سواليف:
2025-06-23@19:51:59 GMT

لماذا نجحت إسرائيل مع حزب الله.. وفشلت مع السنوار؟!

تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT

#سواليف

كتب .. عادل صبري

ماذا يجعل قائد حركة #حماس #يحيى_السنوار ورجاله على قيد الحياة، بعد 352 يومًا من #حرب إسرائيلية وحشية على #غزة وسط قصف #الصواريخ والطائرات والدبابات على مدار الساعة، بينما استطاعت إسرائيل أن تقتل العشرات وتفتك بالآلاف من قادة #حزب_الله بضربتين من “كبسة زر”، وتضع عواصم عربية والمنطقة على حافة حرب غير مسبوقة؟!

السؤال مطروح على ألسنة العامة، ممن هالهم أن تتمكن إسرائيل من ارتكاب أول #مجزرة_جماعية أدارتها عبر حرب سيبرانية خاطفة.


أحدث انفجار 4 آلاف نداء آلي، يوم الثلاثاء 17 من سبتمبر/أيلول، أعقبه تفجير أجهزة لاسلكية محمولة في اليوم التالي، صدمة بين أنصار حزب الله، وحمل إنذارًا شديد الخطورة لقادة جيوش وأنظمة الأمن العربية، شبّهها البعض بصدمة “طوفان الأقصى” التي جدعت أنف جيش الاحتلال وكسرت شوكة أجهزة مخابراته الذائعة الصيت، التي فشلت تمامًا في توقع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

مقالات ذات صلة ثلاث توصيات مهمة لبناء محافظ الضمان الاستثمارية 2024/09/23

قواعد اللعبة

لا شك أن تمكّن إسرائيل من زرع مادة “سي فور” شديدة الانفجار بأجهزة النداء الآلي واللاسلكية، وإرسالها ضمن طلبية، تقدم بشرائها مسؤولو حزب الله، في إبريل/نيسان الماضي، من مصانع شركة “غولد أبولو” في تايوان، تمّت عبر طرف تابع لها بدولة المجر “إيه بي سي كونسلتنج” عملية معقدة ومتطورة، ولكنها غير مبتكرة.

سارت العملية على قواعد اللعبة نفسها التي استخدمتها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ الانتفاضة الثانية، باغتيال مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين وكل من استشهد من قادة الحركة والناشطين السياسيين.

زرعت إسرائيل متفجرات في هواتف، تجعلها قابلة للانفجار بمجرد فتحها، أو رد صاحب بصمة الصوت المطلوب قتله، وإصدار تردد طيفي يمكّن الطائرات المسيّرة من التتبع وإطلاق صاروخ يعمل بالليزر، يغتال الخصم ومن حوله.

استخدمت إسرائيل العملية ذاتها لاغتيال قادة بحزب الله في مكاتبهم وبيوتهم، وتخريب منشآته.

رغم عدم إفصاح إسرائيل عن دورها رسميًّا باغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، ودورها المشبوه بإسقاط طائرة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، فإنها لم تتورع عن إعلان مسؤوليتها عن الهجوم السيبراني على منشأة تخصيب اليورانيوم، بما شل المعدات لأشهر، فأعادت قدرات إيران النووية 5 سنوات إلى الوراء.

تتولى إسرائيل -نيابة عن الولايات المتحدة- قتل العلماء الإيرانيين المتخصصين في الطاقة النووية، وتكوين شبكة من العملاء المحللين، لمساعدتهما في المهام القذرة، بينما تفاخر واشنطن باستخدامها التكنولوجيا نفسها في ملاحقة من ترغب بقتله، باستخدام الطائرات المسيّرة، بقرار منفرد وأحيانًا بتنسيق مع الأنظمة الحاكمة.

العجل المقدس

يظل يحيى السنوار حرًّا طليقًا، وإن كان داخل أنفاق عميقة في غزة، التي جرفت إسرائيل بيوتها ومنشآتها، دون أن تعثر على أثر يدلها على وجوده مع 100 أسير ما زالوا في حوزته، يساعدها في البحث عنهم 7 دول لديها أعتى أجهزة المخابرات والقوات العسكرية وأقمار صناعية وعملاء على الأرض، بقيادة وتمويل مادي ونوعي من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا.

حرية “السنوار” ورفاقه ترتكز على تجارب عميقة، مع احتلال تحولت التكنولوجيا بالنسبة إليه إلى “عجل مقدس” يروجون له كالمسيح المخلّص، الذي سيمكنهم من سحق أعدائهم، عبر حروب سيبرانية خاطفة، تحقق لهم النصر بدون خوض معارك مباشرة تُلحق بهم خسائر في البشر، لتظل أيقونة تحالف يضم 21 دولة، بفيلق القيادة الوسطي للقوات الأمريكية، المكلفة بالسيطرة على الوضع الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط.

تعلّم “السنوار” الدرس مبكرًا، بأن امتلاك إسرائيل قدرات تكنولوجية هائلة، وشبكة اتصالات عميقة بشركات تصنيع المعدات وبرامج التشغيل لأجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، جعل لها بصمة قوية في إدارة الصراع المستقبلي، بالمنطقة وحول العالم.

تحتضن مصانع “إنتل” و”دل” ومايكروسوفت الأمريكية، وشركة “لونوفو” الصينية ووسيط صناعي وتجاري لشركات الذكاء الصناعي التخليقي، بما يمكّنها من بيع أو سرقة التكنولوجيا الغربية لصالح الصين وغيرها، والتعاون مع روسيا وخصومها في الوقت ذاته.

تربُّص إسرائيل الدائم بالفلسطينيين علّمهم الحذر، والعودة إلى إدارة المعارك باستخدام الطرق القديمة، حيث التواصل المباشر بين الجنود والقائد، والكتابة باليد، والهواتف الميدانية ذات الطرفين، بدلًا من الاعتماد على تكنولوجيا لا يمكنهم الفكاك من خطورتها، لتبعيتها الكاملة لإسرائيل.

زوبعة الجواسيس

في عصر “إنترنت الأشياء” أصبحت إسرائيل من الكيانات القليلة القادرة على الولوج إلى شبكات الاتصالات الدولية، والتحكم في المعدات الإلكترونية بالمصانع ومحطات الطاقة والمياه والسيارات، والأدوات المنزلية كالثلاجات والمكيفات، وكذلك العسكرية وإدارة الذخائر الموجهة للقتل، التي تعمل عن بُعد، بتقنية “إنترنت الأشياء”، عبر قوات إسرائيلية خاصة المعروفة بوحدة 8200، التي تعادل وحدة الأمن القومي الأمريكي.

أثارت المجموعة زوبعة، بعد نشر تحقيقات عن تعاقد عدد من الدول العربية في الأعوام الأخيرة، على استخدام برنامجها “بيجاسوس” للتجسس على المعارضين، والقبض على زعامات سياسية شهيرة.

تعمدت إسرائيل الدعاية عن أعمال المجموعة، رغم اعتراف قائدها بفشله الأمني يوم السابع من أكتوبر 2023 على يد حماس، واستقالته مطلع الشهر الجاري، بما دفع حسن نصر الله قبيل الانفجارات الأخيرة، إلى مطالبة جنوده بتجنب الهواتف المحمولة، والاعتماد على التواصل عبر شبكات اللاسلكي، المخترعة قبيل نهاية القرن الماضي.

عباقرة الجاسوسية

لم ينتبه كثيرون إلى خطورة المجموعة، رغم توسع الإعلام الدولي الداعم لإسرائيل بالترويج عن أفعالها المشبوهة، ظهر آخرها في الأول من سبتمبر بصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.

تبيّن “وول ستريت” أن الجيش الإسرائيلي أصبح خط إنتاج المواهب الرفيعة في وادي السيليكون، بوابة التكنولوجيا للعالم، بما يملكه من قدرة على تجنيد عباقرة التكنولوجيا في مرحلة مبكرة تبدأ بالمدرسة الابتدائية، لتعليم الجنود تقنيات الأمن السيبراني العملية، وأحدث طرق المراقبة، وتشجيع مجنديها الذين ينتمون إلى أعراق ولغات مختلفة على نقد رؤسائهم ومعالجة المشكلات المعقدة والمفاجئة بطرق ابتكارية وفورية، والعمل تحت الضغوط الشديدة طوال الوقت.

يحتفظ جيش الاحتلال بالخريجين الأفذاذ من بين 8200 خريج بكل فصل دراسي، ويدفع بالآخرين لتكوين شركات استثمار تعمل في الداخل والخارج، يطلق عليها اسم “القاعدة العسكرية للوحدة خارج تل أبيب”، بما يضمن بقاء الخريجين على تواصل دائم بالمخابرات، وتحولهم إلى شركات مصنعة وسماسرة بالأسواق الدولية، تساعد في إدارة حرب سلاسل التوريد، مثل الشركة الوهمية التي نفذت انفجارات بيروت، وما تطلبه المخابرات وقت الحاجة.

تدير المجموعة شركات بقيمة 160 مليار دولار مدرجة في بورصة نيويورك وتل أبيب، وحجم تعاملات بالأمن السيبراني بقيمة 23 مليار دولار. تعمل بعض الشركات في دبي، وتورد معدات إلى مصر والأردن والبحرين والمغرب رسميًّا، وتتغاضى عن الإشارة إلى إسرائيل بالدول الرافضة للتطبيع، لأن ما يهمها الوجود بمعداتها وبرامجها بين خصوم إسرائيل قبل أصدقائها.

في علم المخابرات، تُعَد تفجيرات أجهزة اتصالات حزب الله عبقرية، لكنها لفتت أنظار أصدقاء إسرائيل قبل أعدائها إلى خطورة الثقة بالتعاون مع شركات تابعة لدولة الكيان، يمكنها وضع مواد قاتلة أو مسمومة في المنتجات التي توردها للأسواق، واستخدامها عسكريًّا عند اللحظة المناسبة.

الابتعاد عن التكنولوجيا يظل مأمنًا أثناء الحروب، لجماعة سياسية صغيرة مثل حماس، لكن الأحداث تتطلب من الدول مراجعة صفقات التطبيع، وتتبُّع البنية الأساسية للشركات والاتفاقيات التي قامت عليها، وخلق البديل المحلي، حتى لا نجد أنفسنا يومًا ضحية تفجيرات صديقة قاتلة.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف حماس يحيى السنوار حرب غزة الصواريخ حزب الله مجزرة جماعية حزب الله

إقرأ أيضاً:

لماذا تبدأ السنة الهجرية في محرم رغم أن الهجرة كانت في ربيع الأول؟

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: هل حقًّا أن هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت في ربيع الأول؟ ولو كانت كذلك، فلماذا نحتفل ببداية السَّنَة الهجرية ويوم هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر المحرم؟

وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن هجرته صلى الله عليه وآله وسلم كانت في ربيع الأول، وكان العزم عليها والاستعداد لها في شهر المحرم، ولهذا كانت بداية العام به، وكذا الاحتفال بها يكون في شهر المحرم، فيكون الاحتفال بها بمعنى الهجرة لا بخصوص يومها.

الحكمة من جعل الهجرة النبوية بداية التقويم الإسلامي

وأشارت الإفتاء الى أن الهجرة حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية، استحقت أن تكون بداية للتقويم الإسلامي؛ لما مثلته من معانٍ سامية ورفيعة؛ إذ كانت دليلًا جليًّا على تمسك المؤمنين بدينهم؛ حيث هاجروا إلى المدينة تاركين وطنهم وأهلهم وبيوتهم وأموالهم، لا يرغبون في شيء إلا في العيش مسلمين لله تعالى؛ ولذلك مدحهم سبحانه وأشاد بهم؛ فقال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾[الحشر: 8]، كما أنها كانت البداية الحقيقية لإقامة بنيان الدولة، ووضع أحكامها التشريعية التي صارت أساسًا لإنشاء النظم المجتمعية، وضبط العلاقات الإنسانية والدولية، وإقرارًا لمبدأ التعايش والتعددية.

دعاء استقبال العام الهجري الجديد.. للرزق والتيسيرهل يؤثر نسيان تسبيح الركوع على صحة الصلاة؟.. أمين الفتوى يجيبفائدة عظيمة يكشفها المفسرون.. لماذا فضل الله الأم على الأب؟استعن بالله.. الأوقاف تقدم نصائح لطلاب الثانوية خلال الامتحانات

بداية التقويم الهجري وأول من وضعه

وأوضحت انه يعرف تاريخ كلِّ شيء بأنه غايته ووقته الذي ينتهي، وأما عرفًا: فهو توقيت الفعل بالزمان؛ ليعرف ما بين قدر ابتدائه وأي غاية فرضت له، وقيل: هو عبارة عن يوم ينسب إليه ما يأتي بعده، وقيل: عبارة عن مدة معلومة تعد من أول زمن مفروض؛ لتعرف الأوقات المحددة، فلا غنى عن التاريخ في جميع الأحوال الدنيوية والأخروية. ينظر: "فيض القدير" للإمام المناوي (1/ 101، ط. المكتبة التجارية الكبرى).

وقد كانت العرب أول الأمر تؤرخ بعام الفيل، وهو عام مولده صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يزل التاريخ كذلك في عهد سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وعهد أبي بكر، رضي الله عنه، إلى أن وَلِي عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، فجمع الصحابة واتفقوا رضي الله عنهم على الهجرة بداية للتقويم الإسلامي.

فذكر الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (4/ 511، ط. هجر): نقلا عن الواقدي أنه قال: [حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه، قال: استشار عمر في التأريخ فأجمعوا على الهجرة] اهـ.

وقد بوَّب البخاري في "صحيحه" لذلك بقوله: "باب التاريخ ومتى أرخوا التاريخ"، وأورد فيه قول سهل بن سعد رضي الله عنه: "ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا من وفاته، ما عدوا إلا من مقدمه المدينة".

قال ابن كثير (4/ 511): [وقال أبو داود الطيالسي: عن قرة بن خالد السدوسي، عن محمد بن سيرين، قال: قام رجل إلى عمر فقال: أَرِّخوا. فقال: ما أَرِّخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم؛ يكتبون: في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر: حَسَنٌ فأَرِّخوا. فقالوا: من أي السنين نبدأ؟ فقالوا: من مبعثه. وقالوا: من وفاته. ثم أجمعوا على الهجرة، ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟ فقالوا: رمضان. ثم قالوا: المُحَرَّم؛ فهو منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام. فاجتمعوا على المُحَرَّم] اهـ.

ثم قال (4/ 512): [وروى محمد بن إسحاق، عن الزهري، وعن محمد بن صالح، عن الشعبي، أنهما قالا: أرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم، ثم أرخوا من بنيان إبراهيم وإسماعيل البيت، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي، ثم أرخوا من الفيل، ثم أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة، وذلك سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة... والمقصود أنهم جعلوا ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وجعلوا أولها من المُحَرَّم، فيما اشتهر عنهم، وهذا هو قول جمهور الأئمة] اهـ.

يقول الزرقاني في شرحه على "المواهب اللدنية" (2/ 153، 154، ط. دار الكتب العلمية): [ولم يؤرخوا بالمولد ولا بالمبعث؛ لأن وقتهما لا يخلو من نزاع من حيث الاختلاف فيهما، ولا بالوفاة النبوية؛ لما يقع في تذكره من الأسف والتألم على فراقه] اهـ.

سبب التأريخ للعام الهجري بشهر المحرم

ونوهت انه من المعلوم أن دخول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة كان في شهر ربيع الأول وإنما كان العزمُ على الهجرة والاستعداد لها في شهر المُحَرَّم بعد الفراغ من موسم الحج الذي وقعت فيه بيعة الأنصار؛ ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟ قالوا: رمضان، ثم قالوا: المُحَرَّم، فهو مُنْصَرَفُ النَّاسِ مِنْ حَجِّهِمْ، وهو شهر حرام فاجتمعوا على المُحَرَّم.

قال الحافظ ابنُ كثير في "البداية والنهاية" (4/ 512) [والمقصود أنهم جعلوا ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وجعلوا أولها مِن المُحَرَّم فيما اشتهر عنهم، وهذا هو قول جمهور الأئمة] اهـ.

قال أبو القاسم السُّهيْلي في "الروض الأنف" (4/ 151، ط. دار إحياء التراث العربي): [قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة يوم الإثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، وهو التاريخ فيما قال ابن هشام] اهـ.

وقد سبق ذكر أثر سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أنهم ما عَدُّوا إِلَّا مِن مَقدَمِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الْمَدينة.

كما روى الحافظ البيهقي عن أبي البَدَّاح بن عاصم بن عدي، عن أبيه، قال: "قدِم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، فأقام بالمدينة عشر سنين".

وفي روايةٍ عن ابن شهاب، قال: "كان بين ليلة العقبة وبين مهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أشهر أو قريب منها، وكانت بيعة الأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة في ذي الحجة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة في شهر ربيع الأول، وتوفي في ربيع الأول لتمام مهاجره من مكة إلى المدينة عشر سنين". ينظر: "دلائل النبوة" للإمام البيهقي (2/ 511، ط. دار الكتب العلمية).

وتابعت: ما ذُكر هو مذهب الجمهور، ولم يخالف سوى ابن حزم رحمه الله؛ فمذهبه أن أول السنين الهجرية شهر ربيع الأول الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة مهاجرًا، ولكن لم يتابَع عليه؛ إذ الجمهور على أن أول التاريخ من محرم تلك السَّنَة.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 464، ط. دار المعرفة) عن غزوة خيبر: [وحكى ابن التين عن ابن الحَصَّار أنها كانت في آخر سَنَة ست، وهذا منقول عن مالك، وبه جزم ابن حزم، وهذه الأقوال متقاربة، والراجح منها ما ذكره ابن إسحاق، ويمكن الجمع بأن مَن أطلق سَنَة ست بناه على أن ابتداء السَّنَة من شهر الهجرة الحقيقي، وهو ربيع الأول] اهـ.

وقد حاول العلماء طلب مناسبة اختيار المُحَرَّم لبداية التاريخ، فذكروا حرمته وفضله؛ قال الحافظ السخاوي في "فتح المغيث" (4/ 306، ط. مكتبة السُّنَّة): [لكونه شهر الله، وفيه يُكسى البيت، ويُضرب الوَرِق، وفيه يوم تاب فيه قوم فتيب عليهم] اهـ.

وقيل: لأن فيه اجتماعًا للأشهر الحرم في السَّنَة الواحدة؛ قال أبو هلال العسكري في "الأوائل" (ص: 151، ط. دار البشائر- طنطا): [أراد بذلك اجتماع الأشهر الحرم في سنة واحدة] اهـ.

وقيل: "لكونه وقت انصراف الناس وصدَرهم إلى بلادهم؛ قالوا: قدم المدينة في ربيع الأول؛ لأنه منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام". ينظر: "التوشيح" للإمام السيوطي (6/ 2474، ط. مكتبة الرشد).

جاء في "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا" للحافظ مغلطاي (1/ 168، هامش 1، ط. دار القلم، الأولى ت: الفتيح): [وقالوا في سبب جعله من المُحَرَّم على الرغم من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة في ربيع الأول: لأنه منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام، فأجمعوا على المُحَرَّم. وفي قول آخر: لتجتمع الأشهر الحرم في سَنَة واحدة] اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 268): [وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة؛ فقال: كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة: مولده، ومبعثه، وهجرته، ووفاته، فرجح عندهم جعلها من الهجرة؛ لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السَّنَة، وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه؛ لما توقع بذكره من الأسف عليه، فانحصر في الهجرة. وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المُحَرَّم؛ لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المُحَرَّم؛ إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المُحَرَّم، فناسب أن يجعل مبتدأ، وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمُحَرَّم] اهـ.

الحكمة من الاحتفال بالسنة الهجرية في شهر المحرم

أما فيما يتعلق باحتفالنا بالسَّنَة الهجرية في شهر المُحَرَّم من كلِّ عام، فهو احتفال بما مثَّلته من معانٍ سامية ورفيعة، كالرغبة في العيش بسلامٍ، وهجران كل قبيح إلى كلِّ صحيح، وذلك بمجاهدة النفْس وتزكيتها، وهو أمر مُرغَّب فيه شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» رواه الشيخان.

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (13/ 8، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي هذا الحثُّ على نيةِ الخير مطلقًا، وأنه يُثاب على النية] اهـ.

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» رواه البخاري.

قال العلَّامة ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 319): [أعلَمَهم أنَّ مَن هجَر ما نهى الله عنه كان هو المهاجر الكامل... وهذا الحديث مِن جوامع الكَلِم التي أُوتِيها صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

وفي الاحتفال بهذا الموسم المبارك امتثال للأمر القرآني بتذكر أيام الله تعالى، وما فيها من نعمٍ وعبرٍ وآيات؛ قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 5].

وكذلك هو وسيلة لتذكر نصر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم في الهجرة على مشركي مكة، بأن يسر له أمر الانتقال إلى المدينة والدعوة إلى الله فيها وحفظه من إيذاء المشركين، وانتقل بذلك من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة، مما كان سببًا لنصرة الإسلام وسيادته؛ قال تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40]، والوسائل لها حكم المقاصد.

وبينت بناء على ما سبق: أن هجرته صلى الله عليه وآله وسلم كانت في ربيع الأول، وكان العزم عليها والاستعداد لها في شهر المحرم، ولهذا كانت بداية العام به، وكذا الاحتفال بها يكون في شهر المحرم، فيكون الاحتفال بها بمعنى الهجرة لا بخصوص يومها.

طباعة شارك بداية التقويم الهجري التقويم الهجري التقويم الإسلامي سبب التأريخ للعام الهجري شهر المحرم أول من وضع التقويم الهجرى

مقالات مشابهة

  • سموتريتش: فككنا حماس وحزب الله.. وسقوط الأسد فتح الباب لإسقاط النظام الإيراني
  • لماذا نحتفل بالسنة الهجرية في في شهر المحرم؟ اعرف آراء العلماء
  • إسرائيل تستعيد جثامين ثلاثة رهائن من غزة قُتلوا في هجوم 7 أكتوبر
  • إسرائيل تعلن استعادة جثامين ثلاثة أسرى من غزة بينهم مدنيون وعسكريون
  • شينخوا: حماس توافق على صفقة مع إسرائيل وتبحث تفاصيل تنفيذها بالقاهرة
  • إسرائيل تغتال قائدًا في “فيلق القدس” بقصف في قم الإيرانية
  • لماذا تبدأ السنة الهجرية في محرم رغم أن الهجرة كانت في ربيع الأول؟
  • اغتيال إيزادي.. إسرائيل تعترف بقدراته ومخابراتها وضعته على رأس قائمة المطلوبين
  • فائدة عظيمة يكشفها المفسرون.. لماذا فضل الله الأم على الأب؟
  • لماذا حذر النبي من النوم بعد الفجر؟.. لـ9 أسباب فانتبه