أشرف غريب يكتب: أعظم ما في تجربة سيد درويش
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
بعد عامين من رحيل خالد الذكر الموسيقار سيد درويش فى مثل هذه الأيام قبل مائة عام وعام كتب الأديب الكبير عباس محمود العقاد ينتقد حالة التجاهل التى تعرضت لها سيرة الموسيقار الراحل رغم كل ما أنجزه فى عالم الموسيقى الشرقية بينما يحظى بالاهتمام من هم دون تلك المكانة الرفيعة حيث قال:
«لو كان سيد درويش من آحاد هذه الفئة لما ليم كبير ولا صغير على إهماله، ولما لحق هذه الأمة ضير من غفلتها عن تثمين مكانته وتكميل شوطه، ولكنه رأس طائفة لم يتقدمها متقدم، وطليعة مدرسة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ الموسيقى المصرية.
نعم لقد كان سيد درويش -كما قال «العقاد»- طليعة مدرسة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ الموسيقى المصرية، وانسحب منجزه الفنى إلى كل أشكال الإبداع الموسيقى وخاصة فن الأوبريت الذى أفرغ فيه كل طاقته وفرض أسلوبه الذى وضع به حداً فاصلاً بين الموسيقى الكلاسيكية العثمانية بكل ما بها من زخارف الصنعة وقيود القوالب الجامدة، وبين روح العصر ومقتضياته التى قادت فن الموسيقى -مبدعين ومتلقين- إلى اللحاق بركب الحياة فى القرن العشرين، وكل الذين أتوا بعده من المجددين خلال المائة عام الماضية أمثال عبدالوهاب والقصبجى ومدحت عاصم ومحمد فوزى وبليغ حمدى وعمار الشريعى هم فى واقع الحال -شاءوا أم أبوا، اعترفوا أم كابروا- امتداد له أو قبس من فنه أو بعض منه على أبسط تقدير، ولو لم يُحدث سيد درويش هذا التأثير الهائل فى موسيقانا الشرقية ربما لم يكن هؤلاء قد استطاعوا تقديم فنهم أو على الأقل وجدوا عنتاً فى الوصول بفنهم إلى الناس.
ورغم قيمة ما أنجزه فنان الشعب فى عالم الموسيقى فإن أعظم ما كان يميزه هو مصريته الصميمة التى بدت واضحة فى ألحانه، لم يعلمه أحد الانتماء للوطن، وإنما كان هو بفنه من شحذ همم المصريين واستنهض عزيمتهم وأزكى فيهم روح الانتماء منذ إعلان الحماية البريطانية على مصر وعزل عباس حلمى سنة 1914 وإطلاق الأحكام العرفية وتضييق الحريات وتحمل مصر كلفة الحرب العالمية الأولى دون أن يكون لها ناقة فيها ولا جمل، الأمر الذى أجج الإحساس بضرورة الخروج إلى الشارع رجالاً ونساء بعنصرى الأمة مسلمين وأقباطاً للمطالبة بالاستقلال تأييداً لموقف وفد سعد زغلول ورفاقه، فكانت ثورة 1919 والأحداث التى تلتها انتهاء بوفاة سيد درويش فى سبتمبر 1923 عشية عودة سعد زغلول من منفاه والشبهات التى حامت حولها وتولى «سعد» الوزارة فى كنف دستور جديد هو دستور 1923.
وهذه السنوات تحديداً هى التى شهدت درر سيد درويش الوطنية: «بلادى بلادى، أنا المصرى، قوم يا مصرى، أهو ده اللى صار»، بكل ما فيها من استنهاض للهمم وإذكاء للروح الوطنية والتنبيه بخطورة الاحتلال ومحاربة الطائفية، أضف إلى ذلك نجاحه مع بديع خيرى تحديداً ومن إنتاج نجيب الريحانى فى تطويع أغانى الأعمال المسرحية لخدمة القضية الوطنية على نحو لم تكن الدراما المسرحية قد عرفته من قبل وهو ما تجلى -على سبيل المثال- فى استعراض «أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا» وفى غيره من أعمال فنان الشعب.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سيد درويش عباس العقاد سید درویش
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: ابدأ بنفسك دعوة للإصلاح في زمن الغربة على نهج رسول الله ﷺ
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه عندما جاء سيدنا رسول الله ﷺ كان وحده يدعو إلى ربه، ولا أحد معه، فبدأ بدعوته حتى أصبح أكثر الأنبياء تبعًا إلى يوم القيامة، بل أكثر البشر تبعًا؛ فلم يعرف التاريخ –قديمه وحديثه- رجلا أتباعه الأقوام بهذه الكثرة، وعلى مر العصور، مثل نبينا ﷺ.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن الرجال تُعرف بالحق، ولا يُعرف الحق بالكثرة، ولا بالرجال، فإن النبي ﷺ يقول: «عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل، والرجلين، والنبي وليس معه أحد» [موطأ مالك ، وابن حبان] يعني: ولا يضره ذلك، لأنه كان على الحق.
وأشار الى أنه لابد من التغيير، قال ﷺ: «ابدأ بنفسك، ثم بمن يليك» [مسلم ، وبهذا اللفظ أخرجه العجلوني في كشف الخفاء].
والإسلام كما بدأ غريبًا مستضعفًا معتدًى عليه، يعود كذلك، كما أخبرنا بذلك النبي ﷺ: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء» [رواه مسلم والترمذي]. وفي رواية الطبراني زيادة: «قيل: ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلِحون إذا فسد الناس».
فوَطِّن نفسَك -أيها المؤمن- أن تكون من الغرباء المُصلحين، ولا تكن إمَّعة، فقد نهانا رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال: (لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم؛ إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا) [الترمذي].
وأمامنا فرصة أن نكون من أحباب رسول الله ﷺ ، وأعظم درجة ممن سبقونا، وإن كانوا هم في المنزلة الأعلى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «متى ألقى أحبابي؟ فقال بعض الصحابة: أوليس نحن أحباؤك؟ قال: «أنتم أصحابي، ولكن أحبابي قوم لم يروني وآمنوا بي، أنا إليهم بالأشواق» [أبو الشيخ في الثواب]
وفي مسند الفردوس للديلمي زيادة: «أنا إليهم بالأشواق».
وعن رجاء بن حيوة رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله ﷺ ومعنا معاذ بن جبل، عاشر عشرة، فقلنا : يا رسول الله، من قوم أعظم منا أجرا؟ آمنا بك واتبعناك!
قال : ما يمنعكم من ذلك، ورسول الله بين أظهركم، يأتيكم الوحي من السماء ؟!
بلى، قوم يأتون من بعدكم، يأتيهم كتاب بين لوحين، فيؤمنون به، ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجرا، أولئك أعظم منكم أجرا ،أولئك أعظم عند الله أجرا» [الطبراني].
فهلا دخلنا في دائرة الحب لسيدنا رسول الله ﷺ، وجعلناه أسوتنا واتبعناه حقا، ففي زمن الغربة الأول، بدأ رسول الله ﷺ بمنهج البداية بالنفس، فقال ﷺ: «ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول» [رواه مسلم وابن حبان].
ففي هذا الزمان، يكون إصلاح النفس وتربيتها أولى من الانغماس في أمر العامة، ثم بعد هذه المرحلة، يمكن أن يتدرج المؤمن للانغماس في أمر العامة لإصلاحهم، يقول النبي ﷺ: «إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام، فإن من ورائكم أياما، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم».
قال عبد الله بن المبارك: «قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منا أو منهم؟قال: بل أجر خمسين منكم» [رواه الترمذي].إذن، علينا أن نبدأ بأنفسنا، ثم بمن نعول، وأن نتحمل المسؤولية عن أفعالنا، وألّا نُبرِّرَ أخطاءنا.