الأرض لنا ووداعا للعرب.. ليبيراسيون: إسرائيل تتجاوز الخطوط الحمراء في لبنان
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
قالت صحيفة ليبيراسيون إن إسرائيل تشعر، منذ أن قطعت رأس حزب الله باغتيال قادته الواحد تلو الآخر، أن يدها مطلقة في أعدائها تقضي عليهم مهما كان الثمن، بغض النظر عن خطوط طهران الحمراء.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية -في تقرير بقلم هالة قضماني- أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شن هجوما كاسحا على حزب الله اللبناني في الوقت الذي تعددت فيه زيارات الوزراء والمبعوثين الخاصين إلى بيروت لمنع حزب الله وإسرائيل من فتح جبهة ثانية إلى جانب غزة.
وذكرت الكاتبة بأن وزير الخارجية الفرنسي الجديد جان نويل بارو كان في بيروت في مهمة إنسانية وسياسية "لتقديم الدعم الفرنسي" للبنان، بعد مطالبة باريس "بالوقف الفوري للضربات الإسرائيلية في لبنان"، وتمني أن لا يكون الحريق شاملا، ولكن التحذيرات التي تأتي من جميع الأطراف ضد مخاطر اندلاع حرب إقليمية لا يبدو أنها تؤثر في الحكومة الإسرائيلية مثل النداءات الملحة من حليفتها الأمريكية.
صفعة
ومن الآن فصاعدا، يبدو أن لدى إسرائيل تفويضا مطلقا بعد تصفية زعيم حزب الله القوي حسن نصر الله، إذ وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الاغتيال بأنه "تحقيق للعدالة" واستذكر "ضحايا نصر الله العديدين من المدنيين الأميركيين والإسرائيليين واللبنانيين"، وكان بإمكانه أن يضيف السوريين الذين احتفلوا بمقتل زعيم حزب الله الذي قاتلهم بشراسة لإنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
الجديد في الأيام الأخيرة -كما تقول الكاتبة- هو محو الخطوط الحمراء التي رسمتها إيران لإسرائيل، فطهران التي لم ترد على تدمير غزة، ولا على اغتيال زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية على أراضيها، لا تبدو مستعدة لدعم ابنها حزب الله الذي طلبت منها التدخل بعد انفجارات أجهزة الاستدعاء والاغتيالات الأولى لقياداتها العسكرية الأسبوع الماضي.
التخلي عن حزب اللهونقلت هالة قضماني عن مقاتل من حزب الله غاضب قوله في فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي "إيران أين أنتم؟ لقد سمعنا كلمات الدعم الخاصة بكم مرات عديدة. تركتم القدس تحترق ولبنان يحترق وشعبنا يحترق، ولكن أين أنت يا إيران؟" يكرر ذلك وهو يبصق في اشمئزاز قائلا "انتظروا سيأتي يومكم أيها الكافرون".
وذكرت الصحيفة بمقال في صحيفة صنداي تايمز بعنوان "لماذا يمثل اغتيال نصر الله بداية نهاية إيران"، قالت فيه لينا الخطيب، من مركز أبحاث تشاتام هاوس، إن الميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق واليمن، التي "كان نصر الله مثلا لها"، تخشى اليوم على مستقبلها.
وبعد اغتيال نصر الله، وباعتدال مفاجئ -حسب الصحيفة- ناشدت إيران مجلس الأمن والمجتمع الدولي وقف العدوان الإسرائيلي، وأقامت حدادا لمدة خمسة أيام في طهران، موضحة أنها لن تتدخل لدعم ذراعها المسلحة الرئيسية في المنطقة، وكأن دعواتها للتقارب مع الغرب بمثابة ترك حزب الله لمصيره في المواجهة مع إسرائيل.
"الأرض لنا ووداعا للعرب"
وقد سلطت الافتتاحيات اللبنانية الضوء على الاضطرابات التي يشهدها الوضع، وقال منير ربيع في موقع المدن المناهض لحزب الله إن "نظاما إقليميا جديدا اسمه إسرائيل" قد بدأ، وشبه ما يحدث بحرب الخليج الثانية ، مؤكدا أن الإسرائيليين، بدلا من مفهوم مقايضة الأرض بالسلام يقولون اليوم: "الأرض لنا ووداعا للعرب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات حزب الله نصر الله
إقرأ أيضاً:
«غزة من فكّ الارتباط إلى فكّ الذاكرة».. كيف أعادت إسرائيل رسم الجغرافيا والديموغرافيا؟
في الشرق، حيث تتقاطع الأزمنة وتتصارع الحكايات، هناك أرض تحاول أن تحمي ذاكرتها من النسيان كما تحمي الجسد من الرصاصة.
غزة، التي وُلدت من رحم البحر وحضن الرمال، وجدت نفسها مرة أخرى في عين الإعصار، لا كمجرد رقعة جغرافية على خريطة نزاع، بل كاختبار مفتوح لمعنى الحق والهوية في زمن تُختطف فيه الحقيقة وتُباع في أسواق السياسة.
ما يحدث اليوم ليس حربًا عابرة ولا اشتباكًا بين جيش وفصيل، بل إعادة تشكيل متعمدة للجغرافيا والديموغرافيا والذاكرة معًا، وكأن الاحتلال لا يريد فقط أن يُخضع الأرض، بل أن يُعيد برمجة التاريخ ذاته.
منذ أن أعلنت حكومة الاحتلال في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة ما سمّته "خطة فك الارتباط" عن قطاع غزة، روّجت للعالم بأنها انسحبت وتركت أمره للفلسطينيين، لكن ما جرى كان إعادة تموضع لا انسحابًا، فقد أحكمت السيطرة من الخارج وتحكمت بالحدود والمنافذ وفرضت حصارًا خانقًا جعل الحياة اليومية لسكان القطاع مرهونة بقرار من الجيش الإسرائيلي.
واليوم، بعد سنوات من الحصار، عادت قوات الاحتلال إلى غزة بوجه مكشوف، واستدعت الاحتياط وانتشرت في نقاط استراتيجية لإعادة رسم الخريطة الديموغرافية، ولم تعد القضية عسكرية فحسب، بل مشروعًا لإعادة توزيع السكان وربط الحياة اليومية من المساعدات الغذائية إلى الخدمات الطبية، بمنظومة عسكرية تتحكم في كل شبر من الأرض.
وفي الضفة الغربية، التي تسميها إسرائيل «اليهودا والسامرة»، أعلنت حكومة الاحتلال مطلع هذا الشهر ضمها رسميًا باعتبارها «أرضًا إسرائيلية غير محتلة»، وبذلك لم تعد المسألة عندهم نزاعًا على الأرض، بل مسألة هوية وسيادة تقررها إسرائيل وحدها، أما الجليل فقد تم دمجه منذ عقود، لكنه اليوم يشهد تهويدًا مكثفًا وتغييرًا للمعالم الديموغرافية والثقافية.
وفي وقت تتظاهر فيه شعوب وجامعات حول العالم ضد الحرب، نجد أن جيوش بعض هذه الدول تقدم دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا لإسرائيل، فيما الأمم المتحدة تصدر بيانات شكلية، والعالم العربي يتحدث عن «مساعدات» بينما تخضع هذه المساعدات لإشراف الجيش الإسرائيلي وكأنها جزء من إدارة الاحتلال لا دعمًا إنسانيًا، وفي هذا السياق جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بفرض غرامة مالية على جامعة كاليفورنيا بعد احتجاجها ضد إسرائيل ليعكس مدى انحياز الإدارة الأمريكية حتى على مستوى المؤسسات التعليمية، ومعاقبة الأصوات المعارضة.
وعلى الصعيد الداخلي، يواجه نتنياهو معارضة من قيادات أمنية تحذر من انتقال الحرب إلى حرب شوارع ومن تدهور الجبهة الداخلية جراء توقف الخدمات، ومع ذلك يسعى لصناعة «نصر سياسي» حتى ولو كان على جثث مواطنيه، مستندًا إلى دعم يمين متطرف محلي وعالمي، وفي ظل ضوء أخضر أمريكي وغياب أي فعالية لمفهوم «السلام الدولي».
وقد نجحت إسرائيل عبر أدواتها الأمنية والاستخباراتية، وعلى رأسها «الموساد»، في إعادة صياغة الصراع أمام الرأي العام العالمي، فبعد أن كان الكفاح المسلح الفلسطيني يُنظر إليه كحركة تحرر وطني، جرى وصمه بالإرهاب وربط القضية كلها بصراع مع فصيل فلسطيني لا مع شعب يطالب بحقه التاريخي، وهي استراتيجية وليدة عقود من العمل على تفريغ المفهوم النضالي من مضمونه واستبداله بمصطلحات أمنية تصنع الرواية الإسرائيلية الرسمية.
تاريخيًا، بدأت النكبة عام 1948 بإعلان قيام إسرائيل وتهجير الفلسطينيين، ثم جاءت حرب 1967 باحتلال الضفة وغزة والجولان وسيناء، وفي 1993 وُقّع اتفاق أوسلو الذي أوجد السلطة الفلسطينية مع بقاء السيطرة الفعلية للاحتلال، وفي 2005 أُعلن «فك الارتباط» عن غزة الذي حول القطاع إلى سجن كبير، وأخيرًا تصعيد 2023- 2025 الذي شهد العودة للاحتلال المباشر وضم الضفة ومحاولات هندسة ديموغرافية شاملة.
والتحكم في التوزيع السكاني أصبح محورًا أساسيًا في الاستراتيجية الإسرائيلية، إذ تهدف الهندسة الديموغرافية - عبر التهجير القسري أو الإغراءات الاقتصادية أو الحصار، إلى خلق واقع جديد يضمن أغلبية يهودية في المناطق الاستراتيجية ويحصر الفلسطينيين في جزر معزولة بلا تواصل جغرافي أو سياسي، وهو ما يهدد ليس فقط حقهم في الأرض بل جذور الهوية الوطنية ذاتها، محولًا القضية من تحرر وطني إلى مجرد ملف إنساني لإدارة أقلية مشتتة.
وما يجري اليوم ليس معركة على حدود أو مدن فحسب، بل صراع على الذاكرة والجغرافيا والديموغرافيا معًا، فالجغرافيا تُعاد رسمها بالجدار والمستوطنات والضم، والديموغرافيا تُهندس بالتهجير والإحلال، والذاكرة تُستهدف بطمس السردية الفلسطينية واستبدالها برواية احتلالية تسوَّق للعالم عبر الإعلام والسياسة والثقافة.
وفي النهاية قد تنجح إسرائيل مرحليًا في فرض خرائطها وروايتها، لكن فلسفة الصراع تذكّرنا أن الجغرافيا ليست أرضًا فقط، بل ذاكرة أجيال، وأن الاحتلال مهما طال يبقى حالة طارئة أمام ثبات التاريخ ورسوخ الهوية.
وإذا كان الحاضر يبدو ملبّدًا بالهزائم والخذلان، فإن مسار التاريخ علمنا أن الشعوب التي تحافظ على ذاكرتها قادرة على إعادة رسم خريطتها، وأن الصراع الذي تحاول إسرائيل اختزاله في معركة مع فصيل سيعود ليتسع إلى نضال شعب كامل، وحينها قد تتحول جغرافيا القوة إلى عبء على أصحابها، وتعود الأرض لتكتب أسماء أهلها لا أسماء غزاتها.
(كاتب صحفي وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية)
اقرأ أيضاًعاجل.. استشهاد الصحفيين أنس شريف ومحمد قريقع في قصف إسرائيلي على مخيمهما بغزة
وزير الخارجية يؤكد لنظيره الألماني رفض مصر القاطع لتوسيع العمليات الإسرائيلية في غزة