من غزة حتى صنعاء… متى نكفّ عن انتظار الحلول القادمة من وراء البحار؟

في كل أزمة تهز منطقتنا، يطلّ علينا طيف بعيد من وراء المحيط، نُخيّل أنه يحمل المفتاح، بينما يحمل في يده الأخرى دفتر شروطه.

ومع ذلك، ما زال بيننا من يراه خلاصًا لا مفر منه، حتى بعد أن خبرنا ثمن تلك الأبواب التي تُفتح بمفاتيح الغرباء. حين قال الرئيس السادات ذات يوم إن «أوراق اللعبة في الشرق الأوسط 99% منها في يد الأمريكان»، كان العالم يعيش بين قطبين عظيمين في ذروة الحرب الباردة، وكانت واشنطن وموسكو تتقاسمان النفوذ وتتنازعان الخرائط.

أما اليوم، وقد انفرد القطب الأمريكي بالقرار لعقود، نجد أنفسنا نتساءل: هل تحولت هذه المقولة إلى عقيدة سياسية في عقول قادتنا ونخبنا؟ وهل أصبحنا، عن وعي أو عن وهم، ننتظر المبعوث الأمريكي في صورة المهدي المنتظر، ليحمل الحل السحري لكل قضايا أوطاننا؟

في خرائط هذا الشرق الممزق، هناك دائمًا قارب بعيد يلوّح من خلف الضباب، يقال إنه يحمل الخلاص. قارب لا يصل أبدًا، لكنه يظل حيًا في خيال المنتظرين، كما لو أن البحر صُمّم لابتلاع الأمل قبل أن يلمس الشاطئ. في غزة، السماء ملبدة بالدخان، والبحر محاصر، والناس يلتفتون إلى الأفق، يراقبون الأشرعة التي لن ترسو، والواقع أن أي ضغط أمريكي في هذه اللحظة، كما في لحظات سابقة، لم يخرج عن حسابات ضمان أمن إسرائيل، لا عن حماية المدنيين.

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية

في سوريا، صارت المدن أنقاضًا، وأزقتها قصائد مكسورة تبحث عمّن يعيد إليها نبضها، لكن من وراء البحار لا يسمعون إلا صدى مصالحهم، فتوزعت الأرض بين قواعد عسكرية ونفوذ إقليمي، وغابت الحلول السورية الخالصة. لبنان يقف كطائر على سلك كهربائي، بين سقوطين، وكل يد ممدودة من الخارج تحمل في كفها الأخرى خيطًا يشدّ البلد نحو حيث تشاء، والتدخلات الدولية في شؤونه لا تأتي إلا ضمن توازنات إقليمية، غالبًا لصالح قوى أخرى لا لصالح اللبنانيين.

ليبيا صارت صحراء واسعة تتقاطع فيها قوافل الغرباء، كلّ منهم يرسم خطًا جديدًا على رمالها المتحركة، والأمريكي، كغيره، حضر في لحظة إسقاط النظام، ثم ترك الفوضى تتناسل في فراغ السلطة. في السودان، الحرب مثل نهر جارف يلتهم القرى، وصوت البعض يعلو طالبًا من البعيد أن يقيم السدّ، غير مدرك أن الذي يشيّد السدّ يملك مفاتيح مياهه إلى الأبد، فالتدخل الخارجي هنا يعني إعادة رسم الخرائط، لا وقف النزيف.

أما العراق، فقد عرف القارب الأمريكي من قبل، جاء بأعلام الحرية، ثم ترك الميناء مثقلًا بالخراب، وبنية الدولة مفككة، والمجتمع مشرذم بين ولاءات متناحرة. واليمن، آخر خرائط الصراع، ظلّت موانئه تحت أعين الغريب، لا تُفتح أبوابها إلا بميزان مصالح لا يعرف الجياع ولا العطشى، وتحولت الحرب فيه إلى ملف إقليمي ودولي أكثر منها قضية وطنية.

كل هذه الأرض، من المتوسط حتى باب المندب، تعرف الحقيقة البسيطة: أن الخلاص لا يأتي محمولًا على متن سفن غريبة، وأن المنقذ الذي يأتي من وراء البحار، إن جاء، يزرع على الشاطئ قيوده قبل أن يزرع أشجار السلام. الجغرافيا تقول بوضوح: الخلاص يصنعه أهل الأرض، ومن يسلم مفاتيح مستقبله للغريب، يمنحه حق إعادة كتابة تاريخه على هواه. والحقيقة المُرة أن من ينتظر خلاصه من الآخر، سيجد نفسه رهينةً لشروطه، وأن من يسلّم قراره طوعًا، لا يملك أن يشكو من ثمن الفاتورة. فالأوطان لا تُبنى بالانتظار، ولا تتحرر بالرهان على يدٍ غريبة، بل بوعي شعوبها وإرادتها في الفعل لا في الترقب.

«المنقذ لا يطرق الأبواب… وحدهم أصحاب الأرض يصنعون الفجر»

اقرأ أيضاًالمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف يصل موسكو لإجراء مباحثات مع المسؤولين الروس

«المبعوث الأمريكي»: إسرائيل وافقت على اقتراحي بشأن صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار في غزة

المبعوث الأمريكي للسودان يطالب العالم بزيادة المساعدات الإنسانية للخرطوم

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: إسرائيل واشنطن لبنان موسكو المبعوث الأمريكي غزة صنعاء الحلول السورية المبعوث الأمریکی من وراء

إقرأ أيضاً:

ماس كهربائي وراء حريق حى شرق شبرا الخيمة بالقليوبية

تمكنت قوات الحماية المدنية بالقليوبية من السيطرة على حريق محدود شب فى الطابق الثالث من مبنى حى شرق شبرا الخيمة دون وقوع أي إصابات أو خسائر بشرية.


تلقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القليوبية بلاغا باندلاع حريق بمبنى حى شرق شبرا الخيمة.


وعلى الفور انتقلت سيارات الإطفاء وتبين من المعاينة نشوب حريق بأحد الغرف بالطابق الثالث بالمبنى بسبب ماس كهربائي وتم على الحريق بشكل فورى واخماده دون أي خسائر.

طباعة شارك القليوبية بنها محافظة القليوبية

مقالات مشابهة

  • ماس كهربائي وراء حريق حى شرق شبرا الخيمة بالقليوبية
  • حمدان بن مبارك: ننتظر موسماً متميزاً ومثيراً
  • مكتب المبعوث الأممي يبحث مع الحكومة اليمنية ترتيبات المرحلة القادمة
  • حريق يأتي على أشهر منطقة أثرية في مصر
  • أنس الشريف .. صوت غزة الذي فضح جرائم الاحتلال
  • بشأن أوكرانيا.. ماذا تريد أوروبا من الاتفاق المنتظر بين أمريكا وروسيا؟
  • باراك: مصممون على التحرك نحو مستقبل يعيش فيه السوريون بأمان وازدهار
  • بعد سنوات.. ترامب يكشف موعد لقائه المنتظر مع بوتين
  • كيريل دميترييف: بعض الدول ستبذل جهوداً جبارة لعرقلة الاجتماع بين ترامب وبوتين