المعرض، الذي يقام سنوياً برعاية سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، رئيس نادي صقاري الإمارات، العديد من الشركات المحلية والعالمية الرائدة في مجال توفير منتجات الصيد الفاخرة والعريقة التي تضفي رونقاً خاصاً على المعرض لكونها تستهوي عشاق الصيد من مختلف أنحاء العالم.
ويهدف المعرض إلى الحفاظ على رياضة الصيد بالصقور كتراث إنساني، ويقدم عروضاً فلكلورية حول الصيد بالصقور وتربيتها، ويشهد الزوار منصات مخصصة لعرض الصقور المُكاثرة في الأسر.
وقال سعد الحساني، مدير معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، لـ«الاتحاد»، في ختام فعاليات المعرض، إن الدورة الحالية للمعرض شكلت انطلاقة جديدة لمسيرة حافلة امتدت عبر عقدين من الزمن، لترسم ملامح قصة نجاح متجددة تُضاف إلى إنجازات الدولة وإمارة أبوظبي في هذه القطاعات الحيوية.
وأضاف، أن المعرض شهد تطوُّراً مستمراً، متبنياً الابتكار مع بقائه وفياً للقيم الأساسية للثقافة والتراث الإماراتي، حيث قدمت نسخة هذا العام 13 ميزة جديدة وتحسينات على القطاعات الـ11 التي وفرت للزوار تجربة غنية، فضلاً عن أنَّ المزادات الفريدة التي تم استضافتها تعدُّ من أبرز معالم الحدث، حيث تحتفي بالتقاليد العريقة والحياة البرية في وطننا، وتوفِّر منصة للمتحمِّسين للتواصل مع جوهر الحرفية والثقافة الإماراتية، بما ساهم في توفير تجربة فريدة لجميع الزوّار والمشاركين.
وشهدت قاعات مركز أدنيك أبوظبي، أمس باعتباره اليوم الأخير للمعرض، إقبالاً كبيراً من هواة التخييم والصقارة والفروسية، ممن تجذبهم المشاركات المتنوعة التي يشهدها المعرض، وتجمع بين التقاليد الثقافية والتراث الإماراتي والابتكارات المستقبلية التي تفتح آفاقاً جديدة للأعمال، وتجذب الإماراتيين من جميع الأعمار، وتعرض أنماط حياة المغامرة والأنشطة الخارجية.
وسجّل العارضون المُصنّعون لأسلحة الصيد نسبة إقبال عالية في دورة هذا العام من قبل شركات وعلامات تجارية مرموقة من مختلف أنحاء العالم. كما سجّلت الشركات الوطنية المُصنّعة لأسلحة الصيد وجوداً ملحوظاً في المعرض، حيث حظيت أجنحة أسلحة الصيد بنسبة إقبال عالية من قبل زوار المعرض.
وأكد حمد العامري، الرئيس التنفيذي لشركة كراكال، أن المعرض يعتبر أكبر معرض للصيد والفروسية والحفاظ على التراث في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يستقطب الحدث السنوي البارز أكثر من 150 ألف زائر محلي وعالمي لاستكشاف أحدث التقنيات والابتكارات والاتجاهات في مجالات الفروسية والصيد.
إعلان الفائزين بمسابقات المعرض
شهد اليوم الختامي لمعرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية «ADIHEX» الإعلان عن الفائزين في مجموعة من المسابقات التي أقيمت خلال المعرض.
وتم منح جائزة «أفضل تصميم جناح في كل قطاع» هذا العام استنادًا إلى ثلاثة معايير أساسية هي الاستدامة، والإبداع، والوظيفية، وقام فريق من المحكمين المتميزين بتقييم الأجنحة بناءً على استخدام المواد الصديقة للبيئة، ومدى توافقها مع شعار المعرض «احتضان المستقبل وتكريم الماضي»، إلى جانب الابتكار في التصميم، وشملت المعايير الأخرى الابتكار في عرض المنتجات والخدمات، ومستوى الجذب والتفاعل مع الزوار، وتجربة الترحيب بالزوار.
وفي فئة قطاع الفروسية فازت بالجائزة جمعية الإمارات للخيول العربية وفي قطاع الصقارة فازت روزكونجرس الدولية، وفي قطاع المنتجات والخدمات البيطرية فازت العيادة البيطرية المتنقلة للصقور.
وفي قطاع معدات الصيد والتخييم فازت شركة «يو آر أوف رود»، وفي قطاع المركبات والمعدات الترفيهية الخارجية فازت شركة آيرون مان، وفي قطاع الصيد والرياضات البحرية فازت شركة اليام، وفي قطاع المركبات الترفيهية والكرافانات فازت شركة أرماديلو، وفي قطاع الأسلحة «معدات الصيد والرماية» فازت شركة تسليح، وفي قطاع الفنون والحرف اليدوية فازت الفنانة مريم الحساني، وفي قطاع حماية البيئة والتراث الثقافي فازت هيئة محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية وفي قطاع الصيد والسياحة والسفاري فاز بالجائزة المركز الطبيعي للحياة البرية.
وفي مسابقة «أفضل قاعدة صقر»، حصلت شركة خنجر على الجائزة عن تصنيع القواعد اليدوية للصقور، والتي تم تقييمها بناءً على جودة المواد، والوظيفية، وراحة وأمان الصقور، إضافة إلى التصاميم المبدعة التي تعكس التراث الإماراتي وحرفته بأسعار معقولة.
أما جائزة «أفضل أدوات صقارة مستخدمة في الصيد» فقد فازت بها «كلثم بلسيلاه» بفضل جودة المواد، ووظائف الأدوات، والأمان الذي توفره للصقور، مما يعكس تميز أدوات الصقارة التي قدمتها.
وفي مسابقة «أفضل سكين صيد»، التي كانت مفتوحة للأفراد والشركات على حد سواء، حازت شركة تمرين على الجائزة عن السكاكين التي تعكس الجودة والمتانة وسهولة الاستخدام، بالإضافة إلى التصاميم الإبداعية التي تستلهم التراث الإماراتي، وقد تمت الإشادة بهذه السكاكين كونها مقاومة للصدأ وآمنة ووظيفية لأغراض الصيد.
وفي جائزة «أفضل منحوتة في الحرف اليدوية التقليدية»، التي كانت مفتوحة للمشاركين في المعرض لعرض منحوتات تعكس أنماط الحياة التقليدية أو المهن القديمة، حصلت شركة تونكوف للنحت الخشبي على الجائزة بفضل التصاميم الإبداعية التي دمجت التراث الإماراتي واستخدمت المواد المستدامة.
كما فازت «تجربة محمد بن زايد مغنس التفاعلية» بجائزة «أفضل ميزة»، وحصل الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى على جائزة «أفضل جهود في الاستدامة»، تقديراً لقيادته المتميزة في مجال الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض، مع أكثر من أربعين عاماً من الابتكارات العلمية في استعادة الحبارى البرية.
لوحات
عرض الفنان خلفان جمعة بالحاج المراشدة، خلال جناحه المشارك للمرة الأولى في «معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية»، لوحات لقيادات ورموز دولة الإمارات، تم رسمها باستخدام «مكعبات روبيك».
وقال، إنه حضر إلى المعرض بـ5 لوحات، منها لوحة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تم رسمها باستخدام 2800 مكعب، مشيراً في الوقت نفسه، إلى أن تنفيذها وإعدادها استغرق منه نحو شهر. وحول بداياته في هذا الفن، أوضح خلفان أن الفضول وحب الاستطلاع كانا العاملين الرئيسيين اللذين دفعاه إلى تجربة هذا الفن، ليتطور هذا الفن لديه مع مرور الوقت.
وبين أن «مكعبات روبيك هي واحدة من أكثر ألعاب الذكاء إنتاجاً والأشهر على مستوى العالم، حيث تم تصميمها وتنفيذها من قبل المخترع روبيك في أواخر الخمسينيات من القارن الماضي».
وتابع: في عام 2018 شرعت في استخدام تلك المكعبات، لرسم لوحات فسيفساء صغيرة، وبعد حصولي على نسخ ذات جودة عالية من تلك المكعبات، شرعت في رسم لوحات كبيرة الحجم، كان لها بالغ الأثر في نشر هذا الفن على مستوى أكبر. ويتراوح عدد المكعبات المستخدمة في رسم اللوحة الواحدة، من 500 إلى 4 آلاف قطعة، في الوقت الذي يستغرق فيه تنفيذ اللوحة من 10 إلى 50 ساعة عمل بحسب تفاصيل وجودة العمل الفني. وبمناسبة مشاركته الأولى في المعرض، قدم الفنان خلفان لزوار المعرض، تجربة فريدة، تمثلت في قيامه برسم لوحة لحصان «دبي ملينيوم» والذي توج بالعديد من السباقات، بما فيها كأس دبي العالمي. ويسعى خلفان حالياً إلى تنفيذ مشروع جديد يعتزم من خلاله تحطيم الرقم القياسي الخاص بأكبر «لوحة فسيفساء من مكعبات روبيك» والمقدر طولها بنحو 40 متراً، مشيراً في الوقت نفسه، إلى أن اللوحة ستظهر أهم المواقع الثقافية والسياحية المهمة التي تزخر بها دولة الإمارات.
مزادات
أتاح المعرض ولأول مرة في تاريخه فرصة للمزايدين لتقديم عطاءات عبر الإنترنت على صقور متميزة تم عرضها في منطقة عرض خاصة ضمن معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية 2024، أتاحت للمزايدين تقديم عطاءات لـ10 من أفضل أنواع الصقور بناءً على معلومات مفصلة متاحة على المنصة الافتراضية للمعرض. وقد حملت هذه الصقور بطاقات تتضمن معلومات مفصلة عن خصائصها على أجهزة لوحية تفاعلية.
تنظيم
أشاد خالد الكعبي، الرئيس التنفيذي في شركة أكيلا الإماراتية، بمستوى تنظيم المعرض وحجم المشاركات في هذه الدورة على المستويين المحلي والعالمي ونوعية المعروضات.
وأكد سالم المطروشي، الرئيس التنفيذي لشركة «تسليح» الإماراتية، أن المشاركة في هذا الحدث تكتسب أهمية كبيرة نظراً للمكانة المحلية والإقليمية والعالمية التي يحظى بها المعرض وتلبية لرغبات العملاء من صانعي القرار والعملاء المُهتمين باستدامة الرياضات التراثية الأصيلة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية أبوظبي الإمارات التراث التراث الإماراتي الصيد بالصقور معرض أبوظبی الدولی للصید والفروسیة التراث الإماراتی فازت شرکة وفی قطاع هذا الفن
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الأمن القومي 2025 الأمريكية تعيد تشكيل نظرة واشنطن للعالم
تُعدّ استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 إحدى أكثر الوثائق تأثيرا في رسم ملامح السياسة الدولية خلال العقد المقبل، إذ لا تكتفي بتحديد التهديدات التقليدية، بل تقدّم رؤية أعمق تعكس تحوّلا أيديولوجيا في الطريقة التي ترى بها الولايات المتحدة موقعها في العالم. فوفق تحليلات مؤسسات بحثية بارزة مثل معهد بروكينغز ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن الوثيقة تمثل انتقالا من "إدارة النظام الدولي" إلى "التنافس على تشكيله"، في لحظة عالمية يغلب عليها الاضطراب وتراجع اليقين. هذا الانتقال من "الإدارة" إلى "التشكيل" هو جوهر التحول الاستراتيجي؛ إنه اعتراف بأن العصر أحادي القطب قد انتهى، وأن واشنطن تسعى لفرض نموذجها وقيمها في مواجهة نماذج بديلة.
الصين من "منافس استراتيجي" إلى "خصم حضاري شامل"
تضع الاستراتيجية الجديدة الصين في صدارة التهديدات، مستخدمة مصطلحا لافتا هو "الخصم الحضاري الشامل" هذا التوصيف يعكس قناعة أمريكية بأن بكين لا تسعى فقط إلى التفوق الاقتصادي والعسكري، بل تهدف إلى إعادة صياغة النظام العالمي وفق نموذج حكمها المركزي ونسختها الخاصة من الحداثة.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هذه هي المرة الأولى التي تنظر فيها واشنطن إلى الصين باعتبارها قوة نظامية تريد تشكيل قواعد اللعبة الدولية بدلا من التكيّف معها. ولذلك تنتقل المنافسة بين الطرفين إلى مجالات استراتيجية تشمل التكنولوجيا المتقدمة، وسلاسل التوريد، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتأثير المؤسسات الدولية. استخدام مصطلح "الحضاري" يعمق الانقسام الأيديولوجي، مما يرفع المنافسة لتكون صراعا وجوديا بين نموذجين متنافسين يمتد ليشمل المؤسسات الثقافية والتعليمية.
تضع الاستراتيجية الجديدة الصين في صدارة التهديدات، مستخدمة مصطلحا لافتا هو "الخصم الحضاري الشامل" هذا التوصيف يعكس قناعة أمريكية بأن بكين لا تسعى فقط إلى التفوق الاقتصادي والعسكري، بل تهدف إلى إعادة صياغة النظام العالمي وفق نموذج حكمها المركزي ونسختها الخاصة من الحداثة. روسيا تهديد يمكن احتواؤه لا منافسته
على الرغم من استمرار الحرب في أوكرانيا، تتعامل الاستراتيجية الأمريكية مع روسيا بوصفها تهديدا "حادّا ومباشرا" لأمن أوروبا، لكنها ليست منافسا شموليا للنظام الدولي كما هي الصين. وتتبنى واشنطن مقاربة "إدارة الصراع" مع موسكو، في محاولة للحفاظ على تركيزها الاستراتيجي على آسيا.
ويرى خبراء في "تشاتام هاوس" أن هذا التحوّل قد تكون له انعكاسات مباشرة على الأمن الأوروبي، حيث يُخشى أن يؤدي إلى تقليص انخراط الولايات المتحدة تدريجيا في القارة، ما يدفع الأوروبيين إلى تطوير مفهوم "الاستقلال الاستراتيجي" بشكل أسرع، مهما كانت العقبات السياسية والاقتصادية. هذا التمييز يكرس "الانتقائية الاستراتيجية" الأمريكية، حيث تُعتبر روسيا تحديا تكتيكيا ومؤقتا يجب "إدارته" لتجنب تشتيت الانتباه عن محور التنافس الحاسم في آسيا.
أوروبا الحليف المتوتر والعاجز عن حماية هويته
لا تخفي الاستراتيجية لهجتها النقدية تجاه أوروبا، التي تتهمها بأنها تعاني "تآكلا حضاريا" نتيجة التحولات الديموغرافية والضغوط الاجتماعية الناتجة عن الهجرة والثقافات المتعددة. وترى الوثيقة أن هذه العوامل أضعفت قدرة أوروبا على حماية نموذجها الليبرالي.
وقد أثار هذا القسم جدلا واسعا، حيث اعتبر "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" أن واشنطن أصبحت تنظر إلى أوروبا بوصفها الحلقة الأضعف في النظام الغربي. وتبدو هذه الرؤية إشارة مباشرة إلى الأوروبيين بأنهم مطالبون بتقليل اعتمادهم الأمني على الولايات المتحدة، خاصة في ظل التحولات المتسارعة في موازين القوى العالمية. هذا القسم يؤكد أن الولايات المتحدة تستعد لـ "تقاسم العبء" بشكل أكثر صرامة، ويربط الأمن بالهوية، مما يظهر قلقا أميركيا عميقا يتجاوز القدرات العسكرية وصولا إلى تماسك النموذج الغربي نفسه.
تحالفات جديدة قائمة على الهوية والقيم
تتبنى الاستراتيجية الجديدة مبدأ "التحالفات المعيارية"، حيث تمنح الولايات المتحدة الأولوية للتعاون مع الدول التي تشترك معها في الهوية الحضارية والقيم السياسية، أكثر من تلك التي تتقاطع معها في المصالح وحدها. ويرى مركز "بروكينغز" أن هذا التحوّل قد يعمّق الانقسام الدولي، لأنه يعيد اصطفاف الدول وفق اعتبارات أيديولوجية وثقافية، بدلا من المنطق البراغماتي الذي حكم العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة. هذا التحول يمثل عودة إلى الاصطفافات الأيديولوجية والثقافية، مما قد يعمّق الانقسام بين المعسكرات الدولية، على حساب العلاقات القائمة على المصالح المادية وحدها.
عالم متعدد الأقطاب.. ومع ذلك مضطرب
توضح الاستراتيجية أن العالم يتجه نحو تعددية قطبية مضطربة، حيث تزداد القوى المؤثرة وتتناقص القدرة الأمريكية على ضبط الإيقاع العالمي. وتبرز آسيا كالمسرح الرئيس للتنافس، مدفوعة بصعود الصين والهند وتوسع تأثيرهما في الاقتصاد والتكنولوجيا.
لا تخفي الاستراتيجية لهجتها النقدية تجاه أوروبا، التي تتهمها بأنها تعاني "تآكلا حضاريا" نتيجة التحولات الديموغرافية والضغوط الاجتماعية الناتجة عن الهجرة والثقافات المتعددة. وترى الوثيقة أن هذه العوامل أضعفت قدرة أوروبا على حماية نموذجها الليبرالي. وتؤكد الوثيقة أن التكنولوجيا ـ وخاصة الذكاء الاصطناعي، والبنى التحتية الرقمية، والأنظمة ذاتية التشغيل، وحروب الفضاء والفضاء السيبراني ـ ستكون الميدان الرئيس للصراع القادم. وفي هذه البيئة، تدخل أوروبا مرحلة من الشكوك العميقة حول مستقبل الضمانات الأمريكية، بينما تتزايد الدعوات لإنشاء منظومة دفاعية أوروبية أكثر استقلالا.
ويرى "تشاتام هاوس" أن العقد المقبل سيشهد تحالفات مرنة وصراعات طويلة وتنافسا أعمق بين النماذج الحضارية، في عالم تتداخل فيه القوة العسكرية مع التكنولوجيا والقيم في آن واحد. النقطة الجوهرية هنا هي أن "من يملك التكنولوجيا، يملك مفاتيح المستقبل". هذا يرفع من قيمة "التنافس التكنولوجي" ليصبح مساويا في الأهمية للتنافس العسكري والجيوسياسي.
بداية عصر جديد من التنافس الشامل.. واستشراف لمستقبل مضطرب
تكشف استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 أن الولايات المتحدة ترى نفسها في قلب صراع طويل على هوية النظام الدولي. فالصين خصم حضاري شامل، وروسيا تهديد يمكن ضبطه، وأوروبا حليف يحتاج إلى إعادة تأهيل، بينما تتحول التكنولوجيا إلى الركيزة المركزية للقوة في القرن الحادي والعشرين.
وتشير هذه الرؤية إلى أن الولايات المتحدة تتجه إلى تركيز جهودها على آسيا، باعتبارها محور التنافس الحاسم. وهذا سيقود على الأرجح إلى تراجع نسبي للدور الأميركي في أوروبا والشرق الأوسط، ما قد يخلق فراغات استراتيجية لن تستطيع القوى المتوسطة ملأها بسهولة.
أما على المدى البعيد، فإن العالم يبدو أنه متجه نحو نظام متعدد الأقطاب لكنه عالي التوتر، حيث تتداخل المنافسة في ثلاثة مجالات رئيسية: التكنولوجيا الفائقة، والموارد الاستراتيجية، والتحالفات القائمة على الهوية الثقافية والقيم.
وإذا لم تُطوَّر آليات دولية لإدارة هذا التنافس، فإن العالم قد يدخل مرحلة "اللاسلم واللاحرب المستدامة" التي يتوقعها العديد من الباحثين في الأمن الدولي مرحلة لا تشهد حروبا كبرى، لكنها لا تعرف سلاما مستقرا كذلك.
إن هذه الاستراتيجية، في جوهرها، ليست وثيقة أمنية فحسب، بل خريطة للعالم القادم: عالم تتقاطع فيه الجغرافيا مع التكنولوجيا، ويتنافس فيه المنطق الحضاري مع المصالح الاقتصادية، وتعود فيه القوة إلى معناها الأكثر تعقيدا: من يملك التكنولوجيا، يملك مفاتيح المستقبل.
السيناريو المستقبلي المتوقع هو نظام عالمي غير مستقر، حيث تكون المنافسة المستمرة هي القاعدة الجديدة، بدلا من السلام المستدام.