مراجعة كتاب "Nexus" ليوفال نوح هرار.. أهي نهاية العالم؟
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
قد يكون مؤلف كتاب "الإنسان العاقل" روائياً بارعاً، غير أنّ تنبؤاته الكارثية حول الذكاء الاصطناعي تتجاوز حدود المنطق.
وبحسب ما يليق بكاتبٍ كان عمله البارز "الإنسان العاقل" تاريخاً للإنسانية جمعاء، يُعدُّ يوفال نوح هراري أستاذاً في التعميمات المثيرة.
ففي الكتاب الذي بين أيدينا يقول إن "الحياة البشرية فعلُّ الغرض منه تحقيق التوازن بين السعي لتحسين أنفسنا وقبول هويتنا الماضية"، وفقاً لمراجعة نشرتها صحيفة "غارديان" البريطانية.
فهل هي كذلك حقاً؟ وهل هذا كل ما في الأمر؟ وفي موضعٍ آخر، قد يُفاجأ المرء بقراءة ما مفاده: "كان لدى الرومان القدماء فهم واضح لما تعنيه الديمقراطية". فلا شك في أنّ الرومان كانوا سيسعدون لسماع أنهم، بعد 2000 عام، سيحصلون من يوفال نوح هراري على نجمة ذهبية تقديراً لاستيعابهم للمفاهيم السياسية المستقرة.
وفي كتابه الصادر عام 2018 بعنوان "21 درساً للقرن الحادي والعشرين"، يقول هراري: "لا يستوعب الليبراليون كيف انحرف التاريخ عن مساره المقدر له مسبقاً. وهم يفتقرون إلى منظورٍ بديل يفسرون الواقع من خلاله. ويؤدي بهم الارتباك واختلاط الحابل بالنابل إلى التفكير بلغة تنذر بمستقبل كارثي".
ويبدو أن هراري نفسه أمسى ليبراليّاً خلال السنوات التي تلت ذلك، لأن هذا الكتاب يدور حول السيناريو الكارثي للنحو الذي يمكن أن تدمر به "شبكة حواسيب" - تضم كل شيء بدايةً من رأسمالية المراقبة الرقمية وانتهاءً بخوارزميات التلقين الاجتماعي والذكاء الاصطناعي – الحضارة وتُبشِّر بـ "نهاية التاريخ البشري".
وعلى غرار ما كتب مالكولم جلادويل، لدى هراري رغبة شديدة من في أن يُنظّر إليه على أنه يتحدى الحكمة السائدة. يعتقد كثير من الناس مثلاً أن المطبعة ساهمت بشكلٍ حاسم في ظهور العلوم الحديثة. غير أن هراري يصرُّ على أن الأمر ليس كذلك، وأنّ الطباعة في حقيقة الأمر ساعدت أيضاً على نشر الأخبار الزائفة، شأنها في ذلك شأن كتب السحر والتنجيم. ولذلك، فإن غوتنبرغ يتحمل جزءاً من اللوم عن التعذيب والقتل الوحشيين اللذين تعرض لهما الذين اتُهموا بالسحر في جميع أنحاء أوروبا.
ورغم أنَّ هذا الزعم قد يبدو سخيفاً، فهو يغفل عن النقطة المحورية، ألا وهي أن المنهج العلمي يعوِّل على تراكم المعرفة، ولم يكن بالإمكان أن تظهر العلوم الحديثة إلا عندما أُتيحت نتائج التجارب السابقة على نطاق واسع لمَن جاء بعدها. فقد استطاع العلماء إذ ارتقوا "سُلّم المطبعة" في أوائل العصر الحديث أن يقفوا على أكتاف العمالقة.
ولكن، يقول الكاتب والمؤلف البريطاني ستيفن بول، في عرضه للكتاب بموقع صحيفة "غادرديان" البريطانية: لعلي وقعتُ ضحيةً ما يُطلق عليه هراري "الرؤية الساذجة للمعلومات" التي تتغير تغيراً دقيقاً في كتابه حسب الظروف الخطابية حتى تصبح أشبه بوحش فرانكشتاين مصنوع من القش. وتشمل الرؤية الساذجة للمعلومات فكرة أن "[المعلومات] في الأساس شيء مُستحب، وكلما زادت كان ذلك أفضل"، وهو ما يظنه كثير من الناس ويصعب تفنيده، غير أن هذه الرؤية يُفترض أنها تؤكد أيضاً على أن المعلومات الكافية تفضي حتماً إلى الحكمة السياسية، وأنَّ التدفق الحر للمعلومات يقود بضرورة الحال إلى الحقيقة، وهي مقولات يكاد لا يصدقها أحد. يقول هراري إن الإلمام بمعادلة أينشتاين لتكافؤ الكتلة والطاقة (e=mc2) عادةً لا يحل الخلافات السياسية.
ونعرف ذلك فعلاً من واقع تاريخ الحكومات الدكتاتورية والشمولية ومحاولاتها جمع المعلومات والسيطرة عليها، وهو تاريخ يستمد منه هراري عشرات القصص المتنوعة والمروعة لإقناع القارئ بعبثية وجهة النظر السخيفة بشكلٍ واضح.
فما الذي يمكن أن تفعله إذن أجهزة الكمبيوتر الحديثة ويثير قلقنا إلى هذا الحد؟ يبدو هراري مؤمناً إيماناً غير عادي بقدرات ما يُسوَّق له الآن على أنه "ذكاء اصطناعي". فلم يرَ أحد روبوت دردشة آلياً يبتكر أفكاراً جديدة، ناهيك عن توليد فن ليس محض إعادة توليف للأنماط المُستقاة من بيانات تدريبه.
وفي وقتٍ ما مستقبلاً، يبدو أن ما يُطلق عليهم هراري "أسياد الذكاء الاصطناعي الجدد" سيكتسبون قوى ترتقي بهم إلى مرتبة الآلهة. ففي بلورته السحرية، من الممكن لأحد أسياد الذكاء الاصطناعي أن يقرر تخليق فيروس وبائي جديد أو لون جديد من الأموال، بينما يغمر شبكات المعلومات العالمية بأخبارٍ زائفة أو تحريضات على أعمال الشغب.
وإسدال الستار الذي يتنبأ به الكاتب هنا على وادي السيليكون ليس مشكلة تتعلق بالذكاء الاصطناعي بحد ذاته، وإنما بالجغرافيا السياسية، إذ يستند إلى الجدار الناري العظيم في الصين الذي يمنع غالبية الصينيين من الوصول إلى مواقع مثل غوفل وويكيبيديا، ويفترض هراري أنه بمرور الوقت قد يمنع أنظمة الكمبيوتر الصينية والأمريكية تماماً من التفاعل مع بعضها بعضاً، مما يفضي إلى "القضاء على فكرة واقع إنساني مشترك وحيد". ويثير هذا القلق إن كان صحيحاً.
وأوضح هراري أن النزعة العدوانية لفلاديمير بوتين في أوكرانيا مُستلهمة نوعاً ما من إيمانه الراسخ بنسخة حزبية من التاريخ الروسي، مما يُظهر خطر وجود أساطير مُشتركة. ومع ذلك، يقول ستيفن بول، إن هذه السمة موجودة في غالبية الحروب منذ فجر التاريخ، لكنني لست متأكداً مما إذا كان يمكننا أن ننحو باللائمة على أجهزة الكمبيوتر في هذا الصدد.
ماذا يمكننا أن نفعل لإنقاذ الحضارة الإنسانية وواقعنا المشترك؟ الأمر بسيط، بحسب استنتاجات هراري. لا بد من إخضاع الخوارزميات والذكاء الاصطناعي إلى تنظيم رسمي صارم، والتركيز على "بناء مؤسسات ذات آليات تصحيح ذاتي صارمة". أنستمر إذن في العيش كديمقراطيات ليبرالية؟ إنه لاستنباط باهت نوعاً ما لكتاب تبنّى نبرة نهاية العالم.
والشيء المؤرِّق حقاً هو أن كتاب "Nexus" يضم بين دفتيه أيضاً الكثير من المناقشات المقتضبة للغاية والمبهرة عن موضوعات تتراوح ما بين عملية توثيق الكتب التي تشكل الكتاب المقدس الحديث، أو دور "موجز الأخبار" على موقع فيسبوك في تأجيج المجازر في ميانمار خلال الفترة بين عامي 2016 و2017، ونظام التعرف على الوجوه الذي تستخدمه إيران للكشف عن النساء غير المحجبات.
يضم الكتاب بين دفتيه صفحات رائعة تتناول معاناة اليهود في رومانيا الفاشية، بمَن فيهم جدُّ هراري نفسه، الذين أُجبروا في عام 1938 على تقديم أوراق تثبت حقهم في المواطنة أتلفتها في كثير من الحالات السلطات الحاكمة. عندما لا يتبنى هراري أسلوبه التنبؤي، يمكن أن كاتباً سرديّاً ممتازاً. ولكن يجب أن نفترض أن عشاق أعماله يريدون هذا النوع من التنبؤات.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ثقافة وفنون على أن
إقرأ أيضاً:
خبراء: الذكاء الاصطناعي يغير العالم أسرع مما يدركه معظم الناس
قال موقع أكسيوس إن القائمين على تطوير الذكاء الاصطناعي يرون أن التكنولوجيا تتقدم بوتيرة أسرع مما يدركه معظم الناس، ولن نعرف كيف وإلى أي مدى سيغير طريقة عيشنا وعملنا ولعبنا إلا بعد أن يحدث ذلك بالفعل.
ويقول أنطون كورينك، الخبير الاقتصادي في جامعة فرجينيا لأكسيوس: "كان الإنترنت بمثابة نسيم خفيف مقارنة بالعواصف العاتية التي ستضربنا. إذا تطورت هذه التكنولوجيا بالوتيرة التي يتوقعها قادة المختبر، فسنكون غير مستعدين على الإطلاق".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف عالمية: إسرائيل تدفع ألف دولار يوميا مقابل ارتكاب جرائم حرب في غزةlist 2 of 2فزغلياد: إطلاق حرب سرية على صادرات النفط الروسيةend of listونقل الموقع عن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، قوله في منشور حديث على مدونته: "من المرجح أن يكون عقد الثلاثينيات مختلفا تماما عن أي وقت مضى. لا نعرف إلى أي مدى يمكننا تجاوز مستوى الذكاء البشري، لكننا نوشك أن نكتشف ذلك".
وصرح داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة أنثروبيك، لأكسيوس بأن الذكاء الاصطناعي قد يقضي على نصف الوظائف الإدارية المبتدئة، وقال جيفري هينتون، وهو أحد عرابي الذكاء الاصطناعي، إن التكنولوجيا تتطور "بسرعة فائقة، أسرع بكثير مما توقعت".
وفي هذا السياق، أشار الموقع إلى أن برنامج "شات جي بي تي" استغرق 5 أيام بعد إطلاقه ليصل عدد مستخدميه إلى مليون، في حين استغرق فيسبوك 10 أشهر للوصول إلى مليون مستخدم، واستغرق إكس (تويتر سابقا)، عامين للوصول إلى نفس العدد.
مخاوفوأشار الموقع إلى أن هناك دلائل على أن التغيير قادم سريعا، واستدل بأن الرؤساء التنفيذيين يتحدثون "بشكل هادئ" عن تأثير الذكاء الاصطناعي على التوظيف، فقد صرح آندي جاسي، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، للموظفين بأنه يتوقع انكماش القوى العاملة في عملاق التكنولوجيا.
الحقيقة الأشد غرابة ورعبا، والتي لا جدال فيها حول نماذج اللغات الكبيرة للذكاء الاصطناعي هي أن الشركات التي تبنيها لا تعرف بالضبط سبب أو كيفية عملها
وقال الرئيس التنفيذي لشركة فورد جيم فارلي إن "الذكاء الاصطناعي سيحل محل نصف جميع العاملين ذوي الياقات البيضاء (عمال المكاتب) في الولايات المتحدة"، وصرح توبي لوتكي، الرئيس التنفيذي لشركة شوبيفاي للموظفين بأنه عليهم قبل طلب فتح وظيفة جديدة، إثبات أن الوظيفة لا يمكن إنجازها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
إعلانومع أن الرؤساء التنفيذيين لديهم مصلحة في إطلاق ادعاءات جريئة حول الذكاء الاصطناعي وتأثيره، كإشارة للمستثمرين بأنهم يقودون الموجة التالية من التكنولوجيا، فإن الذكاء الاصطناعي، حتى لو تجمد في مكانه الآن -وهو أمر يكاد يكون مستحيلا- فإن قدراته متقدمة بما يكفي لإحداث تغيير جذري في وظائفنا وحياتنا، يوضح أكسيوس.
ووسط المخاوف من اختفاء الوظائف وفشل المدارس، لا يزال هناك مجال للتفاؤل -حسب الموقع- إذ تكيَّف البشر مع التغير التكنولوجي لمدة طويلة، ويمكنهم فعل ذلك مرة أخرى، يقول كورينك من جامعة فيرجينيا: "يمكننا تحقيق مكاسب إنتاجية هائلة، يمكن لاقتصادنا أن ينتج أكثر بكثير. هذه التكنولوجيا لديها القدرة على تحقيق ازدهار مشترك أوسع نطاقا".
ورغم التحذيرات الكثيرة من تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، توجد أدلة تظهر أن العديد من العاملين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي حاليا لزيادة فرصهم في الحصول على عمل وزيادة رواتبهم.
بَيد أن الحقيقة الأشد غرابة ورعبا -حسب الموقع- والتي لا جدال فيها حول نماذج اللغات الكبيرة للذكاء الاصطناعي هي أن الشركات التي تبنيها لا تعرف بالضبط سبب أو كيفية عملها، فأقوى الشركات التي تتسابق لبناء أقوى قدرات الذكاء الاصطناعي الخارقة لا تعرف لماذا تفعل آلاتها ما تفعله.