يمن مونيتور:
2025-12-13@21:07:07 GMT

قيمة شعرية أم قيمة أخلاقية؟

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

قيمة شعرية أم قيمة أخلاقية؟

راجح المحوري

ثمة شواهد دقيقة تثبت مسألة المرونة التي تكتسبها القيم الأخلاقية لدى الناس أحيانا، حيث لا يتساهلون مع خرق هذه القيم فحسب، بل أنهم يطربون للمضامين التي تحمل ما ينسفها نسفا، ويحطمها كليا، ولكن وفق شروط أخرى، وضمن سياقات لها نظمها وقوانينها الخاصة.

فمثلا في الأدب وفي (الشعر خاصة) نجد أن الناس يطربون لنص شعري يصادم ويناقض منظومات القيم الاجتماعية المستقرة، فيتداولونه ويحتفون به كثيرا، ليس لأنه يناقض هذه القيم ويصطدم معها، ولكن لأنه يستجيب لكامل شروط مقبولية هذا النقض والمخالفة، وهم يفعلون ذلك دون أن يجتهدوا لتفسير ما يفعلون، فهو من البديهيات بالنسبة إليهم.

يقول جرير في مدح عبدالملك بن مروان:

“سَأَشكُرُ أَن رَدَدتَ عَلَيَّ ريشي

وَأَثبَتَّ القَوادِمَ في جَناحي

(أَلَستُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا

وَأَندى العالَمينَ بُطونَ راحِ)”

جميعنا نطرب لهذا البيت فنردده ونعتمده شاهدا على قوة شاعرية جرير، مع أن مضمونه يناقض القيم الموضوعية، والأخلاقية المستقرة لدينا! والسبب أن هذه المضامين الناقضة، صيغت ضمن نسق شعري، ذي قيمة جمالية إمتاعية عالية، ولو قال أحدهم “فلان خير البشر وأكرمهم” لأنكرنا عليه ذلك، لأن المقارنة الذهنية تذهب مباشرة إلى الرسول، وعندها نقول ليس هناك من هو خير من الرسول، ولا أكثر كرما منه.

القيمة هنا قيمة شعرية وليست قيمة أخلاقية أو موضوعية، والقيمة الشعرية لها أساسات في الوجدان تختلف عن القيمة الأخلاقية، هذه الأساسات تبلورها الثقافة، والمصادر التي يتلقى عنها الشخص، ونوع الوعاء الاجتماعي الذي يتخلق وعيه داخله.

وهناك شاهد شعري حديث، وهو قول الشاعر أسامة المحوري :

فـي قَبْضَةِ الفتياتِ طِفْلٌ واقِعُ

رَحُبَ الخيالُ بهِ وضاقَ الواقِعُ

الـقـابضاتُ عـلـى أعِـنَّـةِ قـلْـبِهِ

(شُـمُّ الـصدورِ، نُهُودهنَّ مدافِعُ)

مــا فـرَّ مِـنْهُنَّ الْـغَدَاةَ بـنبضِهِ

إلا لـيـقـتـلَهُ الــغَـرَامُ الــراجِـعُ

لو حاكمنا هذا البيت وفق القيم الموضوعية، والتي هي أيضا قوية وراسخة لدينا وندافع عنها، ونطالب بحمايتها باستمرار؛ لقلنا إن هذا الرجل كاذب! أو لأصابتنا حالة من الشفقة الشديدة على تلك الفتيات، ولطالبنا بنقلهن إلى المستشفى، لإجراء عمليات جراحية، توقف هذا النمو غير الطبيعي، كما سيحدث لمن يتلقي البيت بعقلية موضوعية ساذجة.

ولكننا نطرب لهذا البيت لجماله، وطرافته، وللصورة الشعرية الجديدة التي يجترحها، والتي تحيل الذهن إلى بروز صدر المرأة وفتنته وجماله.

خلاصة القول إن الناس في العبارة الشعرية، يحتكمون إلى قيم نابعة من المنظومة الإبداعية ذاتها، ولا يحتكمون إلى منظومات قيمية خارجية، وإذا فعلوا فحينئذ يسقط الشعر والإبداع كله، وبالضربة القاضية.

إذن نحن أحيانا نخرج خروجا كاملا عن قيم نحترمها، وندافع عنها، نخرج عنها ونركضها بعيدا، ولكننا لا ننطلق إلى الفراغ، بل ندخل إلى منظومات قيمية أخرى، لها نفس الرسوخ ونفس الاستقرار، كالنظام الخاص بالشعر.

والذي يعطينا الحق في هذا الخروج، هو القيمة الجمالية الإمتاعية فقط.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الشعر

إقرأ أيضاً:

اليوم.. نظر دعوى هدير عبد الرازق على نص «القيم الأسرية» في جرائم تقنية المعلومات

تنظر الدائرة الأولى للحقوق والحريات بمحكمة القضاء الإداري، الدعوى رقم 12217/80 ق، والمقامة من هدير عبد الرازق عبر محاميها الدكتور هاني سامح، طلبًا لوقف تنفيذ ثم إلغاء ما وصفته بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعليق تطبيق عبارة «الاعتداء على أي من المبادئ أو القيم الأسرية» الواردة في قانون جرائم تقنية المعلومات.

وتذهب الدعوى إلى أن نص قيم الأسرة صيغت بعبارات عامة وفضفاضة ومبهمة تُتيح تفسيرات واسعة توجَّه لخدمة رؤى اجتماعية أو دينية متشددة، وتسمح - وفق العريضة - بإحياء «تفتيش أخلاقي» يتعارض مع البيئة الثقافية المصرية التي مثّلها لعقود الإعلام الرسمي بماسبيرو وقطاعات الإبداع.

وتؤكد العريضة أن إدانة هدير استندت إلى هذا النص البهم المخالف للدستور والذي لا يحدد الركن المادي للجريمة بشكل منضبط، ما يجعله مخالفًا لمبدأ الشرعية واليقين الجنائي المنصوص عليه في المادة (95) من الدستور المصري التي تقرر أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص واضح ومحدد».

كما أضافت الدعوى وفق سامح أن النص محل الطعن يؤثر على حرية الإبداع وحرية التعبير، بالمخالفة للمادة (67) من الدستور التي تحظر العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية الفنية إلا في حالات محددة. كما استندت الدعوى إلى مبدأ النفاذ المباشر للنصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات، واعتبارها المرجعية العليا التي يتعين أن تُقدَّم على أي نص تشريعي مقيد لها واستشهدت بشروح لأستاذ القانون الراحل أحمد فتحي سرور.

وترى هدير أن استمرار العمل بالنص بصيغته الحالية يخلق مناخًا من عدم اليقين لدى المستخدمين وصناع المحتوى على المنصات الرقمية، ويؤثر على الاقتصاد الإبداعي المتنامي في مصر. وطالبت بوقف تنفيذ القرار السلبي لحين اتخاذ إجراءات تشريعية أو تنفيذية لتعليق تطبيق النص أو إعادة صياغته.

كما تشير العريضة إلى أن النص العقابي بصيغته الحالية أتاح - في التطبيق العملي - تغوّل أنماط من التشدد الديني والاجتماعي الوافد على الهوية المصرية، وهي أنماط هجينة وصفتها بـ«الأفغو- إيرانية»، لكونها مزيجًا من ثقافات الغلو الطالبانية في أفغانستان، والنزعات العقائدية المتشددة في إيران الثيوقراطية. وترى الدعوى أن هذه المنظومات الوافدة تمثل قطيعة تامة مع الإرث الحضاري والفني المصري و تراث ماسبيرو والفنون، وأن تمكينها من التحكم بمعايير التجريم تحت لافتة «القيم الأسرية» يعصف باليقين القانوني ويحوّل النصوص العقابية إلى أدوات لاستيراد هذه القيم المتطرفة التي لا تمتّ للمجتمع المصري ولا لتقاليده الحداثية بصلة.

ومن المقرر نظر الدعوى بشقها العاجل خلال 13 ديسمبر، في ضوء ما وصفته المذكرة بـ«الضرورة المُلحّة لحماية الحقوق الدستورية وضمان سلامة تطبيق النصوص العقابية».

اقرأ أيضاًمصرع أم وطفليها وإصابة آخرين في انهيار منزل بالطوب اللبن بقرية الدير جنوب الأقصر

بعد قليل.. استكمال محاكمة 87 متهمًا في قضية «داعش مدينة نصر»

بعد قليل.. استكمال محاكمة 65 متهمًا في قضية الهيكل الإداري للإخوان

مقالات مشابهة

  • غداً .. بيت الشعر العربي ينظم أمسية شعرية لشعراء وفناني فلسطين
  • تأجيل طعن هدير عبد الرازق على نص القيم الأسرية في جرائم تقنية المعلومات
  • تأجيل نظر طعن هدير عبد الرازق على نص «القيم الأسرية» لـ 28 مارس
  • اليوم.. نظر دعوى هدير عبد الرازق على نص «القيم الأسرية» في جرائم تقنية المعلومات
  • إليكم 23 صورة من ملف إبستين وترامب وبيل كلينتون وبيل غيتس التي كُشف عنها الجمعة
  • موضوع هيطلعلي شعري.. عمرو أديب: الزمالك يرفض الأرض البديلة ويتمسك بالأصلية
  • متحدث الخارجية لـ فوربس: السياسة الخارجية المصرية تستند لمعايير أخلاقية وقانونية
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • بالفيديو.. ياسر مدخلي لـ"ياهلا بالعرفج": مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن إصلاحه في الحياة!