الخلاف مع إسرائيل لا يمنع مصر والأردن من التمسك بالسلام
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
زادت الهوة بين مصر والأردن مع إسرائيل بسبب تصرفاتها العدوانية بحق سكان قطاع غزة والضفة الغربية بما يجبرهم على أن يتحول جزء كبير منهم إليهما، لكن الهوة والخلافات والمضايقات لم تؤد من قريب أو بعيد إلى تلميح أي من القاهرة أو عمّان إلى فك الارتباط مع اتفاقيات السلام الموقعة مع تل أبيب، أو الإيحاء بمراجعة سياسية وقانونية جادة لها، كذلك إسرائيل لم تعلن رفضها أو امتعاضها منها، وبدت حريصة على استمرار السلام معهما.
وأثبتت الحرب على غزة، ثم التصعيد الراهن مع حزب الله اللبناني، أن هناك فصلا بين الاشتباك اللفظي الحاصل مع إسرائيل، وبين علاقاتها السياسية مع عدد كبير من دول المنطقة، فالأنظمة العربية التي وقّعت اتفاقيات السلام المعروفة بـ”الإبراهيمية” لم تربط بقوة بينها وبين ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات، وطالبت بوقف الحرب وعدم توسيعها ومنع انفجار الأوضاع الإقليمية، ما يعني أن هناك فصلا تاما بين السلام والحرب، وأن الأول خيار محوري لدى إسرائيل وغالبية دول المنطقة التي دخلت معها في شراكات على قاعدتي السلام والتعاون المتبادل.
يبدو الوضع بالنسبة إلى مصر والأردن أشد حساسية، لأن تداعيات الحرب عليهما مباشرة، والخطط التي يتبناها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومدعومة من اليمين المتطرف تنعكس عليهما مباشرة، وتهدف إلى التخطيط لترحيل جزء معتبر من الفلسطينيين إلى البلدين، وتكريس سيناريو سيناء المصرية كوطن بديل لأهالي غزة، والأردن كوطن بديل لأهالي الضفة الغربية، ما يحمل داخله قلقا كبيرا للقاهرة، وألما لعمّان حيث يخل بتركيبة المملكة السكانية ويجعل من الفلسطينيين أغلبية فيها.
وبعد أخذ ورد وتصريحات وخطابات متعددة لخص وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي مؤخراً موقف بلاده من مسألة السلام مع إسرائيل، وهو يعبّر بشكل قريب عن موقف مصري شبيه بأن لا مصلحة لهما في إلغاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل، ويمكن توجيه اللوم إلى نتنياهو والنسق العام الذي ذهبت إليه حكومته وتبنيها على نطاق واسع الفكر اليميني، لكن يبقى السلام ركنا أساسيا في منع تطور الأحداث إلى صراعات مفتوحة، تستفيد منها إيران التي تجد فرصة في حدوث خلل في العلاقات بين إسرائيل والقاهرة وعمّان لخلط الأوراق في المنطقة.
تشعر حماس وحزب الله وجماعة الحوثي في اليمن وميليشيات عراقية عدة، ومعهم إيران، بحجم المأزق من الحرب المفتوحة التي يمكن أن تشنها إسرائيل بعد التصعيد الجديد في جنوب لبنان، وجميعهم يريدون وضع أعباء سياسية وعسكرية على نتنياهو، ولن يكون ذلك متوافرا سوى برفع مستوى الضغوط المصرية والأردنية، والتلويح بأن السلام مع إسرائيل على المحك، وهو ما لم يحدث.
ولدى القاهرة وعمّان قناعة ثابتة بأن الحروب الراهنة ليست من اختراعهما، وتضررهما مما تقوم به إسرائيل يصعب معالجته بالصدام معها، لكن من خلال التمسك بالسلام، وحض المجتمع الدولي على فرملة سياساتها وتصوراتها العنيفة، وإشعاره أن ما يجري في المنطقة كفيل بتفجيرها والإضرار بمصالح الجميع فيها.
من المؤكد أن قوة الردع الإسرائيلية لن تضمن القضاء نهائيا على المقاومة الفلسطينية أو إجبار حزب الله على الاستسلام أو إخماد تهديدات الحوثي في جنوب اليمن أو وقف ظاهرة المسيّرات القادمة من العراق، ربما تكون هذه القوة أسكتت إيران وجعلتها تلتزم الصمت وضبط النفس، إلا أن إصرار إسرائيل على توظيف الصراعات لكبح جماح أذرع إيران لن يجعل المنطقة تعرف الهدوء فترة طويلة، ما يزعج مصر والأردن أمام شعبيهما.
وإذا كانت القيادة السياسية في البلدين تمكنت من التعامل مع التطورات على جبهتي غزة والضفة الغربية ونجحتا في ضبط النفس سياسيا لضيق الخيارات الأخرى، فالمستوى الشعبي قد يكون له كلام آخر إذا انفلتت الحرب مع حزب الله من عقالها.
ولا يزال الشارع المصري صامتا حيال ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات، وما صدر من ضجر أو همهمات من جانبه تحت السيطرة، بما لا يحرج الحكومة ويجبرها على تبني موقف تصعيدي، احتجاجا على ما تقوم به قوات الاحتلال من تجاوزات عسكرية في محور فيلادلفيا القريب من الحدود المصرية، وقد لا تستمر هذه الحالة وقتا طويلا، مع تزايد توجهات التصعيد العملياتي من قبل إسرائيل، ويومها سوف تتعرض القاهرة لانتقادات إذا أعلنت تمسكها بالسلام بأيّ ثمن، ما يجعلها تسعى إلى بذل جهود لنزع فتيل أزمة قبل أن تجد نفسها في مأزق الاختيار بين السلام والتصعيد الكلامي ضد إسرائيل، وبدأت ملامحه تظهر في تصريحات عدد من كبار المسؤولين في مصر.
ولا يزال غليان الشارع الأردني ضد ممارسات إسرائيل تحت السيطرة أيضا، ونجحت عمّان في التعامل معه، بما يحافظ على صورتها في الدفاع عن القضية الفلسطينية وقطع الطريق على سيناريوهات تحيكها قوات الاحتلال، وبين عدم التفريط في السلام وتحمّل تبعاته، ولا تعني المراوحة في الخطاب الأردني انحيازا لأحدهما في بعض التوقيتات، بقدر ما تعني مواءمة تتطلبها التطورات، فآخر ما يمكن أن تريده عمّان التضحية بالسلام مع إسرائيل، لأنها تعلم ما يمكن أن يترتب عنه من تداعيات سلبية، في خضم أحداث متعاظمة في المنطقة لا أحد يعلم مآلاتها أو ما ستصل إليه لاحقا.
تعلم مصر والأردن أن المقاومة الفلسطينية كانت خط دفاع أول عنهما، والقضاء عليها وفقدانها سوف يحدث تحولات في أدبيات التعامل مع إسرائيل، فاتفاقيات السلام الموقعة بين الدولتين وتل أبيب وبالصورة التي وقعت بها جاءت وسط أجواء إقليمية ودولية جعلت إسرائيل تقدم الصيغة التي خرجت بها، وأي تغيير كبير في المعادلة التي بُني عليها السلام يمكن أن يدفعها للتفكير في إدخال تعديلات عليها قسرا أو جبرا.
وما لم يكن البلدان في حالة قوية ربما يجد أحدهما أو كلاهما نفسه في وضع مرتبك، يقبل بما كان يرفضه سابقا، من ناحية توسيع أطر السلام مع دول عربية أخرى، وبالتالي تجاوز مكانتهما المركزية في القضية الفلسطينية، وعودة الهواجس التي لاحقتهما عندما سلكت إسرائيل طريقا مباشرا مع بعض الدول العربية، وتمكّنت من تطبيع علاقاتها بالشكل الذي أضفى عليها حضورا إقليميا لم تتحصل عليه عقب توقيع اتفاقيات سلام مع مصر والأردن.
عندما تضع الحرب في كل من غزة وجنوب لبنان أوزارها سوف تجد القاهرة وعمّان نفسيهما أمام واقع، قد يجبرهما على التمسك بما هو أكبر من السلام البارد مع إسرائيل، لأن الطموحات التي يحملها نتنياهو في جعبته ستكون قاسية عليهما، فالانتصار الذي يمكن أن يحققه بالطريقة التي ظهرت ملامحها في خطابه العام يضع على كاهلهما أعباء سياسية ضاغطة، وقد لا يكون التمسك بالسلام كافيا للتعامل معها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل السلام مع إسرائیل اتفاقیات السلام مصر والأردن ما تقوم یمکن أن
إقرأ أيضاً:
ترامب يتراجع عن ترشيح بلير لـ”مجلس السلام” تحت ضغط عربي وإسلامي
صراحة نيوز-أوضحت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر استبعاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من قائمة المرشحين لعضوية “مجلس السلام” الذي اقترحه ضمن خطته لوقف دائم للحرب في غزة، وذلك عقب اعتراضات من عدة دول عربية وإسلامية.
وذكرت الصحيفة في تقرير نُشر الاثنين أن بلير كان الشخصية الوحيدة التي كشف ترامب عنها عند إعلانه خطته المؤلفة من 20 بندًا لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، إذ وصفه ترامب حينها بأنه “رجل جيد جدًا”، بينما رد بلير مشيدًا بالخطة بوصفها “جريئة وذكية” ومعلنًا استعداده للعمل ضمن المجلس.
لكن الصحيفة تشير إلى أن دولاً عربية وإسلامية عبّرت عن رفض واضح لتولي بلير هذا الدور، بسبب “تضرر سمعته في الشرق الأوسط جراء دعمه القوي لغزو العراق عام 2003″، إضافة إلى مخاوف من إمكانية تهميش الفلسطينيين داخل الهيكلة المقترحة لإدارة قطاع غزة.
وكان ترامب قد لمح في تشرين الأول/أكتوبر إلى احتمال وجود اعتراضات على تعيين بلير، قائلاً: “أريد التأكد أنه خيار مقبول للجميع”.
وبحسب فايننشال تايمز، فإن بلير، الذي عمل خلال العام الماضي على مقترحات تخص غزة عبر “معهد توني بلير” وبالتنسيق مع جاريد كوشنر، لن يكون عضواً في “مجلس السلام”، لكنه قد يشارك في لجنة تنفيذية أصغر تضم مسؤولين غربيين وعربًا إلى جانب كوشنر وستيف ويتكوف، أحد مستشاري ترامب.
كما نقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن بلير ما يزال مرشحاً للعب دور آخر ضمن ترتيبات الحكم المستقبلية في غزة، مضيفة أن “الأميركيين والإسرائيليين يحبونه”.
وتضيف الصحيفة أن الهيكل الإداري الجاري العمل عليه يشمل إنشاء لجنة تنفيذية جديدة برئاسة نيكولاي ملادينوف، المبعوث الأممي السابق ووزير الدفاع البلغاري الأسبق، لتعمل كحلقة وصل بين مجلس السلام ولجنة فلسطينية تقنية مكلفة بإدارة الشؤون اليومية في القطاع.
وبحسب التقرير، فإن مهام ملادينوف تشبه الأدوار التي كان من المفترض أن يتولاها بلير عند طرح الفكرة لأول مرة، والمتعلقة بالإشراف على المرحلة الانتقالية في غزة بعد الحرب.
وتشير الصحيفة إلى أن أجزاء كبيرة من خطة ما بعد الحرب لا تزال غير محسومة، بما في ذلك آلية تشكيل اللجنة الفلسطينية، وتفاصيل القوة الدولية المقترحة لتولي أمن القطاع، إذ لم تعلن أي دولة استعدادها للمشاركة فيها، ولا تزال ولايتها وحجمها وقيادتها غير محددة حتى الآن.