جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-12@05:44:34 GMT

صونٌ للحياة.. رسالةٌ ونداء

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

صونٌ للحياة.. رسالةٌ ونداء

                  

د. سليمان بن خليفة المعمري

تُعدُّ البيئة بما تتضمنه من غِطاء أخضر من سهول وغابات ونباتات، أحد مقومات الحياة على هذا الكوكب؛ إذ إنها تمدُّه بالأُكسجين الضروري لاستمرارية الحياة، وبالتالي فهي رِئَة العالم التي تحيا بها الكائنات، كما تُشكِّلُ البيئة الوسط الطبيعي والاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياتية ويدخل معها في علاقات متبادلة.

إلّا أنه- وللأسف الشديد- بدأت علاقة الإنسان بالبيئة تنحو منحى خطير وتتجه نحو الانزلاق في هاوية سحيقة عبر مجموعة من التصرفات والسلوكيات البيئية الخاطئة؛ إذ نجد الكثير من سلوكيات اللامبالاة والتعدي على البيئة وقطع الأشجار والاحتطاب والرعي الجائر، ورمي النفايات وفضلات الأطعمة في الأماكن العامة، والعبث بمرافق الحدائق العامة، والقيادة المتهورة للسيارات، وترك مخلفات البناء ورمي الحيوانات النافقة في غير الأماكن المخصصة لها وعدم الاكتراث بمخلفات الورش التجارية والمصانع، والتعامل غير الحضاري مع المفردات البيئية.

والواقع أن كل هذه التصرفات غير المسؤولة تعكس إلى أي مدى أصبح الإنسان يُسيء التصرف في تعامله مع البيئة.

ونتيجةً لذلك تَلاحَظَ زيادة الاختلالات البيئية كذوبان الثلوج وحدوث الفيضانات والأعاصير وانقراض بعض الكائنات والتغيُّرات المناخية كارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار وارتفاع منسوب مياه البحار، وغيرها من الظواهر التي تُهدد النظام والتوازن الايكولوجي للبيئة، مما جعل العلماء يدقون ناقوس الخطر. وترى الدراسات أنه بحلول عام 2050 ستحتاج البشرية إلى كوكبين بحجم الأرض للوفاء بالاحتياجات البشرية المتزايدة!!

ولقد أصبحت التهديدات والمشكلات البيئية واقعًا لا يمكن إنكاره، وإنّ مما يؤسف له أن السلوكيات البيئية السلبية لم تقتصر على الأفراد فقط؛ بل شملت مؤسسات وشركات عالمية تُمارِس أشد الأعمال منافاةً للأخلاق وتخليًا عن المسؤولية بحق البيئة؛ حيث تقوم بإلقاء مخلفات صناعاتها مُتسببةً في تلويث البحار وامتلاء الأجواء بالأدخنة والغازات والعوادم، وتضرُّر اليابسة؛ مما أدى إلى إهلاك الحرث والنسل، حتى أضحت الأرض وقد صدق عليها وصف الشاعر:

عادتْ الأرضُ وهادًا شاحباتٍ وحزونًا

ترتدي الوحشةَ والهولَ ضبابًا ودجونًا

وأقاحيها هشيمًا لا أريجًا وفتونًا

وكل ذلك لم يكن ليحدث لولا تقديم القيم الاقتصادية والتجارية والتقنية على حساب قيم وأخلاقيات الحفاظ على البيئة وصون الطبيعة، يُضاف إلى ذلك وقوف العالم عاجزًا، رغم ما شرعه من نُظم وقوانين أمام الفساد الذي يضرب أطنابه حول البيئة المهددة بمخاطر لا حصر لها، وما علِمت البشرية أن باستمرائها الإساءة إلى البيئة، فإنها بذلك تفتح على نفسها أبواب الجحيم وتُهدد الحياة على سطح الأرض بالفناء.

إنَّ الاعتداء على البيئة- كما يرى علماء النفس البيئي- يُعد سلوكًا مَرَضِيًّا يوجب التدخل والتعديل كما إنه السبب الأساس لحدوث الاختلال البيئي، وعلى العكس فإن اهتمام الفرد بالبيئة وسعيه للحفاظ على مكوناتها الطبيعية حينما ينذر الفرد حياته للحفاظ على البيئة وحماية أنواعها المهددة بالانقراض هي من الأمور التي تجعل لحياته معنى، كما عند عالم النفس الشهير فيكتور فرانكل، ولذا فإن الإجراء الذي ينبغي اتخاذه يتمثل في تربية الأفراد تربيةً بيئيةً تضمن تحقيق الوعي والتنور البيئي والفهم الصحيح لأسس التفاعل الإيجابي مع البيئة، وتُرسِّخ لديهم القناعة بأهمية تنمية الموارد الطبيعية والحفاظ عليها واكتساب اتجاهات إيجابية نحو البيئة، وتعزيز الرقابة الذاتية وزيادة صلة الفرد بالأنظمة البيئية وألّا يكون مصدرا للعبث والدمار البيئي.

والحق أن السلوك البيئي المسؤول أصبح ضرورة حتمية على الأفراد والمؤسسات للحفاظ على البيئة وبناء مجتمع ينعم بالرفاهية والنماء، وأنّ هذا السلوك لا يتأتى إلّا عبر تحلي الجميع بالمسؤولية الأدبية والأخلاقية والاجتماعية تجاه قضايا المجتمع والبيئة. علاوة على أنَّ الحفاظ على البيئة يعد استجابة لواجب ديني وإسلامي بالدرجة الأولى، قبل أن يكون استجابة لدعوات عالمية أو تنفيذًا لاتفاقيات دولية، ففي الوقت الذي يأمر الله عز وجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالقيام بأعباء الدعوة المحمدية في بداياتها الأولى، يخاطبه ربنا سبحانه وتعالى بقوله: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)" (سورة المُدَّثِر)، آمرًا إياه- صلى الله عليه وسلم- والأمة المُحمَّدِيّة كافةً بالنظافة وطهارة الثياب، وفي هذا إشارة لطيفة إلى أهمية النظافة وأنها طوق النجاة ضد الكثير من الآفات والكوارث والجوائح التي قد تصيب الإنسان والبيئة.

وإنّ مما يؤسف له أن لا يمتثل البعض هذا التوجيه القرآني الرفيع ولا يسلك هذا السلوك القويم في تعامله مع البيئة، فتجده يلقي بالمخلفات في أماكن تنزهه ورحلاته، وإنْ تعجب فعجبٌ لأناس يحرصون على نظافة بيوتهم، وما إنْ يبلغوا عتبات أبواب منازلهم حتى تراهم يرمون النفايات والأوساخ أنّى شاءوا، أو أنْ ترى أناسًا يقضون الساعات في تنظيف وتلميع سياراتهم، وما إنْ ينتهوا، حتى يتركوا مخلفات تنظيفهم على قارعة الطريق، مُتجاهلين الأضرار الجسيمة التي قد تُسببها للأشجار والحيوانات والكائنات الحية وتعمل على زيادة التلوث وتشويه المنظر العام وفساد جمالية المكان وغيرها من أضرار.

وختامًا.. آملُ أن تُشكِّل هذه الإطلالة الخاطفة على ما يتهدد البيئة من أخطار نتيجة ممارسات الإنسان الخاطئة رسالة عاجلة ونداءً إنسانيا مهما لتصويب المسار وايقاظ الضمير الإنساني نحو المعاناة البيئية، فما أحوج البشرية اليوم لبناء الضمير البيئي الذي يضبط سلوكياتها في التعامل الرشيد مع البيئة لإيجاد علاقة تعاونية آمنة بين الفرد وبيئته بما يكفل تحقيق الرفاهية والأمان البيئي وصون وحفظ الطبيعة مما يتهددها من مخاطر وكوارث بدأت تلوح في الأفق وتنذر بتقويض الحياة على هذا الكوكب.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

د. شيماء الناصر تكتب: العالم على حافة الانهيار البيئي

إن استمرار العالم في تجاهل التغير المناخي، أو بالأحرى التباطؤ في التحرك لمواجهته، يضع البشرية جميعًا على حافة الانهيار البيئي. نحن نشهد يوميًا تفاقم الكوارث البيئية، التي قد تتجاوز قدرتنا على التكيف والتعافي. الأحداث الأخيرة، مثل الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة المحيط الهادئ، والذي تبعه تسونامي وتحذيرات بالإخلاء لكثير من الجزر والشواطئ، تمثل إنذارات قوية لما يمكن أن يحدث إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لمواجهة التغير المناخي.
وعلى الرغم من أن الزلازل ناتجة عن انزلاق الصفائح التكتونية وتحرر الطاقة الزلزالية بشكل مفاجئ، فإن العلاقةالمحتملة بينها وبين التغير المناخي تستحق الانتباه.

فعلى الرغم من أن الربط بينهما قد يبدو ضعيفًا، يمكن القول إن التغير المناخي يسهم في زيادة هذه الكوارث الطبيعية بشكل غير مباشر. فذوبان الجليد في القطب الشمالي يحرر الضغط عن القشرة الأرضية، مما قد يؤدي إلى زيادة النشاط الزلزالي والبركاني في مناطق معينة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى البحار والمحيطات وزيادة وزن المياه فوق قاع المحيطات تؤثر على مناطق الصدوع، بينما قد يؤثر التغير في أنماط الأمطار والفيضانات على زيادة الانهيارات الأرضية، مما يسهم فيحدوث زلازل أصغر.

السؤال المطروح هو: متى وكيف سيتحرك العالم بشكل أسرع لمواجهة التغير المناخي؟ يبدو أن الخطوات الحالية بطيئة، على الرغم من التحذيرات المناخية التي صدرت على مدار العقود الماضية. كما أن التمويلات المتاحة لمواجهة التغير المناخي لا تزال غير كافية. إذا لم يتحرك العالم بسرعة، فإن الصورة المستقبلية ستكون مروعة، حيث ستتزايد الكوارث الطبيعية بشكل غير مسبوق، مما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات فقدان الأرواح والممتلكات. ستشكل هذه الكوارث تهديدًا للأمن الغذائي العالمي، بسبب تدهور المحاصيل الزراعية، مما يهدد حياة ملايين الأشخاص. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى تهجير ملايين السكان من مواطنهم، في حين أن انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة لتراكم المياه غير النظيفة سيزيد من تعقيد الأوضاع الصحية.

وفي هذا السياق، يتوجب على الدول الكبرى، التي تعتبر المتسبب الأكبر في زيادة التلوث وانبعاثات الغازات الدفيئة عدم التملص في أن تتحمل مسؤولياتها وليس كما فعلت الولايات المتحدة الامريكية بانسحابها من اتفاقية باريس للمناخ، للمرة الثانية، تحت ذريعة اعتبارات اقتصادية، حيث يُظهر تجاهلها لقضية التغير المناخي وآثارها الوخيمة على العالم. لذا، يجب تعزيز الضغط الدولي من قبل الحكومات الأخرى، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمعات المحلية،  لحسم وتوحيد الجهود. ومن الجوانب الأساسية التي ينبغي التركيز عليها
المطالبة بالشفافية العالمية حيث يجب على جميع الدول، وخاصة الكبرى، أن تكشف عن حجم انبعاثاتها الحقيقية والجهود المبذولة لتقليل تلك الانبعاثات.

ثانياً. تطبيق العقوبات الدولية

يجب فرض عقوبات على الدول التي تتقاعس عن الالتزام بتعهداتها في اتفاقيات المناخ، لضمان أن تكون هناك عواقب رادعة لتلك الأفعال.

ثالثاً. مساعدة الدول النامية

ينبغي تعزيز التعاون الدولي لمساعدة الدول النامية على التكيف مع آثار التغير المناخي، إذ تدفع هذه الدول ثمنًا باهظًا من الأرواح نتيجة الأزمات المناخية، بسبب نقص الموارد المالية والتقنية.

إن التغير المناخي ليس مجرد مسألة بعيدة أو مستقبلية، بل هو واقع نعيشه اليوم. لتجنب السيناريو المأساوي الذي ينتظرنا، يتعين على المجتمع الدولي العمل بشكل عاجل ومنسق. إن الوقت ينفد، وكل لحظة تمر دون اتخاذ إجراءات فعلية تعتبر فرصة مهدرة. لذا، يجب أن نتحد جميعًا لنكون جزءًا من الحل، لضمان مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة.
 

طباعة شارك المحيط الهادئ الطاقة الزلزالية التغير المناخي

مقالات مشابهة

  • حزب الله والقومي في جبهة واحدة: رفضٌ لقرار الحكومة ونداء للوحدة الوطنية
  • د. شيماء الناصر تكتب: العالم على حافة الانهيار البيئي
  • بدقة تصل إلى 90%.. أبوظبي توظّف تقنيات متقدمة لرسم خرائط مواطن الموائل البيئية
  • الابتكارات الزراعية وإسهامها في تحسين الإنتاجية وتعزيز الاستدامة البيئية في سلطنة عُمان
  • "الأمن البيئي" تضبط 3 مواطنين مخالفين لنظام البيئة في محمية الملك سلمان الملكية
  • "أبطال البيئة".. مبادرة توعوية للأطفال لتعزيز الوعي البيئي
  • هل سنعود للحياة الطبيعية بعد الطوفان؟
  • مؤسسة مناخنا… نموذج تشاركي لتعزيز الاستدامة البيئية في سوريا
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: إذ تستعيد هذه الخطوة نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سوريا قبل الاستقلال فإن الحكومة السورية تؤكد أن الشعب السوري الذي أفشل تلك المخططات وأقام دولة الاستقلال سيُفشل اليوم هذه المشاريع مجدداً ماضياً بثقة نحو بناء ا
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إ