سودانايل:
2025-12-09@08:48:20 GMT

الحرب و السياسة و المتغيرات التي أحدثتها

تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT

أن القراءة الصحيحة للواقع و متغيراته، و بعيدا عن الميول العاطفية و تدخلاتها في القراءة، إلي جانب معرفة قدرات القوى المؤثرة في هذا الواقع، و دورها في إدارة الأزمة، و معرفة قدراتها التكتيكية، قياسا مع قدرات القوى الأخرى، هو الذي يقود إلي النتائج الأقرب إلي الصواب من غيرها.. أن القوى السياسية و حتى الموالين لها يحاولون أن يبنوا توقعاتهم على دور الأخر في العملية السياسية، و ليس على الشعارات التي يرفعونها، و يعجزون عن كيفية إنزالها على الواقع.

. و ذلك يعود إلي؛ أن القوى الفاعلة التي تملك مشروعا سياسيا و مؤمنه به، و تريد أنجازه يصبح الشعار نتاج للمشروع الذي تقدمه و يعبر عنه عن الهدف منه.. و الخطأ الذي وقعت فيه القوى السياسية التي قبضت على مفاصل السلطة بعد سقوط نظام الإنقاذ، أنها ترفع الشعار ثم بعد ذلك تحاول أن تبني عليه مشروعها السياسي. و هذا يدل على قصور مفاهيي للعملية السياسية، و أيضا عدم النضج السياسي..
القضية الأخرى أيضا: أن أي تغيير في الواقع سوف يؤثر في نتائج أي مشروع إذا لم تعاد مراجعته لكي يتكيف مع المتغرات الجديدة، و بدون نقع في فخ التنظير الذي ربما لا يفهم، تعالوا نقيس على تجربة الحكم منذ انقلاب الجبهة الإسلامية القومية في 30 يونيو 1989م، أن القوى السياسية المعارضة كونت تحالفها " التجمع الوطني الديمقراطي" لمنازلة النظام سياسا و عسكريا. الذي حدث أن الصراع الذي حدث داخل السلطة " الحركة الإسلامية" أدى إلي انقسام طولي في قيادة و قاعدة النظام " المفاصلة 1999" المتغيير حدث في النظام، ماذا حصل بعد ذلك؟ أن القيادات في النظام بحثت عن تحالفات من خارج الحركة الإسلامية لكي تحدث ضعفا في تحالف المعارضة، فتحت حوارا مع الحزب الاتحادي " زين العابدين الهندي" الذي أصبح شريكا في النظام ثم حزب الأمة مجموعات " مسار و الصادق الهادي و غيرهم".. إلي جانب قيادات الحركة الشعبية " ريك مشار و لام أكول" و بالفعل استطاعت أن تغير المعادلة السياسية، ثم فتح حوارا فيما بعد مع مجموعة حركة تحرير السودان و العدل و المساواة و استطاعت أن تحدث فيهم انشقاقات، أيضا بهدف إضعافها و خلق صراعا داخلها، كل ذلك يحدث تغييرا في المعادلة السياسية، ثم أقنعت مبارك الفاضل و التجاني السيسي و هي قيادات في حزب الأمة.. أضعفت المعارضة تماما حتى تمت تفاقية "نيفاشا" 2005م و شاركت كل القوى في الإنقاذ هذه المتغيرات لابد أن تحدث متغيرات في قيادة العمل السياسي..
بعد الثورة و سقوط الإنقاذ في 11 إبريل 2019م: ظهرت قيادات جديدة على الساحة السياسية، و فرضت نفسها على الواقع بحكم المتغيرات التي حدثت في الساحة السياسية، حتى القيادي على محمود حسنين و صديق يوسف و الصادق المهدي لم يجد حديثهم طريقا لآذان القوى الجديدة، و هذا كان متغيرا كبيرا في الواقع السياسي، القيادات الجديدة التي برزت كانت تجربتهم السياسية حديثة الميلاد، و إدارة الأزمة كانت تحتاج إلي عناصر ذات تجارب واسعة لكي تتغلب على التحديات، و لكن التجربة أكدت أن هؤلاء لم يقرأوا الساحة قراءة صحيحة و لم يتعرفوا على متغيراتها، و لم يكونوا على وعي بالتحديات التي سوف تواجه النظام الجديد..
أن أية عملية تغيير سوف تواجه بتحدي من قبل القوى المحافظة و القوى التي ارتبطت مصالحها بالنظام القديم، و لابد من معرفة الأدوات المطلوبة لعملية نجاح التغيير، إلي جانب المحافظة على القوى الشعبية المؤيدة، كل ذلك لم يحدث..! .. حتى القوى الداعمة للنظام الجديد من المثقفين و آهل الرأي الأغلبية منهم ساروا وراء الشعارات و العواطف، و لم يستطيعوا أن يمارسوا النقد بهدف التصحيح، لذلك أصبحوا هم أنفسهم أزمة جديدة على الواقع السياسي.. و البعض الأخر ابتعد لأنهم لم يجدوا آذان صاغية..
كان هناك فارقا كبيرا بين القوى الجديدة ذات التجربة الحديثة، و بين المعارضين الذين أكتسبوا تجربة كبيرة من خلال وجودهم ثلاثين عاما في السلطة.. الفارق يتبين في عملية كيفية إدارة الصراع، و كيفية استخدام التكتيك لكي يصب في المجرى العام للإستراتيجية التي تتبناها، غياب الرؤية تشكل أكبر عقبة في مسيرة العمل السياسي لأنها تجعل صاحبها مرهون في عمله على الأحداث حيث يصبح هو يعلق عليها و لايصنعها، فالذي يصنع الحدث هو الذي يتحكم في مسار العمل السياسي، لذلك عندما يصيح الكل " الكيزان و الفلول وراء الفشل و عدم الانجاز" هذا يعني هم الذين يتحكمون في مسار العملية السياسية، و هم الذين يصنعون المادة التي يفكر فيها الآخرين..
أن الحرب قد وقعت و أثرت على قطاع كبير من المواطنين.. و هذا يعد متغييرا ليس بالساهل معرفة إفرازاته المستقبلية، إذا كانت النخب السياسية محصورة في طريقة تفكير واحدة، أن تجد تبريرات إلي أخطائها، و ماتزال تعتقد أن الأحداث تسيرها جهة واحدة، سوف تصبح غير مدركة للمتغيرات التي سوف تحدث في الساحة السياسية مستقبلا.. أن الحرب سوف تفرز متغيرات سياسية كبيرة، و أيضا سوف تبرز منها قيادات جديدة و هذه القياات سوف تكون مدعومة بقطاع واسع من المجتمع و خاصة الشباب الذين يحملون السلاح و يقتلون مع الجيش، و الذي يقدم روحه رخيصة من أجل الوطن لن يكون متساهلا في مستقبلا في العملية السياسية.. و هذا الواقع محكومة أيضا بدرجة الوعي التي يكسبها هؤلاء الشباب بحملهم للبندقية، و معرفة في الأدب السياسي اليساري أن البندقية تعد من أعلى درجات الوعي السياسي.. أن الحرب بالضرورة متغيرا كبيرا له شروطه، لأنها لا تقف فقط في حدود هزيمة الجانب الأخر فقط بل عدم السماح له بأي ممارسة يمكن أن تقود مستقبلا للحرب، و هي المسألة التي تحاج للوعي... نسأل الله حسن البصيرة...

[email protected]

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

كيف نفهم الأزمة اليمنية؟

 

 

مسعود أحمد بيت سعيد

[email protected]

 

بدأت الأزمة اليمنية في صيف عام 1994 نتيجة خلافات سياسية حول إدارة الدولة والمؤسسات الحكومية، وقد برزت- آنذاك- بوصفها صراعًا سياسيًا مرتبطًا بتصحيح مسار الوحدة، وعلى هذا الأساس أعلن علي سالم البيض قرار الانفصال في 21 مايو من العام نفسه.

غير أن التحالف الطبقي اليميني والرجعي تجاوز مبدأ الحفاظ على الخيار الوحدوي الديمقراطي بالوسائل السلمية، ولجأ إلى الحلول الأمنية والضم القسري بالقوة المسلحة. وأسهمت هذه الممارسات في إفراغ التجربة الوحدوية من مضمونها، حتى أصبح استمرارها بالصورة التي أُسِّسَت عليها، وبالآليات التي أُديرت بها، أمرًا غير ممكن. في هذا السياق خاض الشمال حربًا هجومية تحت شعار "الوحدة العادلة"، بينما خاض الجنوب حربًا دفاعية تحت شعار "الانفصال الخاطئ"! وقد حُسمت الحرب لصالح الشمال بسقوط عدن في يوليو 1994، غير أن الحراك السياسي والجماهيري لم يتوقف.

ومع تطور الأحداث وسقوط النظام في الشمال لاحقًا، برزت انقسامات واستقطابات حادة في الشمال والجنوب، أدَّت إلى تغيُّر جذري في الخارطة السياسية وتحالفاتها. ووجدت القوى الخارجية، في مناخ مُثقل بالظلم والحرمان والاستبداد، بيئةً مواتيةً لتبرير تدخلاتها. وبناءً على ذلك، أعادت تموضعها على أرضية الخلافات الداخلية، فبرزت قوى ومكوّنات سياسية وعسكرية جديدة متفاوتة النفوذ، بينما تلاشت قوى أخرى أو جرى تطويعها بما ينسجم مع مجرى الأحداث. وخلال هذه التفاعلات، وبرعاية عوامل ومتطلبات خارجية، أُعيد تشكيل المشهد اليمني برُمَّته على أُسس جديدة، فيما ظلّت معظم الممارسات العملية للمكونات اليمنية محكومة بالاعتبارات الداخلية، حتى لو جاءت في إطار تلبية أجندات خارجية.

من هنا، ظهرت انقسامات وتحالفات داخلية ترافقها خطابات إعلامية موجهة لإرضاء أطراف إقليمية، بينما بَقِيَتْ القناعات الحقيقية لهذه القوى بانتظار ظرفٍ يسمح بالتعبير عنها، وهو ما استعصى فهمه على بعض القوى الإقليمية. غير أن الغائب الأكبر ظل الإطار الوطني الجامع القادر على تمثيل تطلعات الشعب اليمني، والتعبير عن هويته ذات الجذور التحرُّرية الرافضة للهيمنة والوصاية. وتراجعت النزعتان التحررية والوحدوية- اللتان تمثلان القاسم المشترك بين اليمنيين- إلى موقع ثانوي تحت ضغط الأحداث ومتطلبات الدعم الخارجي، رغم بقائهما حاضرتين في الخطاب السياسي والإعلامي.

ويمثل هذا التراجع جوهرَ الإشكالية التي تولَّدت عنها سائر المشكلات، ومهَّدت لإطالة أمد الأزمة التي أُريد لها أن تستمر وتُغذِّي الانقسام الجغرافي والاجتماعي والنفسي والسياسي. وبعد حرب طاحنة استُخدمت فيها إمكانات إقليمية واسعة، تحوَّلت معظم القوى السياسية والعسكرية- بوعيٍ أو من دونه- إلى أدوات تُمرِّر خيارات وثيقة الصلة بالأجندات الخارجية. ورغم مشروعية كثير من المظالم التي يطرحها الجنوبيون استنادًا إلى التجربة السابقة، فإنَّ الدفع باتجاه الانفصال- مهما كانت مُنطلقاته- ينسجم في جوهره مع مصالح قوى إمبريالية وكولونيالية وقوى إقليمية متداخلة معها.

ومع إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي ثم إشراكه في بنية المجلس الرئاسي، تكشَّفت أبعاد حرب ممتدة لعقود، واتضح اتجاه المسار السياسي. ومن المفارقات أن يجتمع في المجلس ذاته ممثلو الشرعية- الذين خاضوا حروبًا شرسة دفاعًا عن الوحدة- مع قوى ترفع صراحةً شعار الانفصال، في تركيبةٍ فرضتها أولويات التحالفات الإقليمية والدولية رغم تناقضاتها الظاهرة. وقد أفرزت السنوات الماضية وقائعَ مدمرة على المستويات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية، خلقت مُعطى موضوعيًا يصعب تجاوزه، في ظل هيمنة قوى مُنخرطة في تحالفات إقليمية ودولية معقدة. ومع ذلك قد تُفضي المُتغيِّرات الجديدة إلى تحوُّلات في المزاج الشعبي نحو التمسُّك بما هو أَسْمَى، وبما يليق بتضحيات الشعب اليمني في الدفاع عن حريته ووحدته واستقلاله.

وقد شهدت الساحة اليمنية مؤخرًا تطورات لافتة؛ أبرزها سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت والمهرة، فضلًا عن القصر الرئاسي في معاشيق بعدن؛ بما يحمله ذلك من دلالات سياسية ورمزية. وتمثل هذه الخطوة منعطفًا مهمًا في مسار الصراع وآليات إدارته، وتُشير إلى أننا أمام مفصل تاريخي يوشك على الطي؛ تمهيدًا لمرحلة جديدة قد تقوم على صراعات محتملة (شمال- شمال) و(جنوب- جنوب)، مع احتمال تجدُّد الصراع بين الشمال والجنوب، وظهور تحالفات داخلية وخارجية جديدة، بالنظر إلى طبيعة الاصطفافات الراهنة التي تبدو مؤقتة وغير مستقرة.

لذا.. من الضروري إعادة قراءة المشهد في ضوء المستجدات، والانطلاق من الواقع الموضوعي ومجاراة تحوّلاته واستحقاقاته المقبلة؛ فعلى المستوى الإقليمي تلوح مؤشرات على أُفول مشروع وصعود آخر، بينما على المستوى اليمني نجح المشروع المعادي لليمن- أرضًا وشعبًا ومستقبلًا- في تدميره أولًا، ثم دفعه نحو على سكة التقسيم ثانيًا.

وعليه.. يمكن القول إنَّ مسألة انفصال الجنوب اليوم تبدو أكثر وضوحًا وقابلية للتنفيذ من أي وقت مضى؛ إذ تُشير المعطيات السياسية والميدانية إلى اقتراب هذا الخيار- بما له وما عليه- من التحوُّل إلى واقعٍ، رغم تعدد العقبات التي لا تزال تقف في طريقه.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • إعلام إسرائيلي: الجيش عارض مقترحين لاغتيال السنوار والضيف قبل الحرب على غزة
  • ورد وشوكولاتة
  • كيف نفهم الأزمة اليمنية؟
  • مونيكا وليم تكتب: انعكاسات التقدم الروسي في أوكرانيا على فرص التسوية
  • مصطفى بكري: كل من ارتكب جرما في العملية السياسية أو تورط في المال السياسي يجب أن يخضع للمحاسبة
  • نتنياهو يستبعد اعتزال السياسة إذا حصل على عفو رئاسي
  • حفل قرعة كأس العالم بين السياسة والرياضة
  • الراعي: لبنان يحتاج إلى رحمة على مستوى السياسة كي تتحوّل السلطة إلى خدمة
  • زيلينسكي: أوكرانيا وأمريكا ناقشتا القضايا الرئيسية التي قد تضمن إنهاء الحرب
  • فضل الله: انفانتينيو نجح فى إعادة علاقة السياسة بكرة القدم