جغرافيا الصراع.. كيف تُشكل النظام الدولي اليوم؟

بلغ اليوم عامًا على بدء معركة "طوفان الأقصى" في ظل عالم متغير مليء بالتوترات الجيوسياسية، حيث تفاقمت حدة الصراع المباشر بين إسرائيل وإيران ضمن معركة متعددة الجبهات، إلا انه تظل العلاقة بين إسرائيل وإيران واحدة من أكثر التفاعلات تعقيدًا، لكن تصاعد التوترات الحالية قد يؤدي إلى ردود فعل غير متوقعة، خاصة مع بروز معالم مقاربة جديدة لإدارة الصراعات الدولية والإقليمية الحالية.


تتباين استراتيجية إسرائيل في جبهات صراعها داخل الإقليم؛ حيث تنتهج إسرائيل إزاء حزب الله استراتيجية شبيهة بما يطلق عليها (خطة ثعبان أناكوندا) التي تم وضعها من قبل الجنرال وينفيلد سكوت في الحرب الأهلية الأميركية عام 1861، والتي تم استخدامها لمحاصرة ولايات الجنوب حينها لتطويقها كونها تتضمن حصاراً للموانئ الرئيسية وتطويقها لإضعاف الاقتصاد وإشاعة الانقسام. 
أما عن خطتها العسكرية تجاه إيران، فقد تتمحور حول استراتيجية (ثعبان الكُبرى) التي تستهدف القضاء علي العدو بشكل استباقي ومفاجئ وسريع وقوي في أهم مصادر القوة لديه سواء السياسية أو الاقتصادية أو المدنية.


لذلك، فهناك تكهنات متنامية لدي الأوساط الاكاديمية والبحثية بشأن حتمية الضربة الإسرائيلية رداً علي هجمات إيران الصاروخية مطلع الأسبوع المنقض تحديدا في 30 سبتمبر 2024، وبالتالي فالضربة الإسرائيلية إزاء إيران حتمية لا محال، ولكن تختلف هنا القراءات حول ترقب آلية الرد المتوقع من قبل القوات الإسرائيلية لتحقيق أهدافها التكتيكية وذلك خلال إسباقية الأهداف ومنهج تحليل الكلفة والتأثير.

 

إذن يركز المقال علي الإجابة عن تساؤلين مفصلين بشأن التوقيت المتوقع وأيضا طبيعة الهدف، فمن المتوقع أن يتم الرد خلال الساعات المقبلة وذلك في ظل بروز 3 مؤشرات، يتمثل الأول في وصول قائد القيادة الوسطي في الجيش الأمريكي مايكل كوريلا إلي إسرائيل لبحث الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني أما المؤشر الثاني يتبلور في بدء تعليق العديد من الرحلات فى مطار بن غوريون بداية من السبت 5 أكتوبر 2024 ، وذلك إلي جانب الإشارات القوية في الاعلام الإسرائيلي بشأن التأهب للرد علي الضربات الإيرانية من خلال استهداف واسع المدي 
ومن ثم، ما هي خيارات إسرائيل الحالية للرد على الضربات الإيرانية؟


تتعدد السيناريوهات المحتملة التي قد تتبناها إسرائيل في ردها على الهجوم الإيراني الصاروخي بحيث يتوقع (5) سيناريوهات أساسية:  
السيناريو الأول، يتمثل في عمليات تخريبية في الداخل الإيراني خلال ضربات نيرانية مكثفة علي مراكز القيادة والسيطرة والاتصال، وتبدو ايران مستعدة لهذا النوع من العمليات حيث أعلنت عن حدوث اشتباكات في جنوب شرق ايران وقتل 3 ينتمون إلي جيش العدل المدعوم من إسرائيل والولايات المتحدة.

السيناريو الثاني هو تنفيذ ضربات جوية استباقية تستهدف المواقع العسكرية والمدن الصاروخية الإيرانية ، وهو سيناريو غير مرجح بسبب انتشار المدن الصاروخية في انحاء إيران.
السيناريو الثالث ، استهداف القيادات العسكرية والسياسية بعمليات نوعية وتتحسب السلطات الديرانية لهذا السيناريو، وهو ما ظهر جليًا عند توجه الرئيس الايراني إلي القطر، برز 3 مقاتلات عسكرية وبرصد العمليات الإسرائيلية في ايران ومناطق نفوذها لإيران واذرعها في المنطقة، وبمراجعة السوابق التاريخية لسلسة الاغتيالات الإسرائيلية يتبين انه في فبراير 2008 تمكنت اسرائيل من اغتيال عماد مغني في دمشق وهو المؤسس الفعلي للجناح العسكري لحزب الله وهو من ابرز ازرع ايران ، وفي يناير ٢٠١٠ قتل مسعود محمدي اكاديمي متخصص في الفيزياء النووي، فضلا عن ذلك ،  ففي نوفمبر ٢٠١١ تم اغتيال ما لا يقل عن ٣٦ بينهم حسن طهراني نتيجة انفجار بمستودع ذخيرة تابع للحرس الثوري ، وفي مايو ٢٠١٢ نفذت اسرائيل عملية قرصنة موسعة استهدفت جرائها برنامج ايران النووي. وقد توقفت حينها سلسلة الاغتيالات المشار اليها علي هامش المفاوضات الجارية وقتئذن بين ايران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي. 


السيناريو الرابع، وهو السيناريو الأصعب والمتعلق باستهداف المنشآت الحيوية النووية الإيرانية، لعل من المفيد في هذا الاطار استعراض المنشآت الإيرانية النووية والتي تشتمل علي 4 أقسام، الأول مراكز الأبحاث المتضمن جابر بن حيان، جورغان، درمند للفيزياء، ثانيا، مواقع التخصيب الذي يتضمن رامانده ، نطنز، اردكان، لشكر آباد، في حين أن القسم الثالث هو مفاعلات نووية رئيسة علي غرار، بوشهر، أصفهان، أراك فوردو، اما القسم الأخير، فيتمثل في مناجم اليورانيوم ، كمنجم سغند ، وأيضا زاريغان. 


إلا انه تعد إيران مستعدة ومحصنة أمام هذا السيناريو حيث ترجع التقارير ذلك إلى أن الإيرانيين قد تعلموا جيدا من الدرس العراقي واستهداف مفاعل أوزيراك، ولم يضعوا كل أسرارهم النووية في سلة واحدة، وتواجدت تلك المنشآت بمنطقة جبلية حصينة في اكثر من مدينة علي امتداد المساحات الشاسعة؛ وبالتالي فهناك حاجة إلي دخول المقاتلات الإسرائيلية إلى العمق الإيراني، يستبعد  هذا السيناريو نتيجة عدم موافقة الإدارة الامريكية الحالية عن ضرب مواقع نووية لرؤيتها بأن التعاطي مع هذا الملف لابد وان يكون علي طاولة المفاوضات. 


السيناريو الخامس، شن هجوم إسرائيلي علي المنشآت الاقتصادية والبني التحتية والمصافي النفطية والتي تتمثل في منشآت بترولية أو محطات توليد الكهرباء وهذا السيناريو له تبعات اقتصادية علي طهران نظراً لان النفط هو الدخل الإيراني الوحيد إلي جانب افتقارها للتقنيات التكنولوجية نتيجة العقوبات المفروضة عليها، وتشير عدد من التقديرات أن إيران قد قامت بالفعل يوم 4 أكتوبر بإخلاء اكبر محطة شحن للنفط في جزيرة خَرج الإيرانية تحسباً للهجوم الانتقامي المتوقع، إلا انه قد يواجه هذا السيناريو عدة محددات أهمها الرفض الأمريكي نتيجة تنامي المخاوف من ارتفاع أسعار النفط العالمي بسبب انخفاض حجم الإنتاج وفقد السوق نحو مليون و 888 ألف برميل يومياً وهو حجم ما تصدره إيران ، وبالتالي سوف تتضاعف التبعات علي الداخل الأمريكي وهو ما يؤثر علي مجريات الانتخابات سلباً بالنسبة للديمقراطيين. 


ففي تصوري وتقديري سوف يتم ترجيح السيناريو الخاص بضرب مواقع نفطية كضربة موجعة للاقتصاد الإيراني تتناسب مع الفعل والهجوم الذي أطلقته إيران من جهة، وبالتالي فهو هجوم سوف يضمن لها رمزية الرد، ويضمن مراعاة تفضيلات الولايات المتحدة والحفاظ علي مصالحها من جهة اخري. 
ختاما، تظل السيناريوهات المحتملة للرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الصاروخي متعددة ومعقدة. من الواضح أن أي رد فعل لن يكون مجرد رد سريع، بل سيتطلب تخطيطًا استراتيجيًا دقيقًا يأخذ بعين الاعتبار العواقب الإقليمية والدولية ويضمن التوافق الامريكي الاسرائيلي.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: طوفان الأقصى إسرائيل إيران حزب الله الرئيس الإيراني الاغتيالات الإسرائيلية هذا السیناریو

إقرأ أيضاً:

ميدفيديف مخاطبا ترامب: لسنا إسرائيل ولا إيران والإنذارات خطوة نحو حرب بيننا

وجّه الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف انتقادا شديدا للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعدما هدد الأخير بتعجيل الموعد النهائي الذي منحه لروسيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا.

وقال ميدفيديف "كل إنذار نهائي جديد هو تهديد وخطوة نحو الحرب. ليس بين روسيا وأوكرانيا، بل مع بلاده (أميركا)"، وأضاف في منشور على منصة إكس أن "روسيا ليست إسرائيل أو حتى إيران"، في إشارة إلى الحرب القصيرة التي اندلعت بين البلدين الشهر الماضي، التي شنت خلالها الولايات المتحدة ضربات على إيران لدعم إسرائيل.

وميدفيديف، الذي كان رئيسا لروسيا بين عامي 2008 و2012، لا يزال لديه تأثير كبير في موسكو، حيث يشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي.

وجاءت تصريحاته ردا على تصعيد ترامب لهجته ضد روسيا في ظل عدم إحراز تقدم لوقف الحرب في أوكرانيا.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية قاسية على شركاء روسيا التجاريين إذا لم توافق موسكو على وقف إطلاق النار خلال 50 يوما، وأعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مهلة نهائية حتى الثاني من سبتمبر/أيلول المقبل.

ولكن خلال اجتماع مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أمس الاثنين، قال ترامب إنه "سيقلل الـ50 يوما التي حددها إلى عدد أقل من الأيام"، قائلا إن هذا يمكن أن يكون "10 أيام أو 12 يوما".

وأشار الرئيس الأميركي إلى أنه يشعر "بخيبة أمل كبيرة" من بوتين بسبب مواصلة ضرب روسيا أهدافا مدنية في أوكرانيا، ولفت إلى أنه ليس مهتما بالحديث مع بوتين، وأضاف "شعرتُ حقا أن الأمر سينتهي. لكن في كل مرة أظن فيها أنه سينتهي، يقتل مزيدا من الناس.. لم أعد مهتما بالتحدث معه".

مقالات مشابهة

  • بعد حرب الـ12 يوما مع إيران.. بماذا أوصت مراكز الأبحاث الإسرائيلية نتنياهو؟
  • إيران تُحذّر: سنردّ بحزم أكبر في حال تكرار الهجمات الأميركية أو الإسرائيلية
  • رئيس الأركان الإيراني: لا نثق بتعهدات إسرائيل وأمريكا ومستعدون لمواجهة أي تهديد
  • ميدفيديف مخاطبا ترامب: لسنا إسرائيل ولا إيران والإنذارات خطوة نحو حرب بيننا
  • مدفيديف يحذر ترامب: روسيا ليست إسرائيل أو إيران والإنذارات خطوة نحو الحرب
  • منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية: إسرائيل تنفذ إبادة جماعية في قطاع غزة
  • الحرس الثوري الإيراني: إسرائيل انهارت خلال الحرب الأخيرة وتصريحات كاتس «استعراض نفسي»
  • اعتقال مئات الجواسيس وإحباط مخططات لاغتيال 23 مسؤولا في ايران
  • وزير دفاع إسرائيل: نستعد لمفاجأة إيران مرة أخرى في المستقبل
  • سي إن إن:الولايات المتحدة استنفدت نحو ربع مخزونها من صواريخ ثاد خلال حرب إسرائيل مع إيران