الجديد برس:

قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إن “الأمة الأمريكية تندفع نحو المجهول قبل 50 يوماً من الانتخابات الرئاسية”، مع محاولة الاغتيال الثانية للمرشح عن الحزب الجمهوري، والرئيس السابق، دونالد ترامب.

واستعادت الصحيفة الرواية الرسمية للحادثة، والتي أشارت إلى إطلاق عملاء الخدمة السرية النار بعد رؤيتهم رجلاً يحمل بندقية بالقرب من نادي ترامب للغولف في “وِست بالم بيتش”، في فلوريدا، وهروب المشتبه فيه في سيارة دفع رباعي قبل القبض عليه لاحقاً، واكتشاف مكتب التحقيقات الفيدرالي حقيبتي ظهر وبندقية مع منظار وكاميرا في الحرج القريب، لتخلص إلى أن الخطة كانت تقضي بقتل ترامب في ملعب الغولف وتصوير العملية ليشاهدها العالم بأسره.

ورأت الصحيفة، في مقال تحليلي لرئيس مكتبها في واشنطن، ديفيد سميث، أن الحادث الصادم يأتي ليتوج سنة انتخابية اتسمت باضطرابات غير مسبوقة ومخاوف من العنف والاضطرابات المدنية، بعد 9 أسابيع من محاولة أولى لاغتيال ترامب من خلال إطلاق النار عليه في تجمع انتخابي في بنسلفانيا.

وقالت الصحيفة إن انسحاب جو بايدن من السباق، وإبداله بكامالا هاريس، بعد أسبوع واحد، جعلا محاولة الاغتيال الأولى تختفي من دورة الأخبار، مشيرةً إلى أنها لم تحظَ إلا بذكر عابر في المناظرة الأخيرة.

وأشارت إلى ما قاله أحد مساعدي ترامب السابقين، سيباستيان جوركا: “لقد أصبحنا على بعد 7 أسابيع والأمر كأنه لم يحدث أبداً. لقد تم محوه من الذاكرة بصورة أكثر فعالية مما كان أحد يتخيل”.

ورأت الصحيفة أن تذكر ما حدث في بنسلفانيا ضروري، ليس لأسباب حزبية، لكن “بسبب ما عادت إليه الأحداث: أمة لها تاريخ طويل من العنف السياسي تستعد لما أطلق عليه انتخابات برميل بارود”.

وأضافت أن الخطر وعدم الاستقرار أصبحا سمةً وليس عيباً في الحياة السياسية الأمريكية، من مسيرة العنصريين البيض في فرجينيا، والتي أدت إلى وفاة ناشط في مجال الحقوق المدنية، وإلى اقتحام حشد من أنصار ترامب الغاضبين مبنى الكونغرس في الـ6 من يناير 2021، والهجوم بالمطرقة على زوج رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي في منزلهما.

وأشارت الصحيفة إلى أنه مع اقتراب موعد الانتخابات، ترتفع درجة الحرارة، متحدثة عن تحول اتهامات كاذبة لمهاجرين من هايتي بأكل قطط وكلاب جيرانهم، إلى تهديدات بالقنابل وإغلاق للمدارس، مؤكدةً أن “الأبرياء هم الضرر الجانبي للدعاية المتهورة”، كما حدث في محاولة اغتيال ترامب الأولى.

ورأت الصحيفة أن الحزب الجمهوري يشعل فتيل الأزمة، وأن ترامب يشجع على استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، مذكرةً بأنه سخر من بيلوسي بشأن هجوم المطرقة، ودعا إلى إطلاق النار على سارقي المتاجر، وإعدام الجنرالات غير الموالين بتهمة الخيانة، وحذر من “حمام دم” إذا لم يُنتخب.

ومع تركيز الجمهوريين على جهود “نزاهة الانتخابات”، حذرت الصحيفة من أن العاملين في مراكز الاقتراع قد يواجهون مستويات لا تطاق من العنف والترهيب، في ظل ما تظهره استطلاعات الرأي من أن الانتخابات ستكون متقاربة بصورة خطيرة، الأمر الذي يمنح مجالاً كبيراً لزرع الشك.

وختمت بالإشارة إلى ما ذكره موقع “أكسيوس” مؤخراً: “كانت العاصفة الكاملة تختمر منذ أعوام، مدفوعة بالاستقطاب الشديد، وإنكار الانتخابات، والعنف السياسي، والملاحقات القضائية التاريخية، والتضليل المتفشي. ومن المؤكد أن الفوضى ستظهر في نوفمبر”.

المصدر: الجديد برس

إقرأ أيضاً:

الإرهاب الصهيوني.. محاولة للتفكيك

هناك سؤال يُطِّل برأسه من وحي العنف الصهيوني الراهن الذي يجرى ارتكابه بحق الفلسطينيين والذي بلغ مستويات فاقت كل إدراك وخيال بشري، وهو: ما هي الجذور الفكرية والأيديولوجية التي يتأسس عليها هذا الإرهاب الصهيوني ويتغذى منها مُنتقِلاً للفعل والممارسة؟

ومن ثم ففي هذه المقالة سنجري المحاولة على تفكيك ظاهرة الإرهاب الصهيوني للوقوف على المُحدِّدات الرئيسية التي تدفع باتجاهها مُتّخذة مساراً مُتصاعداً، وهو في اعتقادنا يرتكز على ثلاثة مُحدِّدات يمكن أن نطلق عليها ثالوث الإرهاب الصهيوني، وهي: اليمين الديني الصهيوني، واليمين العلماني الصهيوني، وتيار الصهيونية المسيحية.

أولاً: اليمين الديني الصهيوني:

ويتمثل هذا التيار في الوقت الحالي في الحزب الديني القومي الصهيوني، بالإضافة لتكتلات وفصائل إرهابية أخرى ولعل أشهر قادتها في الوقت الراهن بتسلئيل سموترتش و إيتمار بن غفير وغيرهم.

وهو اليمين المتأسِّس على قراءة سياسية مؤدلجة ومتشددة للدين اليهودي، فقد تمكن ذلك الفصيل عبر تلك القراءة المنحرفة من تحويل الدين اليهودي لأيديولوجية للعنف والقتل عبر استدعاء نصوص دينية تاريخية حربية وانتزاعها من واقعها وسياقها ومن ثم إسقاطها على الواقع المعاصر.

وهو العنف الذي تمكنت من خلاله الحركة الصهيونية من تفريغ الأراضي الفلسطينية من أهلها تهجيرًا وقتلًا ومن ثم أقامت دولة الكيان الصهيوني.

فالأيديولوجية الصهيونية هي إستراتيجية عنف بامتياز، فهي قائمة على متتالية من ثلاث خطوات: الأولى: (الترهيب) عبر إحداث قدر هائل من العنف والإرهاب، الثانية:(الإزاحة) أي التخلص من أصحاب الأرض (الفلسطينيين) تهجيرًا وقتلًا، والثالثة: (الإحلال) أي إحلال آخرين (الصهاينة) محل الفلسطينيين ومن ثم استيطان الأرض.

لقد تم الدفع بتلك الأيديولوجية إلى حدها الأقصى عبر إضفاء عدد من المسوغات الدينية عليها، ومن ثم تبدو في يقين كثير من أتباعها وكأنها أمر إلهي يتحتم على الجميع الامتثال والإذعان التام له.

فالحرب أصبحت حالة نهائية ولا بديل عنها في مُخيّلة هذا التيار الديني الصهيوني إذ من خلالها وحدها ستتحقق الوعود التوراتية بأرض إسرائيل كاملة.

فالنمط الإدراكي المسيطر على الكيان الصهيوني نحو الآخر عمومًا ونحو العرب بشكل خاص، تأسيسًا على تلك القراءة المتشددة للدين، هو باعتبارها نفايات بشرية يجب التخلص منها، أو حشرات وعقارب سامة يتحتم قتلها.

فالحروب إذن هي سُنَّة الله في خلقه، وذلك وفقًا لقراءتهم المنحرفة للنصوص الدينية، فها هو أحد النصوص يقول: (لا سلام، قال الرب، للأشرار) وبالقطع فالعرب لديهم هم أكثر الأشرار شرًا.

من هنا يردد المتشددون اليهود دائمًا المقولة الشهيرة: "العربي الجيد هو العربي الميت"، باعتباره امتدادًا لأعداء اليهود التاريخيين، ومن ثم فالاستجابة الشرطية الوحيدة لوجوده هي قتله!

لقد تم ذلك، وكما سبق القول، عبر انتزاع النص الديني من سياقه التاريخي وإسقاطه على الواقع المعاصر، فاليهودي المتطرف المعاصر يقرأ هذه النصوص على ضوء أيديولوجيته التي تكونت مسبقًا ومن ثم يسقطها على واقعه، فعلى سبيل المثال تنحو فتاوى التشدد اليهودي نحو شيطنة الفلسطينيين باعتبارهم أحفاد العماليق، وهم الأعداء التاريخيون الذي دعت التوراة لإبادتهم مؤكدين أن لكل عصر عملاقه، ومن ثم فالفلسطيني هو عملاق هذا العصر وشيطانه الأكبر، وهي فتاوى من شأنها الدفع نحو مزيد من القتل للعرب والمزيد من إحلال يهود مكانهم عبر إضفاء تبريرات دينية على تلك الممارسات الإجرامية.

بل إن الوصايا العشر الواردة في سفر الخروج والتي يعتبرها كثيرون واحدة من أيقونات التسامح الديني والإنساني، فقد حرفها المتشددون اليهود تأويلًا وتفسيراً، فجعلوها مقصورة عليهم فقط، فقد ورد بها:"لا تقتل، لا تسرق، لاتزن، لا تشهد شهادة زور، لا تشته بيت قريبك، لا تشته امرأة قريبك. وهكذا.. .".

إذ أصبحت تعني لدي اليمين الصهيوني المتطرف، وفقًا للتوظيف العنصري للنص، لا تقتل اليهودي غير أن دم غير اليهودي مباح، لا تسرق اليهودي غير أن مال غير اليهودي هو حِلٌّ لك، لا تزن بامرأة يهودية غير أن عرض غير اليهودية ليس حرام عليك، وهكذا.

في مقابل تأويل نصوص التسامح الديني وليّ عنقها لتتخذ مسار العنف، في مقابل ذلك تم استدعاء نصوص دينية تصف واقع تاريخي مر وانقضى وانقضت معه كل معطياته وصراعاته لتصبح هذه النصوص داخل أيديولوجية العنف الصهيوني وكأنها أمر إلهي يخاطب الواقع الراهن، وكما تم التعامل مع الأعداء التاريخيين قتلًا وإبادة يتحتم التعامل بالمثل مع أعداء اليوم.

ففي العهد القديم كتاب اليهودية المقدس، استقطعت الصهيونية والتيارات اليهودية المتشددة تلك الفقرات وعزلتها عن سياقها: "هكذا يقول رب الجنود: الآن اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلًا وامرأة، طفلا ورضيعًا، بقرًا وغنما، جملًا وحمارًا"، "كل من وُجِد يُطعن، وكل من انحاش يسقط بالسيف، وتحطم أطفالهم أمام عيونهم، وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم "، "حين تقترب من.. .اضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغنمها لنفسك "، "فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال. وكل امرأة عَرَفت رجلًا بمضاجعة ذكر اقتلوها".

لقد وظّفت الحركة الصهيونية هذه النصوص الدينية من أجل الخلاص من الفلسطينيين ليتحقق مشروعهم الاستعماري الاستيطاني وذلك عبر اقتطاعها من سياقها التاريخي ومن ثم إسقاطها على الواقع الراهن فيصبح الفرد الصهيوني وكأنه مأمور من قبل الله بإبادة الفلسطينيين.

فاليهودي المتطرف المعاصر يقرأ هذه النصوص على ضوء أيديولوجيته التي تكونت مسبقًا ومن ثم يسقطها على واقعه، ومن ثم يبدو الاستعمار الاستيطاني بكل بشاعاته وكأنه أمر ديني يتحتم الامتثال له بل ويتحتم الذهاب فيه إلى حده الأقصى لتفريغ الأرض تمامًا من أهلها.

والجدير بالذكر أن هذا التيار الديني المتطرف يزداد قوة بمرور الوقت على المسارين: الكمي(أي تزايد أعداد المنتمين له) والكيفي (أي نزوعه نحو أقصى التشدد)، فالنمط الديني المتصاعد داخل الكيان الصهيوني هو النمط الراديكالي المتشدد والداعي إلى الحلول النهائية عبر إبادة الآخر، وهو أمر يبعث على القلق في ظل اقتراب سيطرتهم كاملاً على مفاصل الدولة وبخاصة الجيش، فيكفي أن نعلم أن أكثر المنتسبين للوحدات القتالية في الجيش الصهيوني هم من أتباع هذا التيار الديني الصهيوني المتشدد.

ثانياً: اليمين العلماني الصهيوني:

كما أن هناك تشدد ديني داخل الكيان الصهيوني هناك أيضًا تشدد وتطرف علماني داخله والذي تزامن وجوده مع وجود الحركة الصهيونية ذاتها، وهو يتمثّل الآن في حزب الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو بالإضافة إلى تكتلات إرهابية أخرى.

ولعل أبرز مُنظِّريه التاريخيين هو الإرهابي العتيد فلاديمير جابوتنسكي الأب الروحي لهذا التيار المتطرف والمسئول عن كثير من المجازر وأعمال الإبادة الجماعية التي تم ارتكابها بحق الفلسطينيين مع بداية المشروع الصهيوني، إذ كان جابوتنسكي، وكما يذهب المسيري، يرى أنه لا يمكن لإسرائيل أن تعيش إلا إذا فرَّغت الأراضي الفلسطينية من العرب بالقوة وأقامت حول نفسها جدارًا حديديًا.

فهذا التيار الصهيوني المتشدد لا يشعر بأية أعباء أخلاقية تجاه الفلسطينيين، بل إن وجودهم وفق قناعاته هو مجرد عقبة من شأنها الحول دون تحقق المشروع الصهيوني، ومن ثم فإن إنهاء هذا الوجود الفلسطيني وتصفيته هو عملية براجماتية بامتياز ويجب تأديتها بكفاءة عالية ودون وخز من ضمير.

لقد وصف حاييم وايزمان أحد الزعماء الصهاينة وهو أحد أتباع هذا التيار العلماني المتطرف عملية الإبادة والتطهير العرقي للفلسطينيين عام 1948م والتي قامت بها العصابات الصهيونية بأنها مجرد عملية تنظيف (Cleaning process)، هكذا وبكل بساطة ودون أدنى شفقة.

ومن ثم طرح هذا التيار نظرية (الحقل المهجور)، فتلك الإبادات الجماعية للفلسطينيين، بحسب قناعاتهم، لا تعدو كونها تطهيراً للحقل من الحشائش والحشرات السامة التي تكاثرت به بعد أن تركه صاحبه مهجوراً لمدة طويلة.

أي أن اليهودي وفقاً لتلك النظرية قد ترك الأرض المقدسة لفترة طويلة وحين عاد وجد الفلسطينيين يسكنوها( فهم تلك الحشائش والحشرات السامة) ومن ثم يجب القضاء عليهم حتى يتمكن اليهودي من استعادة حقله نظيفاً كما كان في الماضي.

من تلك النظرة الإجرامية انبثق العنف الصهيوني في بيئة لم تعرف العنف، وهو العنف الذي عبّر عن نفسه في شكل المذابح وعمليات التهجير والطرد التي تم إتباعها في تأسيس الكيان الصهيوني كاستراتيجية تفريغ وإحلال وتمدد: تفريغ الأرض من الفلسطينيين وإحلال صهاينة مكانهم والتمدد في مناطق جديدة.

وهي الاستراتيجية التي عبّر عنها مناحم بيجين بقوله: " لولا دير ياسين وأخواتها لما قامت إسرائيل"، فهي تشي بقناعاته الدفينة بأن العنف وحده هو السبيل لإقامة هذا المشروع الصهيوني.

فمذبحة دير ياسين والتي ذهب ضحيتها نحو 250 شهيداً وأخواتها من المذابح التي تم ارتكابها بحق الفلسطينيين في عامي 1947م و1948م أدت لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الفلسطينيين ممهدة الطريق أمام إعلان قيام الكيان الصهيوني، وكما تؤكد الكثير من المراجع التاريخية فإن عدد القرى التي هُجِّر جرى تدميرها بين قتيل ومُهجّر في تلك الفترة الزمنية القصيرة بلغ نحو 531 قرية.

لقد تم ذلك كله بفعل العصابات الصهيونية المتطرفة مثل الهاجاناه، وشتيرن، والأرجون والتي اقترفت من المجازر ما يندى له جبين الإنسانية، والجدير بالذكر أنه من تلك العصابات الصهيونية تأسس الجيش الإسرائيلي، هنا ينتفي الاستغراب حول ما يرتكبه جنود هذا الجيش من بشاعات طوال تاريخه وصولا لوقتنا الراهن فهم أبناء وأحفاد الجيل الأول من المجرمين الصهاينة.

لقد رأي جابوتنسكي حتمية التضحية بالآخرين من أجل إنجاز المشروع الصهيوني، كما طالب اليهود بأن يتعلموا الذبح من الأغيار مؤكداً أن "السيف أُنزل على اليهود من السماء كما التوراة".

فالحركة الصهيونية لم تكن مجرد حركة استعمارية عادية، وإنما هي وبالأساس حركة استيطانية إحلالية، وهو ما يعني حتمية إخلاء الأرض من سكانها: قتلاً أو تهجيراً، وإحلال يهود محلهم، فالعنف يتخذ وضعًا مركزيًا داخل بنية الفكر الصهيوني ومن ثم ينتقل للفعل والممارسة.

يأتي ذلك تأسيساً على ما تطرحه الصهيونية من رؤى عنصرية موغلة في عنصريتها إذ نجد الخير المطلق ( اليهود) مقابل الشر المطلق( العرب)، فهي ثنائية حادة تلجأ إليها جماعات العنف بإطلاقها.

ففي مقابل إضفاء القداسة على الذات يجري تشويه الآخر وشيطنته ونزع كل الصفات الإنسانية عنه، وبالتالي يصبح الخلاص منه أمراً مقبولاً بل ويجري بكل هدوء وحيادية، يقول أرنولد توينبي مُبدياً اندهاشه من المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين مع بداية المشروع الصهيوني: " لم يعمد اليهود إلى تجنُّب الجرائم التي ارتكبها النازيون ضدهم بل قاموا بارتكاب ما هو أبشع منها".

لقد رحل جابوتنسكي وترك خلفه الكثير من التلاميذ الأوفياء لمنهجه المتطرف فها هو مناحيم بيجن يقول" إن قوة التقدم في تاريخ العالم ليس السلام، بل السيف"، وفي سياق آخر يقول " الفلسطينيون مجرد صراصير ينبغي سحقها" وفي كتابه الثورة نجد قوله:" أنا أقاتل إذن أنا موجود" ويضيف:" من الدماء والنار سيخرج نموذج جديد من الرجال"، فهو في قناعته عنف تطهيري لا بد منه لأجل التطهر من عقد الشخصية اليهودية التي تراكمت طوال التاريخ اليهودي وصولاً للحظة الراهنة.

ومن تلامذته أيضا نجد إسحاق رابين قائد التطهير العرقي في مجازر 48 بكثير من المدن الفلسطينية، وصاحب نظرية (تكسير العظام) لقمع انتفاضة الفلسطينيين، كما كان فلاديمير جابوتنسكي بمثابة الأب الروحي لكل من المجرم أرئيل شارون وبنيامين نتنياهو، فالأخير والده المؤرخ المتطرف بن تسيون نتنياهو والذي كان أحد أهم تلامذة جابوتنسكي.

وفي الوقت الراهن نجد تجليات هذا التطرف على الواقع الصهيوني فيما يقوم به أتباع هذا التيار من ممارسات إجرامية بحق الفلسطينيين.

وها هو بنيامين نتنياهو يتفاخر بكونه أحد تلامذة جابوتنسكي وأنه يسير على خطاه، بل ودفع الكنيست لسن قانون باسمه داخل إسرائيل (قانون جابوتنسكي) يقضي بتعليم الأطفال القيم والمبادئ التي كان يدعو لها جابوتنسكي!!

ومن ثم فنحن بانتظار جيل جديد من الإرهابيين، فهي أجيال تتوارث راية العنف جيل بعد جيل، وهو أمر من شأنه أن يحول دون تحقيق أي تسوية سلمية عادلة لهذا الصراع في ظل هذا النزوع نحو أقصى التطرف مع وجود مناخات دولية متأزمة وقوى عالمية ليست لديها رغبة حقيقية في إنهاء هذا الصراع بشكل عادل.

ثالثاً: تيار الصهيونية المسيحية:

الصهيونية المسيحية هي تيار ديني يتركز أنصاره بصفة أساسية داخل الولايات المتحدة الامريكية وبلدان أخرى، وقد انبثق هذا التيار من داخل المسيحية ويؤمن بمجموعة من المعتقدات الدينية التي تدور في مجملها حول تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين ودعمها بكل السبل، باعتبار أن عودة اليهود إلى الأرض الموعودة وفرض سيطرتهم على القدس وتشييد الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى هو ضرورة حتمية لبداية الخلاص الديني المسيحي.

والجدير بالذكر أن سائر التيارات والمذاهب المسيحية، وبخاصة الشرقية منها، تدين هذا التيار، إذ ترى أنه شوَّه الوجه الحقيقي للدين المسيحي كديانة محبة وسلام.

وتُمثَّل الصهيونية المسيحية في الوقت الراهن واحدة من مُحدِّدات صنع القرار السياسي الإسرائيلي ودفعه نحو التشدد وتبني أقصى أطروحات العنف ضد الفلسطينيين، بل هي الأهم على الإطلاق والأكثر تأثيرًا بما تُقدِّمه من دعم مادي يفوق دعم يهود العالم لإسرائيل، وكغطاء سياسي يُمثل عقبة كأداء أمام المجتمع الدولي تحول دون اتخاذه ردود أفعال حقيقية ضد جرائم الكيان الصهيوني، وبخاصة المتعلقة بالاستيطان في الأراضي المحتلة، والذي تدفع به الصهيونية المسيحية إلى حده الأقصى تعجيلًا بالخلاص الديني، وفق ما يزعمون.

إذ تشارك الصهيونية المسيحية التيار اليهودي المتطرف ذات الرؤى الدينية، وإن كانت بصيغ مختلفة بعض الشيء، فنهاية العالم وفقًا لقناعات الاثنين يجب أن يسبقها مذابح ودمار وهو أمر من شأنه أن يبرر عمليات العنف والقتل ضد الفلسطينيين وتطهير الأرض المقدسة من الأغيار(العرب) طردًا أو إبادة.

كما يشتركان في السعي لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه ليتسنى المجيء الثاني للمسيح، فوفق معتقداتهم يعد بناء الهيكل شرطاً من دونه لن يأتي المسيح المُخلِّص.

وقد جاءت النشأة الأولى للمسيحية الصهيونية كجماعة دينية في إنجلترا في القرن السابع عشر ثم انتشرت في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكثير من دول العالم، وقد تمثلت قناعاتهم المركزية في مساعدة اليهود بكل الوسائل المتاحة مادياً وسياسياً للاستيطان في فلسطين وإقامة دولتهم.

ويعتبر القس الأيرلندي جون نيلسون داربي (1800- 1882م) بمثابة المُنظِّر الأكبر للمسيحيين الصهاينة والمؤسس لدعائم فكرهم، فلقد تمركزت أطروحات داربي حول وجود مملكتين: الأولى مملكة أرضية مادية وعد الله بها اليهود، والثانية وهي المملكة الروحية التي وعد الله بها المؤمنين من المسيحيين الصهاينة.

كما يُعد القس جيري فالويل (1933-2007م) أحد أعمدة المسيحيين الصهاينة في أمريكا في العقود الماضية، إذ لعب فالويل دورًا كبيرًا في توجيه القرار السياسي الأمريكي نحو مساندة الكيان الصهيوني، وكان يزور الأراضي المحتلة باستمرار حيث كان يحرص دائمًا على تفقُّد المواقع العسكرية الإسرائيلية لمباركة ودعم العسكريين الصهاينة وحثهم على احتلال المزيد من الأراضي واستيطانها، قال فالويل تعبيرًا عن أهمية قيام إسرائيل:"إن اليوم الذي تم فيه إعلان قيام إسرائيل هو أهم الأيام على الإطلاق منذ صعود المسيح للسماء"، وحول تبريره الديني دعمه المطلق لإسرائيل يقول جيري فالويل:"إن الذين يباركون إسرائيل يباركهم الله والذين يلعنون إسرائيل يلعنهم الله".

ومن أبرز دعاتها في الوقت الراهن كل من القس الأمريكي جون هاجي، والقس بات روبرتسون، ومايك إيفانز، وبولا وايت وغيرهم

وتتحرك المسيحية الصهيونية في ثلاثة محاور رئيسية، وهي: المحور الأول: قراءة النصوص الدينية المسيحية قراءة مؤدلجة من شأنها تعضيد المشروع الصهيوني وإضفاء المشروعية الدينية عليه، المحور الثاني: مساندة إسرائيل بشكل مطلق ودعمها بكل السبل سياسيًا وماديًا حتى اكتمال خطط الاستيطان وهدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم مكانه، المحور الثالث: تأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط للإسراع والتعجيل بمعارك نهاية الزمان.

ويذهب المفكر الكبير ناعوم تشاومسكي إلى أن المسيحية الصهيونية كانت من الدوافع المهمة وراء صدور وعد بلفور ودعم بريطانيا للاستعمار الصهيوني في إسرائيل.

كما كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء فوز بوش الابن بالانتخابات الأمريكية، كذلك قادت إلى فوز الرئيس الحالي دونالد ترامب ومن ثم دفعته لاتخاذ قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والانحياز المطلق لهذا الكيان الغاصب.

لقد شكّل المسيحيون الصهاينة في عام 2006م منظمة (مسيحيون من أجل إسرائيل) وهي منظمة ضخمة على غرار منظمة إيباك التي أنشأها اليهود في الولايات المتحدة لمساندة إسرائيل، وقد أسَّسها الزعيم المسيحي الصهيوني القس جون هاجي، وهي أكبر منظمة داعمة لإسرائيل في أمريكا في الوقت الحالي، إذ تدعم إسرائيل والاستيطان في الأراضي المحتلة ماديًا وسياسيًا بشكل واسع.

وفي التحليل الأخير، فإن محاولة تفكيك ظاهرة الإرهاب الصهيوني المتصاعد ضد الفلسطينيين، قد أكدت ارتكازه على ثلاث محددات رئيسية هي: جماعات التشدد الديني اليهودي، جماعات التشدد العلماني اليهودي، وجماعات الصهيونية المسيحية في الخارج.

وأنه من غير المُنتَظر إيجاد حلول سلمية عادلة للصراع العربي الإسرائيلي من دون حدوث تغيُّر جذري في بنية هذه المحددات الثلاث فكريًا وتنظيميًا، عبر إحداث ضغوط حقيقية عالية عليها، وهو أمر لن يتسنى من دون بناء وعي عام عالمي يتمخض عنه تحالف دولي مناصر للحق الفلسطيني كجزء أصيل من حق إنساني عام في الحرية وصون الكرامة الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة.. مخلوق غريب يثير الذعر في غابات كولورادو.. رصد الكائن الأسطوري “بيغ فوت”(فيديو)
  • مصدران لـCNN: ترامب يحظر السفر إلى الولايات المتحدة من دول عربية وإفريقية بسبب مخاطر أمنية
  • الإرهاب الصهيوني.. محاولة للتفكيك
  • تراجع أسعار النفط مع ارتفاع إنتاج “أوبك+”
  • المشير خليفة حفتر يستقبل “تيتيه” ويجدد دعمه لكل مبادرات حل الأزمة السياسية وإجراء الانتخابات
  • الولايات المتحدة تعود للبلطجة في البحر الأحمر.. واليمن يرد بضربة موجعة
  • قلق إسرائيلي من إقالات في الإدارة الأمريكية شملت مسؤولين “مؤيدين لتل أبيب”
  • بايدن أم روبوت | من الذي حكم الولايات المتحدة لأربع سنوات قبل ترامب؟.. نخبرك القصة
  • اعتماد القوائم الأولية لانتخابات المجالس البلدية.. والأمم المتحدة ترحب
  • إيران تطالب بـ”ضمانات” من الولايات المتحدة بشأن رفع العقوبات