نعيش بين مفترق طريقين – خوف ورجاء - أدركنا ذلك أو لم ندرك، وهما متزامنان فـي ذات لحظة المعايشة؛ حيث لا مفاضلة بينهما؛ يحدث ذلك لأننا لا ندرك مآلات الأعمال التي نقوم بها، فما يكون فـي تقديرنا صواب؛ قد يكون خطأ، وما يكون فـي تقديرنا خطأ؛ قد يكون صوابا، فنحن لا نزال نعيش مأزق الضعف، وعدم الإدراك المطلق، ولأن الأمر هكذا، فإن كل ما نقوم به من ممارسات (صحيحة/ خاطئة) هي تندرج تحت هذا الفهم، فكما أننا نجهد أنفسنا لتكون كل ممارساتنا صحيحة، نقع فـي المقابل فـي ممارسات خاطئة، ولأنها خاطئة، فسرعان ما ننفـيها عن أنفسنا، لأن هناك خوف العقاب على الخطأ، هناك خوف من المساءلة، هناك خوف من نتائج سلبية محسوبة على من ارتكب السلوك الخطأ لا نريد أن نتحملها حتى لا نراكم من أخطائنا، والعقاب المشار إليه؛ ليس فقط ما نتوقعه من القريب منا أو البعيد، بل هناك خوف أكبر متعلق بعلاقتنا مع خالقنا الذي بسط لنا دروب الصواب، ومساراته التي لا تعد ولا تحصى، وخاتمتها التوبة والعودة من الذنب سريعا، ولأن كل العلاقات محفوفة بالمخاطر، فمعنى ذلك أنها مغلفة بالخوف؛ هذا الخوف الذي ينتج عنه الفشل، وعدم التوفـيق، والخسارات بأنواعها، وعتاب الآخرين، وعدم رضاهم، صور كثيرة من القطيعة، عدم الاطمئنان، الإشارة إلينا بكثير من مظان السوء، عدم الرضى، صور نمطية كثيرة يلبسنا بها الآخر طوال حيواتنا، تأتي نتائج كل ذلك الكثير من الارتباك فـي العلاقة مع الآخر، مع اطمئناننا بعلاقاتنا مع الله، حيث نعي حقيقتها معه، أكثر من الآخر، ولكن لأن الآخر غير مطلع على الغيب، فـيعتمد على تقييمه الخاص، وهو تقييم قاصر، ومتواضع، وإن بذل فـيه كل الجهد.
هناك من ينظر إلى الخوف من ناحية إيجابية، فهو المنظم لتصويب الأخطاء، فكلما توجست من عمل سوف يؤدي بك إلى مهلكة أو أقلها قصور فـي الأداء؛ كان ذلك صمام أمان لك فـي عدم الوقوع فـي مأزق الخطأ المؤدي إلى مضاعفة الخوف، فما بين الخطأ والصواب فاصل دقيق، قد يبعدك مسافات واسعة عن الوقوع فـي الخوف، أو قد يوقعك فـيما لا تود فعله، يقال: «رحم الله امرءا نفعه ظنه» والظن – فـي ظاهره؛ خوف - فهو واحد من مصدات النجاة التي يرجو كل منا أن يصل إليها كخاتمة لعمل ما، نعم؛ قد ينظر إلى تجربة الحياة بكثير من الأهمية فـي تقليل الوقوع فـي الأخطاء المؤدية إلى الخوف، أو الارتباك، ولننظر إلى تصرف طفل ما يرى شيئا ما لأول مرة فـي حياته، كيف يتلبسه الخوف، فلا يقدم إليه هكذا بصورة مباشرة، بل بحذر شديد حتى يتأكد من أنه لن يكون منه ضرر ما، ومتى تأكد؛ عندها فقط يتحرر من محنة الخوف، فـيقبل إليه مطمئنا، وفـي ذلك أمثلة كثيرة، وقد لا حظت حتى بعض الحيوانات عندها هذا الحس من الاقتراب من الأشياء؛ قبل ملامستها أو التعامل معها.
لم يخطئ من يعتقد أن الخوف مفتاح الأبواب المغلفة، كحال مثال الطفل، فقبل الشروع فـي أي عمل تريد، لا بد أن ينتابك الخوف، حتى تتيقن من أنك لن تضار بخطر ما، ولنا أن نعي حكمة الكفـيف الذي يتلمس بعصاه مظان الخوف ومواقعه؛ حتى يؤمن طريقه نحو المسارات الصحيحة، فعدم مجازفته؛ هو شعور بالخوف من الوقوع فـي مأزق ما، وليس من الحكمة إطلاقا أن ينجر أحدنا نحو أمر ما دون أن تساوره الظنون بأن هناك أمرا ما قد يحدث، وإن لم يحدث فذلك هو المرتجى، لأنه أيضا؛ ترجيح كفة الاطمئنان بصورة مطلقة دون استدعاء الخوف؛ هو نوع من المجازفة والتهور، وهذان أمران لا يقبل إليها عاقل، أو صاحب خبرة فـي الحياة، ولذلك قيل فـي مثل التشبيه: «إذا علق ثوبك بشجرة بها شوك فـي أغصانها، فتمهل فـي تحرير ثوبك جزءا جزءا؛ وإلا تمزق بين أغصان تلك الشجرة الشائكة» ومعنى هذا أن الحذر هو نوع من الخوف، والتوجس، وعدم الاطمئنان، ومع ذلك فنتائجه مذهلة، يقول الشاعر: «لا تترك الحزم فـي شيء تحاذره؛ فإن سلمت فما فـي الحزم من بأس» فالحزم بهذا المعنى هو نوع من قطع الطريق أمام جميع طرق الخوف والتوجس، وعدم الاطمئنان، بالإضافة إلى أن هناك ثمة علاقة متباينة بين الإفراط فـي الخوف، والإفراط فـي التفاؤل؛ مع أن الإفراط فـيهما تكون نتائجهما على طرفـي نقيض؛ حيث يقود الإفراط فـي الخوف إلى «منجاة» بينما يقود الإفراط فـي التفاؤل إلى «مهلكة» مع التأكيد على عدم التفريط فـي كليهما مهما كانت المواقف والظروف، فلا بد لأي إنسان أن يكون كلا الأمرين فـي ذاكرته الحاضرة، يستدعيهما فـي كل صغيرة وكبيرة، وهذه من معززات الحكمة.
وعلى العموم؛ فكل ما يقال عن الخوف؛ تبقى حقيقة أن ثمة خوفا قادما؛ فالتوقع: أن ثمة مساحة للرؤية أكثر وضوحا، فتوقع الخوف ليس كله شر، بل مزيد من المعرفة بما يحيط بك، ومزيد من الاطمئنان، بأنك عرفت ما يدور خلف الستائر الداكنة، بدون استشعار للخوف، فلن تتضح لك الكثير من الرؤى، فنظرية الخوف تذهب إلى استجلاء حقيقة غير مرئية، ومتى اتضحت الصورة ذهب الخوف إلى غير رجعة، فقد استبدلت الحالة بكثير من الوضوح، ولعلنا نتخذ مثال الطفل أعلاه أنموذجا لنظرية الخوف، ومعادلتها بالإفراط فـي التفاؤل، ويقينا؛ جميعنا يدرك أنه لا يوجد فـي الكون كائن حي لا يستشعر الخوف، فحتى المخلوقات غير العاقلة، تتحفز ترقبا من خطر قادم، لتواجه الخطر، وهي بكامل استعدادها الغريزي، إذن هي واقعة فـي مستنقع الخوف، فالخوف حالة فطرية، جبلت عليها كل الكائنات الحية، ومن لا يخاف من العقلاء، فهو يجازف بالوقوع فـي التهلكة، وهذا ليس من صفتهم، ربما قد ينظر البعض إلى أن الهدف من الخوف – مع أنه شعور فطري - هو توقع المصيبة؛ إذن ووفق هذا التقييم، فإن المصيبة هي الخوف، ومعنى ذلك أيضا؛ أنه متى عرفت مآلات مصيبة ما، كان ذلك مرتكزا مهما للتخفـيف من وطأة الخوف، والتعامل معه بكثير من السيطرة، وعدم إعطائه الفرصة لتقويض مجموعة المسكنات النفسية التي تحافظ على توازن شعور عند كل فرد منا، فـيعيش هادئ البال، مرتاح الضمير.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإفراط فـی الوقوع فـی هناک خوف بکثیر من خوف من
إقرأ أيضاً:
ضبط لحوم غير صالحة للاستهلاك وتحرير 265 محضرًا في حملات تموينية مكبرة بأسيوط
أعلن اللواء هشام أبو النصر، محافظ أسيوط عن تنفيذ حملات تموينية مكبرة شملت مختلف المراكز والأحياء وأسفرت عن ضبط كميات من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي وتحرير 265 محضرًا متنوعًا خلال 4 أيام، وذلك في إطار استعدادات المحافظة لاستقبال عيد الأضحى المبارك وحرصها على تشديد الرقابة على الأسواق والمنافذ التموينية.
وأكد المحافظ على أهمية التنسيق الكامل بين جميع الجهات المعنية، وعلى رأسها مديرية التموين ومباحث التموين ورؤساء الوحدات المحلية والإدارات التموينية، وذلك ضمن جهود الدولة وتوجيهات القيادة السياسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وفقًا لرؤية مصر 2030، وضمان توافر السلع الأساسية وحماية صحة المواطنين من أي ممارسات ضارة أو استغلال تجاري.
وأوضح المحافظ أن الحملات، التي تمت بقيادة خالد محمد، وكيل وزارة التموين، وبالتعاون مع المقدم أحمد علي، رئيس مباحث التموين، والرائد أحمد عبد الكريم، وكيل الإدارة، أسفرت عن تحرير 229 محضرًا للمخابز البلدية، تضمنت مخالفات مثل نقص الوزن والمواصفات، وعدم النظافة، وعدم وجود لوحات بيانات أو ميزان، والتصرف في كميات من الدقيق، وعدم إصدار بون صرف للمواطنين.
وفيما يخص الأسواق، تم ضبط 187 كيلو من اللحوم ومصنعاتها غير الصالحة للاستهلاك، إلى جانب 99 زجاجة مشروبات غازية و49 علبة جبن منتهية الصلاحية. كما تم ضبط 8 أجولة دقيق بلدي مدعم قبل بيعها في السوق السوداء، وتحرير محضر ضد تاجر تمويني قام بتجميع 308 كيلو سكر و340 زجاجة زيت دون وجه حق وشملت الحملات أيضًا تحرير 3 محاضر لغلق مستودعات بوتاجاز، و4 محاضر بيع سجائر بأعلى من السعر الرسمي، و3 محاضر لمزاولة النشاط دون ترخيص، بالإضافة إلى 17 محضرًا لعدم الإعلان عن الأسعار، ومحضر لعدم حمل شهادة صحية.
وأشار المحافظ إلى أن الحملات الرقابية مستمرة بشكل دوري ومفاجئ على جميع المنشآت التموينية، بما في ذلك المخابز البلدية والسياحية والافرنجية، والمحال التجارية، والأسواق، والمخازن، ومستودعات البوتاجاز، ومحطات الوقود، والبقالين التموينيين، ومنافذ مشروع "جمعيتي"، بهدف ضمان وصول الدعم لمستحقيه والتأكد من سلامة وصلاحية السلع المتداولة قبل عيد الأضحى المبارك.